عناصر التقدير
أيديولوجية الأرض
الأجندة الحربية لحكومة أولمرت
السيناريوهات وطبيعة السلام..!
استخلاصات عامة
حكومة أولمرت باقية حتى نهاية ولايتهانواف الزرو
- أجندة سياسية وإيديولوجية إسرائيلية مدججة باللاءات
- أجندة حربية مفتوحة على نحو تصعيدي خطير
رغم الجدل الواسع الذي تسيد المشهد السياسي الإسرائيلي على مدى الأيام الماضية بشأن "تقرير فينوغراد النهائي" إزاء الحرب التي شنتها "إسرائيل" على لبنان صيف العام 2006، ورغم أن التقرير "يكرر كلمة "خلل" 213 مرة، وكلمة "فشل" 190 مرة"، وتأكيده "أن الجيش يتحمل بالدرجة الأولى فشله في توفير إنجاز عسكري ملائم"، ورغم "الاصطفافات الحزبية الواضحة التي يطالب بعضها بأن يتحمل أولمرت مسؤولية الهزيمة في الحرب ويرحل عن الحكومة"، إلا أنه وفق معظم المؤشرات الإسرائيلية سيبقى أولمرت على ما يبدو على رأس الحكومة الإسرائيلية حتى العام 2010 وهي نهاية فترة ولايته.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يقدم أولمرت استقالته من رئاسة الحكومة في ضوء نتائج التقرير وتدني شعبيته والمطالبات المتراكمة باستقالته...؟! هناك في الحقيقة جملة حسابات واعتبارات وراء عدم تحمل أولمرت المسؤولية ورفضه تقديم استقالته، منها ما هو شخصي يتعلق بتمسكه بموقعه، فهذه الفرصة السياسية الأخيرة في سيرته السياسية وهو يدافع عنها بشراسة وعناد لافتين، ومنها ما يتعلق بالحسابات الحزبية الداخلية في حزبه "كاديما"، ومنها ما يتعلق بموازين القوى الحزبية في "إسرائيل" واحتمالات حدوث انقلاب في نتائج الانتخابات البرلمانية لو جرت مبكرا لصالح الليكود، ما يعني ليس فقط أن يخسر أولمرت القيادة، وإنما أن يخسر حزب كاديما الحكومة وقيادة الدولة، ناهيك عن أن فينوغراد منحه أيضا مخرجاً للتنصل من المسؤولية الشخصية عن قراره شن الحرب والحملة البرية الفاشلة ...!.
لذلك اكتفى أولمرت إعلاميا بإعلانه "إنه يتحمل كامل المسؤولية عن كل الإخفاقات في الحرب الأخيرة على لبنان"، مضيفا "إنه لا توجد ديمقراطية ناجعة دون تحمل المسؤولية، وأنه يستغل مسؤوليته تلك من أجل إصلاح الخلل واستخلاص العبر وإحداث التغييرات المطلوبة".
" بإعلان حزب العمل بقاءه في حكومة إيهود أولمرت وكذلك حزبا "شاس" و"المتقاعدون" يكون أولمرت قد تجاوز أخطر العقبات التي تهدد استمرار حكومته وهي عقبة الائتلاف الداخلي " |
بينما يظل موقف وزيرة الخارجية "تسيبي ليفني" المنافسة الكبرى لأولمرت التي كانت قد دعته للاستقالة لدى نشر التقرير الأولي الأهم على المستوى الداخلي لكاديما، إذ وقفت هذه المرة خلف أولمرت، وقالت "ينبغي أن نستمر سويا لأن ذلك يعد تحملا للمسؤولية"، وأردفت: تعالوا لكي لا نوهم أنفسنا، فالتقرير قاس وكلمات من قبيل "حرب أخفقت"، من الصعب على الجمهور الإسرائيلي الاستماع إليها"، وأضافت "كلنا جزء من حكومة اتخذت قرارا وبدأنا في هذه القاعة، وهذا لا يعفينا من المسؤولية".
