(الجزيرة) |
يقدِّم كتاب "التقارب الإيراني-الأميركي: مستقبل الدور الإيراني" قراءة عميقة لتاريخ العلاقات بين البلدين عبر الحفر المعرفي في جذورها ومراحلها، وفي متون الوقائع والأحداث والوثائق، وفي العلاقات الدولية، وقراءتها قراءة مختلفة تبيِّن لحظات الاتصال والانفصال والمسكوت عنه في مساراتها، كما يرصد ويبحث مستقبل التقارب الإيراني-الأميركي، وتنامي الدور الإيراني وامتداداته، وتأثيراته المستقبلية.
ويجتهد الكتاب، الذي صدر عن مركز الجزيرة للدراسات في يوليو/تموز 2014، في تقسيم مراحل العلاقات الإيرانية-الأميركية إلى أربع فترات: تمتد الفترة الأولى منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية الحرب العالمية الثانية، ولم تشهد هذه الفترة نفوذًا أميركيًّا واضحًا في إيران. وبدأت الفترة الثانية مع احتلال الحلفاء لإيران خلال الحرب العالمية الثانية، واستمرت حتى انتصار الثورة عام 1979، وشهدت تناميًا تدريجيًّا للنفوذ الأميركي، ورافق ذلك نوع من الحضور العسكري على الأراضي الإيرانية. أما الفترة الثالثة فتبدأ من انتصار الثورة الإسلامية، وجاءت مصحوبة بنزعة استقلالية ومعادية للنفوذ الأميركي؛ حيث دخلت العلاقات الإيرانية-الأميركية مرحلة القطيعة. وتزامنت الفترة الرابعة مع مجيء محمد خاتمي إلى كرسي الرئاسة عام 1997؛ حيث دعا إلى "حوار مع الأميركيين"، ورافق تلك الفترة توقعات متفائلة بكسر الجمود في العلاقات، دون أن يتحقق إنجاز على هذا الصعيد. وفي يونيو/حزيران 2005 وصل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى سُدَّة الرئاسة، ورغم تصريحاته المعادية للولايات المتحدة الأميركية فإن أحمدي نجاد سعى للتقارب مع واشنطن، وتحسين العلاقات خاصة في الفترة الرئاسية الثانية، وشهدت في أواخرها محادثات سرية مباشرة مع الولايات المتحدة بوساطة عُمانية. أخذت هذه المحادثات زخمًا كبيرًا مع فوز حسن روحاني بالرئاسة الإيرانية عام 2013، وبالتزامن مع "اتفاق جنيف" بدأ الحديث عن التقارب الإيراني-الأميركي، وما يمكن أن يتركه من تبعات على ميزان القوى الإقليمي، وتباينت التحليلات والتوقعات بشأن ذلك؛ بين أصوات ترى أن هذا التقارب سيعيد رسم خارطة المنطقة، ويؤثر على مستقبلها، وبين من يُقَلِّل من تبعات هذا التقارب ويُشكِّك في إمكانيات نجاحه؛ وذلك لوجود عقبات كثيرة تحول دون إتمامه.
وفي هذا السياق يحاول الكتاب، الذي تتكون مادته البحثية من أوراق ودراسات لباحثين ومختصين في الشؤون الإيرانية والعلاقات الدولية، رصد خلفيات هذا التقارب؛ وصولاً إلى خلاصات تعين على فهم أفضل وأشمل وأعمق لتنامي الدور الإيراني وامتداداته وتأثيراته المستقبلية، ويناقش الكتاب هذه القضايا في أربعة فصول:
جاء الفصل الأول بعنوان "السياسة الخارجية الإيرانية"؛ وفي هذا الإطار يقدم الدكتور آرشين أديب مقدم، رئيس مركز الدراسات الإيرانية في جامعة لندن، ورقة بعنوان "إيران في السياسة العالمية بعد روحاني"، ويُجري فيها تقييمًا للتعديلات التي أحدثتها رئاسة روحاني في السياسة الخارجية الإيرانية؛ وذلك مع التركيز بوجه خاص على التفضيلات الاستراتيجية الدائمة للدولة الإيرانية.
