إستراتيجية أوباما في أفغانستان.. أمركة الحرب

في مطلع ديسمبر/كانون أول وبعد مشاورات طويلة، أعلن الرئيس أوباما إستراتيجيته في أفغانستان، للوهلة الأولى، بدا كأن النهج الذي اختاره أوباما يستهدف أفغنة الصراع، الحقيقة، أن إعلان أوباما يجعل الحرب في أفغانستان حرباً أميركية أكثر مما كانت في اي مرحلة سابقة
17 December 2009







 

مركز الجزيرة للدراسات


في مطلع الشهر الجاري ديسمبر/ كانون الأول، وبعد مشاورات طويلة، أعلن الرئيس أوباما إستراتيجيته في أفغانستان. للوهلة الأولى، بدا كأن النهج الذي اختاره الرئيس الأميركي يستهدف أفغنة الصراع أي جعله أفغانيا-أفغانيا، وأن خطته ترتكز إلى وضع موعد محدد للخروج من ساحة الحرب التي افتتحها سلفه.


الحقيقة، أن إعلان أوباما يجعل الحرب في أفغانستان حرباً أميركية أكثر مما كانت في أي مرحلة سابقة منذ أكتوبر/ تشرين أول 2001 تاريخ غزو أفغانستان.


عناصر إستراتيجية أوباما






أدت فترة المداولات الطويلة التي سبقت إعلان أوباما إستراتيجية إدارته في أفغانستان إلى تسرب عدد من عناصرها إلى الإعلام قبل إلقاء الرئيس لبيانه، ولكن أحداً على أية حال لم يتوقع على وجه اليقين الأهداف التي سيضعها الرئيس للحرب.


ويمكن تلخيص العناصر التي ارتكز إليها إعلان الرئيس بالتالي:


1- أن الولايات المتحدة ستعمل على حرمان القاعدة من التمتع بملجئ آمن في منطقة الحدود الأفغانية – الباكستانية.


2- أن الولايات المتحدة ستعمل على إيقاف تصاعد قوة ونفوذ طالبان في أفغانستان، وذلك بإضافة 30 ألفا من الجنود الأميركيين إلى القوات الأميركية العاملة بالفعل في أفغانستان.


3- خلال فسحة الزمن التي سيوفرها كسر هجوم طالبان وفرض التراجع على قواتها، ستقوم الولايات المتحدة بجهد أكبر لتدريب وتجهيز قوات الجيش والأمن الأفغانية من أجل تأهيلها لمواجهة تهديد الجهاديين المسلحين.


4- أن الولايات المتحدة ستبدأ بسحب قواتها من أفغانستان في يوليو/ تموز 2011.


وقد وُلدت الحاجة لإعلان إستراتيجية حرب واضحة من عاملين رئيسيين:





إستراتيجية أوباما ارتكزت إلى توصيات الجنرال ماكريستال، قائد القوات الأميركية في أفغانستان، إلى جانب الجنرال باتريوس، قائد القيادة المركزية. كلاهما، كما هو واضح، حث الرئيس أوباما على اتخاذ قرار زيادة القوات، بهدف تطبيق تجربة ودروس الحرب في العراق.
الأول، النجاحات الواضحة التي حققتها طالبان في مختلف أنحاء البلاد، سيما المقاطعات الوسطى، الجنوبية الشرقية، والشمالية الشرقية. ويعتقد أن قوات طالبان باتت تسيطر اليوم، أو تهيمن بحيث تعمل بحرية نسبية في زهاء ثلثي مساحة البلاد. تحققت هذه النجاحات بفعل تراجع الاهتمام الأميركي بأفغانستان خلال الفترة بين 2003 و2008، عندما بدا وكأن واشنطن تخسر الحرب في العراق، وبفعل الفشل الغربي في إقامة حكومة أفغانية ذات مصداقية في كابل.

