ترمي هذه الورقة إلى دراسة مسار تشكل مجموعة البلدان الصاعدة الأربعة الصين وروسيا والهند والبرازيل (المعروفة بـ"البريك" BRIC) انطلاقا من القمة التأسيسية التي عقدتها في مدينة إيكاترنبورغ الروسية يوم 16 يونيو/ حزيران 2009، وما يمكن أن تؤشر إليه من تبلور معالم نظام عالمي أكثر تعددية وقطبية.
وتُركز الورقة على إبراز عناصر القوة في التجمع الوليد ولكن أيضا حدود دوره في كسر احتكار امتيازات القوى الكبرى الحالية، وسيرورة تعاطيه مع التجمعات الأخرى وخاصة بمناسبة قمة الدول الثماني الأكثر تصنيعا التي استضافتها مدينة لاكويلا الإيطالية في التاسع من يوليو/ تموز الجاري وصولا إلى قمة العشرين المقررة في بتسبورغ بالولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل.
* * *
أخفقت مجموعة البلدان الصاعدة الأربعة الصين وروسيا والهند والبرازيل في أول اختبار لها خلال قمة الدول الثماني الأخيرة ولم تُوفق في وضع المسألة الرئيسية التي تشغلها حاليا على مائدة البحث، وهي مسألة استبدال الدولار بسلة عملات قوية. |
وكانت القمة الأولى لمجموعة البلدان الصاعدة الأربعة، التي عُقدت في مدينة إيكاترنبورغ في منطقة "أورال" الروسية يوم 16 يونيو/ حزيران 2009، كرست بداية تشكل قطب صاعد على الساحة الدولية. غير أن العثرات الأولى لهذا التجمع لا يمكن أن تُقلل من كونه قوة ناهضة ستكون لها كلمتها في السياسة الدولية خلال الخمسين عاما المقبلة.
ومن هنا تأتي ضرورة قراءة السيرورة التاريخية لهذه المجموعة واحتمالات تشكلها في كتلة وازنة في السياسة الدولية، مما سيُؤثر في رسم معالم نظام عالمي أكثر تعددية وأقل قطبية من العالم الراهن.
وكانت القمة الرباعية الأولى ضمت كلا من رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ والرئيس البرازيلي لويس إنيازو لولا دا سيلفا والرئيس الصيني هيو جينتاو والروسي دمتري مدفيديف. وتُعرف المجموعة بالأحرف الأولى لأسماء البلدان الأربعة الأعضاء باللغة اللاتينية وهي BRIC وتنتمي البلدان الأعضاء في هذه المجموعة الجديدة إلى ثلاث قارات هي أمريكا الجنوبية (البرازيل) وآسيا (الصين والهند) وأوروبا (روسيا).
وتشترك في كون الأنظمة التي تحكمها هي أنظمة جمهورية، لكن ثلاثة فقط منها تستند على أنظمة سياسية تعددية فيما يحتكر الحزب الشيوعي الحكم في الصين منذ عام 1949. غير أنها جميعا تعتمد منذ مطلع تسعينات القرن الماضي اقتصاد السوق بغض الطرف عن تباين الأنظمة السياسية.
وما يحمل على الاعتقاد بأننا بإزاء تجمع دولي صاعد أن الزعماء الأربعة اتفقوا على أن تُصبح قمتهم دورية واختاروا أن تكون القمة المقبلة في البرازيل خلال العام القادم، وهو ما يعني أن التجمع الذي يضم كبار المستقبل سيكون موازيا لمجموعة الدول الثماني الأكثر تصنيعا (وروسيا عضو في التجمعين). ولم يترك مدفيديف مجالا للتخمينات والتنبؤات فقال بوضوح إن القمة التي وصفها بـ "التاريخية" من شأنها إيجاد الشروط اللازمة لإرساء نظام دولي أكثر عدلا. وبدا من مداولات القمة أن بوابة الولوج إلى تغيير النظام الدولي تعتمد على الإصلاح وليس على تقويض النظام الراهن، وهي تتوخى المرحلية في الوصول إلى هذا الهدف، وتُركز أولا على الاقتصاد أي أن منهجها ليس عسكريا ولا سياسيا.
