تنظيم الأرغَنيكون في تركيا والانقلاب الجمهوري

لم يكن الانقلاب الجمهوري في تركيا نتيجة للديناميكية الداخلية للبلد، بل كان من صنع المؤسسة العسكرية المعتادة على إصدار الأوامر، حيث وضع الجيش الذي قام بالانقلاب شفرة الجمهورية بالطريقة التي تلائمه، وبات يتصرف وكأنه "مالك البلد".







 

شامل طيار


لم يكن الانقلاب الجمهوري في تركيا نتيجة للديناميكية الداخلية للبلد، بل كان من صنع المؤسسة العسكرية المعتادة على إصدار الأوامر، حيث وضع الجيش الذي قام بالانقلاب شفرة الجمهورية بالطريقة التي تلائمه، وبات يتصرف وكأنه "مالك البلد".


وتتلخص هذه المقاربة بهيمنة البيروقراطية العسكرية والمدنية التي على نفس الشاكلة، على عملية إدارة البلد، مما أدى مع مرور الزمن إلى إقصاء الشعب عن المشاركة في الحياة العامة، وباتت النخب العسكرية والمدنية المسيطرة تحتكر إدارة الدولة في بعض الأحيان، وأخذت تتصرف على أساس أنها "دولة التسلط" الكابحة لإرادة الشعب على النحو الذي يحلو لها.





لم يكن الانقلاب الجمهوري في تركيا نتيجة للديناميكية الداخلية للبلد، بل كان من صنع المؤسسة العسكرية المعتادة على إصدار الأوامر
وقد اتّبع هؤلاء الذين يريدون تحويل الجمهورية إلى نظام جائر بعض الأساليب التي اتبعها حزب الاتحاد والترقي الذي قضى على الدولة العثمانية، وسيطر على السلطة بتنظيم سري شكله داخل الدولة، ولم يتورع عن اقتراف الجرائم إذا اقتضى الأمر، وبهذا برز صراع لا مفر منه بين الحاكم والمحكوم، وسرى هذا التقليد السيء منذ مرحلة ما بعد الإمبراطورية في جينات الجمهورية إلى يومنا هذا.

ورغم ذلك لم يخرج الشعب إلى الشوارع، لأن ”ثقافة البيعة“ التي هي من نتاج الفكر السنّي الغالب على المجتمع التركي، تجعل من طاعة "ولي الأمر" أمرا أساسيا، وبالتالي لم تظهر ردود أفعال كبرى على المستوى الاجتماعي حيال الضغوطات مهما كبرت، واكتفى الشعب بصناديق الاقتراع، ليعبر عن غضبه من خلالها، محاولا فرض خياره بانتخاب حكومة مدنية.


أما البيروقراطيون المدنيون والعسكريون فإنهم عملوا على مقاومة إرادة الشعب مستخدمين سلطة الدولة ولم يتورّعوا عن التدخل في إدارة البلد من حين لآخر، ولا يزال هذا الجو من الصراع الخفيّ متواصلا إلى اليوم وبأشكال مختلفة، والهدف: إحباط الإرادة الشعبية.


والجدير بالذكر أنه في الوقت الذي كان فيه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية عام 1923 يبني مشروع الدولة الوطنية المتمثلة في النظام الجمهوري على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، كان لديه رغبة في تتويج الجمهورية بالنظام الديمقراطي، لكن لم يتحقق ذلك بالشكل المطلوب.


وبهذا لم يتمكن البلد من الانتقال إلى التعددية الحزبية إلاّ في سنة 1946 أي بعد وفاة أتاتورك بـ12 عاماً، وبعد أن ساهمت عوامل داخلية وخارجية بفعالية في هذا التغيير السياسي، إذ اختارت تركيا أن تكون إلى جانب الكتلة الغربية والولايات المتحدة الأمريكية عند انقسام العالم إلى قطبين بعد الحرب العالمية الثانية، مما اضطرها للتخلي عن النظام القسري للحزب الواحد، كما ساهمت التفاعلات الاجتماعية المتصاعدة في إنجاح هذا التحول المهم.


