ملخص
انقسام الطبقة السياسية
تداعيات ومسارات
استمرار الأزمة
خارطة القوى
تداعيات الانتخابات
سيناريوهات المرحلة المقبلة
ما بعد الانتخابات
نجم عن الانتخابات شعور بالإحباط والمرارة لدى رموز المعارضة وخصوصا ولد داداه وولد بلخير الذان لم يستطيعا تصفية خصمهما وتحييد العسكر من السياسة والرجوع لسلطة مدنية يقودها واحد من القطبين المعارضين |
أفرزت الانتخابات الرئاسية الموريتانية التي جرت في 18 يوليو/ تموز2009 فوز المرشح محمد ولد عبد العزيز في الشوط الأول من هذه الانتخابات، إلا أنها خلفت كذلك أزمة سياسية تمثلت في رفض المعارضة للنتائج. وقد جرت هذه الانتخابات في إطار ما بات يعرف باتفاق داكار الذي رعته المجموعة الدولية ممثلة بالرئيس عبد الله واد والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية والمجموعة الأوروبية والأمم المتحدة وغيرها.
وجاء اتفاق دكار ليضع حدا لأزمة سياسية خانقة عاشتها موريتانيا مدة عشرة أشهر وتمثلت في مواجهة مفتوحة بين معسكرين اثنين أحدهما أغلبية النواب الداعمين للعسكر والثاني جبهة من الأحزاب والناشطين الذين كانوا عمود نظام الرئيس المخلوع سيدي ولد الشيخ عبد الله. وقد نتج عن هذا الاستقطاب الحاد داخل الطبقة السياسية الموريتانية مناخ جديد لا عهد للمواطنين به، حيث تبلورت بعد الانقلاب وبسرعة حركة رافضة لما جرى مما أشعر المتابعين، ولأول مرة، بوجود ممانعة جدية لدى السياسيين الموريتانيين، عكسا لما كان عليه الحال في الأعوام السابقة، إذ كان الالتفاف حول الحاكم وتشريع سلطته، العسكرية بالطبع، ديدن المشهد السياسي الموريتاني.
وظل الاستقطاب ينمو ويستفحل حتى وصلت الأزمة السياسية الموريتانية إلى طريق مسدود، مما دفع بالطرفين أثناء جولات متعددة في دكار إلى التنازلات المتبادلة والقبول بالدخول في مسلسل انتخابي يعيد للبلاد الحياة الدستورية المعطلة، وهو ما اعتبره الداعمون للجنرال ولد عبد العزيز نصرا مؤزرا واعتبرته المعارضة فشلا للانقلاب ورجوعا للصواب وهو حكم الشعب عبر صناديق الاقتراع.
كما تمخض عن اتفاق دكار المذكور تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتناصف بين الأغلبية الداعمة للانقلاب وبين المعارضة، ونالت المعارضة ثلاث وزارات سيادية هي الداخلية والدفاع والمالية، فضلا عن تغيير اسم المجلس الأعلى للدولة الحاكم ووضعه تحت وصاية الحكومة، كما أعيد تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ثلث أعضائها من مساندي ولد عبد العزيز وتقاسم الثلثان الباقيان قطبي المعارضة وهما جبهة الدفاع عن الديمقراطية وتكتل القوى الديمقراطية وأعطيت رئاسة اللجنة للتكتل.
وقد نجم عن هذه الانتخابات شعور بالإحباط والمرارة لدى رموز المعارضة وخصوصا ولد داداه وولد بلخير الذان لم يستطيعا تصفية خصمهما وتحييد العسكر من السياسة والرجوع لسلطة مدنية يقودها واحد من القطبين المعارضين. كما أنه سجل خلال هذه الانتخابات تراجع ملحوظ في نتائج مرشحي الأحزاب (حزب حاتم، حزب تواصل الإسلامي، حزب التجديد "القومي الزنجي").