وفي الفصل الثاني، الذي حمل عنوان "شكل ومستقبل التقارب الإيراني-الأميركي"، يتناول السفير حسين موسويان، عضو الوفد المفاوض في الملف النووي سابقًا، والباحث الزائر في جامعة برنستون، بالتفصيل التوجهات السائدة في الساحة الإيرانية فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، ضمن مدارس فكرية تقسمها ورقته البحثية "مستقبل العلاقات الأميركية-الإيرانية" إلى ثلاث مدارس. وتسلِّط فرح الزمان أبو شعير، الباحثة والإعلامية المقيمة في طهران، الضوء على الداخل الإيراني في مشاركتها "التقارب الإيراني-الأميركي: موقف الأطراف الإيرانية الفاعلة"، وترصد وجهات نظر مختلف الأطراف على الساحة الإيرانية من قضية التقارب الإيراني-الأميركي، وأسباب رفض بعضها لهذا التقارب، ودوافع البعض الآخر إلى قبوله والدفاع عنه. ويحاول الدكتور مارك كاتز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج ميسن الأميركية من خلال مشاركته "مآلات التقارب الإيراني-الأميركي: دروس من الماضي"، استشراف فرص نجاح هذا التقارب، فيُجري مقارنة بين التقارب الأميركي-الإيراني، والنموذج غير الناجح للتقارب الأميركي مع الاتحاد السوفيتي، والنموذج الناجح للتقارب الأميركي-الصيني.
أما الفصل الثالث الذي كان بعنوان "التقارب: العلاقات والنفوذ"، فيعالج التأثيرات المحتملة للتقارب الإيراني-الأميركي على علاقات إيران المؤثرة ودورها الإقليمي والدولي؛ حيث تناقش الدكتورة فاطمة الصمادي، الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات، في ورقة عنوانها "التقارب الإيراني-الأميركي: من أين تمر الطريق إلى القدس؟" تأثيرات التقارب الإيراني-الأميركي على التوجهات الإيرانية من القضية الفلسطينية، وترصد المؤشرات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية، التي تنذر بحدوث تحول في السياسة والخطاب الإيراني على هذا الصعيد. وتتناول الباحثة الروسية المتخصصة في العلاقات الدولية كارينا فايزولينا، في ورقتها بعنوان "العلاقات الروسية-الإيرانية في ظل التقارب مع واشطن: وجهات نظر"، مستقبل العلاقة بين إيران وروسيا بعدما تمكنت طهران من تغيير اللعبة سواء في العراق أو سوريا من خلال ما يُطلق عليه: "التعاون الذكي" مع روسيا، وهنا تحاول الباحثة الإجابة عن سؤال جوهري: هل سيستمر ذلك أم سترجح إيران التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية على حساب روسيا في ملفات أخرى؟
ويرصد الدكتور محمد جابر ثلجي، في ورقة بعنوان "التقارب الأميركي-الإيراني والعلاقات التركية-الإيرانية: الفرص والتهديدات المحتملة"، حدود التعاون والتنافس بين البلدين؛ حيث تزداد العلاقات أهمية وتأثيرًا في التحولات التي يشهدها العالم العربي؛ خاصة أن النفوذ الإقليمي لإيران يتواجه مع التحالفات الدولية لتركيا. ويناقش الدكتور سباستين بايروس، الباحث ببرنامج آسيا الوسطى في جامعة جورج واشنطن، من خلال ورقة بعنوان "هل يتنامى دور إيران في آسيا الوسطى؟ حسابات الربح والخسارة الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية"، أسئلة كثيرة حول الدور المتزايد الذي يمكن أن تؤديه إيران في أفغانستان وآسيا الوسطى. ومن خلال هذه المشاركات مجتمعة يضع الكتاب بين يدي القارئ مجموعة من الخلاصات والنتائج.
معلومات عن الكتاب
العنوان: التقارب الإيراني-الأميركي: مستقبل الدور الإيراني
تأليف: مجموعة من الباحثين
تحرير: د. فاطمة الصمادي
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات-الدار العربية للعلوم ناشرون
عدد الصفحات: 173
التاريخ: 2014