إستراتيجيات المواجهة الجديدة في أفغانستان

تقرير يتناول تطورات الوضع الأفغاني، ويسلط الضوء على الإستراتيجيات الجديدة لأميركا وطالبان لإدارة الصراع بينهما بحيث تسعى الأولى بشكل أساسي إلى زيادة عدد القوات فيما تسعى الثانية بشكل رئيسي إلى تثبيت جبهة الشمال وتضييق الخناق على كابل.
18 August 2009
1_934797_1_34.jpg







 

عرض علي حسين باكير


شهد تموز/يوليو الماضي ارتفاع حصيلة قتلى قوّات التحالف في أفغانستان على يد حركة طالبان إلى 65 قتيلا من بينهم 45 أميركيا ليكون بذلك الشهر الأكثر دموية لقوات التحالف منذ غزوها أفغانستان في العام 2001، وقد ترافق ذلك مع اعتماد كل من الولايات المتحدة الأميركية وطالبان إستراتيجيات جديدة لإدارة الصراع بينهما بحيث تسعى الأولى بشكل أساسي إلى زيادة عدد القوات فيما تسعى الثانية بشكل رئيسي إلى تثبيت جبهة الشمال وتضييق الخناق على كابل.


وفي هذا الإطار، ولتسليط الضوء على إستراتيجيات الطرفين بشكل أكثر تفصيلا، اخترنا من بين أحدث التقارير الأجنبيّة الصادرة حديثا تقريرين يتناولان تطورات الوضع الأفغاني بالتحليل، مع التنبيه إلى أن هذين التقريرين يعكسان بشكل أو بآخر وجهات نظر الجهات التي أعدتهما:






  1. يبلغ تعداد قوات التحالف الدولي في أفغانستان حوالي 88 ألف يتوزعون على 41 دولة. وتعمل الولايات المتّحدة على زيادة عدد قواتها هناك.
    الأوّل بعنوان: "التقدّم الحاصل نحو الأمن والاستقرار في أفغانستان" (1)، وهو تقرير يقع في 77 صفحة، صادر عن "وزارة الدفاع الأميركية" (DOD) في شهر يونيو/ حزيران 2009 ومرفوع إلى الكونغرس الأميركي.

    وتكمن أهميّة التقرير في أنه يقيس بشكل دوري التطورات الحاصلة في أفغانستان من ناحية الأمن في البلاد ووضع القوات الحكومية وأداء الحكومة والتطورات الحاصلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة المخدرات إضافة إلى الجهود الإقليمية في أفغانستان.

    وفي عرضنا لهذا التقرير سنختار الجزء الذي يتحدث عن معالم الإستراتيجية الأميركية الجدية التي اعتمدتها إدارة أوباما مؤخرا.


  2. الثاني بعنوان: "إستراتيجية طالبان الرابحة في أفغانستان" (2)، وهو تقرير يقع في 36 صفحة صادر عن "وقفيّة كارنيغي للسلام" في شهر يونيو/ حزيران الماضي أيضا.

    وتكمن أهميته في كون معدّه "جيليز ديرونسورو" خبير في الشأن الأفغاني وله العديد من الكتابات في هذا المجال، وقد أعدّ تقريره هذا الذي يعد من التقارير القليلة التي تشرح إستراتيجية طالبان، بعد رحلة ميدانية امتدت لأشهر، وقام خلالها بتقييم حجم "التمرد" وباقتراح إستراتيجية فعالة للحلفاء تقوم على فهم شامل ودقيق لإستراتيجية طالبان وقدراتها وأهدافها.

وفيما يلي عرض لأهم الأفكار الواردة في التقريرين حول الإستراتيجيات الجديدة المعتمدة للمواجهة العسكرية:


التقرير الأوّل


معالم الإستراتيجية الأميركية الجديدة وأهدافها
عناصر الإستراتيجية الأميركية والأهداف الموازية لها
التوقعات


التقرير الثاني


معالم إستراتيجية طالبان الجديدة
أبرز الانجازات المحققة مؤخرا
الاستنتاجات


معالم الإستراتيجية الأميركية الجديدة وأهدافها 


يعطي التقرير الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية وصفا دقيقا للإستراتيجية الأميركية الجديدة بخصوص أفغانستان والتي كان الرئيس أوباما طرحها في مارس/ آذار 2009، كما يقيّم الجهود المبذولة لوضع هذه الإستراتيجية موضع التنفيذ في أفغانستان ومدى التقدّم الحاصل في عمليات الأمن، وأوضاع الحكم وما يسميه إعادة البناء.





