القدرات الصاروخية والنووية الإيرانية

مع تقلّص الفترة الزمنيّة المتاحة للوصول إلى حل سلمي للملف النووي الإيراني عبر الوسائل الديبلوماسية، تسعى العديد من مراكز الدراسات الأجنبية إلى استشراف قدرات إيران الصاروخيّة والنووية في المرحلة المقبلة، وهذه الورقة تعرض لأهم الأفكار الواردة في تقريرين تناولا الموضوع هذا الشهر.
7 July 2009







عرض علي حسين باكير


في إطار متابعة ملف الأزمة النووية الإيرانية، ومع تقلّص الفترة الزمنيّة المتاحة للوصول إلى حل سلمي لهذا الملف عبر الوسائل الديبلوماسية، تبقى فرضّية فشل الجهود المبذولة وتحوّل إيران إلى قوّة نووية قائمة، ولهذا تسعى العديد من مراكز الدراسات الأجنبية إلى استشراف قدرات إيران الصاروخيّة والنووية في المرحلة المقبلة، إضافة إلى السياسات التي من الممكن إتّباعها حال امتلاك إيران لأسلحة نووية.


وفي هذا المجال برز من بين العديد من التقارير الصادرة عن مراكز الدراسات والمؤسسات البحثيّة الغربية هذا الشهر تقريران:






  1. الهدف الأساسي للبرنامج الصاروخي لطهران تعزيز وتقوية دورها الإقليمي كقوّة معتبرة، إضافة إلى مواجهة المخاطر الإقليمية والتحدّيات الأمنية على حدودها المضطّربة.
    الأول(1) بعنوان "قدرة إيران النووية والصاروخية: تقييم مشترك للخطر من قبل خبراء تقنيين أمريكيين وروس". وهو تقرير يقع في 20 صفحة صدر عن "معهد شرق غرب" في شهر حزيران الحالي، وأعّده 12 خبيرا أمريكيا وروسيا، وراجعه 10 خبراء آخرين من البلدين. تكمن أهميّة التقرير في أنّه:

    • يعد العمل الأوّل المشترك بين خبراء روس وأمريكيين يمثّلون عددا من مراكز الدراسات والأبحاث والمؤسسات العلمية والتقنية المرموقة في البلدين.
    • نظرا لأهميته، فقد تمّ تقديم نسخة أوليّة عن أهم الاستنتاجات التي توصّل التقرير إليها إلى مستشار الأمن القومي الأمريكي "جايمس جونز"، ونسخة مماثلة إلى كل من وزير الخارجية الروسية "سيرجي لافروف" وسكرتير مجلس الأمن الروسي "نيكولاي باتروشيف" على أمل أن يشكّل التقرير مدخلا لتطوير سياسات بنّاءة بين الطرفين فيما يتعلّق بالمخاطر الصاروخية والنووية الإيرانية.


  2. التقرير الثاني(2) بعنوان "الخطر النووي الإيراني: ما بعد امتلاك السلاح النووي". وهو تقرير يقع في 20 صفحة صدر عن "مؤسسة هيرتدج" في شهر حزيران الحالي أيضا، وأعّدته "مجموعة عمل إيران" التابعة للمركز والتي تضم 8 خبراء مميزين. تكمن أهميّة التقرير في أنّه:

    • يعدّ في حدّ ذاته إقرارا بإمكانية عدم نجاح محاولات منع إيران من التحوّل إلى قوّة نووية، وبالتالي التحضير لتقبّل هذا الواقع والعمل على احتوائها لاحقا.
    • هو من التقارير القليلة التي تتناول سيناريوهات مرحلة ما بعد تحوّل إيران إلى قوّة نووية، وسبل وطرق التعامل مع هذا الوضع المعقّد، خاصّة وأنّ من شأنه أن يطلق سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط برمّته.