وقد حظي المرشح الفائز بتهانئ عدد من قادة الدول العربية والأفريقية المهتمة بالشأن الموريتاني كليبيا والمغرب والجزائر والسنغال ومالي في أفريقيا، وقطر ومصر والأردن في المشرق والخليج، فضلا عن التزكية الإسبانية والفرنسية لما جرى.
ويواجه الجنرال الفائز اختبارا صعبا يتعلق بمدى قدرته على تحقيق الرهانات الكبرى في بلد مأزوم اقتصاديا ومؤسسيا، إذ تعتبر موريتانيا من أكثر البلدان فقرا، يضاف إلى ذلك مشكل البطالة الذي تجاوز 22% فضلا عن مخاطر الهجرة السرية التي باتت تهدد التوازن الديمغرافي لموريتانيا، في ظل ضعف الرقابة على الحدود وهشاشة نظام الهجرة والجنسية.
وفي ظل رفض أبرز الأحزاب المعارضة (الجبهة والتكتل) لنتيجة هذه الانتخابات فإن السيناريو الأول الأكثر احتمالا هو قبول المجتمع الدولي بنتائج الانتخابات وتشريع حكم رئيس الجمهورية الجديد محمد ولد عبد العزيز، وتماسك القوى الداعمة له. مما قد ينتج عنه تخلخل القوى المعارضة ولو بشكل جزئي، وربما يتم ذلك في أقل من بضعة أشهر.
أما السيناريو الأقل احتمالا فهو استمرار المعارضة في المطالبة بالتحقيق في نتائج الانتخابات، ونزولها إلى الشارع وتجدد الصدام مع الأمن، وازدياد الاحتقان، وبقاء البلد في وضع رئيس منتخب مع معارضة رافضة له تعتبر ما جرى مجرد "شرْعنة" لانقلاب. مع إمكانية فتح مفاوضات جديدة مدعومة بضغط المجتمع الدولي، لتحصل المعارضة على جزء من المكاسب السياسية قد تكون حكومة ائتلافية أو أكثر.
أربك الانقلاب الذي جرى في 6 أغسطس/ آب 2008 النخبة السياسية الموريتانية وجعلها في مواجهة مفتوحة بين معسكرين اثنين أحدهما أغلبية النواب الداعمين للعسكر والثاني جبهة من الأحزاب والناشطين الذين كانوا عمود نظام الرئيس المطاح به سيدي ولد الشيخ عبد الله، لكن الانقسام الحاد في الطبقة السياسية الموريتانية أنتج مناخا جديدا لا عهد للمواطنين به، حيث تبلورت بعد الانقلاب وبسرعة حركة رافضة لما جرى مما أشعر المتابعين، ولأول مرة، بوجود ممانعة جدية لدى السياسيين الموريتانيين، عكسا لما كان عليه الحال في الأعوام السابقة، إذ كان الالتفاف حول الحاكم وتشريع سلطته، العسكرية بالطبع، ديدن كل أولئك إلا قليلا. وهو تحول جذري يؤكد تغيرا مهما قد حصل في السلوك السياسي الموريتاني.
أدى ذلك إلى استقطاب حاد للناخبين والداعمين من القوى الشعبية، وجعل الأزمة تصل إلى الطريق المسدود، مما دفع بالطرفين إلى التنازلات المتبادلة والقبول بالدخول في مسلسل انتخابي يعيد للبلاد للحياة الدستورية، وهو ما اعتبره الداعمون للجنرال ولد عبد العزيز نصرا مؤزرا تم به طي صفحة انتخابات 2007 بتحييد الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله من السلطة، أما المعارضون فاعتبروا الاتفاق فشلا للانقلاب ورجوعا للصواب وهو حكم الشعب عبر صناديق الاقتراع.
