خيارات الأزمة النووية بين إيران وأميركا

ترجح الورقة استبعاد الخيار العسكري من قبل أميركا ضد إيران لحل أزمة الملف النووي، وترى أن هذا الخيار ليس من مصلحة دول الخليج ولذلك فهي تصر على حل الأزمة سلميا وتغليب الخيار الدبلوماسي مع أخذ الاحتياطات الداخلية بسبب احتمالات فشل مساعي الحل السياسي
22 November 2008










النتائج والتوصيات
التحليل
إشكاليات خيار القوة العسكرية
حوافز وبدائل أوروبية وأميركية لإيران
سياسة الخيار المفتوح
السياسة الخليجية والأزمة


النتائج والتوصيات



1- ترجح الورقة، لاعتبارات إستراتجية عديدة، استبعاد الخيار العسكري من قبل الولايات المتحدة ضد إيران لحل الملف النووي، على الأقل خلال عام 2007.


2- ليس من مصلحة دول الخليج العربية اندلاع أي مواجهات عسكرية في المنطقة، لذلك فإن الخط العام لإستراتيجية الدبلوماسية الخليجية يفترض أن تستند إلى نزع فتيل المواجهة بأقل الخسائر.


3- تؤكد الورقة أهمية إصرار دول الخليج على حل الأزمة سلميا، ومبادرتها لأخذ دور مباشر في هذا المضمار وتنسيق مواقفها مع روسيا والاتحاد الأوروبي.


4- إن إشاعة أجواء التهديد والحرب في منطقة الخليج من قبل الولايات المتحدة الأميركية تدخل في باب الضغوطات الدبلوماسية وتشجيع إيران على اختيار الاتجاهات الأقل كلفة في حل أزمة ملفها النووي.


5- إن حرص الولايات المتحدة على الخيار الدبلوماسي لا ينفي كليًّا أو قطعيًّا إمكانية قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية محدودة للمنشآت النووية الإيرانية، وتحمّل العواقب بحدّها الأدنى.


6- ضرورة أخذ الاحتياطات الداخلية بسبب احتمالات فشل مساعي الحل السياسي، وتدهور الوضع الأمني الإقليمي.


7- إعلام الولايات المتحدة بعدم قدرة دول الخليج على تحمل تداعيات هذه المغامرة الإستراتيجية العسكرية في حال وقوعها.


8- العمل على استبعاد إسرائيل من معادلة هذا الصراع في الخليج، لخطورة الخلط بين هذا الصراع في الخليج وبين الصراع العربي الإسرائيلي وانعكاسه على الأمن المباشر لدول الخليج.


9- تمثل دولة قطر على وجه الخصوص خيارا رئيساً من بين دول الخليج للقيام بمثل هذا الدور نظراً لما تملكه من علاقات متوازنة مع جميع الأطراف في المنطقة وخارجها.


التحليل





"
تعتقد إيران أن إطالة الأمد الزمني للأزمة سيتسبب في تفتت الموقف الدولي المؤيد لمطالب أميركا خصوصا أن إيران ترتبط اقتصاديا بكل من روسيا، وعدد من الدول الأوروبية
"
اندلعت أزمة الملف النووي الإيراني بعد اطلاع الولايات المتحدة على حجم التقدم الذي تحقق لإيران في مجال إنتاج الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم وأنها تتجه نحو امتلاك تقنيات الدورة النووية الكاملة، مما ينذر بتقدمها في مجال الإنتاج الفعال للأسلحة النووية خلال السنوات القادمة التي قدرت غربيا بحوالي عشر سنوات.

ونظرا للظروف الإقليمية المتداخلة فإن الولايات المتحدة تخشى أن يكون دخول إيران النادي النووي العسكري سوف يشكل تحولا إستراتيجيا مهما في منطقة الخليج والشرق الأوسط، قد يخل بالتوازنات والترتيبات التي نجحت في بنائها لضمان تدفق النفط وحماية منابعه من جهة، ولحماية إسرائيل من جهة أخرى، مما جعلها تسعى إلى اتخاذ إجراءات وقائية تمنع مثل هذا التحول، وفي الوقت ذاته اضطرت إلى تقديم تنازلات إستراتيجية فيما يتعلق بالموافقة على امتلاك إيران للطاقة النووية السلمية دون اكتمال دورة إنتاج الوقود النووي في إيران.


وتسعى الولايات المتحدة إلى حل هذه الأزمة سلميا كما حصل مع كل من ليبيا وجنوب أفريقيا وكما نجحت فيه مؤخرا مع كوريا الشمالية ، ويعتبر إعلان الإدارة الأميركية المتواصل أن كل الخيارات مفتوحة في التعامل مع إيران، بما في ذلك الخيار العسكري، وإشاعة أجواء التهديد والحرب التي تخيم على منطقة الخليج بشكل خاص، أمرًا يدخل في باب الضغوط الدبلوماسية وتشجيع إيران على اختيار الاتجاهات الأقل كلفة في حل أزمة ملفها النووي، كما تفيد مختلف التحليلات أن ثمة إشكالات وعقبات تحيط بالقرار الأميركي، الذي يهدف إلى وقف التقدم الإيراني في مجال الطاقة النووية.


