أفغانستان وآفاق الحل في ضوء زيادة جنود الناتو

لا يتوقع أن تساهم الزيادة المرتقبة لجنود الناتو في أفغانستان، في تغيير الوقائع على الأرض ما لم تأخذ بعين الاعتبار في إستراتيجيتها المقبلة إيجاد شريك أفغاني وإعادة إعمار البلاد وفتح حوار وطني بين الأفغان أنفسهم، وبين قوات الناتو والمعارضة المسلحة.
19 October 2009







مطيع الله تائب


ملخص


تجاهل قوات الناتو لمصالح أفغانستان الوطنية واعتمادها على كثافة النيران والقصف الجوي تسببت كلها بمزيد من العداء إزاء القوات الأجنبية في صفوف الأفغان، وبزيادة أعداد الملتحقين بقوات طالبان وحلفائها وبالتالي تزايد نفوذها على الأرض ورقعة انتشارها. ولا يتوقع أن تساهم الزيادة المرتقبة لجنود الناتو في أفغانستان، في تغيير الوقائع على الأرض ما لم تأخذ بعين الاعتبار في إستراتيجيتها المقبلة إيجاد شريك أفغاني وإعادة إعمار البلاد وفتح حوار وطني بين الأفغان أنفسهم، وبين قوات الناتو والمعارضة المسلحة.


وبالنسبة للفريق الآخر وعلى رأسه طالبان، فليس من المتوقع أن يبقى كل المنضوين تحت رايتها الآن على ولائهم لقيادتها حينما يتم الحديث عن السلام والحل السلمي، وهناك الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار (وهو الأكثر استعدادا للتفاوض) ومجموعة "حقاني" ولكل من هؤلاء رأيه ومطالبه الخاصة، وهذا التنوع الذي قد يصبح اختلافا هو الثغرة التي قد تستفيد منها واشنطن لإدارة حوار بيد أولى، وإثارة صراعات داخل المعسكر الآخر بيد ثانية.


*     *     *


النص





أدارت الولايات المتحدة وحلف الناتو دفة الحرب على الإرهاب على الأراضي الأفغانية بطريقتهما ولحساباتهما الخاصة، أما مصالح الأفغان فتأتي في آخر المطاف وقد لا توضع في الحسبان أصلا.

أدارت الولايات المتحدة وحلف الناتو دفة الحرب على الإرهاب على الأراضي الأفغانية بطريقتهما ولحساباتهما الخاصة، أما مصالح الأفغان فتأتي في آخر المطاف وقد لا توضع في الحسبان أصلا، وهي التي لو أخذت بالاعتبار فإنها كانت ستحقق مصالح أكبر لقوات الناتو ولمصالحهما على المدى البعيد.


ونتيجة لهذه السياسة توسعت رقعة المقاومة العسكرية الأفغانية، والتحديات الأمنية المتصاعدة، كما فشل الشريك الأفغاني للناتو في إدارة شؤون الدولة وإدارة صراعاته الداخلية التي باتت تهدد الاستقرار السياسي النسبي داخل نظام كابل، ودخل الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة في حالة تردد بين خيارات محدودة وصعبة، ويبدو اليوم أن المهمة الدولية تسير في طريقها نحو الفشل.


وبناء على ما سبق بيانه، فحينما يبدأ الحديث عن زيادة القوات الأميركية أو التفكير في " انسحاب مبكر" كإستراتيجية جديدة للتعامل مع المشكلة الأفغانية، فإن عناصر النجاح تكمن في مدى قرب هذه الإستراتيجية –المتوخاة- من الحقائق  على الأرض ومدى استجابتها لمصالح أفغانستان ومحيطها الإقليمي من حولها، أما النظر إلى المسألة من  زاوية  مصالح واشنطن وأوروبا فلن يدفع الأمور إلا  نحو مزيد من التخبط والفشل.


زيادة القوات ماذا تعني؟
المهام صعبة والصراع مع الزمن
المفاوضات مع طالبان..والحل السلمي
قرارات صعبة للجميع


زيادة القوات ماذا تعني؟ 


حينما كان الملا محمد عمر يترك مدينة قندهار في ديسمبر/ كانون الأول 2001 متجها إلى باكستان، كان عدد جنود الأميركيين في أفغانستان لا يتجاوز ألف جندي، وشهدت السنوات الثماني الماضية زيادة مطردة في القوات الأمريكية والدولية ليصل اليوم إلى 108 آلاف جندي، دون أن يجدي ذلك نفعا، وفي مقدمة ذلك القدرة على  احتواء العنف والمقاومة في أفغانستان، أو يوقف عودة طالبان إلى المشهد الأفغاني من جديد.