طاقات مادية وبشرية كبيرة
عملات جديدة
العلاقات مع التجمعات الكبرى الأخرى
خلاصة
تتميز البلدان الأربعة بكونها تملك ثروات بشرية وطبيعية كبيرة لا تملك مثلها بلدان تنتمي لمجموعة الدول الثماني الأكثر تصنيعا مثل اليابان وكندا. |
فعلى صعيد المنتوج الداخلي الخام وعلى سبيل المقارنة بين عامي 2008 و1998 لمعرفة الأشواط التي قطعتها هذه البلدان في عشرة أعوام، نجد أن البرازيل حققت ألفي مليار دولار (2000 م د) في 2008، بينما لم يتجاوز منتوجها في 1998 ألف ومائة مليار دولار(1100 م د). ووصلت روسيا إلى ألفين وثلاثمائة مليار دولار (2300 م د)، فيما لم يتجاوز منتوجها الخام في 1998 تسعمائة وثلاثة وعشرين مليون دولار (923 م د). وبلغ المنتوج الخام الهندي ثلاث آلاف وثلاثمائة مليار دولار (3300 م د) في 2008، بينما لم يتعد ألفا وثلاثمائة مليار دولار (1300 م د) قبل ذلك بعشرة أعوام. أما الصين فوصل منتوجها الخام إلى سبعة آلاف وتسعمائة مليار دولار (7900 م د)، فيما كان يبلغ ألفين وخمسمائة مليار دولار (2500 م د) في عام 1998 حسب إحصاءات صندوق النقد الدولي.
ويتضح من تلك الإحصاءات أن هذه البلدان تتسم بحيوية اقتصادية كبيرة مكنتها من مضاعفة حجم منتوجها الخام مرتين على الأقل في الأعوام العشرة الأخيرة، وبنسبة زادت عن 300 بالمائة بالنسبة للصين مثلا.
وانعكس ذلك تراجعا في نسبة الفقراء في تلك البلدان بين 2001 و2008، إذ انخفضت النسبة في البرازيل، المعروفة بانتشار الخصاصة فيها في الماضي، من 46.7 في المائة إلى 30.3 في المائة (وهي نسبة مازالت مرتفعة نسبيا)، وفي روسيا من 27.5 إلى 13 في المائة، وفي الهند من 27.5 إلى 21.8 بالمائة، أما الصين فلا تكشف عن نسبة الفقراء فيها.
وإذا جمعنا المنتوج الداخلي الخام للبلدان الأربعة نجد أنه وصل إلى 15500 مليار دولار في 2008، أي أنه تفوق على المنتوج الخام الأمريكي (13843 مليار دولار بحسب صندوق النقد الدولي) وتقدم أيضا على دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة (14712 مليار دولار بحسب المصدر نفسه).
أما نسبة النمو التي حققتها هذه البلدان الأربعة في بحر الأعوام العشرة الأخيرة فبلغت 3.3 بالمائة بالنسبة للبرازيل، و7 بالمائة بالنسبة لكل من روسيا والهند، و9.75 بالمائة بالنسبة للصين، وهو ما يجعل الأخيرة البلد الأكثر حراكا ونموا بلا منافس.