وفي ما يلي، عرض لأهم الأفكار الواردة في التقريرين:


التقرير الأول


قدرات إيران النووية والصاروخية
نظام الدفاع الصاروخي الأوروبي
مجالات التعاون الأمريكي-الروسي في الملف النووي


التقرير الثاني


الإطار الزمني للوصول إلى السلاح النووي
تداعيات تحوّل إيران إلى قوّة نووية
ماذا بعد امتلاك إيران للسلاح النووي؟


القدرات النووية والصاروخية الإيرانية 


استطاعت إيران حتى شباط/ فبراير من العام 2009، إنتاج قرابة 1010 كلغ من اليورانيوم المنخفض التخصيب وهي كمّية كافية لصنع قنبلة نووية إذا ما قرّرت طهران تحويلها إلى كميّة عالية التخصيب.


وفي هذه الحالة، فان إيران قد تعمد إلى إنهاء تعهّداتها إزاء معاهدة منع الانتشار النووي، وتطرد المفتشين الدوليين، وحينها سيكون الموضوع مجرد مسألة وقت قبل أن تنجح في إنتاج قنبلة نووية ضمن فترة تمتد من سنة إلى ثلاثة سنوات وفق التقديرات المتاحة، مقارنة بحوالي خمسة سنوات لتحويل القنبلة إلى رأس نووي وتحميلها على صواريخ بالستيّة.


ومن الواضح أن تطوير إيران لقدراتها النووية جاء مرافقا لاهتمامها الكبير بتطوير قدراتها الصاروخيّة والبالستيّة أيضا. فالهدف الأساسي للبرنامج الصاروخي لطهران تعزيز وتقوية دورها الإقليمي كقوّة معتبرة، إضافة إلى مواجهة المخاطر الإقليمية والتحدّيات الأمنية على حدودها المضطّربة.


وتشير التقديرات إلى أنّه سيكون بمقدور إيران إنتاج رأس نووي حربي لصاروخ بالستي في غضون عدّة سنوات (غالبا ما بين 6 إلى 8 سنوات) حالما يتم اتخاذ قرار بالمضي قدما في هذا الموضوع، علما أنّه من الممكن تحقيق هذا الهدف في فترة زمنية أقل بكثير حال توافر الدعم التقني أو المساعدة الخارجية.


ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أنّ طهران اختبرت أربع صواريخ على الأقل تعمل بالوقود السائل، من بينها صاروخ شهاب-3 الذي يستطيع على سبيل المثال أن يحمل رأسا بزنة حوالي 1000 كلغ لمسافة 1100 كلم. كما استطاعت إيران استخدام سفير-2 لإطلاق قمر صناعي إلى مدار الأرض، وعلى الرغم من أنّ هذا الإطلاق لم يأت بتكنولوجيا جديدة نظرا لأنّ المرحلة الأولى من سفير تعتمد على صاروخ شهاب-3، إلاّ أّنه أثبت أنّ إيران  تعمل بشكل جدّي وحثيث على تطوير تكنولوجيا الصواريخ.


وتشير التقديرات إلى انّه سيكون باستطاعة طهران تطوير صاروخ بالستي قادر على حمل رأس نووي بزنة 1000 كلغ ولمدى يبلغ حوالي 2000 كلم، إذا ما صممت على المضي قدما بذلك.


نظام الدفاع الصاروخي الأوروبي 





ترتكز قدرة إيران في تهديد أوروبا على مدى تصميمها على صناعة صواريخ بالستيّة متوسّطة وطويلة المدى.
ترتكز قدرة إيران في تهديد أوروبا على مدى تصميمها على صناعة صواريخ بالستيّة متوسّطة وطويلة المدى بوزن إطلاق يفوق وزن صواريخ شهاب-3 بحوالي الضعفين على الأقل، وليس هناك من دلائل إلى الآن تشير إلى أنّ طهران ذاهبة في هذا الاتجاه خاصّة أنّ تطوير هكذا صواريخ يحتاج إلى برامج عسكرية ضخمة قد تعرّض إيران للانكشاف، كما وقد تحتاج إلى تكنولوجيا أكثر تقدّما مما تمتلكه إيران حتى الآن.