وتهدف الإستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان إلى إضعاف وعزل القاعدة وحلفائها ومن ثمّ القضاء على المتشددين وضرب هياكلهم الداعمة ومخابئهم الآمنة في باكستان المجاورة لمنع عودتهم، وبالتالي حرمانهم من إمكانية شن أي هجمات داخلية أو دولية
يبلغ تعداد قوات التحالف الدولي في أفغانستان استنادا إلى التقرير حوالي 88 ألف يتوزعون على 41 دولة. وتعمل الولايات المتّحدة على زيادة عدد قواتها هناك بما يتناسب مع حجم التحديات والمخاطر المتنامية في أفغانستان وربما يساعد على هزيمة التمرّد.

فبين أكتوبر/ تشرين أول 2008 وأبريل/ نيسان 2009، استطاعت الولايات المتّحدة رفع حجم قواتها المتواجدة هناك إلى حوالي 11 ألف رجل، ليرتفع العدد الكليّ للقوات الأميركية المتواجدة في أفغانستان إلى 41 ألف موزعين على مجموعة "آيساف" الدولية (ISAF) التابعة لحلف شمال الأطلسي (NATO) بواقع 15 ألف جندي في الشرق، وعلى مجموعة "عملية الحريّة" الأميركية (OEF) بواقع 26 ألف، علما أنّه بحدود شهر يونيو/ حزيران 2009 ارتفع الإجمالي الكلي لهم إلى 57 ألف جندي.


ووفقا للإستراتيجية الأميركية الجديدة التي صدّق عليها الرئيس الأميركي باراك أوباما في فبراير/شباط 2009، سيتم زيادة القوات الأميركية العاملة هناك بأكثر من 21 ألف جندي على أن يتم توزيعهم على مدار السنة حتى العام 2010. وعليه، فإن خطّة القوات الأميركية تقتضي بأن يتم إرسال 17700 جندي إضافي إلى منطقة الجنوب هذا الربيع.


وتهدف هذه الإستراتيجية بشكل عام إلى إضعاف وعزل القاعدة وحلفائها ومن ثمّ القضاء على المتشددين وضرب هياكلهم الداعمة ومخابئهم الآمنة في باكستان المجاورة لمنع عودتهم، وبالتالي حرمانهم من إمكانية شن أي هجمات داخلية أو دولية.


ويعتبر تحقيق هذا الهدف الكلّي أمرا حيويا وحاسما للأمن القومي الأميركي، ويتطلّب بالتأكيد مزيدا من الواقعية ومن تحديد الأهداف القابلة للتحقق، منها:



  1. عرقلة عمل الشبكات "الإرهابية" في أفغانستان وباكستان خاصة لإعاقة قدرتهم على التخطيط والتنفيذ لأي هجمات في الداخل أو عبر الحدود.
  2. الدعم والترويج لحكومة أفغانيّة أكثر فعاليّة وقدرة ومسؤولية تعمل على خدمة الشعب الأفغاني وتكون أكثر قدرة على العمل لا سيما في مجال تأمين الأمن داخليا بدعم دولي محدود.
  3. العمل على تطوير قوات الأمن الأفغانية بحيث تصبح قادرة على الاعتماد على نفسها بشكل متزايد تدريجيا بما يمكّنها من القيام بعمليات مكافحة "الإرهاب" والـ"تمرّد" بمساعدة أميركية أقل مما كان يتم سابقا.
  4. مساعدة الجهود المبذولة لتعزيز سيطرة الحكومة المدنيّة والدستورية في باكستان ودعم الاقتصاد الحيوية لتوفير فرص العمل للشعب الباكستاني.
  5. جعل المجتمع الدولي ينخرط بشكل فاعل في هذه الإستراتيجية لتحقيق هذه الأهداف ومساعدة الأفغان والباكستانيين بقيادة الأمم المتّحدة على وجه الخصوص.

