مستقبل الحوار الفلسطيني بعد مؤتمر فتح السادس

ورقة تحاول تقدير التأثير الذي سينتج عن مؤتمر فتح السادس على مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني، وخصوصا الحوار الثنائي بين فتح وحماس، حيث ما يزال الحوار الوطني ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، في المشوار الطويل لحل الخلافات الداخلية وإنهاء الانقسام الفلسطيني جغرافيا وسياسيا.







 

فراس أبو هلال


ما يزال الحوار الوطني الفلسطيني، وخصوصا الحوار الثنائي بين فتح وحماس، ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، وينهي جولة ليبدأ جولة أخرى، في المشوار الطويل لحل الخلافات الداخلية وإنهاء الانقسام الفلسطيني جغرافيا وسياسيا. وعلى الرغم من التفاؤل الذي أشيع أثناء جولة الحوار السادسة التي عقدت في القاهرة في شهري يونيو/حزيران و يوليو/تموز الماضيين، إلا أن هذه الجولة لم تؤد للوصول إلى اتفاق شامل يضع حدا للصراع الداخلي.


ولئن كانت حوارات القاهرة المتعددة تأخذ طابعا وطنيا يشمل كافة الفصائل الفلسطينية في أغلب الأحيان، إلا أن المشكلة في أساسها وجوهرها تكمن في الصراع بين الفصيلين الرئيسين: فتح وحماس، ما يعني أن جوهر الحل أيضا يكمن في الاتفاق بين هذين الفصيلين.





المشكلة في أساسها وجوهرها تكمن في الصراع بين الفصيلين الرئيسين: فتح وحماس، ما يعني أن جوهر الحل أيضا يكمن في الاتفاق بين هذين الفصيلين.
وقد تعرضت حركة فتح في كثير من مراحل الحوار الفلسطيني إلى هجوم الكثير من المراقبين، الذين حملوها مسؤولية فشل الحوار من خلال إصرارها على تبني أجندة مبنية على الالتزام بخارطة الطريق، إضافة إلى اتهامها بأنها لا تملك قرارها، أو أن هذا القرار -على الأقل-  "مختطف" من قبل قيادة تمسك بزمام الحركة وتقودها إلى مسار يتناقض مع تاريخها ومع كونها حركة تحرر وطني لوطن لا يزال تحت الاحتلال. وبغض النظر عن الجدل حول هذه الاتهامات، فإن من الواضح أن حركة فتح خلال السنوات الماضية وخصوصا بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الاقصى) ووفاة زعيمها ياسر عرفات، قد عانت من خلل بنيوي وتنظيمي، وانتشرت الفراغات في هيئاتها القيادية المختلفة بشكل خطير، ما سهل مرور سهام المتهمين من بين هذه الفراغات.

في مسعى لحل هذه الاختلالات، دعت قيادات وكوادر حركة فتح في مختلف المواقع ومن مختلف التيارات لعقد المؤتمر العام السادس للحركة، بعد مرور حوالي عشرين سنة على عقد مؤتمرها الخامس، من أجل أن يقول ممثلو الحركة كلمتهم في اختيار قيادة جديدة للحركة وتصحيح مسارها. وستحاول هذه الورقة تقدير التأثير الذي سينتج عن مؤتمر فتح السادس على مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني.


العوامل المؤثرة في الحوار الفلسطيني بعد مؤتمر فتح
حماس والمؤتمر
فتح.. بين التشظي والوحدة
وحدة فتح بعد المؤتمر
القيادة الجديدة والحوار
البرنامج السياسي.. خيارات مفتوحة
السيناريوهات المحتملة


العوامل المؤثرة في الحوار الفلسطيني بعد مؤتمر فتح 


يتوقف تأثير مؤتمر فتح في الحوار الوطني الفلسطيني على العوامل التالية:



  • موقف حركة حماس من المؤتمر وطريقة تعاملها مع نتائجه.
  • أثر المؤتمر في توحيد فتح وظهورها كحركة ذات قرار موحد يعبر عن الغالبية الحقيقية داخل الحركة، أو في تعميق انقسامها واستمرار تشتت قراراتها.
  • الانتخابات الداخلية التي أفرزت قيادة فتح الجديدة متمثلة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة ودورها في حسم أو استمرار الصراع بين تيارات الحركة المختلفة.
  • البرنامج السياسي للحركة الذي أقره المؤتمر والذي سيكون ميثاقاً يرسم مسار فتح السياسي في القضايا الداخلية والخارجية مستقبلا.

حماس والمؤتمر 



  • أدى رفض الرئيس عباس لمطلب حماس المشروع بالإفراج عن معتقليها ومعتقلي الفصائل الفلسطينية الأخرى لدى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتمسك حماس بربط الاستجابة لهذا المطلب كشرط للسماح بخروج كوادر فتح من غزة للمشاركة في مؤتمر الحركة، إلى خلق أجواء سلبية بين الحركتين وتشنج في التصريحات والاتهامات المتبادلة قبيل المؤتمر وخلاله.

