1- مستقبل الدور السعودي في المنطقة محكوم بعدة عوامل أهمها: درجة تماسك نظام الحكم، وقدرة السعودية على احتواء الخلافات السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك قدرتها على احتواء الخلافات بينها وبين إيران وسط أجواء ضاغِطة على مستوى تهديد الأمن الإقليمي الخليجي. وبالأزمة العراقية المرتبطة موضوعيا بالدور الأميركي في الشرق الأوسط، وبتداخل المصالح الدولية في البيئة الخليجية، وبمدى نجاح السياسة السعودية في المساهمة في تحقيق الاستقرار الخليجي دون أن تضطرب علاقات المملكة الخارجية مع الإدارة الأميركية.
2- نجحت الرياض وطهران في دفع العلاقات البينية نحو مزيد من التكامل الوظيفي في الاقتصاد والنفط والأمن والخدمات، بحيث حصلت طهران على تأكيد موقف سعودي، مُنسجم مع دول مجلس التعاون الخليجي، بعدم تقديم تسهيلات لضرب إيران عسكريا من أراضي هذه الدول، مقابل تعهد إيراني بعدم إثارة النزاعات المذهبية داخل العراق وفي البيئة الخليجية.
3- استفادت السعودية من نجاح مؤتمر بغداد الذي عقد في شهر مارس/آذار الماضي، في ضمان وقف الحرب الأهلية في العراق.
4- ستواجه الرئاسة السعودية للقمة العربية خلال العام القادم عددا من التحديات الإقليمية والدولية، مثل: تطورات القضية الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب، والملف النووي الإيراني، والأزمة العراقية. وربما لا تستطيع الرئاسة السعودية للقمة مواجهة هذه الأولويات مع تصاعد التوتر الأمني في الخليج والشرق الأوسط.
5- تشير التحولات في الموقف السعودي إلى تقدمه إقليميا وعربيا ودوليا، وإن كان الدور الإقليمي الشرق أوسطي هو الأهم. على أن الخلافات البينية داخل مجلس التعاون الخليجي، وهشاشة العمل العربي المشترك بعيدا من الطابع المؤسسي، وانفلات الأمن في العراق مع تخبّط الاحتلال الأميركي هناك... من العوامل التي قد تقلل من الدور السعودي.
حققت السياسة السعودية في سنة خلت جملة إنجازات من خلال الدبلوماسية النشطة، والانفتاح السياسي على القوى الآسيوية وروسيا وعدد من الدول الأوروبية. ووظفت هذا الانفتاح في التعامل مع الأزمة العراقية، والملف النووي الإيراني، وفي إعادة بعض الاعتبار للعمل العربي المشترك مع تحقيق مصالحات عربية في قمة الرياض.
إن التوقف عند أبعاد هذا الانفتاح، وما حققه، يُفسِّر جانبًا مهمًّا من الدور السعودي الراهن، ويُشير إلى دورهِ في المدى المنظور إذا ما توفرت ظروف داخلية، وإقليمية، ودولية مساعدة. إنه دور محكوم بدرجة تماسك نظام الحكم في الداخل السعودي، وبقدرة المملكة العربية السعودية على احتواء الخلافات السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبينها وبين إيران وسط أجواء ضاغِطة على مستوى تهديد الأمن الإقليمي الخليجي. هذا بالإضافة إلى ارتباط الأزمة العراقية موضوعيا بالدور الأميركي في الشرق الأوسط، وبتداخل المصالح الدولية في البيئة الخليجية، وبمدى نجاح السياسة السعودية في المساهمة في تحقيق الاستقرار الخليجي دون أن تضطرب علاقات المملكة الخارجية مع الإدارة الأميركية. كيف تتداخل هذه العناوين التي ترسم مستقبل الدور السعودي في منطقة الخليج والشرق الأوسط؟
الانفتاح على روسيا
تعتبر زيارة الرئيس بوتين للسعودية في فبراير/شباط الماضي الزيارة الأولى من رئيس روسي للمملكة، بالتزامن مع الانفتاح السعودي على آسيا الذي شهد نقلة نوعية في السنة الماضية.
ثمة تأكيد مشترك على التعاون الروسي السعودي في مجال الطاقة النفطية بين أهم قطبين في هذا المضمار. وهناك استعداد لتأسيس منظمة دولية لمُنتجي الغاز الطبيعي، على أن تضمّ كلاً من روسيا وقطر وإيران. هذا بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات المتبادلة، وتعزيز التعاون التكنولوجي.
الانفتاح السعودي على روسيا يماثل الانفتاح السعودي على آسيا قبل سنة تقريبًا. لقد عقدت قمم سعودية مع الصين والهند وماليزيا وباكستان، وكان النفط محور الاتفاقات التجارية الموقعة، إضافة إلى تنويع التجارة والاستثمارات المشتركة، وإقامة مناطق حرة للتجارة.