انقلاب صناديق الاقتراع
اكتشاف الأرغنيكون
التخطيط لانقلاب في 2009
حزب الشعب الجمهوري والأرغنيكون
السبب الأصلي للصراع


انقلاب صناديق الاقتراع


وما كان نجاح الحزب الديمقراطي عام 1950 رافعاً شعار "يكفي فالكلمة للشعب"، إلاّ انعكاساً لرغبة الشعب في أن يكون صاحب الكلمة العليا في الحكم، مع العلم أن الحزب الديمقراطي وقف لوحده في وجه حزب الشعب الجمهوري، الحزب الذي أنشأه أتاتورك.


غير أن صمت الجيش لم يتواصل أكثر من عشر سنوات، حيث قام بانقلاب عام 1960 على الحزب الديمقراطي، وأعدم رئيس الحكومة عدنان مندريس مع وزيرين من وزرائه، وأحدث شكلا وآلية جديدة لإدارة البلد، أما الشعب فقد أبدى ردّ فعله من خلال صناديق الاقتراع واختار حزب العدالة الذي هو امتداد للحزب الديمقراطي.


وتواصل هذا النضال إلى عام 1971، حيث اضطرّت حكومة حزب العدالة للاستقالة على إثر المذكرة التي نشرها العسكر، فما كان من الأخير إلا أن قام بتشكيل حكومة انتقالية  في تدخل واضح في الحياة السياسية، غير أن التطورات السياسية اللاحقة لم تمش في الاتجاه الذي رسمه الجنرالات الذين قاموا عام 1980 بانقلاب آخر، وسيطروا على الحكم بشكل مباشر، حيث قال الشعب كلمته مرة أخرى في صناديق الاقتراع واختار حزب الوطن الأم مخالفا توصيات الجنرال كنعان افرين، زعيم انقلاب 1980.


وأصبح بذلك تورغوت أوزال رئيسا للحكومة، وكان حزب الوطن الأم، الحزب الشعبي الوحيد في عيون المواطنين، وذلك مقارنة مع بقية الأحزاب المشاركة في الانتخابات، على رأسها الحزب الشعبي والحزب القومي والديمقراطي.


وتواصلت العلاقات بين العسكر والمدنيين في صعود وهبوط مستمرين إلى أن استطاع حزب الرفاه تشكيل حكومته عام 1996، وعندما انقطعت كافة الجسور بين الطرفين في ذلك العام، شهد البلد هذه المرة "انقلاب ما بعد الحداثة" حيث اضطر رئيس الحكومة نجم الدين أربكان إلى الاستقالة تحت ضغوطات العسكر.


وعندما اقترنت فترة حالة الطوارئ التي تعرف في تركيا باسم "فترة 28 فبراير" بالأزمة الاقتصادية عام 2001، ظهر على الساحة حزب "العدالة والتنمية" الذي شكلته مجموعة كانت قد استقالت من حزب الرفاه. ولم يستطع الجيش تقبّل حكومة هذا الحزب بأي شكل من الأشكال بذريعة أن حزب العدالة والتنمية، يهدف إلى تأسيس "نظام ديني" في تركيا.


وعند وصول "العدالة والتنمية" إلى السلطة ظهرت تلك الألاعيب الخفية التي كان يستخدمها في إسقاط الحكومات السابقة، لكن الوضع في هذه المرة مختلف، فقد استطاعت الحكومة ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الوقوف في وجه سيناريوهات الانقلابات والمذكرات العسكرية ونشاطات العصابات، وتم البدء في القضاء على العصابات التي انطلقت تعدّ العدّة في مختلف المناطق التركية للقيام بانقلاب عسكري، وكان لهذا الموقف الثابت للسلطة السياسية تأثير بالغ على المواطن التركي وساهم في توحدهما وجعلهما إلى جانب واحد.


اكتشاف الأرغَنيكون





عند وصول "العدالة والتنمية" إلى السلطة استطاعت الحكومة ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الوقوف في وجه سيناريوهات الانقلابات والمذكرات العسكرية ونشاطات العصابات

في سياق العمليات التي تقوم بها قوات الأمن ضد العصابات في مختلف المناطق التركية، شهد يوم 12 يونيو/حزيران 2007 مداهمة  أعطت الصراع على السلطة بعدا جديدا، فقد دهمت قوات الأمن بيتا متواضعا -بشارع كونكور في حي جاقمق بمنطقة العمرانية- في الجزء الآسيوي من إسطنبول، وعثرت فيه على 27 قنبلة يدوية عليها بصمات الضابط المتقاعد أوقطاي يلدرم.