وفي هذا الإطار، يكاد يكون من المستحيل تنبؤ الفترة التي قد تحتاجها إيران لإنتاج صواريخ عابرة للقارات ذات مواصفات متقدّمة من ناحية الدقّة والقدرة التدميريّة، خاصّة أنّ تقدير الفترة الزمنيّة المطلوبة لإنتاج هذا النوع من الصواريخ تعتمد على عدد من العناصر المتداخلة ومنها:



  • نسبة نمو عالية في الاقتصاد.
  • توافر القاعدة الصناعية والعلميّة في البلاد.
  • مدى حجم المساعدة الخارجيّة المقدّمة لإنتاج هذا النوع من الصواريخ.
  • وجود قرار والتزام سياسي بتحقيق هذا الهدف.
  • مدى قوّة ومتانة العلاقات الخارجيّة للدولة المعنيّة.

وهي كلّها عناصر تبدو صعبة التوافر في حالة إيران، وخاصّة ما يتعلّق بالشق التكنولوجي الذي تعتمد عليه الصواريخ العابرة للقارّات، إضافة إلى انّه سيكون من الصعب على إيران إنتاج هذا النوع من الصواريخ دون الحصول على مساعدة خارجية وتكنولوجيا عالية، الأمر الذي قد يستغرق من 10 إلى 15 عاما لإنتاج هذا النوع لو قرّرت ذلك اليوم.


النقطة الأهم في التقرير تركز على عدم قدرة نظام الدفاع الصاروخي المقترح تنصيبه في أوروبا على صد المخاطر الناجمة عن تهديد الصواريخ البالستيّة المتوسطّة وطويلة المدى وذلك لأنه يعاني من نقاط ضعف خطيرة، وهو لن يكون فعّالا في توفير دفاع مستقل للاتحاد الأوروبي حتى وجه الصواريخ الإيرانية مستقبلا.


التعاون الأمريكي الروسي في الملف النووي 


تكتسب العلاقات الأمريكية – الروسية أهميّة كبرى نظرا لأنّ البلدين يضمّان أضخم ترسانة نووية في العالم على الإطلاق، ومن هذا المنطلق فللبلدين دور مهم في وأساسي في الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي في العالم، وهما يمارسان أيضا تأثيرا مهما لفرض الاستقرار الإقليمي في مناطق النفوذ.


وقد ساهم سقوط الاتحاد السوفيتي في دفع البلدين إلى نسج علاقات بعيدا عن المنحى الإيديولوجي الذي كان بلغ أشدّه في الحرب الباردة، وقد ساهمت العديد من العناصر في تحسين العلاقات بين البلدين ولاسيما المواضيع ذات الاهتمام المشترك ومنها:



  • التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
  • التعاون في مجال مكافحة الانتشار النووي.
  • المشاركة في المحادثات السداسية بخصوص برنامج كوريا الشمالية النووي.
  • المشاركة في حل المشاكل في أفغانستان ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من ذلك، فقد اتّخذت العلاقة بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية منحا سيئا وبلغت مداها إثر أزمة الحرب على الروسية على جورجيا، وشكّل موضوع النظام الدفاعي الصاروخي آنذاك مادّة دسمة لتبادل الاتهامات وفقدان الثقة بين الطرفين. أمّا اليوم وبعد انتخاب "باراك أوباما" رئيسا للولايات المتّحدة، فإنّ العلاقة بين البلدين بدأت تتحسّن تدريجيا، وهي مرجّحة لأن تصبح أكثر تقاربا في المستقبل خاصّة بعد توقع الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي "ميدييف" لبيان مشترك في نيسان/ إبريل 2009 يتعهدان فيه بالعمل سويا لتعزيز وتقوية الاستقرار الاستراتيجي، والأمن الدولي، ومجابهة التحدّيات المستقبلية المشتركة، ومناقشة المسائل المختلف عليها بانفتاح وتفهّم.