وبموازاة زيادة قوات الناتو، شهدت صفوف المقاومة الأفغانية (طالبان والحزب الإسلامي ومجموعات صغيرة أخرى) زيادة في أعدادها، وحسب آخر تقديرات للبيت الأبيض نفسه فقد تضاعف عدد المعارضين المسلحين إلى قرابة 4 أضعاف خلال السنوات الثلاث الأخيرة ليصل اليوم إلى 25 ألف مسلحا، بعد أن كان يقدر بسبعة آلاف مسلحا فقط عام 2006 حسب تقديرات "واشنطن تايمز" الأمريكية.


ولقد أثبتت سياسة زيادة القوات فشلها لجملة أسباب أهمها:



  • التركيز على عمليات واسعة لإعادة السيطرة على مناطق نفوذ طالبان وإحراز مكاسب ميدانية مؤقتة، ثم الانسحاب منها وتركها لقوات أفغانية ضعيفة التدريب والتجهيزات ولا تقوى على الحفاظ على تلك المكاسب.
  • الاستمرار في الاعتماد على النيران الكثيفة، والاستخدام المفرط للسلاح والقصف الجوي لإحراز تقدم عسكري، مما يزيد من عدد الضحايا المدنيين، ويصنع أعداء جددا للوجود الأجنبي مع سقوط كل ضحية جديدة.




إن الخوف من الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة يدفع واشنطن ودول الناتو إلى التفكير الجاد في البحث عن "خروج منتصر".
وبالنظرة البسيطة إلى الميدان فإنه من الصعب أن تساعد الزيادة المرتقبة للجنود، حتى ولو وصلت إلى 40 ألف جندي في أفضل الأحوال، على كسب الحرب عسكريا، نظرا لاتساع رقعة انتشار قوات طالبان في معظم المناطق الشرقية والجنوبية وبعض المناطق الأخرى في الغرب والشمال والوسط، ولاتساع نفوذ طالبان وبقية مجموعات المقاومة المسلحة في صفوف الأفغان بسبب سياسات واشنطن والحلف المشار إليه سابقا.

كما أنه أصبح من المعلوم أن مهمة مراقبة الحدود مع باكستان وربما إيران تتطلب عددا كبيرا من الجنود لقطع خطوط تموين وتحرك عناصر طالبان الذين لا تزال تشكل باكستان جبهتهم الخلفية الأساسية، مثلما كان الأمر تقريبا في بعض المراحل، بالنسبة للمجاهدين الأفغان إبان الغزو السوفيتي.


وحسب التجربة التاريخية للحرب في أفغانستان منذ الغزو الروسي وإلى الآن أثناء الغزو الأمريكي- الغربي، فإن الفائدة التي تحققها زيادة القوات العسكرية هي كسب مزيد من الوقت فقط لمحاولة أخذ المبادرة العسكرية من العدو، للقيام بترتيبات جديدة قد يكون من بينها الضغط العسكري، لكن هذا الأخير ليس حلا للأزمة الأفغانية إذا لم تتوفر للناتو إلى جانبه وسائل أخرى أو يتم البحث عن حل معقول ومن ذلك:



  • إيجاد الشريك الأفغاني الذي يحظى بتأييد واسع من كل فئات الشعب الأفغاني، ويكون قادرا على إدارة شؤون البلد في شفافية ومهنية وبناء مؤسسات أمنية قادرة على الدفاع وبسط السيطرة الأمنية.
  • إطلاق جهد واضح وملموس في مجال الإعمار وإعادة البناء لكسب الثقة المفقودة لدى الشعب الأفغاني بالمجتمع الدولي والحكومة.
  • إبعاد تأثير القوى الإقليمية المؤثرة سواء تلك التي تتقاطع مصالحها في أفغانستان أو تلك التي  تقوم بتصفية حساباتها في الساحة الأفغانية.

وكل هذا يحتاج للوقت والأموال وللمزيد من المهمات الصعبة التي ليس من اليسير إنجازها من طرف قوات الاحتلال.


المهام صعبة والصراع مع الزمن 


إن الخوف من الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة يدفع واشنطن ودول الناتو إلى التفكير الجاد في البحث عن "خروج منتصر" وهو ما يتطلب تقدما عسكريا ملموسا يمنحها الوقت واليد العليا في أي ترتيبات سياسية تمهد للخروج من "المستنقع الأفغاني".