وتفصيل ذلك أن قوات الأمن تلقت بلاغا من بقال، أفاد فيه أنه وجد عدداً من القنابل على سطح منزله عندما كان يجمع بعض الأخشاب، وأوضح أن صاحب البيت هو الضابط المتقاعد أوقطاي يلدرم، فكان هذا البلاغ الخطوة الأولى التي انطلقت بعدها العمليات الأمنية التي كشفت عن مستندات سرية لعصابة الأرغَنيكون في مكتب الضابط السابق أوقطاي يلدرم، وتم الكشف كذلك عن عدد من المستندات ذات الصلة في بيوت عدد من أصدقائه من الضباط المتقاعدين وفي مكاتبهم.


وساهمت هذه الأدلة الجديدة في تحويل المسألة من قضية عصابة بسيطة تم الكشف عنها صدفة على إثر بلاغ للشرطة، إلى قضية عصابة الأرغَنيكون ذات التنظيم المركزي الخفي الذي يحتاج إلى فك شفرته.


تنظيم ذو تسعة أجنحة
اتخذ الادعاء العام الذي تابع التحقيق قرارا صارما في هذه القضية ليعطيها بعدا جديدا، حيث قام بالتدقيق في كافة الملفات والمستندات المتعلقة بعصابة الأرغَنيكون.


وعندما قبض عليه عام 2001 بتهمة الاحتيال، قدّم تونجاي گوناي معلومات مهمة عن الأرغَنيكون مكّنت الادعاء العام من توحيد أقسام الصورة، ومن خلال المحاضر والأشرطة التي تم تسجيلها له تم تعميق الأبحاث والتحريات التي قام كل من جهاز المخابرات ومديرية الأمن بتقديم الدعم الاستخباراتي اللازم لها.


وحسب المعلومات الأولية التي توصل إليها الادعاء العام فإن لتنظيم الأرغَنيكون تسعة أقسام، وهي القسم المركزي، وقسم جمع المعلومات، وقسم التحليل والتقييم، وقسم التمويل والتجارة، وقسم العلوم والثقافة، وقسم النظريات والسيناريو، قسم الاتصال والدعاية، والقسم الحقوقي، وقسم العلاقات الدولية.


وترتبط هذه الأقسام كلها بشكل مباشر بخمسة مديرين مدنيين يتم تعيينهم من طرف المجلس المركزي للتنظيم.


ولهؤلاء المديرين الخمسة صلاحية اختيار رؤساء الأقسام، ولا يوجد أعلى من هؤلاء الخمسة إلاّ المجلس المركزي لتنظيم الأرغَنيكون، والرقم الأول في هذا المجلس هو الاسم الموجود على رأس المجلس، ويوجد كذلك اثنان من المدنيين يضطلعان بمهمة ربط العلاقة بين المجلس وبقية الأقسام. وهكذا فإن هذا التنظيم يتكون من عدد من الخلايا المستقلة عن بعضها البعض.


وتُظهر الوثائق التي تم الكشف عنها، أن تاريخ تأسيس هذا التنظيم يعود إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 1999، مما يعني أن تنظيم الأرغَنيكون تم تشكيله بروح جديدة، وفريق جديد، بعد تصفية فريق العمل الغربي الذي كان مسيطراً على فترة ما بعد انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997، ذلك لأن تنظيم الأرغَنيكون لا يتلاءم من حيث البنية مع مجموعة 28 فبراير(شباط) الانقلابية.


وعلى الرغم من أن كلاًّ من المجموعتين تتغذّيان من الثقافة الانقلابية، فإن الاختلاف قائم بين الروح والإيديولوجيا الإدارية لهذين التنظيمين، وقد تم نقل بعض أعضاء فريق 28 فبراير الذين لا يتعارضون مع الأرغَنيكون من حيث البنية إلى هذا التنظيم الجديد واستطاعوا الاندماج فيه.


التخطيط لانقلاب في 2009


قام النظام المؤسَّس للأرغَنيكون بتفعيل نشاط التنظيم بشكل أكبر، وبوجه خاص بعد وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة بالأغلبية بعد عام من تأسيسه سنة 2001 وبالتحديد في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002.