وفيما يتعلّق بالملف النووي، فمن المتوقّع أن يشكل الملف مدخلا للتعامل الايجابي بين البلدين، إذا ما تمّ التأكيد على:



  1. التيقّن من أنّ العقوبات المفروضة من مجلس الأمن على إيران مطبّقة بشكل وثيق.
  2. تعزيز نظام منع الانتشار النووي، وخاصة فيما يتعلق بقدرة منظمة الطاقة الدولية على مراقبة هذه الأنشطة بفعالية.
  3. مراقبة نقل وتصدير تكنولوجيا الصواريخ المعقدّة والعمل على حظرها.
  4. إقناع إيران عبر الوسائل الديبلوماسية باتخاذ إجراءات تؤكد لجيرانها فيها وللمجتمع الدولي أيضا بشكل قاطع لا يقبل الشك بأن برنامجها النووي موجّه بشكل حصري للاستخدامات السلميّة.

الإطار الزمني للوصول إلى السلاح النووي 





يشير التقرير الصادر عن "هيرتدج" إلى أنّ إيران أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على قدرات التسلّح النووي.
أماّ التقرير الثاني الصادر عن "هيرتدج"، فيشير إلى أنّ إيران أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على قدرات التسلّح النووي، لكنّ التقديرات حول المدّة الفعلية المطلوبة لامتلاكها السلاح النووي تختلف بين جهة وأخرى، إذ أشار مدير الاستخبارات القوميّة الأمريكية "دينيس بلير" في شهادة له أمام الكونغرس في 10 آذار/ مارس الماضي إلى أنّ تقييم الوكالة يخلُص أنّ "إيران أصبحت تمتلك القدرات التقنيّة والصناعية التي تخوّلها إنتاج السلاح النووي.. ونقدّر أنّها ستكون قادرة على إنتاج الكميّة الكافية من اليورانيوم العالي التخصيب اللازم لصنع السلاح النووي في فترة ما بين 2010 و2015".

وفي المقابل، ترى العديد من الجهات الأخرى بأنّ حصول إيران على السلاح النووي سيكون في فترة أقرب من هذا الإطار الزمني بكثير.


إذ توقّع معهد العلوم والأمن الدولي في شهر آذار/ مارس الماضي أن تنتج إيران الكميّة الكافية من اليورانيوم العالي التخصيب اللازم لصنع سلاح نووي خلال مدّة قصير لا تتعدى ستة أشهر، فيما يرى فريق عمل "مشروع وسكانسن" للحد من التسلّح النووي أنّ إيران قد حصلت بالفعل على كميّة اليورانيوم المطلوبة لصنع سلاح نووي بحلول نهاية العام 2008 أي في كانون أول/ ديسمبر الماضي وهي قادرة على صنع قنبلة نووية خلال فترة لا تتعدى الشهرين إلى ثلاثة أشهر على الأكثر إذا ما كان هناك قرار بذلك.


ومن المعروف أنّ مرحلة الحصول على يورانيوم عالي التخصيب تعدّ الأصعب في صنع سلاح نووي. وحالما تحصل إيران على الكمّية الكافية من هذا اليورانيوم العالي التخصيب، سيكون من السهل على مهندسيها أن يقوموا بتجميع السلاح النووي. وبينما تختلف التقديرات المتعلّقة بهذا الموضوع، فإنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت إيران ستقوم بصنع سلاحها النووي قريبا.