عناصر الإستراتيجية الأميركية والأهداف الموازية لها 


ويلفت التقرير الانتباه إلى أنّ الولايات المتّحدة ستحاول من خلال هذه الإستراتيجية أن تظهر للشعب الأفغاني بأنها ملتزمة دعم حكومة أفغانية شرعية واقتصاد مستدام. وتشمل هذه الإستراتيجية الأميركية الجديدة 3 عناصر أساسيّة: أفغانستان وباكستان والمجتمع الدولي.


فيما يتعلّق بأفغانستان وهي العنصر الذي يعنينا هنا، يقول التقرير إنّ القوات الأميركية في أفغانستان يقع عليها عبء تنفيذ مهمتين ذاتي أولوية قصوى:



  1. تأمين منطقة جنوب وشرق أفغانستان ضد عودة القاعدة وحلفائها بهدف توفير المساحة اللازمة للحكومة الأفغانية لتبسط سيطرتها وسلطتها.
  2. تهيئة قوات الأمن الأفغانيّة وتدريبها لتكون قادرة على الانتشار بسرعة وتوليّ القيام بقيادة عمليات فعّالة ضدّ "المتمردين" بشكل يسمح للولايات المتحدة والقوات الدولية الأخرى العمل على تقليص دورهم في العمليات القتاليّة الجارية.

وستتم مواكبة العمليات العسكرية ببذل جهود في السياسة والتنمية الاقتصادية للبلاد، وستهدف العمليات الأمنية إلى فصل المدنيين عن المتمردين وتوفر الوقت والمساحة اللازمة لتحقيق الاستقرار في البلاد.


كما سيتم بموازاة العمليات العسكرية متابعة تحقيق عدد من الأهداف ومنها:



  1. بناء القدرات المدنيّة الأفغانيّة من أجل تسهيل قيام حكومة فعّالة وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة في البلاد.
  2. زيادة حجم وقدرات قوات الأمن الأفغانيّة وذلك لجعلها قادرة على توفير الأمن الداخلي والخارجي لأفغانستان بشكل مستقل. وسيتم العمل على تسريع بناء وتوسيع القدرات العسكرية في 2009 و2010 ورفع عدد الجنود إلى حدود 138 ألف وقوات الأمن إلى 86600.
  3. الوقوف إلى جانب الحكومة الأفغانية وتعزيز شرعيتها، وهو أمر ضروري من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار على المدى البعيد في البلاد.
  4. تشجيع برامج المصالحة الأفغانية لما فيه مصلحة هزيمة "التمرّد" عبر استقطاب المقاتلين السابقين أو المقاتلين خارج الإطار الأيديولوجي الحاد لمن يقودون "التمرّد" الآن.
  5. بناء قدرات المقاطعات والحكومات المحليّة من أجل تسهيل توصيل الخدمات المقدمة للسكّان وربط القاعدة الشعبية بالحكومة الأفغانية وتعزيز شرعيّتها.
  6. كسر حلقة الوصل بين المخدّرات و"التمرد" على اعتبار أنّهما يساهمان في انتشار الفساد وفي تقويض شرعية الحكومة، وكذا في مدّ المتمرّدين بمصادر التمويل اللازمة لمواصلة تمرّدهم.

التوقعات 


يلفت التقرير الانتباه إلى أن خطر الفشل حقيقي جدا في مواجهة طالبان، ونتائجه ستكون كارثيّة إذا ما حصل ذلك، ولهذا يجب على الولايات المتّحدة وعبر خطّتها الجديدة السعي مع حلفائها وشركائها إلى قلب الصعود الطالباني في أفغانستان في 2009 و2010، والعمل مع باكستان من أجل معالجة التهديد الأمني على حدودها الغربية، وهي ملتزمة العمل على تحقيق وإنجاز الأهداف الواردة في الخطة بالتعاون مع شركائها في المنطقة والمجتمع الدولي وباكستان على وجه الخصوص من أجل العمل على تفكيك الشبكات الإرهابية في أفغانستان وحرمانها من أي ملجإ آمن، وسيتطلب ذلك بطبيعة الحال انخراطا دائما للولايات المتّحدة والمجتمع الدولي إضافة إلى أفغانستان وباكستان، وسيكون من المفيد عقد قمّة ثلاثية (أفغانية، باكستانية، أميركية) إذ أثبتت مثل هذه القمم فعاليتها في دعم التعاون في المنطقة.


