هل ينفد البترول؟

كثر الحديث عن الطاقة المتجددة والتساؤل عن زمن انتهاء عصر البترول، والإجابة البسيطة تقول إن الثروة النفطية على غرار الموارد الطبيعية الأخرى معرضة للنقصان والضمور، ثم في نهاية المطاف معرضة للنضوب نهائيا.
1_892857_1_34.jpg






بابلو بينافيدس
ترجمة: شريفة دحروش


كثر الحديث عن الطاقة المتجددة والتساؤل عن زمن انتهاء عصر البترول، والإجابة البسيطة تقول إن الثروة النفطية على غرار الموارد الطبيعية الأخرى معرضة للنقصان والضمور، ثم في نهاية المطاف معرضة للنضوب نهائيا.






العصر النفطي لن ينتهي بنفاد النفط على غرار العصر الحجري الذي لم ينته بنفاد الحجارة
أحمد زكي يماني

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى الرجل المتأني والحكيم مؤسس ومسير منظمة أوبك سنوات طويلة خلت، الشيخ أحمد زكي يماني حين قال مازحا في إحدى المناسبات إن "العصر النفطي لن ينتهي بنفاد النفط، على غرار العصر الحجري الذي لم ينته بنفاد الحجارة".

وبالنسبة "للبترو متشائمين" من أمثال كولين كامبل هذا تأكيد استفزازي من الشيخ ومبالغ فيه، فهذه المجموعة تتكهن منذ سنوات طويلة باختفاء الموارد النفطية، ووصل بهم الأمر في الدفاع عن رؤيتهم إلى حد تكوين مجموعة أطلقوا عليها اسم "جمعية دراسة ذروة النفط".


وبعيدا عن أي دوغمائية، في الحقيقة لا مزحة اليماني وتفاؤله ولا تطير كامبل والمتشائمين معه بإمكانهم أن يعطوا إجابة قطعية بخصوص هذه المسألة، لأن النفط ونفاده ينطوي على وضعية معقدة ومرتبطة بعدة عوامل.


وهذا يقودنا للحديث عن "ناقوس هوبرت"(1) لقياس الاحتياطات النفطية، وهو عبارة عن رسم بياني إحداثي على شكل ناقوس يسجل فترات الاستفادة من الثروات النفطية المرتقبة بخط يؤشر أفقيا، ويقابله خط عمودي يسجل الاحتياط النفطي الذي استغل ونفد.


والنقطة الأعلى في الرسم البياني الذي يحدد شكل الناقوس، تمثل ما يسمى "قمة" الاستغلال وتسمى "قمة هوبرت" ومنها يبدأ المؤشر العمودي بالانحدار ليسجل مقدار انخفاض الاحتياط النفطي الموجود حتى يصل إلى نفاده مقارنة بقلة الاكتشافات البديلة.








وتعرض مقياس "قمة هوبرت" خلال السنوات الطويلة الماضية، على يد المحللين النفطيين لتعديلات متتالية، حيث زادوا من ارتفاع قمته إلى أعلى إيذانا بتزايد الاستهلاك النفطي، ولكنهم بالمقابل زادوا اتساعه بسطة بالتمدد أفقيا مبشرين بالتمديد التدريجي للفترة الزمنية المرتقب خلالها توفر تلك الموارد.

فباختصار إن رسم هوبير يزداد ارتفاعا واتساعا في الوقت نفسه، وبالطبع أكثر ما يثلج الصدر فيه هو تحرك خطه الأفقي ناحية اليمين مشيرا إلى أن لحظة نفاد البترول ستأتي، ولكن متأخرة.


وهذا ما هو عليه الأمر منذ سنوات، فلا يزال التحذير من نفاد البترول يؤجل عمليا منذ بداية استغلال النفط صناعيا، عندما حفر السيد آل هامل بئرا في سبيندلتوب بتكساس في العاشر من يناير/ كانون الثاني 1901.