أما العامل الثاني فيعود إلى أن أوباما، ومنذ حملة الرئاسة الانتخابية، وجه انتقادات واسعة للحرب على العراق، واعتبر أن إدارة بوش أخطأت التقدير عندما هاجمت العراق وأهملت الوضع في أفغانستان. أوباما، بكلمة أخرى، جعل من المسألة الأفغانية قلب سياسته الخارجية، وأعلن الحرب في أفغانستان حرب إدارته الخاصة، حتى قبل أن يخطو نحو عتبة البيت الأبيض.


بصورة عامة، استقبل الرأي العام الأميركي ومراقبو السياسة الخارجية إعلان الرئيس بقدر مرتفع من الإيجابية. من وجهة نظر سياسية، كان الإعلان بالغ الذكاء؛ فالجزء المثير للقلق في خطة الرئيس، أي الزيادة الملموسة في عدد القوات العاملة في أفغانستان، كان قد تسرب لوسائل الإعلام منذ أسابيع، بحيث لم تعد فيه من مفاجأة تذكر.


الأهم، بالطبع، أن قرار زيادة عدد القوات قد قابله قرار آخر بتحديد موعد واضح وقريب للانسحاب، وإشارة لا تقل وضوحاً إلى سعي إدارة أوباما إلى أفغنة الحرب. إضافة إلى ذلك، فقد حدد أوباما أهداف الحرب في صورة متواضعة، متجنباً الحديث عن إيقاع الهزيمة بطالبان


والأرجح أن إستراتيجية أوباما ارتكزت إلى توصيات الجنرال ماكريستال، قائد القوات الأميركية في أفغانستان منذ ربيع هذا العام، والخبير الأميركي الأبرز في الحروب غير التقليدية، إلى جانب الجنرال باتريوس، قائد القيادة المركزية، التي تقع أفغانستان ضمن دائرة عملياتها، والقائد السابق للقوات الأميركية في العراق. كلاهما، كما هو واضح، حث الرئيس على اتخاذ قرار زيادة القوات، بهدف تطبيق تجربة ودروس الحرب في العراق، خلال 2007 – 2008، في الساحة الأفغانية. فإلى أي حد تنطبق حقيقة خطة أوباما مع الصورة التي شاعت لها، وما هي فرص النجاح المتاحة لهذه الخطة؟


الحلفاء والقوى الإقليمية






رحب شركاء الولايات المتحدة في الحرب من أعضاء حلف الناتو بإعلان أوباما. فقد أكد سكرتير الحلف على أن شركاء الناتو وافقوا على زيادة قواتهم، مجتمعين، بسبعة آلاف جندي؛ إضافة إلى 34 ألف جندي غير أميركي في الساحة الأفغانية. مقارنة بالزيادة الأميركية، لا يعتبر قرار حلفاء الناتو ذا  شأن كبير من الناحية العسكرية، ولكن دلالاته السياسية هي الأهم؛ إذ أنه يشير إلى اصطفاف توافقي ظاهري على الأقل في الحلف خلف السياسة الأميركية.


على أن ذلك الاصطفاف لم  يستطع أن يغطيه الاختلاف في تصور ما يمكن أن تنتهي إليه الحرب، كما أن من المشكوك فيه أصلاً أن تقوم الدول الحليفة بإرسال هذا العدد الإضافي المحدود من الجنود إلى ساحة معركة بالغة التعقيد والخطورة.


الاستثناء الأبرز في موقف حلفاء الناتو كان الموقف التركي. فقد أعلنت أنقره -التي تشارك في الساحة الأفغانية بكتيبة ذات مهمة غير قتالية- أنها لا تخطط لزيادة عدد قواتها في أفغانستان، ولن تغير مهمتها من التدريب والبناء إلى القتال.


وتقف خلف الموقف التركي أسبابا عدة:


- منها أن القيادة العسكرية التركية غير مقتنعة بإمكان تحقيق الناتو النصر في أفغانستان.


- ومنها أن أنقرة ترى أن قواتها نجحت في بناء علاقات ثقة بالشعب الأفغاني، بل وقوات طالبان، ولا تريد أن تفقد هذه الثقة.