معالم إستراتيجية طالبان الجديدة 





من الواضح أنّ طالبان تمتلك "إستراتيجية" ناجحة ومتماسكة حققت لها العديد من النجاحات وهي تسعى إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة وفتح جبهة جديدة من أجل زيادة أماكن انتشارها ونفوذها.
يتطرّق التقرير الثاني في محاولة للإحاطة بما يسميه "إستراتيجية طالبان الرابحة" إلى معالجة ثلاثة أسئلة رئيسية:

  1. ما هي طبيعة حركة طالبان؟
  2. كيف يستغل "التمرّد" القضايا الأساسية السياسية والاجتماعيّة؟
  3. كيف يعمل "التمرّد" على تطويع إستراتيجيته لتكون ملائمة لمختلف الأوضاع المحلية؟

ويشير التقرير إلى أنّه ومنذ مغادرة بوش البيت الأبيض، تحاول الولايات المتحدة تطوير إستراتيجية جديدة للتعامل مع طالبان وهزيمتها. لكنّ المبادرات التي كانت تُطرح تفتقد إلى التماسك ولا تقدّم ردا معتبرا وذي مصداقية على تصاعد وتطور عمليات "التمرّد".


وبينما تتضمن الطروحات الجديدة عناصر مفيدة، إلاّ أنّها تحوي أيضا عناصر خطيرة من شانها أن تزيد الوضع سوءا وتسرّع من عمليات تقدّم طالبان على الأرض على ما يذكر التقرير.


وتظهر التعزيزات التي تمّ إقرارها مؤخرا في صفوف قوات التحالف في العام 2009 (21 ألف جندي) أنّ طالبان تزداد قوة، لكنّ المشكلة أنّ هذه التعزيزات لن تكون قادرة على هزيمة طالبان في الجنوب، كما أنّ إغلاق الحدود مع باكستان أمر صعب ومعقد جدا، وحتى لو افترضنا وقوع ذلك، فإن هزيمة طالبان ستتطلب وقتا طويلا بما أنّهم يمتلكون زخما شعبيا عاليا.


وما دامت الحدود مفتوحة مع باكستان، فإن هزيمة طالبان ستتطلب مائة ألف جندي على الأقل وتعزيزات مستمرة، علما أنّه لا الولايات المتّحدة ولا دول حلف شمال الناتو تبدو راغبة أو قادرة على تحمّل التكاليف البشرية والماديّة المرتفعة لمثل هذه الخطوة، وحتى لو كانوا راغبين أو قادرين، فإنّ مشكلة إقفال الحدود تبقى صعبة للغاية سياسيا وعسكريا وتتطلب وقتا طويلا، كما أنّ التركيز على الشرق والجنوب من شأنه أن يدفع الوضع إلى التدهور بشكل ملحوظ في الشمال.


فمن الواضح أنّ طالبان تمتلك "إستراتيجية" ناجحة ومتماسكة حققت لها العديد من النجاحات وهي تسعى إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة وفتح جبهة جديدة من أجل زيادة أماكن انتشارها ونفوذها، وتقوم هذه الإستراتيجية على:



  • توظيف الإثنيات في مناطق الأقليات: رغم أنّ الأغلبية الساحقة من أعضاء الحركة هم من البشتون وهي الإثنيّة التي تشكّل أيضا الأغلبية في أفغانستان، إلاّ أنّ الحركة تحرص على أن لا تقدّم نفسها من هذا الباب، وذلك من أجل أن توسع رقعة انتشارها في المناطق التي تتواجد فيها أغلبية من إثنيّات أخرى في البلاد، وهي تعمل على توظيف الموالين لها من هذه الإثنيّات على قاعدة الالتزام الأيديولوجي في مقاتلة المحتل، وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد إلى الآن.


  • استغلال الفراغ في الحكم المحلّي: قامت طالبان بإنشاء حكومة موازية في أماكن تواجدها وفي المناطق التي تسيطر عليها وذلك من أجل تحقيق أمرين أساسيين هما الأمن والعدالة، وقد ساهم غياب الحكومة المحلية وارتياب الناس في تلك المناطق من قوّات التحالف في تعزيز سيرة طالبان وقدرتها على تحقيق حاجات الناس الأساسية، وتوسيع رقعة نفوذها وتأثيرها.


