أحداث بومباي الدامية

قد تتحول الأزمة الهندية الباكستانية إلى حرب شاملة كما حدث سابقا أو تتحول إلى حرب باردة خصوصا مع عدم تعاون باكستان في التحقيقات






وضعت هجمات مومباي الهند وباكستان على حافة الحرب (الفرنسية-أرشيف)

د. ظفر الإسلام خان



ملخص
أحداث بومباي الدامية
الحدث
من هو المسؤول؟
ردود الفعل بعد الحدث
الحكومة الهندية ومعالجة الموقف
أسباب التوتر المستمر وعدم الثقة
آثار الأزمة الجديدة


ملخص



وضعت الهجمة "الإرهابية" التي تعرضت لها عاصمة الهند التجارية بومباي في 26-29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الهند وباكستان على حافة الحرب مرة أخرى بعد أن شهدت العلاقات بين البلدين هدوءا في الخمس سنوات الماضية، فضلا عن الخسائر التي تكبدتها الهند والتي تقدر بحوالي 20 مليار دولار. وقد تتحول الأزمة الحالية بسرعة إلى حرب شاملة بين البلدين كما حدث عام 1965 و 1971 أو أن تتحول إلى حرب باردة طويلة المدى، خصوصا مع عدم تعاون باكستان مع الهند في التحقيقات.



شنت هذا الهجوم جماعة وصلت إلى مومباي عبر البحر من كراتشي دون أن يعترضهم خفر السواحل أو سفن البحرية الهندية المنتشرة بأعداد كبيرة، رغم دخولهم المدينة من منطقة (كوفيه باريد) التي تعد أهم نقطة تجارية على الإطلاق في المدينة.



ووقفت قوة مكافحة الإرهاب وشرطة الولاية عاجزة أمام الأسلحة والمعدات المتطورة التي بحوزة المهاجمين، ورغم الاستعانة بالحكومة المركزية إلا أن الكوماندوز "حرس الأمن الوطني" وصلوا بعد تسع ساعات من بدء الهجمة "الإرهابية" لعدم توفر طائرة مناسبة لنقلهم من دلهي إلى مومباي. واستمرت المواجهات ثلاثة أيام بين مئات الكوماندوز وبمساعدة آلاف من الشرطة والأمن مع ما لا يقل عن 12 مهاجما فقط، بسبب سوء التسليح ورداءة المعدات والتجهيزات نتيجة للفساد المستشري في الهند والذي طال المؤسسة العسكرية.



وتعددت الاتهامات والتكهنات بشأن المسؤول عن الهجمات:





  • يُعتقد أن تنظيم "لشكر طيبة" أي "جيش طيبة" المحظور في باكستان يقف وراء الهجمات، حيث عثر على أوراق وهويات لعدد من المهاجمين تؤكد أنهم باكستانيون أو مولودون في بريطانيا وأصولهم باكستانية.



  • ويقول بعض المراقبون إن هذه الهجمة قد تكون من عمل أو تدبير منظمات هندوسية متطرفة لتبعد عنها تركيز السلطات التي أذاعت أنشطتهم في وسائل الإعلام في الشهر الأخير، لدرجة أن المتطرفين الهندوس كانوا قد هددوا في نفس يوم الهجمة أنهم سيقتلون (هيمانت كركريه) رئيس وحدة مكافحة الإرهاب وسينسفون بيته، وبالفعل قد قتل هذا الشخص خلال ساعات من بدء الهجمة على بومباي.



  • وتذهب بعض التكهنات إلى أن رجال المافيا الهنود هم وراء هذه الهجمة لقاء المال.



  • بينما تشير تكهنات أخرى إلى أنها عملية مشتركة للموساد والمخابرات المركزية الأميركية بالتعاون مع عناصر شاردة من المخابرات العسكرية الباكستانية لجر الهند على المزيد من التعاون مع أميركا والغرب.


ويرى البعض أن أميركا والغرب هما المستفيدان في كل الحالات.



وبعد انتهاء المعارك تعرضت الحكومة لهجوم شديد من المعارضة، أدت إلى استقالة وزير الداخلية الفدرالي شيفراج باتيل، كما أقيل قائد خفر السواحل.



وأمام المظاهرات الشعبية التي خرجت في المدن الهندية للتنديد بفشل السياسيين في حماية البلاد، قامت الحكومة بتوجيه الاتهام بأسلوب مبطن لباكستان. وبعد فشل أسلوب اتهام طرف خارجي، توجهت الحكومة الهندية بعدد من المطالب لباكستان والتي يتوقع أن ترفضها الأخيرة إلى أن يتم إقناع المجتمع الدولي بأن الهند قد استنفذت كل الطرق السلمية الممكنة للحصول على التعاون الباكستاني وأنه لم يعد أمام نيودلهي إلا أن تتدخل عسكريا.