وكي نحدد لحظة نفاد النفط من أجل تبني قرارات ضرورية لتدبير  الموارد النفطية بطريقة منتظمة، لابد لنا الانطلاق من أسئلة أكثر تحديدا، تحررنا من أسر التكهنات:


فما هي الكمية وما هو البترول الذي نتحدث عنه؟ وما هو مقدار الاستهلاك الحالي للبترول وما هو المتوقع مستقبلا؟ على أية وسائل تكنولوجية نعتمد حاليا وما هي تلك التي قد تتوفر مستقبلا لاستغلال الاحتياطي؟؛ وبأي ثمن وعلى أي مدى؟


احتياطي البترول
العوامل المؤثرة على نفاد النفط
خلاصات


احتياطي البترول 


وعلينا القول إنه لا يوجد توافق مطلق لتحديد مفهوم احتياطي المحروقات، فالمعاهد والشركات والحكومات يستخدمون هذا المفهوم حسب هواهم انطلاقا من عدة معايير.


والطريقة المعممة هي التي اتفق عليها في فبراير/ شباط 2000، وتفرق بين:



  1. الاحتياطي المثبت: الذي تفوق نسبة احتمال استغلاله 90%.
  2. الاحتياطي المحتمل: الذي تقدر نسبة إمكانية استغلاله بحوالي 50%.
  3. احتياطي ممكن: الذي تصل نسبة هذه الإمكانية فيه 5%.

ورغم ذلك، فإن تقدير الاحتياط النفطي يبقى خاضعا لتقلبات متعلقة بعوامل جيوسياسية أو مرتبطة بمصالح شركات، ولا توجد بالواقع تقديرات غير منحازة لجهة أو أخرى ومتحررة من مصلحة أحد الأطراف.


فعلى سبيل المثال إن تقدير احتياطي المحروقات بمنطقة القوقاز التي أصبحت تحتل اليوم مكانة مهمة، لا تزال مثار الشك. إذ يصعب اليوم تصديق المعلومات التي خلال سنوات قليلة وحسب مصدرها، جعلت احتياطي هذه المنطقة يتأرجح بين الرقم وضعفه في نفس الوقت.


إذ أن هذه المعلومات أو تلك تستطيع التأثير في قرارات جيوسياسية بالغة الأهمية، من مثل تحديد أفضل الأنابيب النفطية وخطوط مدها والسعة التي ينصح بها، وفي كثير من المناسبات تكون شركات هذا القطاع مضطرة لتصحيح  تقديراتها للاحتياطي المتوفر لديها، فمرة تقلصه، كما حصل مؤخرا في حالة شركتي ريبسول وشل، وأخرى تزيده كما فعلت على سبيل المثال شركة  بترو برا بعد اكتشافها الجديد  للاحتياطي الكبير بالبحر في منطقة توبي.


ووصل الاحتياطي العالمي للبترول المثبت نهاية عام 2006 إلى مليار ومائتي مليون برميل، المتوفر منها في الشرق الأوسط 724 ألف مليون برميل، يعقبها وبفارق كبير أفريقيا التي بلغ الاحتياط النفطي فيها حوالي 117 ألف مليون برميل، ثم أميركا الوسطى والجنوبية بمائة ألف مليون برميل.


بينما لا يتوفر في مجموعة من الدول إلا ما يقدر بحوالي 17 ألف مليون برميل، وتتصدرها روسيا، ثم أميركا الشمالية، وباقي دول الاتحاد السوفياتي السابق، وتعقبها في ذيل القائمة آسيا وأوروبا.


ويمكن أن تكون هذه التقديرات برمتها محط نقاش كغيرها، ولكنها في شتى الأحوال تتعلق بأنواع من الخام التقليدي الممكن استغلاله بالإمكانيات التكنولوجية الراهنة، وبأثمان استخراج معقولة.


أما فيما يخص الإنتاج العالمي للبترول فقد وصل حجمه في نفس الفترة الزمنية إلى 81.7 مليون برميل يوميا، وتصدرت منطقة الشرق الأوسط في استخراجه بـ25.6 مليون برميل، أعقبتها أميركا الشمالية بـ13.7 مليون برميل، ثم 9.8 ملايين من روسيا، وعشرة ملايين من أفريقيا، و7.9 ملايين من آسيا والباسفيك، و6.9 ملايين من أميركا الجنوبية والوسطى، و5.2 ملايين من أوروبا، وأخيرا 2.6 مليون من دول الاتحاد السوفياتي سابقا.


ومما سبق، يظهر أن نسبة الاستغلال والاحتياطي تتراوح ما بين:



  • حوالي أقل من 10% لاحتياطي أوروبا الضئيل والمستغل بشكل مبالغ فيه.
  • وحوالي 80% لاحتياطي الشرق الأوسط الذي يعتبر وسيظل الممول الأساسي عالميا.