أسفرت الانتخابات الموريتانية الأخيرة، التي جرت يوم 18 يوليو/ تموز2009 عن أزمة جديدة مازالت تفاعلاتها قائمة وتتجه نحو التعقيد بعد فوز المرشح محمد ولد عبد العزيز بنسبة تجاوزت 52.47% مما دفع بمنافسيه الرئيسيين قطبا المعارضة: مسعود ولد بلخير الحاصل على نسبة تفوق16% وأحمد ولد داداه الحاصل على ما يزيد على 13%، إلى رفض النتائج واعتبارها مزورة وجرى الحديث عن مادة كيماوية تمنع ظهور بعض الأصوات لصالح المرشحين، كما جرى الحديث عن شراء واسع للذمم وللأصوات وتجيير للعلاقات الزبونية من قرابة وروابط تقليدية.
ساد شعور بالتوافق والتراضي بين الطرفين وحتى في الشارع الموريتاني بعد اتفاق دكار وبات الجميع يحشد خيله ورجله لانتخابات الثامن عشر من شهر يوليو-تموز حتى جاءت نتائجها بشكل فاجأ المعارضة إلى حد الإرباك |
وتم التواصل إلى اتفاق دقيق ظل تطبيقه محل شك حتى اللحظة الأخيرة، يقضي بتغيير اسم المجلس الأعلى للدولة الحاكم إلى مجلس للدفاع الوطني مع بقاء تشكيلته على النحو السابق مع إتباعه قانونيا للحكومة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بالتناصف بين الأغلبية الداعمة للانقلاب وبين المعارضة التي تقاسمت الحقائب حيث تركت ثلثها لزعيم المعارضة السيد أحمد ولد دادّاه، ونالت المعارضة ثلاث حقائب من وزارات السيادة هي الداخلية والدفاع والمال، كما تم الاتفاق على رئيس جديد للجنة الوطنية للانتخابات التي كانت شكلت سابقا.
وجرت مراسم التوقيع النهائي على الاتفاق في نواكشوط في مباني قصر المؤتمرات، بحضور أطراف الأزمة وممثلي الهيئات الدولية الراعية للاتفاق.
ساد شعور بالتوافق والتراضي، بين الطرفين وحتى في الشارع الموريتاني، وبات الجميع يحشد خيله ورجله لانتخابات الثامن عشر من شهر يوليو-تموز من سنة 2009 وجاءت نتائجها على النحو الآتي: وفق ما أعلنه وزير الداخلية الموريتاني محمد ولد الرزيزيم من فوز مرشح الرئاسيات محمد ولد عبد العزيز برئاسة الجمهورية في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية المنظمة يوم أمس وقد حصد ولد عبد العزيز ما زاد عن 400 ألف من أصوات الناخبين وهو ما أعطاه نسبة 52.58% من الأصوات المعبر عنها.
وقد تلاه مرشح الرئاسيات مسعود ولد بالخير الذي حصل على نسبة 16.29% من الأصوات يليه أحمد ولد داداه بنسبة 13.66%.
بينما جاء محمد جميل ولد منصور، مرشح حزب تواصل الإسلامي، في المرتبة الرابعة بنسبة 4.76 % من الأصوات المعبر عنها، بينما احتل المرتبة الخامسة زعيم حركة التجديد إبراهيميا مختار صار الذي حصل على نسبة 4.59% . لتتوالي بعد ذلك نتائج المرشحين الباقين بنسب أقل.
بعيد صدور النتائج بوقت قصير، وربما متزامن، أعلن ثلاثة من كبار المرشحين: هم مسعود ولد بلخير وأحمد ولد داداه وعلي بن محمد فال رفضهم للنتائج واعتبروها مزورة ومفبركة وأنه قد شابتها خروقات تلغي مصداقيتها، أما المرشحون الآخرون فأعلنوا تباعا قبولهم بنتائج الانتخابات ومباركتهم للجنرال الفائز ودعوته للتهدئة ونبذ الإقصاء وتصفية الحسابات حسب قولهم.
مباشرة أعلن محمد ولد عبد العزيز الفائر في الانتخابات رفضه لتهم التزوير واعتبر الانتخابات شفافة ونزيهة وأنها تمت تحت سمع وبصر المراقبين المحليين المستقلين والمراقبين الدوليين لاسيما من الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وهيئات مدنية أخرى. ثم دعا إلى التهدئة وأكد أنه لن يسلك سبيل الحرب على خصومه بل سيركز على التنمية ومكافحة الفساد والإرهاب حسب رأيه.