وشهدت الفترة الفاصلة بين عامي2003 2003 و2004 سيناريوهات لانقلابات مختلفة مثل خطّة "الشقراء" وخطّة "ضوء القمر"، وخلال هذه الفترة لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية راضية عن حكومة "العدالة والتنمية" بسبب مذكرة 1 مارس/ آذار مما شجع تنظيم الأرغَنيكون على إعداد سيناريوهات الانقلابات.


وكانت الولايات المتحدة تهدف فقط في البداية إلى "تلقين العدالة والتنمية درساً" غير أنها عندما لاحظت هذه الأخيرة جدية التنظيم في خطته الانقلابية سحبت دعمها له، وعندما عجز الأرغَنيكون عن تحقيق ما يصبو إليه من خلال هذه السيناريوهات كثف أعماله منذ 2005 في النشاطات السرية الهادفة إلى الإعداد لانقلاب عسكري خلال عام 2009.





قام النظام المؤسَّس للأرغَنيكون بتفعيل نشاط التنظيم بشكل أكبر، وبوجه خاص بعد وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة
وقام تنظيم الأرغَنيكون في هذه المرحلة الجديدة، بإبرام اتفاق مقدس مع أعضاء عصابة "صوصُرلُق" وآخرين، مثل ولي كوچك، وسامي خوشطان، وإبراهيم شاهين، ورغم أن أهدافهم كانت مختلفة إلاّ أن النقطة المشتركة بينهم والتي كانت تجمعهم هي القضاء على حكومة حزب العدالة والتنمية.

وحينها ظهرت فجأة العصابات في مختلف المناطق التركية، ووصل نشاطها -في السنوات الخمس الأخيرة بشكل خاص- إلى الذروة، وهو ما تؤكده بيانات وزارة الداخلية حيث تم توقيف حوالي 35 ألف شخص، بتهمة التورّط في نشاطات العصابات، وذلك في السنوات العشر الماضية (1997-2007)، وتم حبس 15 ألفا منهم لثبوت التهمة، وكذلك تم الكشف عمّا يقارب 100 عصابة محلية في 30 محافظة مختلفة في السنوات الثلاث الأخيرة.


إشارة الانطلاق بدأت بشمدينلي
كانت أكبر عملية استفزاز قام بها تنظيم الأرغَنيكون، تلك الأحداث التي شهدتها بلدة شمدنلي في عام 2005 يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث تم تفجير محل قرطاسية يدعى "مكتبة أومود"، وأوقف إثر ذلك ثلاثة موظفين منهما ضابطان، وشخص آخر أدلى باعترافات مهمة، ممّا زاد في درجة الشبهات.


وفي الخامس من فبراير/شباط 2006 تم اغتيال الراهب آندريا سانتورو في محافظة طرابزون، وفي 18 فبراير/ شباط 2006 شهدت العاصمة أنقرة عملية أمنية أطلق عليها اسم "الكرة"، وتم فيها إيقاف 11 شخصاً من بينهم نقيب ومساعد سابق لمدير الأمن.


وفي 5 و10 و11 من مايو/ أيار 2006 تعرض مبنى صحيفة "الجمهورية" إلى هجوم بالقنابل اليدوية ثلاث مرات متوالية، لم يسفر أي منها عن ضحايا أو إصابات، وتم استخدام هذه الأحداث للضغط على حزب العدالة والتنمية، وانكشف أمر الفريق الذي رتّب الهجمات على صحيفة الجمهورية من خلال الاعتداء الدموي على المحكمة العليا في  17 مايو/أيار 2006، والذي ذهب ضحيته القاضي مصطفى يوجل اوزبلگين.


واعتبرت المحكمة الجزائية الحادية عشر بأنقرة، والتي نظرت في تلك القضية، أن ذلك الاعتداء من نشاطات "عصابة الزي الإسلامي" وورد في نص الحكم أن المتهمين قد ارتكبوا جريمتهم ردّاً على قرار سابق للدائرة الثانية من نفس المحكمة ضد مدرّسة ترتدي الحجاب.


بيد أن الدائرة التاسعة للمحكمة العليا قد نقضت ذلك الحكم، وربطت تلك الجريمة بتنظيم الأرغَنيكون.