مع العلم أن المشكلة الأساسية التي يؤكد عليه المدافعون عن نظرية النفاد السريع للنفط، هي عدم اكتشاف حقول بديلة تعوض تلك التي تنفد تدريجيا.





المشكلة الأساسية التي يؤكد عليه المدافعون عن نظرية النفاد السريع للنفط، هي عدم اكتشاف حقول بديلة تعوض تلك التي تنفد تدريجيا
والأمر الصحيح والذي لا شك فيه أن زمن البترول الرخيص والسهل المنال قد ولى، وأن أمجاد الحقول الشاسعة مثل أحواز، مارون، أورنجوي، نورث فيلد، وأستراكان قد انتهت، وأنه في بعض الحالات، وكمثال الولايات المتحدة حيث علاقة نسبة الاستغلال بالاحتياطي المتوفر، ما فتئت تتبع طوال العشرين سنة الأخيرة خطا  تنازليا لا تحيد عنه.

حتى إن  بعض الاكتشافات النفطية الجديدة لحقول مثل جنوب بارس في إيران أو كشاغان في كازخستان، طرحت مشاكل جيوسياسية وتقنية بالغة مما تسبب بفشل ذريع لبعض الشركات الغربية التي جازفت في هذا المضمار.


وإذا أردنا تغطية الطلب المرتقب من البترول حتى عام 2015 استنادا إلى مؤشرات الاستهلاك الحالي، فمن الضروري إضافة ستين مليون برميل يوميا للإنتاج الحالي وهو ما لا يمكن بلوغه، لأنه يتطلب اكتشاف وتطوير حوالي عشرة حقول جديدة يتجاوز حجم كل واحد منها حجم حقل نورث فيلد.


ولكن إذا كان الخام التقليدي يتضاءل فهذا لا يؤكد أن زمن نفاد البترول قد اقترب، لأن الطلب العالمي المتزايد يضطرنا والحالة هذه، إلى اعتماد أنواع حقول نفطية غير معتادة وغير متعارف عليها  كاحتياطات قابلة للاستغلال.


من ذلك الرمال الإسفلتية في أثاباسكا وفي إقليم ألبرتا الكندي، حيث إن مستوى الاحتياط  النفطي هناك، يفوق المستوى الحالي القابل للاستخراج في المملكة العربية السعودية، إلا أن استغلاله يتطلب تحريكا هائلا للأراضي، مع  ما يعني ذلك من استهلاك مياه وطاقة  فضلا عن أخطار بيئية بالغة.


ومن ذلك الخام الثقيل والثقيل جدا الموجود بقطاع أورينوكو بفنزويلا والذي يرجى استخراجه وتسويقه سواء بالطريقة المعمول بها أو  بطرق أخرى، وهذا طبعا إذا سمحت سياسة الحكومة الفنزولية البوليفارية الحالية بالاستثمارات الضخمة الضرورية لمواجهة التحدي التقني الذي تتطلبه هذه الأنواع.


وهناك أيضا حقول موجودة في المياه العميقة جدا وعمليات استغلالها إلى الآن تواجه صعوبات تقنية لا يمكن مقارنتها بتلك التي تواجهها الاكتشافات الحالية للحقول البحرية التي في خليج المكسيك على سبيل المثال، وبحر الشمال، ونيجيريا، وغينيا الاستوائية أو أنغولا.


ويعد حقل توبي الذي اكتشف قبالة مدينة سانتوس بالبرازيل حقلا فوق العادة، لكن تكاليف استغلاله لن تقل عن خمسين ألف مليون دولار، وقد تسرعت البرازيل في اعتباره احتياطيا قابلا للاستغلال في المدى القريب، وهو حقل واسع قد يحتوي على حوالي ثمانية آلاف مليون برميل، ويشتمل على طبقة يصل معدل كثافتها إلى خمسمائة متر منتشرة على منطقة طولها ثمانمائة كيلومتر وعرضها مائتا كيلومتر، لكن هذا الحقل يقع بمجمله على عمق ستة آلاف متر، منها ألفا متر من المياه البحرية.