تداعيات تحوّل إيران إلى قوّة نووية 


ويعتبر التقرير أنّه وما أن تمتلك إيران السلاح النووي حتى يزيد الخطر الذي تفرضه على الولايات المتّحدة الأميركية وحلفائها بشكل يهدد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط أكثر مما تفعله اليوم. ولا شكّ أيضا من أنّ إيران نووية ستشكّل خطرا أيضا على وجود إسرائيل كحليف رئيسي للولايات المتّحدة الأمريكية خاصّة وانّ أحمدي نجاد وعدد من القادة الإيرانيين كانوا قد وعدوا مرارا وتكرارا بتدمير إسرائيل.


وعليه، فمن المفترض أن تشكّل القوّة الأمريكية الضخمة عامل ردع فعّال في وجه أي هجوم نووي إيراني، لكنّ الاعتماد على خطر الرد المدمّر من الممكن أن يكون خطيرا في حدّ ذاته. فالمتشددون الإيرانيون قد يخطئون الحسابات والتقديرات، خاصّة أنّهم أظهروا في محطّات عديدة رغبة كبيرة في "المقامرة" والتصرف بشكل متهوّر، وهم يدّعون دائما أنّه واثقون من أنّ الولايات المتّحدة لن تهاجمهم وأنها غير قادرة على ذلك أصلا.


ويؤكّد التقرير أنّ من تداعيات تحوّل إيران إلى قوّة نووية:



  1. تقويض معاهدة منع الانتشار النووي (NPT)، وتسريع التوجّه لدى العديد من دول المنطقة لامتلاك سلاح نووي خاص بها بما في ذلك كل من مصر وتركيا والسعودية والعراق والأردن والجزائر، وبالتالي إطلاق سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط، بحيث يؤدي حصول كل دولة من هذه الدول على سلاحها النووي إلى مخاطر إضافية، ويزيد من عدم الاستقرار في المنطقة الملتهبة أصلا، وستكون النتيجة عندها بطبيعة الحال شرق أوسط متعدّد الأقطاب وغير مستقر وقابل للانفجار الكامل، ولا يفصله عن حروب نووية سوى خيط رفيع.


  2. إمكانية تمرير المكوّنات النووية إلى جهات أو مجموعات "إرهابية" تدفعها للقيام بهجوم نووي مفاجئ مجهول المصدر على أمل أن تتمكّن إيران من التهرّب من المسؤولية ومن إمكانية تعرّضها لأي رد نووي مدمّر على أساس أنّها لم تقم بأي هجوم نووي مباشر ولا تعرف من قام بذلك.


  3. رفع قدرة الابتزاز التي تملكها إيران، فحتى لو لم يكن باستطاعة إيران مهاجمة الأراضي الأمريكية بصواريخ نووية، فإنها ستبقى قادرة على تهديد الحقول النفطيّة السعودية بشكل جدّي وحقيقي عبر أي هجوم نووي تشنّه على المملكة، الأمر الذي يكسبها القدرة على الابتزاز وفرض الشروط حتى لو لم تقم بشن هذا الهجوم، علما أنّ هذا الابتزاز والتهديد من شأنه أن يطال أيضا الاقتصاد العالمي بأسره في حال سلكت إيران هذا المنحى.

ماذا بعد امتلاك إيران للسلاح النووي؟ 





على واشنطن في هذه الحالة اتّخاذ إجراءات أقوى وأشد فعاليّة تجاه طهران الآن لمنع حصول كارثة نووية في المستقبل.
ماذا بعد امتلاك إيران للسلاح النووي؟ يؤكّد التقرير أنّ على الولايات المتّحدة ألا تنتظر لمعرفة الجواب، وأن تجد الإستراتيجية اللازمة لمواجهة هذا السيناريو في أسرع وقت ممكن وأن تضعها موضع التنفيذ.

على واشنطن في هذه الحالة اتّخاذ إجراءات أقوى وأشد فعاليّة تجاه طهران الآن لمنع حصول كارثة نووية في المستقبل، لأنه لو سمح لإيران أن تتحوّل إلى قوّة نووية، فلن يكون على الولايات المتّحدة أن تتعامل مع هذه المشكلة فحسب، بل سيكون عليها أن تتعامل أيضا مع قوى شرق أوسطية ستلجأ إلى الخيار النووي بدورها في حال تحوّلت إيران إلى قوّة نووية.