وبجانب استمرار الحل العسكري في المرحلة الراهنة فمن المتوقع أن تقوم واشنطن وحلفاؤها في الناتو بمهام أساسية ثلاث:



  1. إيجاد شريك أفغاني قادر على تحمل مسؤولياته في إدارة شؤون البلد ومقبول لدى جميع فئات الشعب.
  2. تقوية المؤسسات الأمنية الأفغانية (الجيش والشرطة) عبر زيادة عددها وتدريبها وتجهيزها بشكل كاف يمكنها من القيام بمهامها في مواجهة التحديات الأمنية.
  3. العمل مع القوى الإقليمية المؤثرة في أفغانستان لإيجاد حل توافقي إقليمي وإيجاد توازن مقبول لمصالح تلك القوى في الترتيبات الأفغانية المستقبلية.




مهما كانت النتيجة النهائية للانتخابات فمن غير المتوقع أن تنتج حكومة قوية ترقى إلى مستوى التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بأفغانستان.
وبالنسبة للشريك الأفغاني فقد عقدت الانتخابات الرئاسية الأخيرة مهمة إيجاد الشريك الأفغاني القوي والقادر على إدارة شؤون البلد بشيء من الشفافية والمهنية، حيث يعيش نظام كابل أضعف مراحله هذه الأيام، وذلك من حيث التماسك السياسي بعد الانقسام حول نتائج الانتخابات في ظل عمليات تزوير واسعة النطاق تم الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة نفسها.

ومهما كانت النتيجة النهائية للانتخابات فمن غير المتوقع أن تنتج حكومة قوية ترقى إلى مستوى التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بأفغانستان، وهذا ما يدفع إلى التفكير في البحث عن حلول أخرى لتجاوز هذه الأزمة بتشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة مؤقتة أخرى تجري الانتخابات بشفافية أكثر مع السعي لتوسعة الحكومة بحيث تضم عناصر من طالبان وبقية مجموعات المقاومة المسلحة.


والحديث عن تقوية الجيش والشرطة في ظل حكومة ضعيفة يعتبر مغامرة، فالجيوش وقوات الأمن بحاجة إلى عقيدة قتالية قوية قبل التدريب والتجهيز والتمويل وهو ما يبدو من الصعب توفيره في ظل الفوضى السياسية التي يعيشها النظام الحالي في كابل.


ويدور الحديث أحيانا حول إعادة المجاهدين السابقين إلى المؤسسات الأمنية ممن لهم خبرة في القتال ضد السوفييت وكذلك ممن قاتلوا حركة طالبان خلال سنوات حكمها على أفغانستان، كجزء من مشروع "أفغنة الحرب" بدل الاستثمار الخاسر على عناصر جديدة تفتقد الخبرة والدافعية في القتال ضد طالبان، وهو ما ظهر جليا مؤخرا في تصريحات وزير الدفاع الأفغاني السابق محمد قسم فهيم.


وتشكل المهمة الثالثة عبء كبيرا على عاتق واشنطن والناتو، فمن الصعب إدخال القوى الإقليمية المؤثرة في اللعبة الأفغانية وإيجاد حالة من التوازن الإستراتيجي بين مصالحها، وذلك لكثرة اللاعبين وشدة التنافس بينهم، حيث يشكل مثلا الصراع الهندي الباكستاني والتنافس الإيراني السعودي أحد أبرز التعقيدات الإقليمية التي تؤثر على أفغانستان بشكل مباشر.


المفاوضات مع طالبان.. والحل السلمي 


إن الخلاف الأساسي في أميركا والغرب يدور حول تعريف الحرب في أفغانستان، أو بالأحرى إعادة تعريفها، فهل الحرب في أفغانستان هي الحرب على تنظيم القاعدة ومن ثم إزالة التهديد القادم من هذه المنطقة نحو الغرب والولايات المتحدة، أم هي الحرب على القاعدة وحركة طالبان وبقية حلفاء القاعدة المحليين؟ أم هي حرب لاستعادة الحرية وإرساء الديمقراطية والرفاهية للشعب الأفغاني والدفاع عن "مبادئ" الحضارة الغربية و"حقوق الإنسان"؟


وبغض النظر عن التفاصيل التي ستختارها واشنطن في إطار إعادة تعريفها للحرب، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن في شهر مارس/آذار الماضي عن إستراتيجيته للتعامل مع الوضع الأفغاني، من أبرز ملامحها توحيد الملفين الأفغاني والباكستاني في سياسة واحدة، والتركيز على بناء مؤسسات أمنية أفغانية قوية أو بمعنى آخر "أفغنة الحرب"، والتركيز الحرب على القاعدة خصوصا في المناطق القبلية الباكستانية.