- ومنها أن الحكومة التركية تعتقد أن بإمكانها أن تلعب دوراً أوسع لوضع حد للحرب في أفغانستان في المستقبل، وأن مثل هذا الدور قد يوفر لتركيا موطئ قدم في المنطقة التي لا تتصل بها جغرافياً، والتي لم تنجح حتى السلطنة العثمانية في تأسيس روابط إستراتيجية معها.
ويرتبط نجاح الإستراتيجية الأميركية بمواقف دول الجوار الأفغاني، بموقف كل من باكستان بدرجة أولى، وإيران والهند بدرجة ثانية. كما يرتبط، بصورة مختلفة، بالموقف الروسي.


أعلنت باكستان دعماً متحفظاً لخطة أوباما، سيما وأنها تخوض حربها الخاصة ضد طالبان باكستان في منطقة القبائل الحدودية المحاذية لأفغانستان، ومصدر قلق باكستان هو الخشية من تصعيد الغارات الأميركية على الجانب الباكستاني من الحدود، وتوقع مطالب أميركية جديدة من باكستان، والتوتر في العلاقات الباكستانية – الهندية الذي لا يبدو أن واشنطن قد استجابت لمطالب إسلام آباد للقيام بدور في تهدئته.





نجاح خطة أوباما يحتاج دوراً استخباراتياً باكستانياً نشطاً لاختراق مجموعات طالبان الأفغانية، وهو الدور الذي ليس ثمة من جهة مؤهلة للقيام به سوى الاستخبارات العسكرية الباكستانية، التي يعتقد أنها تعج بالمتعاطفين مع طالبان
ما يريده أوباما من باكستان لإنجاح خطته يتجاوز الحملة الباكستانية في منطقة القبائل، والتي يبدو واضحاً أنها قد تحولت إلى ما يشبه الحرب الأهلية الباكستانية، ما يحتاجه أوباما هو أن تقوم باكستان بجهد كاف لحرمان طالبان ونشطاء القاعدة من الملاذ الآمن في الجانب الباكستاني من الحدود، وهو الهدف الذي يتطلب تحقيقه تصعيداً أكبر في الحملة العسكرية الباكستانية.

والأهم من ذلك، أن نجاح خطة أوباما يحتاج دوراً استخباراتياً باكستانياً نشطاً لاختراق مجموعات طالبان الأفغانية، وهو الدور الذي ليس ثمة من جهة مؤهلة للقيام به سوى الاستخبارات العسكرية الباكستانية، التي يعتقد أنها تعج بالمتعاطفين مع طالبان.


من جهة أخرى، تلعب الهند دوراً مزدوجاً في المسألة الأفغانية. فمن ناحية أولى، سيؤدي أي تصعيد في العلاقات المتوترة أصلاً مع باكستان أن تضطر الأخيرة إلى نقل قواتها من الحدود الأفغانية إلى الحدود مع الهند، ومن ثم  يتراجع  حجم مشاركتها في دعم خطة أوباما. ومن ناحية أخرى، ونظراً للشكوك المتبادلة بين حكومة كرزاي وإسلام آباد، قامت الأولى بتعزيز العلاقات مع الهند على حساب الجار الباكستاني.


ولا شك أن اتساع نطاق النفوذ الهندي في أفغانستان، يشكل تهديداً ملموسا للمصالح الباكستانية، ويثير شكوكاً لدى الدوائر العسكرية والاستخباراتية الباكستانية في العائد الاستراتيجي من التحالف مع الولايات المتحدة في الساحة الأفغانية، خاصة بعدما  تبين أنه مرهق للمؤسسة العسكرية ومكلف من جهة الاستقرار السياسي والأمني للبلاد.


