ملفات المشرق الرئيسية أمام الرئيس أوباما

ماذا يعني انتخاب باراك أوباما عربيا وإسلاميا؟ هذا ما يتناوله هذا التقرير مبرزا أهم الملفات المشرقية التي ستواجه الإدارة الأميركية الجديدة.

الخطوط العامة للسياسة الخارجية
العراق
أفغانستان وباكستان
الملف الفلسطيني
الملف النووي الإيراني

بشير نافع

يتولى باراك أوباما الرئاسة الأميركية في 20 يناير/كانون الثاني المقبل وسط ترحيب وتفاؤل عالميين. والاعتقاد السائد أن إدارة أوباما لن توليَ الشؤون الخارجية اهتماماً كبيراً، نظراً لتفاقم الأزمة المالية الاقتصادية ودخول الاقتصاد الأميركي مرحلة من الركود. والحقيقة، أن الرئيس الأميركي هو أولاً رئيس أمن قومي، يحمل مسؤولية الحفاظ على موقع أميركا ودورها العالمي، وليس أمامه من مفر سوى تكريس القسط الأكبر من جهده للشؤون الخارجية. وهذا ما تعهد به كل رئيس أميركي منذ الحرب العالمية الثانية وتبلور ما يعرف بدولة الأمن القومي.

وستواجه إدارة أوباما وضعاً عالمياً مختلفاً إلى حد ملموس عن ذلك الذي واجهه كلينتون وبوش الابن عندما توليا الحكم. فبعض من المتغيرات العالمية الجديدة، مثل الأزمة المالية الاقتصادية التي أصابت الأسواق الغربية، وتأكيد روسيا المتنامي على دورها ومصالحها الحيوية، والصعود المطرد في القوة الاقتصادية الصينية، سيؤثر تأثيراً مباشراً وغير مباشر على السياسة الأميركية الخارجية ككل، وعلى هذه السياسة في الشرق الأوسط.

وتقع الملفات التالية على رأس جدول أولويات إدارة أوباما في المشرق العربي الإسلامي: العراق، وإيران والبرنامج النووي الإيراني، وأفغانستان، والمسألة الفلسطينية، والملف السوري اللبناني. وبالرغم من المجال الجغرافي الواسع الممتد من أفغانستان إلى فلسطين، فهذه ملفات مترابطة إلى حد كبير، وسيؤدي النجاح أو التعثر الأميركي في أي منها في التأثير على السياسة الأميركية في واحد أو أكثر من الملفات الأخرى.

ولكن من العبث في هذه الفترة المبكرة الحديث عن ملامح تفصيلية لسياسة إدارة أوباما في أي من هذه الملفات. ثمة ضرورة لانتظار طبيعة فريق أوباما للشؤون الخارجية والأمن القومي، وضرورة لانتظار تبلور بعض من المتغيرات الرئيسية في المنطقة. كما أن الرئيس الأميركي القادم هو في طبيعة تفكيره رئيس تجريبي، ولن يكون في سياسته الخارجية أسيراً لمحددات أيديولوجية معينة. فيما يلي، بعض من الملامح العامة المتوقعة لسياسة إدارته الشرق أوسطية.

الخطوط العامة للسياسة الخارجية

"
الأرجح أن تعمل إدارة أوباما في مقاربتها العامة للسياسة الخارجية على إعادة بناء العلاقات التحالفية مع أوروبا كما ستعمل على تجديد التحالفات الأميركية عبر العالم مثل العلاقة مع مصر والسعودية وتركيا

"

ما هو واضح حتى الآن أن المقاربة التي ستعتمدها إدارة أوباما للملفات الخارجية الساخنة ستختلف عن المقاربة التي اعتمدتها إدارة بوش الابن. تسلمت إدارة بوش مقاليد الحكم وهي تعتزم اتباع سياسة انسحاب قومي، بمعنى التخلي ما أمكن عن سياسة التدخل التي ميزت سياسة كلينتون، وتقديم المصلحة الأميركية القومية على المسؤوليات تجاه المجتمع الدولي. وقد تجلت تلك السياسة في رفض التوقيع على اتفاق كيوتو، ورفض الانضمام لاتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، والانسحاب من معاهدة الأسلحة الإستراتيجية مع روسيا، والإحجام عن التدخل في المسألة الفلسطينية. ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 صنعت انقلاباً هائلاً في سياسة إدارة بوش، وفتحت الباب لمجموعة المحافظين الجدد في الإدارة للعب دور رئيس في تحديد توجهات السياسة الخارجية. اعتمدت إدارة بوش إستراتيجية تقوم على التدخل العسكري والغزو لتحقيق أهداف سياسية، بغض النظر عن الغطاء القانوني الدولي وعن التأييد الذي تتمتع به من حلفاء أميركا التقليديين، وأطلقت حرباً عالمية على الإرهاب، وتحللت من القيود القانونية الأميركية والدولية على السواء.