أما على صعيد الاحتياطات المالية فتحتل الصين دائما المرتبة الأولى بتفوق واضح إذ قُدرت احتياطاتها في عام 2008 بمليار و950 مليون دولار، بينما كانت تعادل 212 مليون دولار فقط في عام 2001، وقُدرت احتياطات روسيا بأربعمائة وثمانية وثلاثين مليون دولار (438 م د)، بينما كانت 35 مليون دولار في 2001، وبلغت احتياطات الهند ثلاثمائة وعشرة ملايين دولار (310 م د) في 2008 في مقابل 54 مليون دولار فقط قبل سبعة أعوام، وزادت الاحتياطات في البرازيل من ثمانية وعشرين مليون دولار (28 م د) في 2001 إلى مائتين وخمسة ملايين دولار (205 م د) في العام الماضي.
وينسحب التعملق على المساحة أيضا فأراضي البرازيل تغطي 8.5 ملايين كيلومتر مربع، فيما تمسح أراضي الاتحاد الروسي الضعف أي 17 مليون كيلومتر مربع، وأراضي الهند 3.3 ملايين كيلومتر مربع، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بعد روسيا بـ 9.6 ملايين كيلومتر مربع. وتشمل الأحجام العملاقة عدد السكان كذلك وإن بتفاوت كبير، ففي حين يصل عدد سكان الصين 1.3 مليار نسمة، تأتي الهند في مرتبة قريبة بـ 1.1 مليار ساكن، والبرازيل في مرتبة بعيدة بـ 190 مليون ساكن، ثم روسيا الاتحادية بـ 143 مليون نسمة فقط.
من هذا العرض للإمكانات الطبيعية والبشرية الضخمة التي تملكها هذه البلدان والوثبات الاقتصادية الكبيرة التي حققتها يتجلى أنها باتت قوى عملاقة لا يمكن أن ترضى بالبقاء في موقع الأطراف على الخارطة الدولية، ولا أن تُسند لها أدوار هامشية بعيدة عن مركز القرار السياسي والاقتصادي الدولي.
وهكذا دفعتها مصالحها إلى التجمع ليس فقط من أجل إسماع صوتها وإنما أيضا لوضع السياسات الكفيلة بتعديل كفة الاختلال الحالي، الموروث من واقع سابق يعود إلى استتباعات الحرب العالمية الثانية، ووضع الخطط لتكريس واقع جديد تعتبره هذه الدول الأربع أكثر عدلا.
ويمكن تلخيص الأهداف التي حددتها البلدان الأربعة على الصعيد الاقتصادي في الغايات الثلاث الآتية:
الحد من هيمنة الدولار على الأسواق العالمية وإنهاء اعتماده كعملة مرجعية وحيدة (مع الذهب) في المعاملات، إلى جانب إدماج العملتين الروسية والصينية الروبل واليوان في سلة العملات المرجعية لصندوق النقد الدولي.اعتبرت إيلينا شاريبوفا المحللة الروسية في "بنك النهضة" في موسكو أن تحول هذا التجمع -البلدان الأربعة الكبرى الصاعدة- إلى هيكل دولي حقيقي سيستغرق وقتا طويلا، وإن أقرت بأنه يتبلور بوضوح كمركز جديد للقرار. - إيجاد عملة مرجعية بديلة من خارج العملات الوطنية، أي أن البلدان الأربعة لا تقترح أن تحل عملة وطنية أخرى محل العملة الأمريكية وإنما تعتقد أن التنويع هو ضمان للتوازن وأداة للاستقرار. ومعروف أن روسيا التي استضافت القمة التأسيسية كانت من أكثر المدافعين عن فكرة تنويع الأدوات المالية الدولية.
- إدخال إصلاح على النظام النقدي العالمي يضع حدا لسيطرة مراكز القرار الحالية بما يمنح دورا متناميا للقوى الأربع الصاعدة وينقل مفتاح القرار الاقتصادي نحوها.
وما يجمع البلدان الأربعة ليس أنها تشتهي هذه المراجعة للمشهد الدولي الموروث من الحرب العالمية الثانية، وإنما يستند طلبها الإصلاحي إلى واقع جديد نحتت ملامحه القفزات الاقتصادية التي حققتها في الأعوام الأخيرة، ما جعلها تُمثل نسب نمو من أعلى ما سُجل في العالم. كما يستند إلى ما اعتبرته إخفاقا للدولار في تأمين الاستقرار للنظام النقدي الدولي.
