بيان "منتدى المشرق"

بدعوة من مركز الجزيرة للدراسات انعقد في الدوحة منتدى المشرق في الفترة بين الخامس والسادس من يونيو/حزيران 2008، وشارك فيه ثلاثون باحثا ومختصا من العرب والأتراك والإيرانيين بقصد إدارة حوار جاد حول واقع ومستقبل العلاقة بين الأمم الثلاث.
19 November 2008

بدعوة من مركز الجزيرة للدراسات انعقد في الدوحة منتدى المشرق في الفترة بين الخامس والسادس من يونيو/حزيران 2008، وشارك فيه ثلاثون باحثا ومختصا من العرب والأتراك والإيرانيين، بقصد إدارة حوار جاد حول واقع ومستقبل العلاقة بين الأمم الثلاث.


التفاعلات التاريخية والحضارية

 

وقد تناول المنتدى أربعة محاور رئيسية توزعت على ثماني جلسات عمل. المحور التاريخي كان أول المحاور التي تدارسها الباحثون، إذ بين عدد من الأوراق عمق العلاقة التي تجمع أبناء الأمم الثلاث، وقدم الباحثون عرضا تاريخيا للتفاعلات التاريخية والحضارية التي دارت عبر العصور في المنطقة، مؤكدين أن تاريخا مشتركا، ومتخيلا جمْعيا قد تشكل، وأن نسيجا ديمغرافيا قد تداخل، فجعل من المجال الجغرافي الممتد عبر أراضي الأمم الثلاث وحدة حضارية متماسكة.

 

ولم يفت الباحثين التأكيد أن تاريخ المنطقة عامل وحدة وتواصل، غير أنه يمكن أن يشكل عنصر فرقة وتباين، فالتاريخ تجربة إنسانية حضارية لا يمكن الحسم نهائيا في تبايناته، وينبغي أن تستخدم التجربة التاريخية بقدر كبير من الوعي، وبما يخدم واقع شعوب المنطقة ومستقبلها.


ولاحظ المشاركون أنه وفي أعقاب تشكل الدولة القومية الحديثة في بدايات القرن المنصرم، سادت روح من القطيعة بين الأتراك والعرب والإيرانيين، مما أثر سلبا على التواصل الحضاري بين هذه الأمم، كما أن إيران وتركيا قد حققت وحدتها في دول قومية، أما الدول العربية فما زالت تصارع آثار التقسيم الاستعماري الذي بات يهدد وحدة الدولة الوطنية ذاتها.

 

واقترح بعض الباحثين ضرورة بناء منهجية بحث تاريخي تبعد عن ما علق بالذهنية المعاصرة من آثار مقولات وأفكار مسبقة ومغالطات جاءت بها فترة القطيعة هذه، وعليه فإن قراءة جديدة لتاريخ المنطقة ينبغي أن تأخذ بالاعتبار دروس التاريخ وعبره بسلبيات التجارب وإيجابياتها بفترات الإثراء المتبادل وفترات الخصومة والنزاع، وأن تزيح ما تراكم من أوهام واتهامات وتوظيف سياسي راهن لأحداث الماضي، وينبغي أن تراجع المناهج التربوية، وأن يتم تشجيع طلبة الجامعات ومراكز البحث على تقديم رؤية تاريخية متوازنة.


الشأن الإستراتيجي والأمن الإقليمي

 

المحور الثاني تناول الشأن الإستراتيجي والأمن الإقليمي للمنطقة، حيث اتفق عدد من الباحثين على أن الأمن الإقليمي هو الإشكالية  الأساسية في العلاقة بين الأمم الثلاث، والقضية المشتركة الأساسية إذا ما نظر إليها من زاوية المصالح المشتركة وضرورة مواجهة التهديدات الخارجية. إذ إن المنطقة تمر بمرحلة انتقال إستراتيجي، وصفها البعض بأنها لحظة تحول تاريخية، لحظة قلقة وحائرة، مفتوحة على احتمالات متعددة، لا سيما في أعقاب تداعيات الحرب على العراق، وانتشار أجواء من الهواجس وغياب الثقة في نوايا الأطراف المختلفة، وغياب حوار حقيقي وصريح بين الأطراف المتباينة حول مستقبل المنطقة وأمن دولها.