تدور شكوك كبيرة حول قدرة طالبان على تجاوز عقدة "الإمارة الإسلامية " واعتبار زعيمها "أميرا للمؤمنين" والسعي لتنفيذ رؤيتها وقراءتها عن النظام الإسلامي.
ولتحقيق هذه الإستراتيجية التي هي عند التحقيق إستراتيجية خروج من المستنقع الأفغاني، لا بد من إدارة حوار مع المعارضة الأفغانية المسلحة ومنها طالبان، وذلك في إطار مصالحة وطنية أفغانية وبالتعاون مع دول إقليمية مؤثرة مثل باكستان وإيران والسعودية وروسيا، بحيث تستطيع ترتيب البيت الأفغاني مع الاستمرار في الحرب على القاعدة، خصوصا في المناطق الباكستانية الحدودية وتضييق الخناق عليها.

وبالنسبة للجانب الأفغاني فقد لوحظ أن طالبان بدأت تغير في خطابها بشكل كبير وهو ما تبدى في رسالة زعيمها الملا عمر بمناسبة العيد، وكذلك في خطابها بمناسبة الذكرى السنوية لبدء الحرب الأميركية على أفغانستان، ومن أهم الملامح الجديدة في هذا التوجه هي:



  • المطالبة بخروج الاحتلال.
  • التركيز على أن طالبان لا تشكل خطرا على الغرب خصوصا الأوروبيين، وأن على الغرب أن لا يساعد الولايات المتحدة في خططها الاستعمارية والتوسعية ووحشيتها.
  • صياغة خطاب داخلي يتحدث عن المقاومة الشعبية والوطنية والاهتمام بمصالح الشعب الأفغاني كله وحرياته في ظل نظام إسلامي "يرضاه الشعب".
  • طمأنة الجيران إلى أن أفغانستان لن تستخدم ضد أي دولة أخرى.
  • عدم الحديث عن أسامة بن لادن والقاعدة بشكل مباشر.

قد تهدف هذه الرسائل إلى إيجاد شرخ في آلية صناعة قرار حلف الناتو ودعم إستراتيجية الانسحاب، إلا أنها في نفس الوقت تتحدث بلغة جديدة، وربما تعبر عن رغبة في استعداد نفسي لدى طالبان والحزب الإسلامي في بحث حلول سلمية تؤدي إلى خروج قوات الناتو في نهاية المطاف.


بيد أن الحديث عن حل سلمي والجلوس على طاولة المفاوضات مع طالبان تشوبه الكثير من التساؤلات تنشأ من الواقع الأفغاني المتأزم، فالمقاومة الأفغانية المسلحة التي تقود الحرب ضد الناتو لا تقتصر على حركة طالبان لوحدها، كما أنه ليس كل من يقاتل اليوم تحت راية طالبان قد يدين الولاء لقيادتها حينما يتم الحديث عن السلام والحل السلمي، وهناك الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار وله تواجد ملحوظ في الشرق، كما أن مجموعة "حقاني" تتحرك بقوة في مناطق الجنوب الشرقي، ولكل من هؤلاء له رأيه ومطالبه، وهذا التنوع الذي قد يصبح اختلافا هو الثغرة التي قد تستفيد منها واشنطن لإدارة حوار بيد وصراعات داخل المعسكر الآخر بيد أخرى.


وليست هذه الثغرة الوحيدة التي قد تستفيد منها واشنطن والناتو في حالة حدوث أي ترتيبات سياسية مستقبلية، بل قد تستغل بقاء المقاومة العسكرية في أفغانستان بين البشتون في الجنوب والشرق وبعض الجيوب البشتونية في الشمال دون أن تنتقل لبقية الأعراق الأخرى، وهو ما يجعل الاحتلال الأميركي يختلف عن مثيله السوفيتي حين واجهه الشعب الأفغاني بكافة عرقياته وأطيافه.


ويبدو الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار أكثر وضوحا وتجربة في طرحه السياسي في التعامل مع فكرة الحل السلمي ومرحلة ما بعد الانسحاب، غير أنه ليس الأقوى حضورا في صفوف المقاومة العسكرية، في حين لا زالت طالبان لم تقدم طرحا سياسيا واضحا لأي حل سلمي محتمل ولمرحلة ما بعد انسحاب القوات الأجنبية.


وفي حال استعداد طالبان لقبول التعددية السياسية والحريات الشخصية والتداول السلمي للسلطة عبر مؤسسات الدولة والدستور الذي يتفق عليه جميع أطياف الشعب الأفغاني، يمكن القول بأن الطريق يكون ممهدا إلى حد كبير نحو حل توافقي يجنب أفغانستان الكثير من الويلات بعد خروج الناتو والقوات الأمريكية، ومن غير هذا من المتوقع أن تشهد أفغانستان حالة من الفوضى تشبه كثيرا فترة التسعينيات من القرن الماضي.