وبعد عام واحد من الهجمات على نيويورك وواشنطن، كانت إدارة بوش تعلن رسمياً تبنيها مبدأ الحرب الاستباقية. ولكن سياسة بوش الخارجية وصلت إلى وضع متأزم في 2006، مما اضطر الكونغرس تكليف سياسيين مخضرمين بإعداد تقرير تقييمي للسياسة الأميركية الخارجية، وهو ما عرف بتقرير بيكر هاملتون حول العراق.

ولم تكن إدارة بوش مجبرة على اتباع توصيات بيكر هاملتون، ولكن سلوكها خلال العامين الماضيين كان في الحقيقة سلوكاً مضطرباً وهجيناً من حيث سياسة التفرد والحرب الاستباقية، من ناحية، وتوصيات بيكر هاملتون التي أكدت على ضرورة العودة إلى الواقعية البراغماتية في تحديد المصالح الأميركية وعلى اعتماد الوسائل الدبلوماسية وبناء التحالفات لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، من ناحية أخرى.

الأرجح أن تعمل إدارة أوباما في مقاربتها العامة للسياسة الخارجية الأميركية على إعادة بناء العلاقات التحالفية مع الدول الأوروبية، آخذة في الاعتبار مصالح الحلفاء الأوروبيين ووجهات نظرهم بقدر أكبر.

كما ستعمل على تجديد التحالفات الأميركية عبر العالم، سواء مع القوى الإقليمية الرئيسية، أو تلك القوى الأصغر المعروفة بعلاقاتها التقليدية مع واشنطن، مثل مصر والسعودية وتركيا. وستتجنب إدارة أوباما تكرار المغامرات العسكرية ذات الالتزامات غير المحددة، كتلك التي تعهدت بها إدارة بوش في أفغانستان والعراق. وبينما ستعطي إدارة أوباما للوسائل الدبلوماسية والتفاوضية الأولوية، إلا أنها ستلجأ بالتأكيد للأداة العسكرية عند الضرورة.

ولكن بعضاً مما يعتبر مكاسب إستراتيجية في دوائر الدولة الأميركية لن يتم التخلي عنه بسهولة، مثل الحفاظ على القواعد والتسهيلات العسكرية عبر العالم التي أنجزتها إدارة بوش، والتواجد الأميركي العسكري في العراق وأفغانستان.

ليس من المستبعد أن تحيي إدارة أوباما خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن تبني مثل هذا الخطاب سيكون أقرب إلى سياسة كارتر وكلينتون، لا إدارة بوش في نسختها المحافظة الجديدة. والحفاظ على الحلفاء في الشرق الأوسط، بل ومحاولة توسيع نطاق الحلفاء، وتقليص المساحة المتوفرة للتحرك الروسي السياسي والأنشطة الصينية الاقتصادية، ستشكل إطارَ تعامل إدارة أوباما مع الأنظمة العربية.

العراق

"
ستتحلل إدارة أوباما من أغلب التزامات إدارة بوش المالية تجاه العراق المحتل، وستشجع تعزيز المصالحة العراقية الداخلية، بما يكفل تمثيلاً سنياً ويحقق تعددية سياسية

"

كان أوباما واحداً بين مجموعة صغيرة من السياسيين الأميركيين البارزين الذين عارضوا غزو العراق. وقد شكل وعد الانسحاب من العراق خلال فترة وجيزة أبرز عناصر برنامج أوباما الانتخابي. ولكن أوباما كان يذيل تصريحاته حول العراق دائماً بعزمه الحفاظ على قوة محدودة (residual force) لمحاربة القاعدة، والحفاظ على الأمن الدبلوماسي الأميركي، وتدريب الجيش العراقي. وأغلب المراقبين يعتقد أن مثل هذه القوة قد تبلغ ثلاثين ألفا إلى خمسين ألفاً من الجنود، بمعنى أن إدارة أوباما ستعمل على الاحتفاظ بوجود عسكري طويل المدى (دائم) في العراق، وشبيه بوجودها العسكري في ألمانيا وكوريا.