وتبدي إيران مرونة وبراغماتية عالية في التعامل مع هذه التهديدات والإنذارات الزمنية المتوالية من الأوروبيين ووكالة الطاقة الدولية ومجلس الأمن الدولي في محاولات جادة لامتصاص حدة الموقف الدولي وتفاقمه، ولكسب الوقت في تحقيق أهدافها النووية الخاصة، كما تعتقد إيران أن إطالة الأمد الزمني للأزمة سوف يتسبب في تفتت الموقف الدولي المؤيد لمطالب الولايات المتحدة. خصوصا أن إيران ترتبط اقتصاديا بكل من روسيا، وعدد من الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا وفرنسا، كما أن لها مساهمة مهمة في سوق النفط العالمي، وهي تملك اليوم ترسانة متقدمة من الأسلحة التقليدية، وربما غير التقليدية مما لم تعلن عنه، وتوجد قرب شواطئها بوارجُ حربيةٌ أميركية تستطيع الأسلحة والصواريخ الإيرانية أن تصلها في حال اندلاع أي حرب، كما أن دول الخليج التي قد تتورط في مثل هذه المواجهة بضغط أميركي، تُعد مكشوفة الظهر عسكريا أمام إيران، وأي مشاركة لها قد تعدها إيران كافية لمهاجمة منشآتها النفطية، وربما مواقعها العسكرية من الشاطئ الإيراني مباشرة، ناهيك عن أن مجموعة الدول السبع الإسلامية التي اجتمعت في إسلام آباد في شهر فبراير/شباط 2007، قد أعلنت رسميا رفضها المطلق للهجوم العسكري الأميركي على إيران، لأنها ستدخل المنطقة في أزمة جديدة، وهي لم تتخلص بعد من الأزمات في كل من العراق وأفغانستان وتداعياتها.


إشكاليات خيار القوة العسكرية


إن المعطيات العسكرية القائمة لدى الطرفين الإيراني والأميركي وفي المحيط الإقليمي لمنطقة النزاع المحتمل، تشير إلى أن خيار القوة العسكرية إنما يستخدم من قبل الولايات المتحدة لتحقيق الضغط الدبلوماسي، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تتمكن بعد من الحصول على موافقة الدول الكبرى (5+1) بخصوص استخدام القوة العسكرية ضد إيران، كما أعلنت السعودية وجامعة الدول العربية أنه في حال كان هناك ضغط جاد لنزع أسلحة الدمار الشامل، وتوقف استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض الحربية، فإن إسرائيل التي تملك حاليا صواريخ حاملة للرؤوس النووية، أولى من إيران التي لم تملك بعد مثل هذه الجاهزية.


ويذكر أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على إيران منذ عام 1979 في عهد الرئيس كارتر، ولا تزال العقوبات سارية المفعول، غير أن الجهود الأميركية نجحت في نيل موافقة الدول الصناعية ومجلس الأمن الدولي على توسيع دائرة العقوبات الاقتصادية على إيران إذا لم تستجب للمطالب الدولية، وبدأت بعض الأطراف تطبيق هذه العقوبات، لكنها لا تزال غير قادرة على التأثير على الموقف الإيراني بشكل جذري.


ومن جهة أخرى فإن قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، خاصة على الساحل الخليجي (كمفاعل بوشهر مثلا) سيعقد الموقف الأميركي، كما أنه سيثير حفيظة الدول والشعوب العربية والإسلامية ضد إسرائيل، وضد الولايات المتحدة التي سمحت لها بذلك. وسيعطي إيران فرصة جديدة على الصعيدين السياسي والإيديولوجي لكسب الرأي العام العربي والإسلامي، وإحراج الولايات المتحدة، كما سيدفع بروسيا إلى اتخاذ موقف مناهض لهذه الضربة، مما قد يسهم في إفشال الجهود الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها هذه الدول على إيران.


حوافز وبدائل أوروبية وأميركية لإيران


كانت الدول الأوروبية قد قدمت لإيران رزمة من الحوافز الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية في حال تخليها عن بناء الدورة الكاملة لإنتاج الوقود النووي، والتوقف عن عمليات تخصيب اليورانيوم أو إنتاج البلوتونيوم، أو التطوير الصاروخي اللازم لحمل الرؤوس النووية.