مع الأخذ بالاعتبار أن المؤسسة العسكرية الباكستانية تعمل على إعادة تفعيل نفوذها وهو ما يشير إليه السياق الذي جرى فيه تنازل الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري عن الكثير من صلاحياته بما في ذلك التحكم في الزر النووي، والذي من المتوقع أن يعطي الجيش مساحة أوسع في تحديد السياسة الخارجية في ظل الحكم المدني القائم، بما في ذلك في الساحة الأفغانية شديدة الارتباط بملف الأمن القومي الباكستاني.


إيران هي مسألة أخرى مختلفة. تنظر طهران إلى طالبان باعتبارها خصماً، ولا تريد أن ترى طالبان في موقع الحكم الأفغاني من جديد، ولكنها تنظر أيضا، أي إيران، بقلق إلى ازدياد وتعمق الدور العسكري الأميركي في أفغانستان، كما أنها تربط بين دورها في أفغانستان والموقف الأميركي من ملفها النووي.


إن لجأت واشنطن إلى فرض مزيد من العقوبات على إيران، فستحاول الأخيرة الرد في أفغانستان (والعراق)، ولكن من الواضح أن النفوذ الإيراني في أوساط طالبان أضعف من أن يكون مصدر قلق للأميركيين، بيد أنها  تمد خيوط علاقتها في نفس الوقت  مع جهات كثيرة في الساحة الأفغانية، من حكومة كرزاي  إلى  بعض أمراء الحرب السابقين، إلى مجموعات الهزارة الشيعية والقوى السياسية  الطاجيكية.


والأرجح أنه في حال استشعرت طهران أن واشنطن قررت توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية، فستلجأ إلى فتح خطوط اتصال مع طالبان بهدف إيلام القوات الأمريكية هناك، ومزيد استنزافها في الأرض الأفغانية.


الموقف الروسي هو الأكثر غموضاً وتعقيداً. فقد أعلنت الحكومة الروسية، من ناحيتها، ترحيبها بخطة أوباما؛ كما أن المفاوضات بين موسكو وواشنطن حول تأسيس خط إمداد للقوات الأميركية في أفغانستان عن طريق ميناء بطرسبرغ، مواز لخط الإمداد من كراتشي، تكاد تصل إلى اتفاق. لكنها من الجهة الأخرى تنظر  بارتياح إلى التورط الأميركي المتزايد في أفغانستان، خاصة وأن الاهتمام الروسي الاستراتيجي يتركز في هذه المرحلة على ما يعرف بالخارج القريب، أي أوكرانيا، جورجيا، ووسط آسيا شديدة الصلة بالمصالح القومية الروسية المباشرة.


وتدرك روسيا أن أي نجاح أميركي سريع في أفغانستان، سيحرر واشنطن إستراتيجياً للعب أدوار أكثر تأثيراً في معارضة السياسة الروسية الآخذة في تعزيز نفوذها في الخارج القريب، وإعادة اكتساب الكثير من المواقع التي خسرتها في حقبة يلتسن وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي. ولذا،  ثمة تقارير تفيد بوجود دعم روسي غير مباشر، وإن محدود، لقوات طالبان، أو على الأقل غض نظر روسي عن شراء طالبان سلاحاً روسياً. وعلى الجهة الأخرى فإن ما تنتظره إدارة أوباما هو المزيد من التدهور الاقتصادي الروسي، وتزايد حاجة روسيا لتحديث مؤسساتها الصناعية، من أجل أن تفرض على موسكو اتخاذ موقف أكثر إيجابية من الخطة الأميركية في أفغانستان.


حقيقة إستراتيجية أوباما وفرص نجاحها






الاعتقاد بأن أوباما قد حدد موعد انسحاب الولايات المتحدة من الساحة الأفغانية هو اعتقاد خاطئ. ما أشار إليه أوباما في إعلانه لخطته الجديدة، ولأسباب سياسية داخلية، أن الانسحاب العسكري الأميركي سيبدأ في يوليو/ تموز 2011، وأن هذا الانسحاب سيعتمد على تطورات الوضع على الأرض.