الأزمة الجديدة سواء إن أدت إلى نشوب حرب أم لا، فهي بدون شك قد أدت إلى نشوء مرحلة جديدة من الحرب الباردة والقطيعة السياسية والاقتصادية والثقافية بين الهند وباكستان. وقد تشهد المرحلة القادمة بث الحياة من جديد في الحركة الانفصالية في الجزء الهندي من كشمير، وتقوية الطائفية في الهند، حيث أن القوى الهندوسية المتطرفة ستقوى وحزبها السياسي حزب الشعب الهندي (بى جيه بي) سيستفيد منها في الانتخابات العامة القادمة.



أما على الصعيد الدولي فستؤدي هذه الأحداث إلى زيادة مشاركة الهند في الحرب الأميركية على الإرهاب، بعد أن حاولت الهند طوال هذه السنوات المحافظة على قدر ملحوظ من البعد عن الحرب الأميركية خوفا من ردود فعل قد يقوم بها مسلمو الهند. وسيكون من الآثار الأخرى لهذا النزاع الجديد بين الهند وباكستان بدء سباق تسلح جديد في المنطقة، فحتى مجرد الاستنفار على جانبي الحدود سيعنى المزيد من شراء الأسلحة من موردي السلاح في الغرب.



أحداث بومباي الدامية







ومن الخطوات المرشحة في الأيام القادمة استدعاء السفير الهندي من باكستان وطرد السفير الباكستاني من الهند وتخفيض عدد العاملين في السفارة الباكستانية بالهند


وصلت وزيرة الخارجية الأميركي كوندوليزا رايس في زيارة خاطفة للعاصمة الهندية يوم الأربعاء 3 ديسمبر/كانون أول 2008 في محاولة لتبريد الأجواء الساخنة التي تعيشها الهند حاليا في أعقاب الهجمة الإرهابية على بومباي - عاصمة الهند التجارية - خلال 26-29 من الشهر الماضي، والتي وضعت الهند وباكستان على حافة الحرب مرة أخرى بعد سنة 2002.


وستحاول كوندوليزا رايس إثناء الهند عن أي إجراء عسكري ينعكس سلبا على القوات الغربية في أفغانستان، حيث أن باكستان قد هددت بسحب مائة ألف جندي من الحدود الأفغانية ووضعهم على الحدود الهندية تحسبا لأي عمل عسكري هندي سواء على الحدود الدولية أو على خط وقف إطلاق النار في كشمير. وهناك بوادر تشير إلى أن الأزمة الحالية قد تتحول بسرعة إلى حرب شاملة بين البلدين مثل سنة 1965 و1971 أو أن تتحول إلى حرب باردة طويلة المدى، تشمل توقف الاتصالات العادية بين البلدين الجارين.



ومن الخطوات المرشحة في الأيام القادمة نظرا لعدم تعاون باكستان مع الهند في الأزمة الحالية: استدعاء السفير الهندي من باكستان وطرد السفير الباكستاني من الهند وتخفيض عدد العاملين في السفارة الباكستانية بالهند إلى عدد ضئيل من العاملين مما سيعطل عملها من الناحية العملية.



ومن الخطوات المحتملة أيضا خلال الأيام القادمة: وقف الرحلات الجوية والبرية بما فيها تعطيل خطوط القطارات والباصات التي تربط البلدين، بما فيها الجزء الهندي من كشمير وإغلاق المعابر التجارية البرية والبحرية بين البلدين. وكل هذا سيعنى عودة البلدين إلى الحالة التي مرت بها علاقات البلدين منذ حرب 1965 إلى أواخر سنة 2003 حين بدأت العلاقات تنفرج من جديد في أواخر عهد حكومة حزب الشعب الهندي، التي كانت قد حاولت تحسين العلاقات بزيارة رئيس الوزراء إتال بيهار فجباي لباكستان في فبراير/شباط 1999.



إلا أن الغزو الباكستاني للهند من خلال ما عرف بحرب "كارغيل" خلال مايو/أيار-يوليو/تموز من نفس السنة نسف تلك الجهود وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء، ولم يتم استئناف جهود تحسين العلاقات إلا بعد أكثر من ثلاث سنوات من ذلك الحدث الذي اعتبرته الهند غدرا، إذ تم بينما الجهود كانت مستمرة لتحسين العلاقات بين البلدين على كل المستويات في أعقاب زيارة فجباي للاهور.



وقد اختار "الإرهابيون" - وكل الدلائل حتى الآن تشير إلى أنهم جاءوا من باكستان- بومباي -أو "مومباي" حسب التسمية الجديدة- لأنها عاصمة الهند التجارية فهي مركز البورصة الوطنية وبوابة الصادرات والواردات الهندية وتقع بها المكاتب الرئيسية لكبرى الشركات والبنوك وشركات التأمين والمال وبها فروع البنوك الأجنبية، وأيضا تقع بها مؤسسات الإنتاج السينمائي الضخمة التي تكنى بـ"بوليوود" نسبة إلى المدينة، والتي تنقل ثقافة الهند وحضارتها إلى كل أنحاء العالم.. وهى أيضا عاصمة ولاية ماهاراشترا ويسكن بها 18 مليون شخص.