ويؤكّد التقرير أنّ أي خطأ في حسابات الإيرانيين قد يؤدي بسهولة إلى صراع عسكري مع الولايات المتّحدة أو إسرائيل، وهو صراع سيكون مكلفا ومدمّرا في حال امتلاك إيران للسلاح النووي.


وفي هذا الإطار، يوصي التقرير بأن تقوم الولايات المتّحدة الأمريكية بعدد من الخطوات في المرحلة التي تكون إيران فيها قد حصلت فعلا على سلاح نووي، ومنها:



  1. تبنّي إستراتيجية دفاعية تهدف إلى عزل وتحييد الخطر النووي الإيراني، من خلال زيادة القدرة الردعيّة في وجه الهجمات الإيرانية المحتملة على مناطق الحلفاء، وذلك عبر:

    • نشر منظومة دفاع صاروخية قادرة على مواجهة الخطر الذي تشكّله الصواريخ البالستيّة الإيرانية.
    • زيادة التنسيق في مجال الدفاع الصاروخي بين الدول المتضررة في أوروبا والشرق الأوسط ولاسيما إسرائيل.
    • استخدام تكنولوجيا الفضاء لتنصيب صواريخ دفاعيةّ مهمّتها اعتراض الصواريخ الإيرانية في مرحلة الانطلاق مما من شانه أن يعطي المنظومة الدفاعية قيمة إضافية.
    • جعل سياسة الردع المستخدمة جزء من إستراتيجية أوسع يكون هدفها الحد من التأثيرات الناجمة عن تحوّل إيران إلى قوّة نووية.


  2. اتّخاذ خطوات حقيقية لإفهام الجميع بشكل واضح بأنّ الولايات المتّحدة سترد بشكل مدمّر على أي هجوم نووي لطهران على أي من حلفاء أمريكا في المنطقة، ويتم التأكيد على ذلك من خلال:

    • الإفصاح عن هذا التوجّه علنا حتى يكتسب مصداقيّة، على أن يتم تدعيمه بخطوات تؤكّد الجديّة في الكلام والقدرة على تحويل الأقوال إلى أفعال.
    • العمل على زيادة القدرة العسكرية المتواجدة للولايات المتّحدة في الخليج بحرا وجوّا، أو تعديل الإستراتيجية النووية للبلاد بحيث يتم تفعيل عدد من الخطوات التي تسمح بنقل قنابل وأسلحة نووية إلى القواعد العسكرية في البلدان المحيطة بإيران، وهو ما سيتطلب إنفاق الكثير من الأموال بطبيعة الحال.
    • الاستثمار في التكنولوجيا والعمل على زيادة القدرات النووية التكتيكية.


  3. العمل على حشد تحالف دولي لاحتواء وردع إيران نووية، والقيام بعدد من الخطوات التي تعزز هذا التوجه على المدى البعيد ومنها:

    • تعزيز التعاون العسكري والأمني والإستخباراتي بين الولايات المتّحدة وأوروبا والدول المتضررة من تحوّل إيران إلى قوّة نووية مثل تركيا وإسرائيل والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت والسعودية والإمارات وقطر وعمان)، خاصة أنّه بإمكان مثل هذا الحشد الحد من النفوذ الإيراني واحتواؤه وتسهيل أي عمل عسكري ضد إيران إذا كان هذا ضروريا فيما بعد.
    • تعزيز إدارة "أوباما" الحوار حول أمن الخليج من خلال تقوية الشراكة مع دول الخليج، وزيادة قوّة وفعالية قدراتهم العسكرية، والقيام بمناورات عسكرية مشتركة ومتعددة الأطراف (دول الخليج والناتو) في منطقة الخليج على أن تركّز على المناورات الجويّة بشكل خاص.