وهي تعتبر أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تتمثل في التزامها هي أولا باستثمار قسم من احتياطاتها في سندات الخزينة الأمريكية والأوروبية وكذلك في الأدوات المالية التي يُطلقها شركاؤها. وفي هذا الإطار تعتزم الصين وروسيا والبرازيل شراء السندات الأولى التي سيعرضها صندوق النقد الدولي والمُقدرة بعشرات المليارات من الدولارات.
وعليه، قدمت الصين قروضا بعشرة مليار دولار إلى البلدان الأعضاء في "مجموعة شانغهاي" الذي يضم روسيا والصين وأربعة بلدان من آسيا الوسطى لمجابهة انعكاسات الأزمة العالمية في اقتصادياتها، كما أنها تولي أهمية كبيرة لقيادة المؤسسات المالية الدولية التي ظلت تتحكم فيها حتى الآن الولايات المتحدة والدول الأوروبية القوية.
والجديد الذي أتت به قمة إيكاترنبورغ على هذا الصعيد هو طلب إخضاع المناصب القيادية في المؤسسات المالية الدولية "لمسار انتخابي مفتوح وشفاف ومُؤسس على الكفاءة"، وهو ما يعني وضع حد لطريقة التوافق التي كانت تنتهجها الولايات المتحدة وأوروبا لتسمية المسؤولين على رأس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وسواهما من المؤسسات المشابهة، ومنح البلدان الأربعة الصاعدة دورا مؤثرا في تلك التسميات.
ومن هذه الزاوية أوضح الرئيس الروسي مدفيديف أن هذا الطرح يرمي في النهاية لـ"تأمين الشروط لإرساء نظام عالمي أكثر عدلا". لكن مشروعها لإيجاد هندسة جديدة للعلاقات الدولية مازال في هذه المرحلة الأولى مُقتصرا على المجال الاقتصادي، فبيان القمة ركز على ضرورة الاستماع أكثر من ذي قبل إلى الاقتصاديات الصاعدة والنامية وجعلها ممثلة بشكل أفضل في المؤسسات المالية الدولية".
غير أن تجسيد هذا التحول الذي تأمله القوى الأربع ليس واردا في الأمد المنظور بل هو يحتاج إلى فسحة زمنية، وعلى هذا الأساس اعتبرت إيلينا شاريبوفا المحللة الروسية في "بنك النهضة" في موسكو أن تحول هذا التجمع إلى هيكل دولي حقيقي سيستغرق وقتا طويلا، وإن أقرت بأنه يتبلور بوضوح كمركز جديد للقرار.
العلاقات مع التجمعات الكبرى الأخرى
التخلي عن الدولار كعملة احتياط سيضعه في أتون تقلبات لا حدود لها ويُقوض النفوذ الاقتصادي الأمريكي في العالم وما ينجر عنه من إضعاف لدور أميركا السياسي لصالح قوى صاعدة أبرزها مجموعة البلدان الصاعدة الأربعة. |
ويبدو تجمع البلدان الأربعة الكبرى الصاعدة كما لو أنه بديل من مجموعة الدول الثماني الأكثر تصنيعا، إلا أن العلاقات بين المجموعتين لا تقوم على التنافر، وإنما هي تتعامل مع مجموعة الثماني بوصفها أمرا واقعا، وإن كانت تشعر أنها أقرب إلى مجموعة العشرين وتراها إطارا أكثر ديمقراطية.