ومنذ عدة سنوات أعلنت النرويج التي تستغل بطريقة ناجحة جدا احتياطها من المحروقات ببحر الشمال، عن إمكانيات هائلة في المياه الشمالية مثل بحر برنتز والتي قد تتعزز باحتياطي البترول القطبي، بما في ذلك الاحتياطي المحتمل لكروينلاند.


ورغم صعوبة تقدير إمكانيات كل هذا الاحتياطي في الوقت الراهن إلا أنه لم يمثل عائقا للقوى الشمالية الكبرى كي تصوب اهتمامها نحو القطب الشمالي كمنطقة ذات موارد مهمة ليس بالنسبة للمحروقات فحسب، كما هو الحال بالنسبة لروسيا، التي وضعت رايتها الوطنية في أعماق البحار محددة بذلك منطقة قد يكون تحديدها واستغلالها اقتصاديا مصدر خلافات دولية خطيرة في المستقبل.


ولكن تبقى العقبة الرئيسية هي نقل الخام عبر بحار متجمدة خلال مدة طويلة من السنة، إلا إذا سهل ذوبان الجليد الناتج عن التغيير المناخي فتح طرق جديدة.


وهناك أيضا إمكانيات تزخر بها كل من ألاسكا وشمال شرق سيبيريا، ولا تزال تواجه مشاكل لم يتم التغلب عليها بعد، وتتعلق بالمحافظة على البيئة  (مثل المحمية الطبيعية في ألاسكا) وعلى التوازن الهش لمكونات المنطقة.


وهكذا فلو تم احتساب جميع الاحتمالات المذكورة لقياس الاحتياط النفطي، فإنه قد يتضاعف بنسبة لا تقل عن 250%، وبما يصل إلى نسبة قد تفوق ثلاثة مليارات برميل من البترول، وبما يتجاوز الأرقام التي تحدد إمكانيات وحال الاحتياط النفطي المحتمل.


العوامل المؤثرة على نفاد النفط 


يتوقف نفاد النفط، وبعد تقدير الاحتياطي الموجود، على ثلاثة عوامل يتعلق أولها بمستوى الطلب الإجمالي، ويليها مبلغ التقدم التكنولوجي، وأخيرا سعر السوق.


تزايد الطلب



يتوقف نفاد النفط وبعد تقدير الاحتياطي الموجود، على ثلاثة عوامل يتعلق أولها بمستوى الطلب الإجمالي، ويليها مبلغ التقدم التكنولوجي، وأخيرا سعر السوق
وجميع التنبؤات مهما كانت مصادرها، تصب في نفس الاتجاه، فالطلب على مصادر الطاقة سوف يرتفع في الحقب المقبلة بنسبة 2% سنويا، وكان تقرير الوكالة الدولية للطاقة لعام 2007 قد حدد هذا الارتفاع بـ1.8%، مما سيؤدي إلى زيادة إجمالية قد تصل 55% عام 2030.

كما ستلعب الدول الصاعدة، وعلى وجه التحديد، الصين والهند اللتان توليهما الوكالة اهتماما خاصا، وكذلك بعض الدول التي في طور النمو، دورا رئيسيا في هذه الزيادة المتوقعة على الطلب.


وستكون مجموعة الدول التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين مسؤولة عن 80% من هذه الزيادة، حيث إن واردات الصين ستتضاعف أربع مرات، وواردات الهند ثلاث مرات، بينما استهلاك الطاقة في البلدان الصناعية سينحو نحو التوازن، وسيساهم مفهوم الاستعمال الفعال للطاقة في ضبط هذا التوازن.


فعلى سبيل المثال، إن إدخال تحسينات على أسطول السيارات واستخدام الوقود البيولوجي أو ربما استعمال البطاريات بالولايات المتحدة من شأنه أن يجعل الزيادة المتوقعة في استهلاك البنزين التقليدي تصل 10.6 ملايين برميل يوميا مقارنة مع 9.2 ملايين حاليا، وفي واقع الأمر سيمثل هذا نقصا في استهلاك البنزين التقليدي الذي سينحصر في 8.5 ملايين، والباقي والذي يمثل حوالي مليون سيكون للوقود البيولوجي، وبذلك يتم ادخار حوالي مليون برميل بتعويض الفارق.


إن ملاحظة الرسم البياني للاستهلاك الإجمالي العالمي ما بين عامي 1950 و2000 تبين خطا تصاعديا حادا يوضح أن الزيادة في استهلاك الطاقة بهذه الفترة كانت ضعف زيادة عدد سكان العالم.