وفي هذه الأثناء تم الكشف عن اثنتيْ عشرة خطّة مختلفة لاغتيال رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، كما ثبتت عدّة أعمال استفزازية في عدّة من المحافظات، وعلى رأسها دياربكر ومرسين، وذلك لتأجيج الصراع بين الأتراك والأكراد، وبين أهل السنة والعلويين.


عمليات أمنية ذات أربع موجات
وللكشف عن بنية الأرغَنيكون، وضع الادعاء العام التاريخ القريب والمظلم لهذا التنظيم تحت المجهر، وقام بما يقارب عشرين عملية أمنية ذات أحجام مختلفة، من بينها أربع عمليات كانت أوسع من غيرها.


وأول عملية أمنية موسّعة قام بها الادعاء العام كانت في 22 يناير/ كانون الثاني 2008، حيث تم إلقاء القبض على 26 متهماً من بينهم الجنرال المتقاعد ولي كوچك، والعقيد المتقاعد فكري قاراداغ وذلك في مداهمات متزامنة لـ43 محل في محافظة إسطنبول وخارجها، وكانت هذه العملية أيضاً هي التي حولت المسألة من عملية مكافحة لعصابات بسيطة إلى الكشف عن عصابة الأرغَنيكون.


أما موجة العمليات الموسعة الثانية فقد بدأت في 21 مارس/ أذار 2008، واعتقل خلالها رئيس حزب العمال دُوغُو پَرِينْچَكْ وكذلك رئيس تحرير صحيفة الجمهورية اِيلْخَانْ سَلْچُوقْ، ثم  اتّسعت دائرة التحقيق مع الموجة الثالثة لهذه الاعتقالات، لتشمل اعتقال الجنرالين المتقاعديْن خورشيد طولون، وشينر ايرويغور.


حزب الشعب الجمهوري والأرغَنيكون


انقسم الرأي العام في تركيا إلى قسمين مع اتساع دائرة التحقيق في قضية الأرغَنيكون، والتي شملت جنرالات وأساتذة جامعيين وعدداً من رجال السياسية والصحافة.


فكان لرئيس حزب الشعب الجمهوري دنيز بايقال تصريحات شديدة  داعمة لمعتقلي تنظيم الأرغَنيكون بوجه خاص، وطالب فيها رئيس الأركان العامّة بالتدخل في المسألة، كما أن حزبه ( الشعب الجمهوري) رأى وكان يرى دائماً أن التحقيق في قضية الأرغَنيكون تحقيق سياسي ضد النهج الأتاتوركيّ، ولكن رغم ردود الأفعال هذه كلها فإن التحقيق لم يتوقف، وتأجج الصراع أكثر مع الاعتقالات التي تمت في السابع من يناير/ كانون الثاني 2008.





انقسم الرأي العام في تركيا إلى قسمين مع اتساع دائرة التحقيق في قضية الأرغَنيكون، والتي شملت جنرالات وأساتذة جامعيين وعدداً من رجال السياسية والصحافة
وتحرّكت الأوساط التي دعمت تنظيم الأرغَنيكون في بداياته الأولى، عند إضافة أسماء مهمة في هذه الموجة الأخيرة من الاعتقالات، التي شملت الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال المتقاعد تُونْجَرْ قِلِنْچْ، ورئيس مجلس التعليم العالي البروفيسور الدكتور كمال غُرُوزْ، والمدعي العام السابق بالمحكمة العليا صبيح قانادوغلو.

كما واصل بايقال انتقاداته الشديدة بنفس الأسلوب، غير أن العثور على مخططات وكميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة في بيت موظف الأمن السابق إبراهيم شاهين الذي حوكم في قضية صُوصُرْلُقْ، قد تركت أثّرها في الرأي العام التركي.


أما الأوساط التي كانت تنظر إلى التحقيق في قضية الأرغَنيكون باشتباه إلى تلك اللحظة بدأت تقول: "نحن مع مكافحة العصابات ولكن من الخطأِ اعتبار أسماء مرموقة.. أعضاء في تلك العصابات".


مخازن ذخيرة الأرغَنيكون
وذهب البعض في قراءته لهذه القضية إلى القول أن في الأمر ثأرا لانقلاب 28 فبراير/ شباط، وأن ما يجري هو البحث عن كنز تحت أنقاض حادث صُوصُرْلُق، لأن التحقيقات حول الأرغَنيكون لم تسفر عن نتيجة.