وفي هذا الإطار تدور شكوك كبيرة حول قدرة طالبان على تجاوز عقدة "الإمارة الإسلامية " واعتبار زعيمها "أميرا للمؤمنين" والسعي لتنفيذ رؤيتها وقراءتها عن النظام الإسلامي، و في حال إصرار طالبان على الاستفراد بالسلطة وإعادة إمارتها الإسلامية وإرغام الآخرين على قبولها من غير الممكن عودة السلام والاستقرار إلى أفغانستان. وهذا ما يزيد من المخاوف إزاء المستقبل، رغم وجود آراء أخرى تتحدث عن حصول تغييرات في عقلية طالبان وقناعاتها ونظرتها لأفغانستان ما بعد الاحتلال، ويستدلون ببعض ما ظهر مؤخرا من تحول في الخطاب السياسي للحركة.


قرارات صعبة للجميع 


الوضع الأفغاني المتأزم يتطلب جملة من القرارات الصعبة من جميع اللاعبين في المعترك الأفغاني، وخصوصا من الرئيس أوباما الذي يقف حائرا هذه الأيام أمام خيار البقاء الصعب والانسحاب الأصعب:






  • يحتاج الرئيس أوباما وشركائه في الناتو لإستراتيجية خروج الآن أو لاحقا تحفظ لهم بعد المكتسبات، وهذا لن يكون إلا بمساعدة أفغانستان في العودة إلى الاستقرار وإعادة الإعمار .
    الولايات المتحدة والناتو:
    إن القرار الصعب الذي يجب اتخاذه من قبل الرئيس أوباما وشركائه في الناتو هو وضع مصالح أفغانستان (الدولة والشعب) في الحسبان حين التخطيط لأي إستراتيجية محتملة لمجابهة الوضع الحالي، كما أنهم يحتاجون لإستراتيجية خروج الآن أو لاحقا تحفظ لهم بعد المكتسبات، وهذا لن يكون إلا بمساعدة أفغانستان في العودة إلى الاستقرار وإعادة الإعمار وبناء دولة قوية قادرة ومسؤولة تلبي احتياجات وتطلعات الشعب الأفغاني الأساسية.


  • طالبان والمقاومة: القرار الصعب بالنسبة لطالبان وبقية مجموعات المقاومة المسلحة هو القبول بمحاورة القوى الموالية للحكومة والمساعدة على تسهيل خروج القوات الأجنبية، وإزالة المخاوف التي تثار حول استمرار طالبان في رفض التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وعدم التمسك بتنفيذ رؤيتها الإسلامية الخاصة بالقوة، وإيجاد جسور للتفاهم مع بقية أطياف الشعب الأفغاني وعلى الخصوص مع العرقيات غير البشتونية التي طالما قاومت سلطة طالبان خلال فترة حكمها. وإلا فإن البلاد لن تجني من خروج القوات الأجنبية –هذا إذا حصل- لا استقرارا ولا إعمارا وستعود إلى الحرب الأهلية.


  • النظام الحاكم: يعتبر النظام الفعلي نتاج اتفاق بون أواخر عام 2001، ورغم استكمال مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية إلا أنه يعاني من ضعف شديد ويعيش فسادا إداريا كبيرا وانقساما سياسيا ظهر جليا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. والقرار الصعب بالنسبة لهذا النظام يكمن في مدى القدرة على  إدارة حوار وطني واسع يشمل المعارضة المسلحة، وأن يعمل على تغيير الحكم من نظام رئاسي مركزي إلى نظام برلماني يختار فيه الشعب مسؤولي المحافظات والمديريات ويراعي التنوع العرقي والمذهبي وحتى الفكري في أفغانستان.


  • القوى الإقليمية المؤثرة: عليها أن تنأى بحساباتها السياسية بعيدا عن أفغانستان وتبحث عن توازن المصالح دون اللجوء إلى حروب بالوكالة، الأمر الذي يجعل أفغانستان همزة الوصل بين هذه المصالح، ويعطي الأفغان الفرصة لحل مشاكلهم آخذين بالاعتبار مصالح إقليمهم الطبيعي وتكون بهذا أفغانستان عامل ازدهار إقليمي وقادرة على إزالة المخاوف التي تثيرها العواصم القريبة منها.

وكل هذه العناصر التي ذكرناها أعلاه تحتاج إلى إلى قرارات صعبة وخيارات بالغة التعقيد من طرف سائر القوى المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في الساحة الأفغانية الملتهبة.
_______________
باحث أفغاني