ومن هذه الزاوية نفهم أن مجموعة العشرين، التي تكرر ذكرها في البيان الختامي أكثر من مرة، هي مجموعة العشرين التي شدد الرؤساء الأربعة في ختام قمتهم الأولى على ضرورة تطبيق القرارات التي اتخذتها في قمتها الأخيرة في لندن في نيسان/ أبريل الماضي لمعالجة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، وتعهدوا بالتعاون في ما بينهم وكذلك مع البلدان الأخرى الشريكة لوضع قراراتها موضع التنفيذ. كما أكدوا تطلعهم للقمة المقبلة المقررة في بتسبورغ بالولايات المتحدة في سبتمبر المقبل.
والمُلاحظ أن الصين نقلت أهم قرار من قرارات قمة الأربعة إلى قمة الدول الثماني الأكثر تصنيعا في مدينة لاكويلا الإيطالية في التاسع من يوليو/ تموز الجاري حين اقترحت اللجوء إلى عملة احتياط محايدة خارج الدولار والعملات القومية الأخرى. ولم يكن تكليف الصين بنقل المقترح للثمانية الكبار محض صدفة فهي تخشى باعتبارها أكبر دائن للولايات المتحدة أن يُؤدي تراكم الدين العمومي الأمريكي إلى تضخم يُفقد العملة قيمتها ويجعل الصين نفسها تخسر مبالغ كبيرة من وراء ذلك.
والجدير بالذكر أن حاكم المصرف المركزي الصيني كان اقترح في مارس/ آذار الماضي اللجوء إلى استخدام حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي بوصفها عملة الاحتياط. وحقوق السحب الخاصة هي عملة افتراضية تُحدد قيمتها انطلاقا من سلة عملات تشمل الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين، وبالتالي فإن تداول استعمالها في المعاملات بدل الدولار لا يُقوي أي عملة بعينها.
كما أن روسيا التي تملك ثالث احتياطي عالمي من العملات عبرت أيضا عن انشغالها لتأرجح قيمة الدولار، وصرح وزير ماليتها ألكسي كودرين بأن اليوان الصيني أو الروبية الهندية يمكن أن يُصبح عملة احتياط.
ومن الواضح أن الخلاف على هذه المسألة المالية يعكس خيارات إستراتيجية ذات تأثير بعيد المدى في التوازنات السياسية الدولية.
فالتخلي عن الدولار كعملة احتياط سيضعه في أتون تقلبات لا حدود لها ويُقوض النفوذ الاقتصادي الأمريكي في العالم وما ينجر عنه من إضعاف لدور الولايات المتحدة السياسي لصالح قوى صاعدة أبرزها مجموعة البلدان الصاعدة الأربعة.
ويؤشر اتفاقها على تاريخ القمة الثانية إلى أننا بإزاء تجمع بدأ يتهيكل ويُنظم اتخاذ القرارات في صلبه تمهيدا للعب دور قد يسحب كثيرا من الأوراق من أيدي الولايات المتحدة. إلا أن هذا التجمع بقدر ما يملك من مقومات القوة والانتشار الاقتصادي في العالم، يُعاني أيضا من عوائق وعاهات مختلفة ستحد من نفوذه وتُعطل اكتمال تشكله بوصفه قوة بديلة تُهدد زعامة القطب الأمريكي في الأمد المنظور.
ويمكن إجمال تلك المعوقات في العناصر التالية:
أولا: لم تحدث هزة سياسية أو اقتصادية كونية مثل الحرب العالمية الثانية لتكريس ميزان قوى دولي تنبثق منه زعامة جديدة مُسلم بها أسوة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، وبالتالي فإن تبلور هذا التجمع سيتم بشكل بطيء وتدريجي لا قطيعة فيه مع الماضي ولا صدام مع أصحاب النفوذ الحاليين.الصراع الأمريكي الصيني يشكل أهم فتيل للتناقضات بين مجموعة "البريك" والولايات المتحدة، فالحرب الاقتصادية والاستخباراتية مفتوحة بين الجانبين في جميع القارات وبوتيرة متسارعة. - ثانيا: إن الصراع الأمريكي الصيني يشكل أهم فتيل للتناقضات بين مجموعة "البريك" والولايات المتحدة، فالحرب الاقتصادية والاستخباراتية مفتوحة بين الجانبين في جميع القارات وبوتيرة متسارعة، مما يعني أن الصينيين نقلوا خميرة هذه "الحرب" إلى المجموعة الوليدة، وهو ما يُفسر تكليف الصين بنقل وجهات نظر المجموعة إلى قمة الثماني الأكثر تصنيعا في لاكويلا، إلا أن ذلك تعذر عمليا بسبب اضطرار الرئيس الصيني للعودة إلى بلده في أعقاب اندلاع الاضطرابات العنيفة الأخيرة في إقليم سينغيانغ ذي الأغلبية المسلمة.