ولكن أوباما لم يحدد متى سيكتمل الانسحاب، بل أنه لم يشر حتى إلى أن انسحاباً كاملاً سيحدث في المدى المنظور. المؤكد أن زيادة عدد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان إلى زهاء المائة ألف جندي، أي ثلاثة أضعاف تعداد كل القوات العسكرية الأجنبية الأخرى غير الأميركية، يجعل من الحرب في أفغانستان حرباً أميركية بامتياز، ويزيد من احتمالات تورط القوات الأمريكية في الساحة الأفغانية المعقدة.  والسؤال المطروح هنا ما إذا كان موعد يوليو/ تموز 2011 بداية لانسحاب أميركي كبير، أم لانسحاب جزئي وبطيء، لا يمكن توكيده الآن.


بتخطي الوجود العسكري الأميركي النشط في أفغانستان سقف السنوات الثمانية، تكون الحرب الأميركية في أفغانستان قد تجاوزت زمن الحرب الفيتنامية. ويدرك الرئيس الأميركي أن هزيمة إستراتيجية نهائية لحركة طالبان هو هدف صعب المنال، إن لم  يستحل تحقيقه؛ وهذا ما جعله يتجنب إعلان مثل هذا الهدف.


والهدف المركزي لخطة أوباما يتعلق بفسحة الزمن التي يفترض أن توفرها له قدرة القوات الأميركية على إيقاع هزيمة تكتيكية بقوات طالبان؛ بمعنى إيقاف تصاعد الهجوم الطالباني، وتقليص نفوذ الحركة الميداني، وإجبارها على إيقاف عملياتها في شكل ملموس، ومن ثم اللجوء إلى الكمون بدل العمل العسكري واسع النطاق.


ومن المفترض أن توفر فسحة الزمن هذه فرصة لتحقيق هدفين مترابطين:


أولا، بناء جيش وأجهزة أمنية أفغانية يعتمد عليهما في تحمل العبء الأكبر للحرب.


وثانيا تعزيز ثقة القطاع الأكبر من المواطنين الأفغان بالوضع الجديد، سياسياً واقتصادياً، بما سيساعد على تضييق النافذة المتاحة أمام طالبان لتجنيد الأنصار.


في حال نجاح الإستراتيجية الجديدة في تحقيق هذا الهدف، يمكن أن يبدأ بالفعل انسحاب ما للقوات الأميركية.


ولكن هذا النجاح يعتمد على عدد من العوامل، داخل الساحة الأفغانية، وفي جوارها، وعلى مستوى الحلفاء:





المخرج هو الاعتراف بأن السياسة الأميركية منذ خريف 2001 لم تكن صحيحة. وبدلاً من الذهاب إلى خيار الحرب الطويلة، يمكن لواشنطن أن تعتبر زيادة عدد القوات وسيلة لفرض بعض التواضع على المطالب الطالبانية، ومن ثم تفتح باباً لحوار جاد مع قيادة الحركة، وليس مع عناصر هامشية لم يعد لها فيها من نفوذ
1- وجود حكومة أفغانية ذات مصداقية، يمكن أن يلتف حولها القطاع الأوسع من الشعب الأفغاني. بيد أن حكومة كرزاي تفتقد هذه المصداقية؛ وبالرغم من وعود الإصلاح التي قدمها كرزاي لواشنطن بعد انتخابات الرئاسة الإشكالية، فمن المشكوك فيه أن يستطيع تعهد حركة إصلاح جذرية في حكومته.

أحد الاقتراحات التي يتم تداولها اليوم في أوساط الإدارة الأميركية هو تجاوز كرزاي كلية، والعمل في البلاد وكأنه غير موجود أصلا. مثل هذه السياسة ستجعل الأميركيين أكثر قدرة على إنفاذ إرادتهم في الشأن الأفغاني، ولكنها لن تساعد على بناء مؤسسة جيش وأمن أفغانية يعتمد عليها في مواجهة طالبان وحماية الدولة الجديدة. أحد الشروط الضرورية لبناء الجيش الجديد هو وجود حكم يستحق الولاء والتضحية من أجله في أعين الجنود والقوات العسكرية المنتدبة لأداء المهام القتالية.