بيد أن الأمر ليس كذلك، إذ ليس من الضروري القول بسبب ظهور أسماء في تحقيق الأرغَنيكون كانت قد لوحظت في انقلاب 28 فبراير/ شباط على أن بين المسألتين علاقة ما، ذلك لأن فريق العمل الغربي المسيطر على أحداث 28 شباط قد طواه الزمن بعد ظهور الأرغَنيكون.


ولو كانت توجد رغبة في الثأر لتم التحقيق كذلك مع باشوات مثل إسماعيل حقي قارادايي، چَوِيكْ بِرْ، تِيُومَانْ قُومَان، چَتِينْ دُوغَانْ، نجدت تِيمُور وكذلك اِيرُولْ اُوزْقَاسْنَاقْ، ذلك لأن هؤلاء الباشوات هم مهندسو انقلاب 28 شباط، وكذلك فإن الأسلحة والذخيرة التي عُثر عليها خلال الحفريات التي تمت في منطقة گول باشي لا علاقة لها بحادث صُوصُرْلُقْ، وتم إثبات أنه لا علاقة لها بالأسلحة الضائعة، ذلك لأنها دفنت في تاريخ قريب (شهرين أو ثلاثة أشهر).


السبب الأصلي للصراع


من الواضح أن الصراع سيتواصل طيلة مدة التحقيق في قضية الأرغَنيكون، وكما أوضحنا في البداية، فإن تركيا كانت صارمة في تصفية التنظيمات السرية التي على شاكلة تنظيم "غلاديو الخفي" الذي تمت تصفيته قبل سنوات في سائر الدول الأوروبية.


ويوجد في تنظيم الأرغَنيكون اليوم عناصر خفية تحاول تحديد سياسية الدولة باستخدام سلطة الدولة، وتتغذّى هذه العناصر بالثقافة الانقلابية ذاتها تلك التي تمتد جذورها إلى حزب الاتحاد والترقي، الذي كان مسيطرا في السنوات الأخيرة للإمبراطورية العثمانية.


ولقد تحولت هذه العناصر الخفية إلى العمل المؤسساتي إثر انضمام تركيا لحلف شمال الأطلسي عام 1952 وحافظت على وجودها إلى يومنا هذا، وهي تواجه اليوم عمليات أمنية هي الأكثر جدية في تاريخ الجمهورية التركية، وفي حال لم يتم تفكيك تنظيم الأرغَنيكون فإن حزب العدالة والتنمية لن يُعتبر الحاكم الحقيقي للبلد، ولن يحقق هدفه في ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب فإن الحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، يتخذ موقفاً غاية في الصرامة في هذا الباب.


وقد أقدمت بعض الأوساط التي ترى أنه لا يمكن إسقاط حزب العدالة والتنمية عن طريق الانتخابات على التعاون مع تنظيم الأرغَنيكون، لكن العمليات الأمنية ضد الأرغَنيكون أحبطت الخطط الهادفة للإطاحة بحزب العدالة والتنمية بطرق غير قانونية، وبهذا الشكل ساهمت الوسائل السرية التي تم تجريبها في الماضي ولم تؤت أكلها هذه المرة، في جعل الإرادة الشعبية أكثر تأثيراً في إدارة الدولة.


كما أن هذا الوضع الجديد قد حد من صلاحيات النخبة العسكرية والمدنية التي اتخذت لنفسها امتيازات خاصة منذ قيام الجمهورية إلى يوم الناس هذا، ومن هنا يظهر أن العامل الأساسي الذي زاد في تأجيج هذه الخصومة هو الصراع على المصالح.


وفي حال انتهى هذا الصراع لصالح الإرادة الشعبية، فإن تركيا ستتمكن من الوصول إلى هدفها بشكل أسرع، هدفها المتمثل في تحقيق الديمقراطية والشفافية والانفتاح الاجتماعي، أما في حال انتهى إلى خلاف ذلك فإن مسيرة تركيا نحو الاتحاد الأوروبي ستتوقف، وسينغلق البلد على ذاته ويتحول إلى بلد من العالم الثالث محكوم بأنظمة كلية، لهذا، إن هذا التحول الذي تشهده تركيا سيمرّ بمخاض شديد.
_______________
مؤلف كتاب الأرغنيكون