  • فتح جبهة الشمال: بعد تمكنها من فرض سيطرتها في شرق وجنوب البلاد، تعمل طالبان على تثبيت فتح جبهتها في المقاطعات الشمالية، بحيث أنه وإن لم تتمكن قوات التحالف من مواجهة هذا المد الآن، فإن التمرّد سينتشر في كافة أنحاء البلاد خلال سنتين أو ثلاثة سنوات، وعندها لن يستطيع التحالف تحمّل الأعباء المادّية المالية والتكاليف البشرية للقتال.


  • التركيز على كابل: فالسعي إلى السيطرة على كابل يعدّ الهدف الأساسي، إذ تعكس المدينة أهميّة خاصة، ولذلك تركز طالبان على اختراقها من الجنوب والشرق.

أبرز الإنجازات المحققة مؤخرا 


ويضيف التقرير بأنّ الوضع في أفغانستان يواصل التدهور لصالح طالبان بعد مبادرتها الإستراتيجية في التقدم مقابل إستراتيجية قوات التحالف غير المتماسكة وغير الواضحة التوجّه.


لقد استطاع "التمرّد" شن العديد من الهجمات الناجحة خلال الأشهر الماضية، ونجح في تحقيق الأهداف التالية:



  1. وضع قوات التحالف الدولي في موقف دفاعي أي عكس الخطّة التي من المفترض أن يقوم بها والتي تقتضي الهجوم حتى القضاء على طالبان.
  2. تهميش القوّات الحكومية وفرض سيطرة الحركة على مناطق واسعة من البلاد جنوبي وشرقي أفغانستان.
  3. تأمين ملجأ آمن له في باكستان يتم الانطلاق منها من جديد لشن هجمات واستعادة الزخم.
  4. فتح جبهات جديدة في الشمال تعمل على استنزاف قوات التحالف.

وفيما يبدو الوضع غير واضح في المنطقة المحيطة بالعاصمة الأفغانية كابول، فإنه يبدو أنّ قادة طالبان مقتنعون الآن بأنّ التحالف الدولي سيرغم عاجلا على تقبّل الوقائع على الأرض، الأمر الذي سيضطرّه إلى مغادرة أفغانستان في غضون سنوات قليلة قادمة.


ويعود ذلك بالأساس إلى العناصر التالية:






  • الوضع في أفغانستان يواصل التدهور لصالح طالبان بعد مبادرتها الإستراتيجية في التقدم مقابل إستراتيجية قوات التحالف غير المتماسكة وغير الواضحة التوجّه.
    طبيعة طالبان:
    فطالبان منظمة بشكل ممتاز، ولديها إستراتيجية واضحة ومتماسكة وفعّالة وتشير التحرّكات على أرض الواقع إلى أنّها تمتلك قيادة ذات كفاءة، وتتعلم من أخطائها وتكتشف نقاط الضعف الموجودة عند أعدائها بسرعة، وقد استطاعت بناء إدارة موازية لإدارة الدولة، ولديها شبكة لوجستيّة على امتداد البلاد، وتدير شبكة استخبارات مذهلة وفعّالة.


  • قدرتها على توظيف الحرب النفسية والإعلامية: فهي تعمل بشكل متقن على إدارة حرب نفسية ضد أعدائها وتقوم على توظيف الراديو والفيديو والإنترنت لإظهار العمليات النوعية وحشد الدعم والتأييد ونقل المعركة النفسية إلى قوات التحالف، كما تقوم طالبان بحملة إعلامية متقنة لصالحها تعمد من خلالها التركيز أساسا على فساد الحكومة الأفغانية وتقص الخدمات الأساسية المقدّمة للشعب الأفغاني إضافة إلى إظهار البعد التاريخي للنضال ضدّ المحتلّين البريطانيين والسوفييت والأميركيين.


  • تمتعها بقدرات قتالية احترافية وجيدة في أماكن سيطرتها: بعيدا عن الفكرة القائلة بأن طالبان تتكون من تشكيلة ضعيفة من المجموعات المحليّة، فإن الحقيقة عكس ذلك تماما، فطالبان منظمة بشكل ممتاز ولديها قيادة متماسكة وتقود دعاية قوية وتخوض حربا نفسية معقدة. وهي تطوّر من قدراتها في استخدام العبوات الناسفة وأيضا في استخدام نظام اتصالات وتواصل مهم، وفي المقابل، فإن قوات التحالف تفتقر إلى الرؤية الواضحة وغالبا ما يأتي ذلك نتيجة للاستخفاف بطالبان وبطبيعة النظرة إليها.