  4. على أميركا إطلاق حملة ديبلوماسية عامّة للقول للشعب الإيراني أنّ برنامج التسلّح النووي الذي يقوده النظام والسياسات المتطرفة له من شأنها أن تضر بالاقتصاد الإيراني وبالمصالح القوميّة للبلاد.
    التعبير عن استعداد الولايات المتّحدة القيام بإيقاف صادرات إيران من النفط حال وجود أزمة معها، والعمل على خط موازي لذلك يشمل:

    • نشر قوات بحرية وجويّة أمريكية لحماية المنشآت النفطيّة الخليجية.
    • حث دول الخليج على زيادة إنتاجها حال وقوع الأزمة وذلك لتعويض النقص الحاصل في السوق نتيجة منع إيران من تصدير إنتاجها النفطي.
    • العمل مع دول الخليج على تنفيذ أنبوب نفطي ينقل النفط بعيدا عن مضيق هرمز التي تهدد إيران بإغلاقه دوما حال اندلاع نزاع.
    • زيادة وتوثيق العلاقة بين الناتو ودول الخليج من أجل العمل على تأمين طرق نقل وتوزيع النفط من منطقة الخليج.


  5. إعداد ومراجعة العديد من خطط الطوارئ التي تشمل احتمال القيام بضربة وقائية لتجريد إيران من أسحلتها.


  6. قيادة تحالف دولي لفرض أقسى العقوبات الممكنة على النظام الإيراني، خاصّة أنّ وضع الاقتصاد الإيراني المستقبلي سيكون صعبا في ظل تدنّي مستوى الدخل الفردي الذي أصبح يساوي الآن حوالي ثلثين ما كان عليه إبّان عهد الشاه في فترة ما قبل الثورة الإيرانية العام 79، والفساد المستشري والإدارة السيئة للمقومات الاقتصادية للبلاد خاصة في عهد أحمدي نجاد، ولذلك على الولايات المتحدة:

    • فرض أقسى العقوبات الاقتصادية الممكنة على الاقتصاد الإيراني من خلال مجلس الأمن ومن خلال التعاون مع روسيا والصين على وجه الخصوص.
    • فرض حظر دولي على صادرات إيران النفطية "إذا كانت أسعار النفط تساعد على القيام بهذه الخطوة" والقيام بحملة دولية لمنع إقراض إيران وتحويل الاستثمارات إليها أو التعامل التجاري معها.
    • فرض عقوبات شديدة على المؤسسات الإيرانية المنخرطة في النشاط النووي كالحرس الثوري وكل المؤسسات التابعة له أو المرتبطة به.
    • والاهم من كل ذلك، العمل على منع استيراد إيران للمشتقات النفطيّة في ظل حقيقية أنّها تستورد أكثر من 40% من حاجاتها من النفط المكرّر من الخارج نظرا لعدم توافر البنيّة التحتيّة اللازمة للقيام بعمليات التكرير في إيران.


  7. تقوية جهود مبادرة الأمن ومنع الانتشار النووي المصاغة ضدّ إيران.


  8. إطلاق حملة ديبلوماسية عامّة للقول للشعب الإيراني أنّ برنامج التسلّح النووي الذي يقوده النظام والسياسات المتطرفة له من شأنها أن تضر بالاقتصاد الإيراني وبالمصالح القوميّة للبلاد.


  9. حث الدول الأخرى تشجيعها على عدم السعي لامتلاك سلاح نووي خاص بها.


  10. رفض التخلّي عن الجهود المبذولة لإقناع إيران بالتخلّي عن القدرات النووية.

_______________
باحث في العلاقات الدوليّة


هامش
(1) للاطلاع على نص التقرير الأول إضغط هنا.


(2) للاطلاع على نص التقرير الثاني إضغط هنا.

ABOUT THE AUTHOR