وإذا كان هدف "الإرهابيين" فعلا الإضرار بالاقتصاد الهندي فقد نجحوا في هدفهم تماما حيث قد قدر خبراء المال والاقتصاد خسائر الهند الفعلية والمستقبلية المقدرة من جراء هذه الهجمات بـ20 مليار دولار، وهى عبارة عن الخسائر الناتجة عن الخسائر الفعلية وهبوط الصادرات وتراجع الاستثمار الأجنبي وهروب الاستثمار الموجود وخسائر قطاع السياحة والنفقات المتزايدة على حفظ الأمن الخ.



الحدث






بدأ الجنود الهنود يرقصون على الشوارع أمام فندق تاج محل وحينها أطلق الإرهابيون المختبئون في الدور الثامن من الفندق النيران عليهم فبدأت المواجهة من جديد واستمرت طوال الليل، وانتهت في الصباح التالي بمقتل ثلاثة من المسلحين
هذا المركز النابض لعصب الحياة الاقتصادية تعرض لأكبر هجوم إرهابي في تاريخ الهند ليلة 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي شنته جماعة يقدر عددها على الأقل بـ(12) شخصا، وقد وصلت عبر البحر إلى شواطئ المدينة عند غروب الشمس وانضم إليها عدد آخر من رفاقهم لم يعرف عددهم على وجه الدقة، وكانوا قد سبقوا هذه الجماعة إلى المدينة قبل أسابيع وربما قبل شهور.


وكانت هذه الجماعة قد انطلقت من شواطئ باكستان بالقرب من كراتشي على قارب أو أكثر ثم قامت بالاستيلاء على سفينة صيد هندية تسمى "كوبير" في عرض البحر. وقام الخاطفون بقتل الصيادين دون قائد السفينة الذي أوصلهم عبر بحر العرب إلى مكان يبعد 12 ميلا بحريا عن شواطئ بومباي، وهناك قتلوا قائد السفينة ثم تركوها هائمة في البحر وتوجهوا بقوارب مطاطية إلى شواطئ بومباي التي وصلوها بُعيد المغرب من نفس اليوم.



وقد تمت هذه الرحلة عبر 550 ميلا بحريا من كراتشي إلى بومباي التي تقع فيها أكثر من عشر محطات رادار هندية وعدد لا يحصى من سفن البحرية الهندية وقواربها السريعة المدججة بشتى المعدات والأسلحة والصواريخ، ولم تعترضهم البحرية الهندية التي تنقذ السفن في خليج عدن وشواطئ الصومال وتحرسها من خليج عدن إلى مضيق الملقا في جنوب شرق آسيا.



وحتى خفر السواحل الهندي لم يعترضهم عند اقتراب هؤلاء من شواطئ بومباي التي دخلوها من أهم نقطة تجارية على الإطلاق في المدينة وهى منطقة (كوفيه باريد)، التي تحتضن مكاتب كبرى الشركات والقنصليات الأجنبية.



ومن هناك تفرقوا إلى فريقين توجها إلى عشرة أهداف داخل قلب المنطقة التجارية في بومباي وعلى رأسها محطة شيفاجي للقطارات، وهى كبرى محطات القطارات في المدينة، حيث حصدوا المسافرين الذين كانوا ينتظرون قطارات تقلهم إلى بيوتهم بعد عناء يوم طويل، ثم اتجهوا إلى أثنين من أهم فنادق المدينة وهما (تاج محل) و(ترايدنت أوبيروى) اللذين دخلوهما وأخذوا بهما رهائن.



وتوجه فريق منهم أيضا إلى البيت اليهودي في بومباي المعروف بـ"ناريمان هاؤس" واحتلوه هو الآخر واتخذوا به رهائن من يهود هنود وإسرائيليين. وكان من أول أعمالهم في نفس الليلة وخلال ساعات من بدء عمليتهم قتل (هيمانت كركريه) رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في ولاية ماهاراشترا واثنين من الضباط العاملين معه وهو أمر غريب ليس سهلا تفسيره، وكأن العملية كلها هي إنما لقتل هذا الشخص كما سيأتي لاحقا.



وإزاء عجز قوة مكافحة الإرهاب المدربة في احتواء هؤلاء المسلحين وجدت حكومة الولاية نفسها في حيرة من أمرها إذ كان هؤلاء المهاجمون مدججين بالسلاح المتطور وبرشاشات من طراز إيه كيه 47 و56، وقذائف يدوية مصنوعة في الصين وهواتف الأقمار الصناعية، ولم تكن شرطة الولاية بأسلحتها العتيقة وعناصرها غير المدربة على حرب العصابات قادرة على حسم الموقف فطلبت النجدة من الحكومة المركزية لإرسال كوماندوز "حرس الأمن الوطني" الذين كانوا نياما فتم إيقاظهم ثم اكتشفوا أنه لا تتوفر طائرة مناسبة لنقل العدد اللازم من الكوماندوز وبدأ البحث عن طائرة مناسبة حتى اهتدوا إلى طائرة إليوشن بطيئة (روسية الصنع) اتجهت بهم من دلهى إلى بومباي التي وصلتها في الصباح بعد 9 ساعات من بدء الهجمة الإرهابية. وكان المهاجمون قد استغلوا هذا الفاصل الزمني الطويل لترسيخ أقدامهم وإنشاء غرفة عمليات لهم في فندق تاج محل، الذي يعتبر درة بومباي ويقع قبالة "بوابة الهند" التي دخل منها ملك بريطانيا وإمبراطور الهند جورج الخامس عند زيارته للهند سنة 1911.