- ثالثا: وجود تناقضات بينها، فبقدر محاولتها التخلص من سيطرة القطب الواحد الأمريكي على الساحة الدولية، تشعر بأن شركاءها داخل مجموعة "بريك" هم منافسوها البارزون حيثما حاولت اقتحام أسواق جديدة. وهذا ما يُفسر استحالة اعتماد إستراتيجية اقتصادية موحدة للمجموعة، عدا الاتفاق على ضرورة إزاحة الدولار من عرشه واستبداله بحقوق السحب الخاصة مؤقتا، ريثما يتم الاتفاق على عملة احتياط بديلة.
- رابعا: ارتفاع نسبة الفقر وحدة الاستقطاب الاجتماعي والصراعات العرقية والدينية في البلدان الأربعة (بدرجات متفاوتة)، مما يؤدي أحيانا إلى هز الاستقرار الاجتماعي كما حدث خلال اضطرابات عدة أبصرتها الصين والبرازيل والهند. فالبرازيل على سبيل المثال لا يمكن أن تُقلع إقلاعا كاملا طالما أنها تجر وراءها أعباء ستين مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر. ويحتاج امتصاص فقر بهذا الحجم إلى جيل على الأقل، أي أن البرازيل لن تتمكن من التخلص من هذا العائق الهام إلا في غضون ربع قرن. وكذلك الأمر بالنسبة للهند التي لديها أولوية مماثلة، إذ أن عليها في الأعوام المقبلة العمل على القضاء على الفقر، الذي يضرب 240 مليون مواطن من سكانها، على رغم القفزات التي حققتها في المجالات العلمية والصناعية. وتواجه روسيا والصين تحديات من نوع آخر بعدما قطعتا شوطا مهما في مكافحة الفقر.
- خامسا: ضمنت الولايات المتحدة لنفسها سبقا يصعب مجاراتها فيه على صعيد الأبحاث الفضائية والصناعات العسكرية والتكنولوجيات المتقدمة وخاصة تصنيع البرامج المعلوماتية وإنتاج المعرفة، مما يجعل البلدان الأربعة الصاعدة محتاجة لوقت أطول كي تسد الفجوة بينها وبين البلدان المتقدمة حاليا. وهذه الفسحة الزمنية المطلوبة تتفاوت من بلد إلى آخر وهو مجال يعتقد الخبراء أن الزعامة الأمريكية فيه ستستمر إلى ما يقل عن نصف قرن.
بداية تشكل مثل هذا التجمع الرباعي يقتضي من العرب التقاط العناصر التي مكنت البلدان الأربعة، التي كانت دونهم نموا في القرن الماضي، من التقدم اليوم على إيطاليا وألمانيا وفرنسا. |
وما من شك بأن بداية تشكل مثل هذا التجمع الرباعي يقتضي من العرب التقاط العناصر التي مكنت البلدان الأربعة، التي كانت دونهم نموا في القرن الماضي، من التقدم اليوم على إيطاليا وألمانيا وفرنسا، بالإضافة للاستعداد للتحول المرتقب في التوازنات الدولية (وإن كانت بطيئة).
_______________
كاتب وصحفي تونسي