بيد أن السؤال المتعلق بمصير الأمن الخليجي ما زال مطروحًا، نتيجة تداخل المصالح الدولية في منطقة النفط الأولى في العالم. فهل تستطيع السعودية أن تحافظ على التوازن في علاقاتها الخارجية مع القوى الدولية بالتزامن مع الاحتلال الأميركي للعراق، وتعثّر تسوية قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي؟
تفاهم سعودي إيراني
" نجحت إيران في دفع العلاقات البينية نحو مزيد من التكامل الوظيفي في الاقتصاد والنفط والأمن والخدمات وكانت لطهران منذ عهد الرئيس محمد خاتمي اتفاقات أمنيّة مع السعودية والكويت وعُمان وقطر والبحرين " |
قبل أيام من انعقاد المؤتمر الدولي الإقليمي في بغداد لمناقشة الملف العراقي، جاءت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمملكة العربية السعودية في محاولة لطمأنة الملك عبد الله بن عبد العزيز على الطابع السلمي للملف النووي الإيراني.
إيران تريد التأكيد على وحدة الأمن الإقليمي الخليجي، والسعودية خائفة على مستقبل العراق المهدد بالانهيار الأمني الكامل. وإذا كان أمن العراق مرتبطًا موضوعيًّا بالأمن الخليجي، فإن جانبًا من النظام الدولي متأثر بالأزمة العراقية. فالخطة الأميركية في العراق هي مدخل إلى خطة أشمل في الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والتطلعات الدولية إلى نفط الخليج لا تزال تفعل فعلها.
وهكذا سيطرت ثلاثة عناوين كبرى على المحادثات السعودية الإيرانية:
- البرنامج النووي الإيراني.
- أزمات المنطقة في العراق وفلسطين ولبنان.
- والتعاون الثقافي بين البلدين، بيْـدَ أن هذه العناوين ارتبطت بعنوان رابع هو "أمن الخليج".
إن حرية التحرك للسعودية وإيران ليست مطلقة نظرًا للوجود الأميركي المباشر في الخليج بالتزامن مع تداخل المصالح الأميركية الروسية والأوروبية والآسيوية. بيـدَ أن الطرفين تمكنا من احتواء الخلاف الفلسطيني الداخلي بين فتح وحماس على الأقل مرحليا، ومهَّدا الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية بموافقة سورية. هذا في الوقت الذي نشطت الدبلوماسية السعودية في بيروت لاحتواء الأزمة اللبنانية المعقدة، بيْدَ أن الملف اللبناني لا يزال عصيًّا على التسوية نتيجة تشابك المصالح الإقليمية والدولية فضلاً عن الخلل البنيوي في النظام السياسي اللبناني.
في مطلق الأحوال، نجحت الرياض وطهران في دفع العلاقات البينية نحو مزيد من التكامل الوظيفي في الاقتصاد والنفط والأمن والخدمات، مع الإشارة إلى أن إيران كانت قد وقِّعت –منذ عهد الرئيس محمد خاتمي– اتفاقات أمنيّة مع السعودية والكويت وعُمان وقطر والبحرين. حصلت طهران على تأكيد موقف سعودي مُنسجم مع دول مجلس التعاون الخليجي، بعدم تقديم تسهيلات لضرب إيران عسكريا من أراضي هذه الدول. وذلك في مقابل تعهد إيراني بعدم إثارة النزاعات المذهبية داخل العراق وفي البيئة الخليجية، بيـد أن هذه المعادلة لا تزال بحاجة إلى تأكيد من خلال الواقع التنفيذي. فهل ستصمد إذا ما ازداد الضغط الأميركي على الطرفين السعودي والإيراني؟
الدور السعودي في مؤتمر بغداد
" كان للسعودية دور مُحفّز في مؤتمر بغداد استنادًا إلى تفاهمها مع إيران ورغبةً في محاصرة النزاع المذهبي وإعادة الاعتبار إلى الأمن الخليجي في حدود التزاماتها مع الإدارة الأميركية " |
لمؤتمر بغداد في مارس/آذار 2007 صفة دولية من خلال وجود ممثلي الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا. وله صفة إقليمية من خلال مشاركة دول الجوار: تركيا، وإيران، والسعودية، والكويت، وسوريا، والأردن.
إنه أهم مؤتمر دبلوماسي في إطارين إقليمي ودولي حول العراق منذ احتلاله سنة 2003، ومن أبرز نتائجه العمل على وقف الحرب الأهلية في العراق. ذلك أن مثل هذه الحرب تخيف المملكة العربية السعودية، وتثير هواجس دول مجلس التعاون الخليجي كافة.