ورغم تزايد استهلاك أكثر من عشرة آلاف مليون طن معادل بترول انطلاقا من عام 2000، فقد يصل مستويات قد تستقر ما بين عامي 2025 و2050 بحوالي 12 ألف مليون طن معادل بترول. فإذا كان الأمر كذلك، فإن الاستهلاك الفردي للطاقة سيستقر أيضا في رقم قد يقل عن 2 طن معادل بترول.


وهذه النتيجة تأخذ بعين الاعتبار عدة حقائق، كالزيادة المرتقبة في عدد السيارات لدى المجموعات السكانية المؤثرة في استهلاك البترول.


ويوجد في الصين حاليا ما يعادل 12 سيارة لكل ألف نسمة، مقارنة مع 620 سيارة لكل ألف فرد بالولايات المتحدة، و487 لكل ألف باليابان وكوريا، و444 لكل ألف يقطنون بأوروبا الغربية.


ومع حلول عام 2025 ستشهد أميركا زيادة طفيفة بعدد السيارات بينما سيرتفع عددها وبطريقة مذهلة في بلدان أخرى مثل الصين، حيث قد يصل 74 سيارة لكل ألف نسمة، وستتضاعف في روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق لتصل 312 سيارة، وكذلك في أميركا اللاتينية حيث ستصبح النسبة 269 سيارة لكل ألف نسمة.


وعلى أي حال، سوف يشكل الطلب الناتج عن احتياجات النقل الجزء الأكبر من استهلاك النفط وسيستمر في النمو رغم التحسينات التي يتم إدخالها، سواء على وسائل النقل البرية أو الجوية، حيث إن معدل استهلاك الوقود سواء بالنسبة للمحرك أو الراكب قد انخفض بحدة منذ عام 1960، غير أن هذا المعدل بدأ يميل إلى الاستقرار منذ عام 2005.


التقدم التكنولوجي
وفيما يتعلق بالتكنولوجيا, وباختصار شديد، يجب التأكيد على التحسينات الهائلة التي أدخلت على جميع مراحل إنتاج النفط بدءا من مرحلة الاكتشاف، مرورا بمعرفة أدق لعمليات تطهير الأحواض الجيولوجية؛ إلى مرحلة الحفر بما يسمح  بتدقيق أكثر في المحاولات وتقليص عدد المحاولات الفاشلة منها، انتهاء بتطوير استخراج الخام اللازم من الحقول البحرية للحفاظ على مستويات إنتاج مناسبة للخام التقليدي؛ وصولا إلى مرحلة الإنتاج.


وفي المجال التقني أيضا قد تؤدي الزيادة في إعادة إنعاش الحقول التي سبق استغلالها إلى زيادة مهمة جدا في الاحتياطي المتوفر، وحسب  تقرير هاي ويي الأخير، والممول من طرف برنامج أبحاث الاتحاد الأوروبي، فإن استهلاك الخام في قطاع النقل البري قد يتقلص بنسبة 40% من الآن إلى سنة 2050 بسبب استعمال الهيدروجين.


واستنادا إلى نفس  التقرير قد يتم سنة 2030 الوصول في عدد السيارات إلى أسطول يقارب عتبة 16 مليون سيارة، ومجموع  استثمارات متراكمة قد تصل ستين ألف مليون يورو بالبنية  التحتية.


سعر السوق



مهما كانت شوكة الأسعار مستقبلا، فمن المؤكد أن مصالح الجميع تدعو إلى الارتقاء بمستوى البحث عن حلول بديلة
وصل سعر برميل البرنت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1998 إلى أقل من عشرة دولارات؛ وتعدى ثمن نفس البرميل يوم 27 فبراير/ شباط 2008 حاجز المائة دولار، وما كان هذا ليخطر ببال أحد قط، أن سعر البرميل قد يصل إلى هذا الإرتفاع وبهذه السرعة، حتى من المحللين الأكثر تشاؤما.

انطلاقا من هذا، فلا شيء يمنع من المضاربة بالبرنت حتى يصل سعره 125 و150 دولارا مثلما تفعل بعض المؤسسات المالية، أو في حالة حصول مشهد درامي كهجوم أميركي على إيران وما قد ينتج عن ذلك من شل لحركة الملاحة في مضيق هرمز، أو حتى أن يصل سعر البرنت إلى مائتي دولار، كما أقر بذلك الشيخ أحمد زكي يماني بنفسه مؤخرا في مداخلة له بمدريد.