ركزت دعاوى المعارضة، ممثلة أساسا في رئيسها أحمد ولدا داداه وزميله رئيس الجمعية الوطنية الأسبق مسعود ولد بلخير، على وجود مادة كيميائية تم استخدامها في طلاء بعض خانات المرشحين في نسبة محددة من أوراق التصويت جرى توزيعها بعناية في مناطق معينة، مما جعل التصويت لبعض مرشحي المعارضة يختفي بسرعة بفعل تلك المادة ... وطالب الرجلان بتحقيق فني في المسألة، ثم تقدما بطعون لدى المجلس الدستوري وهو أعلى هيئة قضائية موريتانية، وبعد انتظار لم يطل أعلن المجلس رفض طعون المعارضة واعتبرها مجرد أفكار عامة لا ترقى إلى مستوى الأدلة وأكد فوز محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات وتوليه رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية لمدة خمس سنوات قادمة.
من أسباب نجاح ولد عبد العزيز: العامل الخارجي المتمثل في الدعم الغير معلن من القوى الأوروبية والدول القريبة المغرب والجزائر والسنغال التي ربما ترى في نجاحه تكريس لسلطة تساعد على استقرار هذا البلد الواقع في قلب المغرب العربي وإفريقيا فضلا عن عامل آخر داخلي ويتمثل في تموقع محمد ولد عبد العزيز في الساحة السياسية والاجتماعية من خلال عمل دؤوب استمر لمدة عشرة شهور |
ومن جهة أخرى كانت هناك أحزاب حديثة النشأة نسبيا هي: حزب تواصل الإسلامي بزعامة جميل ولد منصور وحزب حاتم الذي يرأسه الرائد السابق صالح ولد حننّه وحزب التجديد الديمقراطي الذي يرأسه إبراهيم مختار صار الوجه الزنجي البارز.
وقد انضمت الأغلبية البرلمانية المنضوية تحت جناح حزب عادل المتحالف مع العسكر، إلى المرشح محمد ولد عبد العزيز، أما المعارضة فقدمت مرشحها مسعود ولد بلخير، بينما ترشح أحمد ولد داداه باسم حزبه التكتل، وخاض كل من صالح ولد حننه قائد انقلاب 2003 باسم حزبه الانتخابات، بعد أن ساند ولد عبد العزيز طيلة فترة الأزمة التي سبقت اتفاق داكار، وتقدم الإسلاميون في حزب تواصل بمرشحهم الموحد محمد جميل ولد منصور. وهناك أيضا إبراهيم صار مرشح حزب التجديد ذي التوجه القومي الزنجي.
أما المترشحون الآخرون: علي ولد محمد فال، حمادي ولد أميمو، كان حاميدو بابا، الصغير ولد امبارك، فقد تقدموا للانتخابات بشكل مستقل.
وبنظرة أولية على الخارطة الحزبية والقوى التي شاركت في الانتخابات يبدو أن المشهد السياسي فد أفرز:
1- قطبا داعما للمرشح محمد ولد عبد العزيز من بين مكوناته: نواب الأغلبية البرلمانية وينتمي بعضهم لحزب عادل والبعض الآخر لأحزاب أخرى مثل الحزب الجمهوري وغيره، مدعومة من بعض رجال الأعمال وأعيان القبائل لا سيما في عدة مناطق من أبرزها المناطق الشرقية من موريتانيا، ومؤازرة، ولو بشكل غير معلن، من المؤسسة العسكرية.