2- يتطلب بناء الجيش الأفغاني ومؤسسات الأمن، وبالتالي التقدم نحو أفغنة الحرب، ومن ذلك تدريب طبقة جديدة من الضباط، يتمتع أفرادها بمستوى ضروري من التعليم، وترتفع في توجهاتها فوق الانقسامات القبلية والإثنية؛ وهو أمر يبدو صعب المنال حالياً في ظل الانقسامات العرقية والقبلية التي تعصف بالبلاد.


كما يتطلب مقدرة استخباراتية عالية لتأمين الجيش وأجهزة الأمن من الاختراق الطالباني. وهذا بدوره يحتاج اختراقاً استخباراتياً مضاداً وواسع النطاق لطالبان، ومثل هذا الاختراق لا يستطيع الأميركيون إنجازه، لأسباب ثقافية وسياسية، ولا يمكن الاعتماد فيه على أجهزة الأمن الأفغانية التي تعج بأنصار طالبان. الجهة الوحيدة التي يمكنها القيام بهذا الدور هي الاستخبارات العسكرية الباكستانية، التي لا يمكن أن تتعهد هذه المهمة بدون إبرام صفقة كبرى بين واشنطن وإسلام آباد تطمئن بموجبها هذه الأخيرة بأن مصالحها الحيوية وأمن البلاد والنظام، ليست معرضة للخطر.


3- لنجاح خطة أوباما لابد من توحيد هدف الحلفاء جميعاً واتساق سياساتهم، على المستويين العسكري والسياسي والاقتصادي. فبالرغم من ترحيب حلفاء الناتو بخطة أوباما، فالواضح أن أكثر هؤلاء الحلفاء يسعون الآن إلى إقرار موعد خروج وانسحاب نهائي.


كما أن أغلب القوات الحليفة في أفغانستان تعقد اتفاقات منفردة مع طالبان لتجنب المواجهات العسكرية، ويستبعد أن تزداد أعداد القوات الحليفة في أي شكل ملموس. ولا يقل أهمية أن الحلفاء الغربيين لم يفوا بتعهداتهم السابقة لتقديم المساعدات التي تكفل  انطلاق عملية إعادة البناء الاقتصادي.


4- يتطلب توفير عون باكستاني جاد للخطة الأميركية، سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، عقد صفقة كبرى مع إسلام آباد، جوهرها تأمين ظهر باكستان من الجهة الهندية، حل مشكلة كشمير (التي يصفها البعض بمفتاح الاستقرار في جنوب آسيا)، تأمين المصالح الإستراتيجية الباكستانية في أفغانستان، وضخ مساعدات غربية كافية تخرج اقتصاد باكستان من الدائرة المفرغة للقروض والإنفاق العسكري المرتفع، إيقاف الضغوط المتزايدة والمسلطة على المؤسسة العسكرية حول ملفها النووي بحجة إمكانية سقوط السلاح النووي في أيدي "الإرهابيين".  وبالرغم من التحرك الأميركي النشط باتجاه إسلام آباد، فليس ثمة مؤشر على أن الطرفين اقتربا من عقد مثل هذه الصفقة.


5- يصعب، في هذه المرحلة، تصور استجابة الهند للمطالب الباكستانية، هذا إن كانت واشنطن تعمل بالفعل على إقناع دلهي بالاستجابة لهذه المطالب خاصة مع اتساع حجم التعاون العسكري الأمريكي الهندي الذي يقترب من التحالف الإستراتيجي.


ولا يمكن تصور قيام إيران بدور إيجابي كامل في أفغانستان، بدون طمأنة طهران كليا، أنها لن تتعرض لمزيد من العقوبات ثقيلة الوطأة أو لهجمات أميركية وإسرائيلية.