ومهما كانت شوكة الأسعار مستقبلا، فمن المؤكد أن مصالح الجميع تدعو إلى الارتقاء بمستوى البحث عن حلول بديلة، وتوضح التحليلات إجمالا للعلاقة بين سعر الإنتاج وسعر السوق أن ثمن الإنتاج يتراوح بين خمسة وسبعة دولارات بالنسبة للخام السعودي والقطري، وبين 15 وعشرين دولارا بالنسبة للمستخرج من المياه العميقة، أما بالنسبة للخام الثقيل فثمن إنتاجه حوالي 25 دولارا في الرصيف القاري، وبالنسبة لرمال القطران الكندية يبدأ ثمنه من 45 دولارا.


وبكل وضوح فإن رسم هوبرت البياني يتسع ويرتفع بشكل متساو، ويجعل الاحتياطي المتوفر يرتفع من مليار برميل بسعر 15 دولارا إلى 4.5 مليارات برميل بسعر 75 إلى 80 دولارا، وقد يشمل هذا الاحتياطي تدريجيا أصنافا من الخامات غير التقليدية والمستخرجة من المياه العميقة، وبترول القطب الشمالي والمستخرج من الأعماق الكبيرة جدا والخام الثقيل جدا والرمال والصفائح القارية..


خلاصات 


هل ينفد البترول؟.. لنرجع إذن إلى البداية، لن ينفد البترول قريبا ولا يترقب نفاده قريبا رغم تكهنات المتشائمين من أمثال كامبل، والذين رغم تمكنهم على مستوى الظاهر من إعلاء حجتهم على كل العناصر المطروحة، فإنهم يضعون "قمة" الرسم البياني حوالي عام 2015 بإنتاج أقصى يقدر بثلاثين ألف مليون برميل سنويا، ويصل الإنتاج في طريق انحداره إلى 15 ألف مليون برميل سنويا وذلك في حدود عام 2050.


كما نجد توقعات أخرى تستند إلى نماذج وكالة الطاقة الدولية، وتذهب إلى توضيح بعض الاستثمارات والتي تحدد لها الوكالة نفسها أرقاما للثلاثين سنة المقبلة، بـ22 مليار دولار حسب قياس الاستهلاك اليومي لأكثر من تسعين مليون برميل يوميا، والبعض يرفعه إلى 116 مليونا. وهناك احتمال كبير بأن يصل الاحتياطي المتوفر إلى ثلاثة مليارات، أو باحتمال ضعيف قد يصل أربعة مليارات، وأن يصل خط الرسم البياني المنحدر حتى عام 2100.


وهكذا فإن "القمة" قمة الإنتاج ومستوى انحدارها متوقفة على وجهتي نظر مختلفتين تماما، حيث يمكن وضعها السنوات 2012 -2015، أو في نقطة تقترب من السنوات 2030-2040، وذلك حسب وجهة النظر المعتمدة.


ولكن لا شيء من هذا يعفي الإنسانية من قاعدة ذهبية، يبدو أنها  تتجاهلها بعناد حتى الآن، وهي أن الموارد الطبيعية من أرضنا ليست غير نهائية، وتدبيرها ليس حكرا على جيلنا، بل علينا مراعاة مصالح الأجيال القادمة، أما ما تبقى فتتكفل به قدراتنا المالية ومدى تفوقنا.
_______________






الممثل الدائم لإسبانيا لدى منظمة حلف شمال الأطلسي 

هوامش
- صدر المقال عن المعهد الملكي الكانو تحت رقم: 83/2008 بتاريخ 23/07/2008.
(1) يعتبر مصطلح "قمة النفط" أو "قمة هوبرت" من ركائز "نظرية هوبرت" التي قدمها "إم. كينج هوبرت" أحد أشهر الباحثين الجيوفيزيائيين بالولايات المتحدة الأميركية، والتي تنص على أن مخزون البترول غير متجدد، لذا فهي تتوقع أن إنتاج البترول المستقبلي في العالم يجب أن يصل إلى قمة ثم ينحدر بعد ذلك، نظرا لاستمرار استنفاد مخزون النفط، وقدم رسما بيانيا عام 1956.