2- العوامل التي ساهمت في فوز محمد ولد عبد العزيز: يرى البعض أن هناك عدة عوامل ساهمت في تصعيد ولد عبد العزيز إلى سدة الرئاسة، منها عامل خارجي ويتمثل في الدعم الغير معلن من القوى الأوروبية والدول القريبة المغرب والجزائر والسنغال، التي غلبت عندها الاعتبارات الواقعية، معتبرة أن دعمها للجنرال المستقيل محمد ولد عبد العزيز من شأنه تكريس لسلطة تساعد على استقرار هذا البلد الواقع في قلب المغرب العربي وإفريقيا. وهناك عامل آخر داخلي ويتمثل في تموقع محمد ولد عبد العزيز في الساحة السياسية والاجتماعية من خلال عمل دؤوب استمر لمدة عشرة شهور. وقد تعزز هذا العامل بعامل ثالث يتمثل في خطاب شعبي ظهر الجنرال من خلاله لجزء ملحوظ من الرأي العام وعلى نحو ما يقول أحد المتابعين السياسيين الموريتانيين "كمحارب أسطوري يواجه عمالقة السياسة الذين أصابهم الإحباط من طول النزال، وملّهم الناس بعد مراحل من العمل السياسي". ولأول مرة يلتزم مرشح "الدولة"، خطابا راديكاليا هو خطاب محاربة الفساد مما أربك مرشحي المعارضة وجعلها في وضعية الدفاع والرد بالتهم والتشكيك في شخص الخصم، بينما انحازت أغلبية الفئات المهمشة والمجموعة الصامتة (التي لا تهتم بالانتخابات) من النساء والرجال وغالبيتها من الشباب إلى صف ولد عبد العزيز.
نجحت المؤسسة العسكرية في تحييد رئيس منتخب (الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله)، وجاءت بأحد رجالاتها النافذين إلى السلطة عبر انتخابات وُصفت بالشفافية. واعتبرت الطبقة السياسية المعارضة الأمر مجرد انقلاب دستوري محكم التنظيم لتأكيد الانقلاب العسكري السابق، وحذرت من أيام طوال في ظل حكم العسكر من خلف ستارة ديمقراطية.
وساد شعور بالإحباط، وربما المرارة، بين كبار رموز المعارضة، التي كانت تعتبر الانتخابات فرصة ذهبية لتصفية خصمها العسكري اللدود وتحييد العسكر من السياسة والرجوع لسلطة مدنية يقودها واحد من القطبين المعارضين، وكانت لكل منهما أجندته الخاصة. فأحمد ولد داداه ـ المعارض القديم ـ انضم بعد الانقلاب إلى الجنرالات، ثم نكص على عقبيه بعد أن تأكد له وجود مرشح للجيش، وهو ما يقطع أمل هذا المعارض في الفوز لانعدام ظروف طبيعية تسمح بوجود منازلة متكافئة، حسب رأيه.
أما مسعود ولد بلخير المناضل الصبور فقد انحاز منذ البداية إلى المعارضين للانقلاب الذي تم ضد رئيسه سيدي ولد الشيخ عبد الله ورفض الاستمرار في مهامه كرئيس للجمعية الوطنية مقتنعا بأن الجنرالات سينقلبون ضده ولو بعد لأي.
خسرت الرموز الحزبية الجديدة: حزب حاتم، حزب تواصل الإسلامي، حزب التجديد "القومي الزنجي"، وتراجعت إلى الخلف بأصوات قليلة. وأظهرت هذه الانتخابات ضعفا ملحوظا في التعبئة لدى حزب تواصل الإسلامي، وربما يعزى ذلك إلى ضعف الخطاب الإيديولوجي في هذه الجولة الانتخابية لصالح خطابات أخرى.
وانقسم ولاء طبقة رجال الأعمال التقليدية بين المرشحين، حيث لأول مرة يعلن قطبا أعمال عملاقان هما أهل نويكظ و أهل عبد الله ترك مرشح "الدولة" ومساندة مرشح معارض كانوا ضده طيلة الفترة الماضية، بينما اختار رجل الأعمال ذي النزعة الحداثية ولد أبوعماتو الوقوف خلف المرشح ولد عبد عزيز.
تراجع المرشح أحمد ولد داداه إلى ما بعد زميله مسعود ولد بلخير، بعد أن كان ولد داداه، زعيم المعارضة، متقدما في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة، حيث كان يأتي في الرتبة الثانية دائما في كل الجولات ضد ولد الطايع وضد ولد الشيخ عبد الله بعد ذلك، وربما تكون هذه الانتخابات هي الجولة الأخيرة للرجلين، قبل تحولهما إلى التقاعد السياسي.