لذلك فإن السيناريو المستقبلي الأرجح في المشهد السياسي الإسرائيلي بعد فينوغراد، استنادا إلى معطيات الخريطة الحزبية السياسية الداخلية للأحزاب والمعسكرات الإسرائيلية، أن أولمرت سيستمر على قمة الهرم القيادي الإسرائيلي ومن المتوقع أن يواصل حكم "إسرائيل" حتى نهاية العام 2010...! وهذا ما يستدعي من الفلسطينيين خاصة، والعرب عامة التعاطي مع هذه المعطيات الإسرائيلية باعتبارها حقيقة كبيرة ماثلة بقوة، كما أن عليهم بالتالي التعامل مع المفاهيم والمضامين الحقيقية للمشروع السياسي لأولمرت بجذوره الشارونية الذي يستند إلى نظرية "إدارة الصراع" وليس تسويته في إطار سلام عادل وشامل ودائم.
خلفيات أيديولوجية "أرض إسرائيل من البحر للنهر"
نتوقف هنا أمام جوهر المشروع الإسرائيلي بخلفياته الإيديولوجية المتعلقة بـ"أرض إسرائيل من البحر إلى النهر" وبـ"أن من حق اليهود الاستيطان في كل مكان" و"أن من حقهم بالتالي الدفاع عن أنفسهم في مواجهة العمالقة الأشرار".
فأولمرت يثبت لنا يوما بعد يوم أنه لا يقل تشددا وتطرفا وتمسكا بالثوابت الصهيونية التقليدية عن سلفه شارون، فقد سبق له أن عبر أمام "مؤتمر نوبل للسلام – البتراء 2006"، الذي عقد في وادي موسى جنوب الأردن في 22 يونيو/ حزيران 2006 أبلغ تعبير عن كل هذه المضامين التي نتحدث عنها التي تشكل في الحصيلة الإستراتيجية الخلفية والمنطلقات الأيديولوجية للحروب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
فعندما سئل أولمرت في المؤتمر عن حجم الاستعداد للتنازل الإقليمي قال "نحن الإسرائيليين اليهود جازمون أن أرض إسرائيل التاريخية من نهر الأردن إلى البحر (الأبيض المتوسط) هي أرضنا وتراثنا، ونحن اليهود نملك الحقوق التاريخية، والآثار في الأرض لليهود وليس للفلسطينيين".
" مفردات أجندة الحكومة الإسرائيلية هي: انتهاج سياسة الجزرة تجاه الضفة، والعصا الغليظة تجاه غزة والحصار الشامل والضغوط الاقتصادية والاجتياحات والاغتيالات " |
وفي صميم تلك الأجندة تحديدا فإن هناك احتمالات قد تكون دراماتيكية، في مقدمتها ما يتعلق بحرب أولمرت–باراك المفتوحة ضد الفلسطينيين عامة، وعلى غزة خاصة، إذ تتراكم المؤشرات الإسرائيلية باتجاه قرار إسرائيلي إستراتيجي بالعمل على تكريس حالة الانقسام والانشطار الجيوسياسي الفلسطيني-الفلسطيني بين غزة والضفة، باعتباره بات يشكل "مصلحة إسرائيلية عليا" و"أَرْيَح وضع لإسرائيل في تاريخ المواجهة مع الفلسطينيين".
ومواصلة انتهاج سياسة الجزرة تجاه الضفة، والعصا الغليظة الحربية الدموية تجاه القطاع، التي تشتمل من ضمن ما تشتمل عليه مواصلة الحصار الشامل والضغوط الاقتصادية، إلى جانب الاجتياحات والاغتيالات المفتوحة على نحو تصعيدي خطير، إذ يبدو أنه أصبح هناك شبه إجماع حكومي وحزبي على تصعيد سياسة الاغتيالات لتشمل أيضا القيادات السياسية لحماس والفصائل الأخرى إلى جانب القيادات العسكرية الميدانية..!
وعلى هذا الصعيد الحربي استحضرت "إسرائيل" مؤخرا خطة "حقل الأشواك" لاجتياح غزة، بعد أن كانت الحكومة الإسرائيلية قد أعلنت أن "الهدف الإستراتيجي لـ"إسرائيل" هو إسقاط سلطة حماس في غزة"، وبعد أن كان أولمرت قد أعلن من جهته الحرب-المجزرة المفتوحة ضد غزة، وبعد أن أجمع العسكريون على خيار احتلال غزة مجددا إلى الأبد...! فإن حسابات الاجتياح الذي بات على قمة الأجندة الحربية الإسرائيلية، فضلا عن تقديرات الهزيمة والخسائر هي التي ما تزال تثير الرعب والتردد...!، لدرجة أن المخاوف الإسرائيلية من "ستالينغراد فلسطينية" ومن "أن جنين ستعد بمنزلة "مخيم صيفي" مقارنة مع اجتياح غزة"، أخذت تلعب دورا سيكولوجيا محبطا بالنسبة لهم.