وبدأت المواجهة البطيئة بين مئات من الكوماندوز الهنود يساعدهم آلاف من شرطة المدينة وقوات الأمن الأخرى وسط ارتباك وسوء تسلح لدرجة أنه حتى السترات الواقية لم تنفع بعض رجال الأمن، فأصيبوا بطلقات رغم ارتدائهم السترات الرديئة، والتي تم شراؤها في وقت استشرى فيه الفساد في الهند حتى وصل إلى داخل المؤسسة العسكرية.



واستمرت المواجهة طوال يومي الخميس والجمعة مع ليلتيهما وأعلن الجيش أنه تمت السيطرة على الموقف مساء الجمعة، وبدأ الجنود يرقصون على الشوارع أمام فندق تاج محل وحينها أطلق الإرهابيون المختبئون في الدور الثامن من فندق تاج محل النيران عليهم فبدأت المواجهة من جديد واستمرت طوال الليل، وانتهت في الصباح التالي بمقتل ثلاثة من المسلحين.



ولكن عمليات البحث والتمشيط استمرت طوال يوم السبت، وفى المساء فقط تم نقل الأمكنة الثلاث لأصحابها بعد أن سقط 195 شخصا وأصيب 295 بجراح خطيرة حسب الأرقام الرسمية، وكان بين القتلى 20 من رجال الأمن والشرطة و 13 من الأجانب بما فيهم 5 إسرائيليين من نزلاء الفندقين ومن سكان البيت اليهودي، وكان منهم أيضا الحاخام الإسرائيلي (غابرييل هولتزبيرغ) وزوجته (رفقه) اللذين كانا يديران البيت اليهودي، وبقى ابنهما على قيد الحياة إذ هربت به مربيته الهندية إلى خارج البيت حين وجدت فرصة سانحة، وقد قررت إسرائيل السماح لها بالهجرة إلى الدولة العبرية وإعطائها أكبر الأوسمة الإسرائيلية، في حين قتل في هذه الهجمات 44 من المسلمين الهنود.



وخلال هذه المواجهة التزمت الهند بسياستها الثابتة وهى عدم المساومة مع الإرهابيين وعدم إعطائهم أي خيار إلا الاستسلام أو القتل. وكان من الغريب أننا لم نسمع حتى الآن بأية مطالب للإرهابيين وهو شيء غريب يحدث لأول مرة في مثل هذه الحالات، وقد يكون السبب هو أن السلطات الهندية مارست تعتيما شديدا على عملية التفاوض مع "الإرهابيين" خلال تحصنهم بثلاثة مواقع في بومباي قبل قتلهم وتحرير معظم الرهائن.



وبكل المقاييس والنتائج كانت هذه عملية "إرهابية" ناجحة إذ تمكن المهاجمون من الصمود ثلاثة أيام أمام عدد كبير من أفضل كوماندوز في الهند والشرطة المدربة لمكافحة الإرهاب، مما جعل الخبراء هنا يقولون إنها عملية كبيرة ومعقدة استلزم إعدادها ما لا يقل عن شهرين أو أكثر إلى جانب بذل قدر كبير من المال وتوفير المساعدة اللوجستية عن بعد بواسطة هواتف الأقمار الصناعية.



من هو المسؤول؟






يبدو أن المهاجمين كانوا يعتقدون أن بإمكانهم الهروب من الهند بأخذ الرهائن، ثم مساومة الحكومة الهندية بالسماح لهم بالخروج من الهند على غرار ما حدث حين خطف إرهابيون طائرة هندية وأخذوها إلى مطار قندهار خلال حكم الطالبان
حسب المعلومات المتاحة حتى الآن يقف خلف هذه الهجمة الإرهابية على بومباي تنظيم "لشكر طيبة" أي "جيش طيبة" ("طَيبَة" هي إحدى أسماء المدينة المنورة مثل "يثرب") وهو "تنظيم إرهابي" محظور في باكستان منذ يناير/ كانون الثاني 2002، إلا أنه يعتقد أن له علاقات قوية جدا بعناصر في المخابرات العسكرية الباكستانية التي تستخدم لشكر طيبة لشن هجمات في الجزء الهندي من كشمير.