ويعزى تراجع شعبية مرشح الزنوج مختار صار، الحاصل سابقا على قريب من 8%، إلى تشتت أصوات الزنوج بفعل وجود مرشح زنجي آخر هو كان حميدو بابا، وللاختراق الملحوظ الذي حققه في صفوفهم المرشح ولد عبد العزيز لاسيما بعد تجربة المصالحة مع الزنوج الموريتانيين ومحاولة حل ملفهم الشائك والذي يعود إلى أحداث العنف العرقية التي عرفتها موريتانيا نهاية ثمانينيات القرن الماضي وبداية تسعينياته.
وتبقى القوى الخاسرة، حسب البعض، هي أساسا نخبة اليسار التي ظلت تتمركز في السلطة والمعارضة في نظام للتبادل أعلن ولد عبد العزيز رفضه مرارا، ومعها الناشطون الكبار من حركة الحر من جناح مسعود، كما يجري الحديث عن اصطفاف قبلي حاد أفرزته الانتخابات ظهر جليا في القوى الداعمة للمرشحين منذ البداية، وتمثل أساسا في وجود قبيلة أولاد بالسباع في السلطة بمواجهة قبيلتي السماسيد و إدواعلي في المعارضة.
يواجه الجنرال الفائز اختبارا صعبا يتعلق بمدى قدرته على تحقيق الرهانات الكبرى في بلد مأزوم اقتصاديا ومؤسسيا |
أما الوضع الداخلي فلا يزال القلق يخيم عليه مع استمرار رفض الانتخابات من قبل القطبين المعارضين الرئيسين: التكتل ورئيسه أحمد ولد داداه، وجبهة الدفاع عن الديمقراطية (المعارضة) ومرشحها مسعود ولد بلخير.
وثمة احتمال أن تعود الأمور إلى سيناريو الأزمة مجددا ـ أي ما قبل الانتخابات ـ في ظل احتمال سعي المعارضة للتصعيد وما يمكن أن أسميه: جاذبية النموذج الإيراني، لاسيما بعد الإعلان عن مهرجان حاشد شعاره "أين ذهب صوتي"؟ وهو من شعارات الرافضين للانتخابات الأخيرة في إيران!
لكن قدرة المعارضة على الاستمرار في رفض الانتخابات، تبقي محل شك بفعل العوامل والتطورات الآتية:
ما يمكن تسميته "إغراء السلطة" أو جاذبية السلطة، وهو عامل له سلطان كبير على قلوب السياسيين الموريتانيين، حيث ظلت المناصب والامتيازات التي تجلب "الجاه" و النفوذ في المجتمع، محط أنظار الكوادر الحزبية والمثقفين والأعيان التقليديين، لاسيما منذ بداية ما يعرف بـ "المسلسل الديمقراطي" من سنة 1991 في عهد الرئيس السابق ولد الطايع.
التململ الذي بدأ يصيب بعض أعضاء الأحزاب المعارضة، مللا من المواجهة أو رغبة في منافع سريعة، وقد ظهرت بوادر من ذلك في حزب التكتل المعارض، لاسيما بعد إعلان بعض أعضائه النافذين عن قبولهم للنتائج ودعمهم للفائز ودعوتهم رئيس حزبهم إلى قبول ما جرى.
الانقسام الحاصل داخل القطب المعارض لاسيما أن تاريخ العلاقة بين رأسي المعارضة الحالية، يذّكر بالكثير من الخلافات والتوتر، مما قد يوحي بالريبة، فضلا عن الحساسية التقليدية بين كوادر اليسار ورموز حركة الحر، وهما القطبان الرئيسان في جبهة الدفاع عن الديمقراطية التي رشحت مسعود ولد بلخير رئيس حزب التحالف الشعبي المكون من رموز الناصريين ونشطاء حركة الحر ورموز من قوميي الزنوج.