أما عن سيناريوهات المفاوضات والسلام، فإن الأجندة السياسية الإسرائيلية تبدو مدججة كما هو معروف باللاءات والاشتراطات الأمنية والسياسية التي تنسف من الجذور أي احتمالية للتوصل إلى تسوية شاملة حقيقية، فتسوية كهذه مستحيلة حتى حسب الأدبيات السياسية الإسرائيلية...! ولذلك فإنه يغدو من الأولى للفلسطينيين والعرب أن يقرؤوا مجددا "طبيعة ومضامين وشروط واشتراطات السلام" الذي يريدون فرضه فلسطينيا وعربيا..؟!
وهنا وفي ضوء كل ذلك نتساءل، ما الآفاق الحقيقية اليوم لعملية السلام والتسوية كلها..؟ كان عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية قد أجمل الرد على هذا السؤال الإستراتيجي حينما أطلق من الأعماق ذات يوم مؤكدا "أن عملية السلام كلها عبارة عن نصب سياسي" ليعود ثانية بعد ذلك ليعلنها صريحة بأن "لا فائدة، فإسرائيل فوق القانون الدولي.. وأنه طالما هناك احتلال هناك مقاومة".
ولذلك نقول "من المفيد دائما أن نتوقف أولا أمام خرائط الحرب الاحتلالية الحقيقية التي تجري هناك على الأرض الفلسطينية، وأمام أدبيات وطبيعة السلام الذي يريدونه ويبحثون عنه ويسعون لابتزازه من الطرف الفلسطيني والعربي، فحكومة أولمرت ستظل قائمة أمامنا حتى نهاية العام 2010 وفق المؤشرات والتقديرات الإسرائيلية.
" تشجع حالة الصمت العربي إزاء الوضع الفلسطيني دولة الاحتلال على المضي في سياساتها الحربية ومماطلتها في التفاوض حيث تصبح العملية السلمية مجرد خدعة كبيرة " |
أولا: على المستوى الفلسطيني، طالما أنه لا يوجد أي أفق سياسي لتسوية حقيقية وفق الأجندات الإسرائيلية، وطالما أن ما سيواجهه الطرف الفلسطيني هو التصعيد الحربي الإسرائيلي بكل عناوينه، يغدو من الملح والعاجل أن يستيقظ الفلسطينيون على هذه الحقيقة الصارخة التي لا يمكن مواجهتها واحتواؤها عمليا إلا بالحوار والتفاهم والوحدة الوطنية الفلسطينية، فالانقسام والانشطار هو "المصلحة الإسرائيلية العليا" وهو المفسدة الفلسطينية والعربية!
ثانيا: على المستوى العربي، الواضح أن حالة الصمت وإلى حد كبير الفرجة العربية إزاء الوضع الفلسطيني إنما تشجع دولة الاحتلال على المضي قدما في سياساتها الحربية من جهة، وفي سياساتها التفاوضية العقيمة المماطلة من جهة أخرى، حيث تصبح العملية التفاوضية مجرد خدعة كبيرة لربح الوقت وفرض معطيات جديدة على الأرض بقوة الاحتلال ومزيد التوسع والاستيطان.
لذا المطلوب عربيا لتصحيح الموقف العربي كي يصبح داعما على نحو جاد للوضع الفلسطيني التدخل بوساطات فعالة لإنهاء الانشطار الفلسطيني، وإعادة صياغة الحسابات والأولويات العربية في العلاقة العقيمة مع "إسرائيل"، ليصبح على قمة الأولويات العربية مثلا "مراجعة خيار السلام خيارا إستراتيجيا للعرب"، ومراجعة عملية التطبيع مع إسرائيل" وهو تطبيع مجاني على حساب القضية الفلسطينية، ثم العمل على أقل تقدير وفق أجندة عربية موحدة على المستوى السياسي والدبلوماسي، ما يعني أيضا العودة بقوة إلى قرارات الشرعية الدولية باعتبارها رصيدا هائلا لصالح القضية الفلسطينية.
_______________
تم إعداد الورقة بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2008