وفى هذه الأثناء بدأت الأدلة تتجمع، مما عثر عليه من أوراق وهويات المهاجمين، تؤكد أنهم باكستانيون أو مواليد بريطانيا من أصول باكستانية. وبدأ استجواب (أجمل أمير قصاب) أحد المهاجمين وقد اعتقل حيا عند محطة القطار وجرى تسجيل اعترافاته على الفيديو وأخذت الصحف وقنوات التليفزيون الهندية تذيع مقتطفات مما كشفه، ومنه أنه قال: "إنه ينتمي إلى بلدة (فريدكوت) في إقليم البنجاب الباكستاني، كما أدلى بأسماء رفاقه وكشف أنهم جاءوا رغبة في الحصول على أموال طائلة وعدوا بها في حالة تنفيذ العملية، وأنهم كانوا يتوقعون الهروب بشكل ما بعد تنفيذ العملية". ويعتقد أن عددا من زملائه قد تمكنوا من الهرب بالفعل، إذ أن سلطات الأمن لا تظن أن عشرة أو 12 شخصا فقط قاموا بهذه العملية الكبيرة.



ويبدو أن المهاجمين كانوا يعتقدون أن بإمكانهم الهروب من الهند بأخذ الرهائن، ثم مساومة الحكومة الهندية بالسماح لهم بالخروج من الهند على غرار ما حدث حين خطف إرهابيون طائرة هندية وأخذوها إلى مطار قندهار في مارس/آذار سنة 2000 خلال حكم الطالبان، أو ربما اعتقدوا أنهم سيتمكنون من الاختفاء داخل الهند بعد الفرار من موقع الأحداث ثم الخروج من الهند بعد أن تهدأ الأمور. ويبدو أن هذا هو عين ما حدث مع نحو نصف المهاجمين إذ يعتقد أن عددهم الحقيقي تجاوز العشرين، وكان بعضهم قد وصل الهند قبل أسابيع وشهور من الهجمة وتمكن البعض منهم من الفرار بعد العملية.



وقال المهاجم المعتقل أنه عمل وجماعته من أجل المال وهو مستعد ليقوم بالعمل نفسه لآخرين مقابل المال حسب أقواله التي نشرتها بعض الصحف الهندية بعد تسرب تسجيلات التحقيقات إليها من المخابرات الهندية. وقالت إحدى شهود العيان في فندق تاج محل أنها سمعت حوارا بين اثنين من المهاجمين حول ثراء السياسيين الهنود ومما قاله مهاجم لآخر: "ماذا يهمك من هذا الأمر؟ ألم تحصل على نصيبك من المال؟".



وهناك تكهنات في الهند بأن هذه الهجمة هي ربما من عمل أو تدبير منظمات هندوسية متطرفة كانت تواجه متابعة يومية منذ شهر،حول أنشطتها الإرهابية على يد وحدة مكافحة الإرهاب في ولاية ماهاراشترا، لدرجة أن المتطرفين الهندوس كانوا قد هددوا في نفس يوم الهجمة أنهم سيقتلون (هيمانت كركريه) رئيس وحدة مكافحة الإرهاب وسينسفون بيته، وبالفعل قد قتل هذا الشخص مع عدد من أقرب زملائه خلال ساعات من بدء الهجمة على بومباي.



وجاء في شهادات بعض شهود العيان أن بعض الإرهابيين كانوا يتحدثون باللغة المراتية التي هي اللغة الرسمية لولاية ماهاراشترا التي تقع بها بومباي. والجدير بالذكر أن (ديغ وفجاي سينغ) كبير وزراء ولاية مادهيا براديش سابقا قد قال غير مرة إن العمليات الإرهابية تقع كلما كان حزب الشعب الهندي في مشكلة.



وهناك تكهنات هنا أيضا بأن العملية تمت بمساعدة رجال المافيا الهنود الذين يتمركزون في بومباي وهم مستعدون للقيام بأي شيء لقاء المال، وقد سبق للمافيا الهندية بقيادة (داؤد إبراهيم) المتواجد حاليا في كراتشي أن نفذت تفجيرات بومباي في مارس/آذار 1993.



وهناك آراء أخرى تقول إنها عملية مشتركة للموساد والمخابرات المركزية الأميركية بالتعاون مع عناصر شاردة من المخابرات العسكرية الباكستانية لجر الهند إلى المزيد من التعاون مع أميركا والغرب بصورة عامة وأيضا لوضع الرئيس الأميركي القادم أمام الأمر الواقع، خاصة وأنه تحدث عن تسوية المشكلتين الأفغانية والكشميرية.



ومما يزيد من الشكوك حول حقيقة هذه العملية ما نشره الصحفي الباكستاني سيد سليم شهزاد في آسيا تايمز يوم 2 ديسمبر/ كانون الأول(1) أنها أصلا عملية دبرتها المخابرات العسكرية الباكستانية لتنفيذها في كشمير الهندية، ووضعت خطوطها تحت قيادة رئيس المخابرات العسكرية (الجنرال كياني) الذي يرأس الجيش الباكستاني حاليا، إلا أن لشكر طيبة والقاعدة خطفا الفكرة وسبقا المخابرات الباكستانية إلى تنفيذها وقاما بإجراء تغييرات في الخطة الأصلية وقررا تنفيذها في بومباي بدلا من كشمير الهندية.