من ناحية ثانية اقترب مؤتمر بغداد من هدف جدولة الانسحاب الأميركي والبريطاني من العراق، طالما أنه وفَّر غطاءً دوليا وإقليميا للإدارة الأميركية التي لا تزال مترددة في قبول جدولة الانسحاب صراحة رغم التخبّط الذي تعانيه في بلاد الرافدين. وكان للسعودية دور مُحفز في هذا المؤتمر، استنادًا إلى تفاهمها مع إيران، ورغبةً في محاصرة النزاع المذهبي وإعادة الاعتبار إلى الأمن الخليجي في حدود التزاماتها مع الإدارة الأميركية.
الدور السعودي في قمة الرياض
لعلّ أهم ما حققه مؤتمر القمة العربي التاسع عشر في الرياض هو وقف الفرز بين دول عربية معتدلة ودول عربية متطرّفة تدعم "الإرهاب"، كما روَّجَ له بعض الإعلام الغربي والأميركي. هذا بالإضافة إلى إعادة التأكيد على مركزية قضية فلسطين في العمل العربي المشترك، استنادًا إلى جهود كل من السعودية وسوريا في إقرار اتفاق مكة بين فتح وحماس. ومن شأن هذه النتيجة محاصرة الضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين كي يدخلوا في تنازع داخلي جديد، وفتح الباب أمام استئناف الدعم المالي الأوروبي والدولي للحكومة الفلسطينية. إلى ذلك، يُعتبر اللقاء السعودي المصري السوري من أهم ما حققته قمة الرياض. بيد أن السؤال حول إمكانية إعادة العمل ببيان دمشق، كأساس للأمن الإقليمي، لا يزال محاطاً بالشكوك؟
يمكن إضافة بعض النتائج الإيجابية إلى قمة الرياض، عند التأكيد على الهوية العربية وترسيخ الانتماء العربي، ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح، وإعادة الاعتبار إلى مضامين الأمن العربي، والحديث عن ضرورة مكافحة الأمية من خلال تعزيز التعليم ونشر الثقافة... أي إن قمة الرياض قاربت مفهوم التكامل الوظيفي العربي بعيدًا من الشعارات.
وهذه من الإنجازات التي حققتها السعودية وغيرها من الدول العربية المشاركة. بيد أن السؤال هو: هل ستوجد قمة الرياض آلية متابعة للعمل العربي المشترك، بحيث تأتي القمة المقبلة في دمشق لتسأل عما تحقق، وما لم يتحقق من قرارات قمة الرياض؟
أما بشأن إعادة التركيز على مبادرة السلام العربية، وهي في الأساس مبادرة سعودية، فإنها قد تعطي دفعًا للدبلوماسية العربية في المحافل الدولية. لكن هذه المبادرة هي بمثابة الحدّ الأدنى الذي سيجري عليه التفاوض. وماذا لو مورست ضغوط دولية على السعودية، ودول عربية أخرى، للهبوط إلى ما هو أدنى من الحد الأدنى؟ هل تنجح رئاسة السعودية للقمة العربية طوال السنة الجارية في إعادة طرح المبادرة بقوة المتابعة الدبلوماسية، ومع تأييد عربي وإسلامي ودولي؟
المعضلة المتعلقة بقضية فلسطين تكمن في بروز أولويات إقليمية ودولية، قد تأخذ من هذه القضية، مثل: مكافحة الإرهاب، والملف النووي الإيراني، والأزمة العراقية. ولن تستطيع الرئاسة السعودية للقمة مواجهة هذه الأولويات مع تصاعد التوتر الأمني في الخليج والشرق الأوسط.
تشير هذه التحولات والمواقف إلى تقدم الدور السعودي إقليميا وعربيا ودوليا، وإن كان الدور الإقليمي الشرق أوسطي هو الأهم. على أن الخلافات البينية داخل مجلس التعاون الخليجي، وهشاشـة العمل العربي المشترك بعيدًا من الطابع المؤسسي، وانفلات الأمن في العراق مع تخبّط الاحتلال الأميركي هناك... من العوامل التي قد تأخذ من الدور السعودي، على الرغم من الانفتاح السعودي الذي تحقق في السنة الماضية على روسيا والقوى الآسيوية وفرنسا، والاتفاقات النفطية التي أبرمت معها. إلى ذلك، يبقى تماسك نظام الحكم السعودي في الداخل الأساس الأول للدور الإقليمي في المنطقة، وتحديدًا في الدوائر العربية والإسلامية والشرق أوسطية.
وبقدر ما يستمر هذا التماسك يتعاظم الدور إقليميا، وخارجيا على الصعيد العالمي. أما إذا عصفت به نزاعات على السياسات الداخلية والخارجية، وتعرض لضغوط دولية ثقيلة، فإنه يصبح عرضة للتراجع، ولا يمكن التكهّن بقدرته على الصمود ومواجهة المُتغيّرات الإقليمية والدولية. ثمة امتحان مباشر وسريع لقدرة هذا النظام، يتمثل في مدى تنفيذ قرارات قمة الرياض العربية. فهل ينجح في إعادة الاعتبار لقضية فلسطين التي هي مفتاح الحل لكثير من أزمات الخليج والشرق الأوسط؟