الاستنتاجات


لدى طالبان إستراتيجية متماسكة ومنظمة تسعى إلى تطبيقها بشكل دقيق، وقد استطاعوا النجاح في ذلك حتى الآن، وحققوا أكثر مما كانوا يتوقعونه في المناطق الشرقيّة والجنوبية، وهم الآن يحضرون مسرح العمليات في الشمال، ومن غير المتوقّع أن تقوم طالبان بتغيير إستراتيجيتها المتّبعة إلى الآن حتى ولو قوبل ذلك بزيادة عدد القوات الأميركية.


وبدلا من أن تركّز قواتها لمواجهة قوات التحالف، من المحتمل حينها أن تقرر طالبان ممارسة المزيد من الضغوط على جبهات كابل وغازني وقندهار حيث حصلت العديد من الاختراقات.


لا يعني ذلك أنّ "التمرد" لا يمتلك نقاط ضعف على الإطلاق، لكن فيما يخص الجبهة الشمالية، من الممكن صد قوات طالبان إذا ما قامت قوات التحالف بتعزيز قدرات وإمكانيات الشرطة والجيش الأفغاني، لكنّ قوات التحالف ارتكبت العديد من الأخطاء، فمن أبرز أسباب تدهور إستراتيجية قوات التحالف الدولي:



  1. التقليل من شأن طالبان: عبر تصويرها على أنها حركة "رجعية"، "من القرون الوسطى"، وعبارة عن تكتل جماعات فضفاض، وأصوليون لا يسايرون التطور التكنولوجي أو العسكري المعقد.

    في حين أن الحقيقة كانت عكس ذلك تماما، فطالبان قادرة كما بدا على التخطيط الاستراتيجي والعمل الفعّال والمنسّق، وهي تقود دعاية قوية وتخوض حربا نفسية معقدة ولديها قيادة متماسكة وهو ما يعني أنّها قادرة أيضا على اتخاذ إجراءات معاكسة لتحرّكات التحالف الدولي، فهي تتمتّع بهيكلية مركزية بما يكفي لأن تكون فعّالة، ومتنوعة بما يكفي لان تتأقلم مع الوضع المحلي المتغيّر.


  2. التركيز على نشر وحدات في معاقل طالبان في الشرق والجنوب بأعداد محدودة وغير كافية بمواجهة الأغلبية الطالبانية في تلك المناطق، مقابل إهمال المناطق التي لا تزال طالبان ضعيفة فيها مما أفسح المجال أمام الأخيرة إلى التمدد في مناطق مفتوحة متفرّقة لا وجود فيها لقوات الحكومة أو لجنود قوات التحالف وفتح جبهات وثغرات تستنزف قوات التحالف ولاسيما الجبهة الشمالية وفي محيط كابل من خلالها.

يبدو حشد الطاقات والموارد في المناطق الشرقيّة والجنوبية حيث التواجد القوي لطالبان مخاطرة ومغامرة غير محسوبة النتائج خاصة أن قوات الجيش الأفغاني غير مؤهلة لاستبدال القوّات الأميركية في الأماكن التي يعاد السيطرة عليها في تلك المناطق.


كما أنّه لا يمكن هزيمة "التمرد" في الوقت الذي تمتلك فيه طالبان ملجأ آمنا في باكستان، لأنه سيكون باستطاعتها تنفيذ إستراتيجية (اضرب واهرب) في حين تبقى الجيوب الشمالية مفتوحة، لذلك على الولايات المتّحدة أن تضغط على باكستان لاتخاذ إجراءات حازمة ضد قيادة طالبان المركزية في "كويتا"، فالهجوم الحالي للقوات الحكومية ضد طالبان باكستان ليس مؤشرا كافيا على حصول نقلة نوعية في السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان.
_______________
باحث في العلاقات الدوليّة


هامش
(1)
لقراءة النص الأصلي للتقرير الأول كاملا إضغط هنا.


(2) لقراءة النص الأصلي للتقرير الثاني كاملا إضغط هنا.

ABOUT THE AUTHOR