وأيا كان الأمر ، فأميركا والغرب هما المستفيدان في كل الحالات ، حيث أن الهند ستنجر أكثر وأكثر إلى المعسكر الغربي، وقد وصلت بالفعل وفود استخباراتية من أميركا وإسرائيل وغيرها من البلدان، وهى تشارك الآن في التحقيقات مع الهنود وبمفردها، وهذا التعاون سيصبح معتادا ومؤسساتيا بمرور الأيام، وبكلمة أخرى: ستتمكن المخابرات الغربية والإسرائيلية من العمل المكشوف وبحرية داخل الهند في المرحلة القادمة.



ردود الفعل بعد الحدث



طالما استمرت المعارك فستشهد الهند وحدة وطنية شاملة وتأييدا غير مشروط للحكومة في مواجهتها للهجمة الإرهابية. ولكن ما إن هدأت القذائف والرشاشات حتى خرجت الخناجر من الأغماد وبدأت المعارضة تشتم الحكومة وتطالبها بالاستقالة لعدم إدارتها المعركة مع الإرهابيين بالدقة والسرعة المطلوبتين، ولم يحن منتصف ليلة السبت حتى استقال وزير الداخلية الفدرالي شيفراج باتيل، وعرض مستشار الأمن القومي مايونا كوتيه نارايانان الاستقالة، وفى اليوم التالي تمت إقالة قائد خفر السواحل وبدأت المظاهرات تخرج في المدن الهندية ضد السياسيين بصورة عامة لتلاعبهم بالأمن وفشلهم في توفير الحماية لأرض الوطن، وهذه المظاهرات مستمرة حتى كتابة هذا التقرير.



وبدأت الصحف تنشر افتتاحيات شديدة اللهجة تطالب بتحديد المسئولية وطرد المسئولين السياسيين والإداريين وقادة مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الذين ثبت تقاعسهم، وأخذت الصحف تصف هذه الهجمات بأنها "11 سبتمبر" هندية، وطالبت بأن يكون رد الفعل الهندي مماثلا لرد فعل الحكومة الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وكل هذا خطر للغاية على حكومة ستواجه الانتخابات العامة بعد شهور فقط.



وبعد هذا الهرج والمرج ظهر أن معلومات غامضة كانت المخابرات الهندية قد نقلتها إلى شرطة بومباي قائلة إن الهجوم الإرهابي القادم سيكون عن طريق البحر، وإن الهدف سيكون أحد الفنادق، وتقول شرطة بومباي إن هذه كانت معلومات عائمة بدون تحديد المكان والزمان.



وبعد انتهاء العمليات فورا بدأ حزب الشعب الهندي يتهم الحكومة ومن ورائها حزب المؤتمر الحاكم بالفشل الذريع في معالجة الأزمة وفى محاربة الإرهاب، وبالتالي ليس للحكومة إلا أن تستقيل.


ولم تكد الهجمة تنتهي ليلة الجمعة حتى فوجئنا بإعلانات كبيرة نشرها حزب الشعب الهندي المعارض في صحف الصباح التالي باللون الأحمر الداكن تتهم الحكومة بالتقاعس المزري في مكافحة الإرهاب. ورفض مسلمو بومباي السماح للشرطة بدفن جثث الإرهابيين القتلى في مقابر المسلمين، وبالتالي هي لا تزال في ثلاجات مستشفيات بومباي في انتظار حل لهذه المشكلة.



أسلوب الحكومة الهندية في معالجة الموقف وامتصاص الغضب الشعبي






حين رفضت باكستان التعاون طلبت الهند من باكستان تسليمها 20 شخصا متواجدين بباكستان من باكستانيين وهنود بسبب تورطهم مباشرة أو بصورة غير مباشرة في عمليات إرهابية
وجدت الحكومة الهندية نفسها مطالبة برد فعل حاسم لأجل امتصاص هذه النقمة الشعبية التي تهددها، وهى كفيلة بإفشال حزب المؤتمر الحاكم في الانتخابات العامة القادمة بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من الآن. واختارت الحكومة الهندية ألا تتهم حكومة باكستان مباشرة بالمسئولية بل تحدث رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ مساء السبت 29 نوفمبر/تشرين الثاني في أول حديث له عن هجمات بومباي، فوجه الاتهام بأسلوب مبطن حيث قال إن الإرهاب "قادم من وراء الحدود" وهو كناية عن دور باكستاني من نوع أو آخر في مثل هذه الأحداث.


وطلب رئيس الوزراء الهندي من الرئيس الباكستاني (آصف زرداري) بأن يرسل رئيس المخابرات العسكرية الباكستانية إلى الهند لكي يساعد ويشارك في التحقيقات، ووعد الرئيس الباكستاني بأن رئيس المخابرات العسكرية سيصل الهند في اليوم التالي.