أما ثمن التعاون الروسي الصادق والوثيق فيتعلق بأهداف إستراتيجية بالغة الحساسية، مثل إعادة أوكرانيا وجورجيا إلى بيت الطاعة الروسي، وهو الأمر الذي يصعب على أوباما وضعه مختاراً على مائدة التفاوض، أو قد يكون الثمن اقتصاديا باضطرار روسيا لطلب المساعدة الأميركية للاقتصاد الروسي، وهو أمر قد يطول انتظاره .  


بكلمة أخرى، يبدو الأفق المتاح لنجاح سريع لخطة أوباما محدوداً. ولتحقيق الأهداف التي وضعتها هذه الخطة لابد من التزام أميركي عسكري واقتصادي طويل المدى بأفغانستان، التزام قد يطول بالفعل إلى عقود قادمة، وهو فضلا عن ذلك مرهق سواء أكان ذلك من ناحية أرواح الجنود أم من جهة الأعباء الاقتصادية المكلفة.


خيار بديل






عندما شنت إدارة بوش حربها على أفغانستان في أكتوبر/تشرين أول 2001، لم يكن هناك ما يبرر إسقاط حكومة طالبان التي لم تكن في الحقيقة معادية للغرب، بل سعت إلى بناء علاقات تعاون وثيقة بواشنطن. ولم يكن من الصعب إيجاد مخرج مرض لكلا الطرفين لمسألة الخلاف المتعلقة بالقاعدة وابن لادن، التي وظفت لتسويغ الحرب. وحتى بعد إسقاط حكومة طالبان، كان من الخطأ البالغ بناء حكم جديد بدون مشاركة طالبان، أو بدون جناح ذي مصداقية من الحركة على الأقل.


وطالبان هي ظاهرة فريدة، ولابد أن تفهم في سياقها الأفغاني الخاص. الافتراض بأنها مجرد حركة إسلامية - سياسية هو خطأ كبير؛ لأنها في الحقيقة نتاج تقاطع دوائر متعددة: التقاليد المدرسية الحنفية النصية، الهوية البشتونية، التقاليد الإسلامية المحافظة للشعب الأفغاني، والفكرة الإسلامية – السياسية الحديثة التي تقول بإقامة حكم إسلامي. طالبان ليست تنظيماً بالمعنى المتعارف عليه، وهزيمتها تتطلب إيقاع هزيمة بدوائر القوة عميقة الجذور التي ترتكز إليها الحركة، وهو ما يصعب تحقيقه بما يقرب من الاستحالة في الوضع الراهن بالنظر إلى التركيبة الاجتماعية والثقافية لأفغانستان. وبالرغم من إشارات أوباما المتعددة إلى القاعدة، فالحرب في أفغانستان ليست حرباً مع القاعدة (التي لا دور هاماً لها في أوساط طالبان)، بل مع حركة طالبان وأنصارها.


المخرج، إذن، في الاعتراف بأن السياسة الأميركية منذ خريف 2001 لم تكن صحيحة. وبدلاً من الذهاب إلى خيار الحرب الطويلة، فيمكن للولايات المتحدة أن تعتبر زيادة عدد القوات وسيلة لفرض بعض التواضع على المطالب الطالبانية، ومن ثم تفتح باباً لحوار جاد مع قيادة الحركة، وليس مع عناصر هامشية لم يعد لها فيها من نفوذ.


ويمكن لأي من الدول الإسلامية ذات المصداقية أن تقوم بدور فعال في هذا المجال، ويكون الهدف من هذا الحوار هو إقامة حكم تآلفي انتقالي، يمهد لإقرار السلام ولعقد انتخابات حرة، تعكس إرادة الشعب الأفغاني وقراره فيمن يجب أن يحكمه، ويكون ذلك متلازما مع انسحاب عسكري أمريكي ولقوى"التحالف" من أرض أفغانستان.


وعلى كل ليس هناك ما يؤشر فعلا بأن خطة أوباما تمتلك مقومات النجاح، أو أن مصيرها سيكون أفضل حالا من الخطط التي توالت على العراق منذ احتلاله سنة 2003  من دون أن تحقق نتائج تذكر على الأرض.