 

ولاحظ المجتمعون أن جملة من المخاوف تسود العلاقة بين الإيرانيين والعرب، في ظل اتهامات متبادلة، تتراوح بين الطموحات الطائفية والأهداف التوسعية والاستقواء بالأجنبي، هذا بالإضافة إلى المشكلات الحدودية والتداخلات الإثنية. وأكد عدد من الباحثين أن الرد على مثل هذه المخاوف لا يكون إلا بحوار يتسم بالشفافية، تقتنع فيه الأطراف كافة بأن مستقبلها رهن ببناء جسور ثقة، تتواصل فيه النخب السياسية والثقافية، وتتفاعل فيه المؤسسات المدنية، وتحترم سيادة دول المنطقة. واقترح المشاركون تطوير آليات لفض النزاع، ترصد مكامن الاختلاف، وتحتوي النزاعات حال بروزها، ولا تسمح لتباين وجهات النظر من التحول إلى أزمات أمنية، تعصف باستقرار المنطقة.


وفي إطار الحديث عن الدولة القومية، لاحظ بعض الباحثين أن الإيرانيين يمتلكون دولة قومية تمثلهم، وكذا الحال بالنسبة للأتراك، بينما يتوزع العرب على اثنتين وعشرين دولة، ومع ذلك، فقد رأى  الباحثون ضرورة احترام الدولة الوطنية، إذ إن تفككها يعني مزيدا من التشرذم، ويعيق كل مشروعات التنمية والتكامل.

 

التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي


المحور الثالث تركز على التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي، فالمنطقة موطن لأكبر احتياطيات الطاقة في العالم، وتشكل الموارد البشرية الفتية فيها عنصرا حاسما، وقد رأى الباحثون ضرورة  توظيف الفائض الهائل لعائدات النفط الحالية في بناء مشروعات تنموية مشتركة، بالإضافة إلى تشجيع التجارة البينية، والمشروعات الاقتصادية الإستراتيجية، ورفع القيود على حركة رجال الأعمال والسلع، وإلى التشبيك بين تجمعات رجال الأعمال في دول المنطقة.


ولاحظ المشاركون أن الموارد المائية والأراضي الزراعية لدول المجال يمكن أن تتكامل مع الخبرات الإنسانية في نسق اقتصادي يحقق الأمن الغذائي، لا سيما مع أزمة الغذاء العالمية، كما أن انفتاح إيران على آسيا وانفتاح تركيا على أوروبا وتواصل العالم العربي مع أفريقيا يجعل من دول المجال منطقة عبور إلى أسواق عالمية هامة، ويمكن لدول المجال أن تشكل كتلة اقتصادية متماسكة، إذا ما تعاونت وتبنت في المستقبل نظام تبادل نقديا موحدا، تضعها إلى جانب التكتلات الاقتصادية الكبرى كالاتحاد الأوروبي ومجموعة آسيان ورابطة دول أميركا اللاتينية وغيرها.

 

البعد الثقافي والشعبي بين الأمم الثلاث


المحور الرابع تناول البعد الثقافي والشعبي بين الأمم الثلاث، إذ دعت بعض الأوراق إلى تشجيع التواصل بين مؤسسات المجتمع الأهلي وقواه الحية، فالحراك الشعبي والثقافي يمثل رافدا مهما في مسيرة التواصل، ويعزز مناخا من التفاهم والثقة، تنفتح فيه العقول على خبرات متبادلة، وتزول الكثير من الحواجز الذهنية المتراكمة، كما أن المكونات السكانية المتشابهة، والعناصر الثقافية المشتركة لدول المنطقة صمدت أكثر من غيرها أمام فترة القطيعة، ويمكن بقليل من التشجيع أن تستعيد حيويتها وعافيتها.

 

وفي سعي دول المنطقة لبناء مجال مشترك، فإن جهدا ينبغي أن يبذل في إطار "التشبيك" بين المؤسسات ومراكز البحث، توضع فيه أولويات حوار محددة، يتناولها الباحثون بقدر لائق من العمق والمسؤولية، واضعين في اعتبارهم أن مستقبل المنطقة رهن بتفاهم أبنائها، وأن قدرهم هو في التعايش المشترك، ولا يمكن لأمة من أمم المنطقة أن تنشئ نهضة سياسية واقتصادية بمعزل عن الأمم الأخرى.


وفي ختام المنتدى أوصى المشاركون بأهمية انعقاد ملتقيات ومنتديات تخصصية، تتناول المحاور المختلفة بمزيد من العمق، وتخلص إلى توصيات عملية، توضع بين يدي أصحاب القرار في المنطقة.