وفي ضوء الغارة الأميركية الأخيرة على سوريا، فإن هذه القوة ستستهدف ليس الحفاظ على نفوذ أميركي كبير في العراق وحسب، بل وستكون أداة متقدمة لتحقيق أهداف عسكرية أميركية في جوار العراق كله. في ظل التحسن الأمني المطرد، فليس هناك ما يجبر واشنطن على الانسحاب الكامل من العراق، ولاسيما بعد أن يكفل الانسحاب الجزئي وتخلي القوات الأميركية عن دورها الأمني الواسع، بتقليل العبء المالي للتواجد العسكري. ولن تفكر إدارة أوباما في انسحاب كامل من العراق إلا إذا عاد حجم الخسائر الأميركية إلى الارتفاع في شكل ملموس.

وإن لم تكن الاتفاقية الطويلة المدى لتنظيم العلاقة بين العراق وأميركا قد وقعت قبل نهاية ولاية بوش فربما ستقوم إدارة أوباما بتعديلات غير جوهرية على المسودة الحالية، وستلبي بعض المطالب العراقية الهامشية. ولكن إدارة أوباما ستتحلل من أغلب التزامات إدارة بوش المالية تجاه العراق المحتل، وستشجع تعزيز المصالحة العراقية الداخلية، بما يكفل تمثيلاً سنياً أفضل في الدولة العراقية ويحقق تعددية سياسية تزيد من الخيارات الأميركية بين الطبقة السياسية العراقية.

كما ستشجع توجهات المالكي لتعديل الدستور، ولاسيما ما يتعلق بالنظام الفدرالي، وبما يساعد على تقوية الحكومة المركزية، ومنع الكيانات الفدرالية من التحول إلى مناطق نفوذ إيرانية.

ولأن إدارة أوباما مجبرة على أخذ الإطار الإقليمي الأوسع للعراق في الاعتبار، فستكون أقل التزاماً بالكيان الكردي، ما لم تصل المفاوضات حول الاتفاق طويل المدى إلى فشل محقق، وتصبح المنطقة الكردية بديلاً محتملاً للتواجد العسكري الأميركي في العراق.

أفغانستان وباكستان

ليس من الضروري أن تلتزم الإدارة القادمة بوعود أوباما الانتخابية المتعلقة بزيادة دراماتيكية في حجم القوات العسكرية الأميركية العاملة في أفغانستان، والأرجح أن تعتمد واشنطن في عهد أوباما مقاربة براغماتية للوضع الأفغاني، وتترك للجنرال بتراوس بلورة إستراتيجية جديدة، بما في ذلك زيادة ما في حجم القوات.

ولكن إدارة أوباما ستستمع بجدية أكبر لاقتراحات الحلفاء في الناتو، التي تدعو للتفاوض مع طالبان، ومحاولة فصل طالبان عن القاعدة، ولاسيما إن أخفقت الجهود العسكرية في وضع حد لتزايد أنشطة طالبان وتدهور الوضع الأمني الأفغاني.

بيد أن الارتباط المتزايد بين مشكلتي أفغانستان وباكستان ستجعل مهمة الإدارة القادمة أكثر تعقيداً. ولئن كانت تلويحات أوباما أثناء الحملة الانتخابية بقصف باكستان يقصد بها حرباً مفتوحة على مناطق نفوذ طالبان الباكستانية والقاعدة، فإن مثل هذا السيناريو لن يتحقق، لأنه سيؤدي ببساطة إلى انهيار باكستاني سياسي داخلي، وتصاعد غير مسبوق في تأثير القوى المناهضة للأميركيين.

إن أقصى ما يمكن تحقيقه هو استمرار السياسة الحالية التي تتضمن غارات أميركية محدودة، بتواطؤ رسمي باكستاني، على أهداف معينة في المنطقة الحدودية. وفي حال امتنعت واشنطن عن مفاوضة طالبان، أو أن التفاوض أخفق في التوصل إلى نتائج ملموسة، فستحتاج إدارة أوباما جهوداً هائلة، سياسية واقتصادية، لإنقاذ الوضع الباكستاني الداخلي، وتأمين التعاون الباكستاني العسكري والاستخباراتي.