نجاح الجنرال ولد عبد العزيز في تنفيذ جوهر برنامجه، وفي مقدمته العمل على إقصاء فئات رئيسة من الإدارة العمومية واستبدالها بفئات شابة من حديثي التخرج أو من غير الناشطين سياسيا، بغية تكوين فئة جديدة تدين بالولاء لخيارات العهد الجديد وتنفذ برنامجه القائم على صون المال العام وتحسين مستوى الدخل للفقراء ومكافحة البطالة .
لكن الجنرال الفائز يواجه اختبارا صعبا يتعلق بمدى قدرته على تحقيق الرهانات الكبرى في بلد مأزوم اقتصاديا ومؤسسيا، إذ تعتبر موريتانيا من أكثر البلدان فقرا، ويرتكز اقتصادها على تصدير المواد المنجمية الأولية، ولاسيما الحديد الذي بدأت أسعاره في التراجع، وهو حال الأسماك التي يطرح تصديرها مشاكل لا حصر لها، يضاف إلى ذلك مشكل البطالة الذي تجاوز 22% في مجتمع شاب (الغالبية دون سن العشرين) فضلا عن مخاطر الهجرة السرية التي باتت تهدد التوازن الديمغرافي لموريتانيا، في ظل ضعف الرقابة على الحدود وهشاشة نظام الهجرة والجنسية.
وسيكون على الحاكم الجديد خلع بزته العسكرية تماما ليقتنع الممولون بمدنية السلطة، على الرغم من وجود مجلس للدفاع الوطني كان قد عينه المجلس الأعلى السابق وإن تغيرت الأسماء، وكان الرئيس الجديد أعلن أن المجلس باق لن يزول، في إشارة ربما إلى مهامه التي يرضى عنها الشركاء الأوروبيون ولاسيما أسبانيا التي حمدت للمجلس دوره المشهود في حماية الشواطئ الإسبانية في جزر الكناري من موجات الهجرة الأفريقية التي لا تتوقف.
وفي كل الأحوال فإن الأطراف الدولية، ولاسيما الأوروبي منها، والبلدان القريبة من موريتانيا، تعتبر استقرار هذا البلد جوهريا لأمن المنطقة، في ظل تنامي الخطر السلفي وازدياد الهجرة السرية وظهور الحركات المتمردة للطوارق في بلدان الصحراء والساحل.
1. السيناريو الأول الأكثر احتمالا هو تمسك المجتمع الدولي بصدْقية الانتخابات وتشريع حكم رئيس الجمهورية الجديد محمد ولد عبد العزيز، وتماسك القوى الداعمة له وتخلخل القوى المعارضة، وربما يتم ذلك في أقل من بضعة أشهر، لا سيما بعد سلسلة الوعود التطمينات التي قدمها الفائز. هذا إلى جانب نجاح الرئيس الجديد في الإفادة من "الشرعية" والحصول على دعم مالي وسياسي دولي وعربي، وخلق مناخ من الثقة بين الدولة والمجتمع، مما سيؤثر على مصداقية المعارضة ويحشرها في الزاوية، وربما تشهد نوعا من التفكك الداخلي عن طريق الانسحابات والانقسامات.
2. السيناريو الأقل احتمالا، رغم كونه يظل واردا، هو استمرار المعارضة في المطالبة بالتحقيق، ونزولها إلى الشارع وتجدد الصدام مع الهيئة الأمنية، وازدياد الاحتقان، وبقاء البلد في وضع رئيس منتخب مع معارضة رافضة له تعتبر ما جرى مجرد "شرْعنة" لانقلاب، مما سيؤدي إلى عودة الأمور إلى المربع الأول، ومن ذلك احتمال فتح مفاوضات جديدة مدعومة بضغط المجتمع الدولي، لتحصل المعارضة على جزء مكاسب سياسية أوفر، قد تكون حكومة ائتلافية أو أكثر!
_______________
أستاذ التاريخ الحديث بجامعة نواكشوط ـ موريتانيا