إلا أنه ما إن حان اليوم التالي حتى تنكرت باكستان لوعدها وقالت إن رئيس المخابرات العسكرية لن يزور الهند بل سيذهب بدلا منه مسئول صغير للقيام بالمهمة، وبدأت باكستان تطالب الهند بتقديم الأدلة والبراهين رغم أن الهند حتى هذه اللحظة لم تتهم حكومة باكستان بالأمر، بل قالت أن جماعة تتخذ من باكستان مقرا لها هي المسؤولة.



وقرأت الهند في هذا الرد الباكستاني المقرون بالتأكيد المستمر بأنه لا علاقة لأحد في باكستان بهجمات بومباي، بأن باكستان كعادتها لا تنوي التعاون في هذا الأمر. وهذا الأسلوب لمعالجة الأزمة كان من أسهل الخيارات للحكومة الهندية إذ أن اتهام طرف خارجي يحول الأنظار إلى خارج الحدود، ويساعد على توحيد الصفوف باستغلال العاطفة الوطنية ، أما لو قالت الحكومة أن جهة داخلية -أيا كانت- قامت بهذا فسيكون الأمر أكثر صعوبة، وستتعرض الحكومة لتهم أكبر وأشنع لتقاعسها عن معرفة ودرء الأخطار عن التراب الهندي نفسه، وهى ستكون مطالبة باتخاذ اللازم ضد هذه الجهة الداخلية فورا.



والأسلوب الآخر المطروح هنا الآن –بعد فشل الأسلوب الأول– هو معالجة الأمر بصورة مباشرة أي مهاجمة قواعد "الإرهابيين" في باكستان وخصوصا في الجزء الباكستاني من كشمير. ويمكن أن تؤدى خطوة كهذه إلى اندلاع حرب بين البلدين وهى، إن نشبت، ستكون حربا محدودة وستنتهي بسرعة بسبب الضغوط الدولية إذ ليس من مصلحة أحد في العالم أن تندلع حرب بين قوتين نوويتين فتؤدي إلى ما لا يحمد عقباه لكثير من الدول المحيطة بالدولتين..



والمطلب الهندي في الوقت الحالي، هو مطالبة باكستان بالتعاون في التحقيقات وكبح نشاط الإرهابيين على أرضها. وحين رفضت باكستان هذا الطلب تقدمت الهند بالخطوة التالية وهى مطالبة باكستان بتسليم 20 شخصا متواجدين بباكستان من باكستانيين وهنود مطلوبين للعدالة الهندية بسبب تورطهم مباشرة أو بصورة غير مباشرة في عمليات "الإرهاب على الأراضي الهندية" منذ سنوات ومنهم رجل المافيا الهندي (داؤد إبراهيم) المتهم الرئيسي بتفجيرات بومباي التي وقعت في مارس/آذار 1993 وهزت الهند، وذلك في أعقاب هدم المسجد البابري ومذابح بومباي التي تلته.



وبما أن باكستان سترفض هذا الطلب فستتصاعد المطالب الهندية خطوة خطوة إلى أن يتم إقناع المجتمع الدولي بأن الهند قد استنفذت كل الطرق السلمية الممكنة للحصول على التعاون الباكستاني، وأنه لم يعد أمام نيودلهي إلا أن تتدخل عسكريا وهو عين ما حدث في الأحداث التي أدت إلى نشأة بنغلاديش بالتدخل الهندي سنة 1971.



وهناك فائدة آنية لأحداث بومباي للحكومة الهندية الفدرالية التي ستتمكن الآن من تمرير مشروع إنشاء وكالة فدرالية للتحقيق في وقائع الإرهاب، وكانت هذه الفكرة التي طرحها رئيس الوزراء مانموهان سينغ في وقت سابق تلقى مقاومة من عدد من الأحزاب والولايات التي ترى فيها تدخلا من الحكومة المركزية في اختصاصات حكومات الولايات.



أسباب التوتر المستمر وعدم الثقة بين الدولتين



هناك قضايا غير عالقة بين البلدين رغم مضي 61 سنة على انفصالهما سنة 1947، وقد ضيع البلدان الكثير من الفرص للتخلص من تبعات الماضي.



والهند بالذات قد ضيعت فرصا كثيرة حيث أنها فشلت في الاستجابة لكثير من الآراء الإيجابية التي عرضها الرئيس مشرف بعيدا عن مواقف باكستان التقليدية لحل المشكلات العالقة، وعلى رأسها القضية الكشميرية التي طرح الرئيس مشرف من أجل حلها أكثر من فكرة خلال السنتين الأخيرتين من عهده، إلا أنها لم تلق آذانا هندية صاغية بسبب شكوك هندية قوية حول نوايا باكستان.



والأزمة الحالية التي وضعت البلدين من جديد على حافة الحرب هي فرصة لباكستان كي تعيد النظر في سياستها فتنأى عن توظيف الإرهاب كأداة لسياستها الخارجية، ويبدو أنها قد رفضت قبول هذه الفرصة السانحة بإحجامها عن التعاون مع الهند في التحقيقات التي تجريها حول هجمات بومباي.