الملف الفلسطيني

"
انخراط إدارة أوباما في المسار الفلسطيني الإسرائيلي سيعتمد على نتائج الانتخابات الإسرائيلية في فبراير/شباط القادم، وعلى المصالحة الفلسطينية الداخلية، ونجاح الفلسطينيين أو فشلهم في الاتفاق على قيادة واحدة

"

لن تتغير سياسة أوباما تجاه المسألة الفلسطينية في جوهرها كثيراً عن سياسة إدارة بوش في عامها الأخير، والاختلاف الرئيس سيكون في اهتمام إدارة أوباما المبكر باستئناف المفاوضات. ولكن انخراط إدارة أوباما في المسار الفلسطيني الإسرائيلي سيعتمد على نتائج الانتخابات الإسرائيلية في فبراير/شباط القادم، وعلى المصالحة الفلسطينية الداخلية، ونجاح الفلسطينيين أو فشلهم في الاتفاق على قيادة واحدة، وعلى تقدير احتمالات نجاح المسار السوري الإسرائيلي.

إن ضغطاً استثنائياً من إدارة أوباما على أية حكومة إسرائيلية قادمة هو أمر مستبعد، وستعتمد احتمالات التوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي -إن استؤنفت المفاوضات بعد الانتخابات الإسرائيلية- على استعداد المفاوض الفلسطيني تقديم تنازلات جوهرية في كل ملفات الحل النهائي الرئيسية.

وتعهد أوباما اعتماد مقاربة تفاوضية مع إيران، سيصاحبه تبني سياسة مختلفة مع سوريا، تستهدف محاولة فصل سوريا عن إيران وإيقاف عجلة التحالف السوري مع روسيا. وفي حال رغبت الحكومة الإسرائيلية القادمة في استئناف المفاوضات مع سوريا، فستكون إدارة أوباما أكثر انخراطاً في المسار السوري الإسرائيلي. ولا يستبعد -في حال ظهور استعداد إسرائيلي جاد- أن تحاول إدارة أوباما إحياء المبادرة العربية بتفسير جديد، في محاولة أخرى للتوصل إلى سلام عربي إسرائيلي شامل، قبل التوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي.

بالرغم من حالة الشلل التي أصابت النظام العربي منذ سنوات، وضعف الموقفين المصري والسعودي تجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فمن المحتمل أن تجد إدارة أوباما نفسها في مواجهة وضع عربي أكثر تعقيداً، إن نجح تحالف الأقلية اللبنانية البرلمانية في الانتخابات العامة القادمة (ربيع 2009) في التحول إلى أكثرية. مثل هذا التطور سيؤثر تأثيراً بالغاً على مجرى الحوار اللبناني الداخلي ومسائله، وسيعزز الموقفين الإيراني والسوري، وموقف حماس وقوى المعارضة الفلسطينية، وقد يدخل المنطقة في أجواء حرب جديدة.

الملف النووي الإيراني

 

حتى إن لم يرغب الرئيس الأميركي القادم في وضع الملف النووي الإيراني على رأس أولوياته الشرق أوسطية، فإن الضغوط الإسرائيلية وضغوط حلفاء الدولة العبرية في واشنطن ستجبره على ذلك. ثمة إجماع في دوائر السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي على اعتماد نهج تفاوضي مع إيران، وهذا بالتأكيد ما سيكون خيار إدارة أوباما الأولي. ولكن هدف إدارة أوباما لن يختلف عن هدف إدارة بوش، وهو منع إيران من التقدم نحو صناعة السلاح النووي، ليس بالضرورة لأن سلاح إيران النووي سيشكل خطراً على الدولة العبرية (مجرد التهديد باستخدام السلاح النووي سيؤدي إلى إحراق إيران)، ولكن لأنه سيفتح أبواب المنطقة على سباق تسلح نووي. وبالرغم من أن مستشاري أوباما يؤكدون أن التفاوض مع إيران لن يتعلق بصفقة كبرى، وأن واشنطن لن تضحي بحلفائها في المنطقة بأي حال من الأحوال، فإن من السذاجة تصور مفاوضات أميركية إيرانية لا تتناول نفوذ إيران في المنطقة ككل. ولكن فشل خيار التفاوض في إيقاف عجلة التقدم في البرنامج النووي الإيراني، سيعني العودة مرة أخرى إلى الخيار العسكري.
_______________
باحث بمركز الجزيرة للدراسات