ومن بين هذه الإغراءات توفير الوقود النووي اللازم لإنتاج الطاقة السلمية لإيران، من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، بل والسماح لها مستقبلا بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية، ويمكن النظر بعد ذلك في السماح لها بالقيام بالتخصيب على أراضيها بعد التأكد من المسار السلمي لمفاعلاتها النووية.


سياسة الخيار المفتوح ومخاطر الخيار العسكري





"
تتعامل أميركا مع الأزمة بسياسة الخيار المفتوح غير أنها تجد نفسها في الواقع مكبلة اليدين في عدد من الخيارات المطروحة
"
إن الولايات المتحدة لا تزال تحرص على الحل السياسي والدبلوماسي مع إيران، دون الحل العسكري رغم تبنيها سياسة الخيار المفتوح بما في ذلك هذا الخيار، وذلك لاعتبارات إستراتيجية أهمها:

1-حاجة الولايات المتحدة لإيران في العراق، حيث إن تبني الخيار العسكري سيؤدي إلى تراجع التنسيق الأمني الإيراني الأميركي في العراق، وما يسببه ذلك من إشكالات للإستراتيجية الأميركية في العراق التي أصبحت تحدد مستقبل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2008، والتي تعتمد اعتمادا كاملا على قوى سياسية تعد من حلفاء إيران لإدارة الوضع العراقي في الحكومة والجيش والأمن الداخلي، ومواجهة عمليات المقاومة وعمليات العنف المتصاعدة. هذا إن لم تقم إيران ذاتها بفتح معركة مباشرة مع القوات الأميركية في العراق، وهي التي تعاني من إشكالات أمنية معقدة لا قبل لها بها مع فصائل المقاومة العراقية وبعض مجموعات العنف السياسي التي ربما تعادي إيران، في الوقت الذي تقف إيران وحلفاؤها إلى جانب قوات الاحتلال في مواجهة هذه الجماعات.


2- تخوف الولايات المتحدة من دور إيران في إثارة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا في ظل نتائج حرب يونيو/ تموز الإسرائيلية على لبنان عام 2006.


3- تزايد الخشية الأميركية من امتلاك إيران لأسلحة تقليدية أو غير تقليدية، وبالتالي تصاعد إمكانية الإخلال بالتوازن العسكري القائم في وسط آسيا والخليج العربي، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.


4- اتساع دائرة النتائج السياسية والاقتصادية المترتبة على هذه الضربات العسكرية المتوقعة لتشمل كثيرا من دول المنطقة ودول العالم الأخرى.


5- الردود الإيرانية المحتملة على أي ضربة عسكرية تنبئ بأنها يمكن أن تدخل المنطقة في أزمة واسعة النطاق، ربما لا تسلم منها الولايات المتحدة الأميركية ذاتها في ظل وجود مصالح متحققة لها في المنطقة، تتمثل بقواتها وسفنها البرية والبحرية والجوية في الخليج والعراق.


6- التأثير المباشر لهذه المواجهة على ممرات نقل وتدفق النفط إلى دول العالم والتي تؤثر على الحركة التجارية الدولية عامة وعلى الولايات المتحدة خاصة، وتزايد المعاناة العالمية والأميركية من مشاكل الارتفاع الخيالي لأسعار النفط كما حصل خصوصا عام 2006.


7- تزايد المخاطر على الدور القيادي للولايات المتحدة وتراجع دورها دوليا.


8- إن وجود قوى سياسية مرتبطة بإيران في بعض دول الخليج قد يؤدي إلى تهديد الأمن الوطني لهذه الدول في حال استخدام القوة، ناهيك عن إمكانية الانهيار في البنية الأمنية للإقليم كله، الذي يصعب تحمل نتائجه السكانية والاقتصادية على شعوب المنطقة.


9- تنامي الصعوبات الأمنية التي تواجهها إسرائيل بسبب انكشافها الإستراتيجي أمام الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى، وتعرضها لاحتمال قيام إيران بفتح الجبهة اللبنانية من جديد.


إن التلويح الأميركي بالخيار العسكري إنما يمثل استجابة للضغوط من قبل إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ومن قبل المتطرفين في الإدارة الأميركية، لكن الاتصالات الأميركية الإيرانية عبر الوسطاء وعبر لجنة الطاقة الدولية، وربما عبر قنوات أخرى، تنبئ بإمكان التوصل إلى حلول وسط. وتعتقد إسرائيل وأميركا أن الرئيس محمود أحمدي نجاد هو الذي يعطلها بسبب مواقفه المتشددة -على حد تعبيرهم- لكن الفرصة لا تزال قائمة للحل الدبلوماسي، خصوصا في ظل التحمس الروسي لحل الأزمة سلميا، الأمر الذي دفع بعض أركان الإدارة الأميركية إلى الحديث عن خطة للعمل لإعادة التوازن الداخلي السياسي في إيران، وهو ذات البرنامج الذي تبنته الإدارة الأميركية إبان حكم الرئيس رفسنجاني.