آثار الأزمة الجديدة






لو نشبت الحرب بالفعل فسيتم نقل القوات الباكستانية من الحدود الأفغانية إلى الحدود الهندية وهذا سيؤدى بالتأكيد إلى تخفيف الضغط على الطالبان في أفغانستان
الأزمة الجديدة سواء أدت إلى نشوب حرب أم لا، فهي بدون شك قد أدت إلى نشوء مرحلة جديدة من الحرب الباردة والقطيعة السياسية والاقتصادية والثقافية بين الهند وباكستان، وقد تشهد المرحلة القادمة نتيجة لهذا زيادة التوتر في كشمير الهندية وتزايد التسلل إليها من الجانب الباكستاني، مما يعنى بالتالي بث الحياة من جديد في الحركة الانفصالية في الجزء الهندي من كشمير بعد أن انتهت تقريبا كحركة مسلحة، إذ تقول التقديرات الهندية الحالية أن أعداد الانفصاليين المسلحين من محليين وأجانب في كشمير لا تتعدى 400 عنصر حاليا، ويدل على ذلك الإقبال غير المتوقع والمشاركة العالية في الانتخابات التي تجري حاليا على مراحل في ولاية جامو وكشمير الهندية، والتي ستنتهي في أواخر شهر ديسمبر/كانون أول الجاري.


وقد شهدت كشمير مثل هذا الإقبال على الانتخابات لأول مرة منذ انتخابات سنة 1987 التي جرى خلالها التزوير على نطاق واسع مما أدى حينها إلى انفجار الحركة الانفصالية في السنة التالية وستؤدي هذه التطورات إلى تقوية الطائفية في الهند، حيث أن القوى الهندوسية المتطرفة ستقوى، وسيستفيد منها في الانتخابات العامة القادمة وحزبها السياسي حزب الشعب الهندي (بى جيه بي) حيث أن هذا الحزب يركز دائما على قضية الإرهاب ويقدم نفسه، وكأنه حارس مصالح الهند الأمنية وسيكون هذا بدون شك على حساب حزب المؤتمر وغيره من الأحزاب المعتدلة واليسارية والوسط، وقد يؤدى هذا إلى عودة هذا الحزب إلى الحكم مرة أخرى.



أما على الصعيد الدولي فستؤدى هذه الأحداث إلى زيادة مشاركة الهند في الحرب الأميركية على الإرهاب من خلال المزيد من التلاحم مع استخبارات الدول الغربية وإسرائيل بعد أن حاولت الهند طوال هذه السنوات المحافظة على قدر ملحوظ من البعد عن الحرب الأميركية خوفا من ردود فعل قد يقوم بها مسلمو الهند. وبصفة خاصة قد تصبح الهند شريكة في الحرب الأميركية الجارية ضد مناطق في باكستان في إطار محاولتها السيطرة على أفغانستان، وقد ضاعفت الهند بالفعل من قواتها في أفغانستان التي توجد هناك بحجة حراسة العاملين بالمشاريع الهندية المختلفة.



أما لو نشبت الحرب بالفعل، بل وحتى لو تم فقط نقل القوات الباكستانية من الحدود الأفغانية إلى الحدود الهندية، فهذا سيؤدى بالتأكيد إلى تخفيف الضغط على الطالبان في أفغانستان. ومن المؤكد الآن أن باكستان قد بدأت بالفعل تتجه لرفع الاستعداد على الجبهة الهندية الطويلة وقد يتحول الأمر بسرعة إلى شيء أشبه بالأزمة التي استمرت بين البلدين طوال سنة 2002 بين البلدين في أعقاب الهجوم على البرلمان الهندي في ديسمبر 2001. وكانت نفقات الهند من جراء ذلك الاستنفار على الحدود حوالي 65000 مليون روبية ( 1625 مليون دولار).



ومن الملاحظ أن القوى الخارجة على القانون في باكستان مثل (لشكر طيبة) و(جيش محمد) والطالبان الباكستانيون في المناطق القبلية الباكستانية قد وجدت مرتعا خصبا بعد مجيء الرئيس الجديد (آصف زرداري) في سبتمبر/أيلول الماضي، فهو لكونه متهما في قضايا فساد كثيرة وخرج منها بعفو من الرئيس السابق مشرف، فإنه تنقصه القوة الأخلاقية اللازمة لكبح المعارضة والجيش، وهو لا يملك أية خبرة سياسية لإدارة البلاد ولو كوزير سابق، مما أعطى لأجهزة الدولة المختلفة، وخصوصا المخابرات العسكرية والتي يصعب التحكم بها في أحسن الحالات ، فرصة العمل كما تريد دون ردع ومحاسبة.



وسيكون من الآثار الأخرى لهذا النزاع الجديد بين الهند وباكستان بدء سباق تسلح جديد في المنطقة، فحتى مجرد الاستنفار على جانبي الحدود سيعنى المزيد من شراء الأسلحة من موردي السلاح في الغرب.
_______________
رئيس تحرير صحيفة "ملى غازيت"، نيودلهي