    كانت هذه الأجواء ربما أحد الأسباب المهمة التي جعلت اللجنة المسؤولة عن المؤتمر تهمل إدراج قضية الحوار الوطني ضمن البنود الرئيسية التي ناقشها هذا المؤتمر، ما يعني أن فتح انكبت على معالجة اختلالاتها ومشكلاتها الداخلية دون الالتفات إلى قضية مصيرية على المستوى الفلسطيني والفتحاوي أيضا كقضية الحوار، وهو ما سيؤثر سلبا على مستقبل هذا الحوار.





  • انكبت فتح على معالجة اختلالاتها ومشكلاتها الداخلية دون الالتفات إلى قضية مصيرية على المستوى الفلسطيني والفتحاوي أيضا كقضية الحوار، وهو ما سيؤثر سلبا على مستقبل هذا الحوار.
    نأت حماس بنفسها عن التدخل في مجريات المؤتمر، على الرغم من اتهامات بعض التيارات في فتح لتيارات فتحاوية أخرى بالتآمر مع حماس لمنع خروج كوادر غزة للتأثير على نتيجة الانتخابات الداخلية.

    وعلى الرغم من منع حماس فعلا لأعضاء المؤتمر من الخروج من غزة، إلا أنها بررت ذلك بقضية معتقليها لدى السلطة، ونفت الاتهامات بالتآمر مع تيار فتحاوي ضد تيار آخر، واكتفت قبل المؤتمر "بتمني" أن تتبنى فتح نهج المقاومة في مؤتمرها.


  • اتهمت فتح حكومة حماس بمنع كوادرها في غزة من التصويت في انتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري أثناء انعقاد المؤتمر. وعلى الرغم من نفي حماس الاتهامات التي وجهت لها بمصادرة الهواتف الخاصة بقيادات فتح بغزة لمنعهم من التصويت، إلا أن هذا الموضوع ألقى بظلاله على كل أعمال المؤتمر، وخصوصا أن الرئيس عباس وبعض المحيطين به استخدموا هذه الاتهامات لزيادة التفاف القواعد الفتحاوية حول الرئيس، الذي قوطع بالتصفيق الحاد وهو يكرر لثلاث مرات بأنه "لن ينسى منع حماس لكوادر فتح في غزة من المشاركة في التصويت".

    إن طبيعة الخطاب الذي رافق الاتهامات المتبادلة بين حماس وفتح حول هذا الموضوع، زاد من المسافة التي تفصل بين الطرفين، ولعل الأخطر في هذا الخطاب هو ما قاله عزام الأحمد عن "شكوى" فتح لبعض الدول العربية القريبة من حماس لممارسة الضغط عليها، ووصفه لحماس بأنها عصابة وقوله أن فتح لن تتحاور مع "عصابات".

فتح.. بين التشظي والوحدة 


لقد كانت الاختلافات داخل فتح فيما مضى أحد أهم الأسباب التي عرقلت مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني، حيث أظهرت بعض المنعطفات تعددا في قيادة الحركة، وشكوكا في قدرتها على تنفيذ متطلبات الحوار وتطبيق قراراته.


ولعل الأمثلة التالية توضح ذلك التأثير:



  • عجزت فتح في فترة الصراع مع حماس في غزة قبل الحسم العسكري في يونيو/حزيران 2007 عن إيقاف الفلتان الأمني الذي يمارسه كوادرها، ما ساهم بشكل خطير في تأزيم الأمور وأدى إلى تدحرج كرة الثلج حتى الوصول إلى الصراع الشامل مع حماس ثم الخسارة أمامها عسكريا في هذا الصراع.

    لقد عقدت العشرات من اللقاءات في غزة في الفترة ما بين تولي حماس لحكومتها الأولى وحتى توقيع اتفاق مكة بحضور ممثلي الوفد الأمني المصري والفصائل الفلسطينية، ولكن القرارات المتمخضة عن هذه اللقاءات لم تنفذ على أرض الواقع بفعل الانفلات الأمني. قد يقال أن الخروقات لمثل هذه القرارت كانت تتم من طرفي النزاع، ولكن الموضوعية تقتضي القول أن حماس كانت أقدر على التحكم بأفرادها وضبط تصرفاتهم، فيما انقسمت فتح بين تيارات توقع الاتفاقات وأخرى تتحكم بالفعل على الأرض وتخرق هذه الاتفاقات.

    ولعل الدليل على ذلك، أن الكثير من كوادر فتح لم ينخرط في الصراع في غزة لإدراكهم أن المعركة ليست معركتهم، بل هي معركة تيار متنفذ في الحركة كما صرح بذلك العديد من القيادات ذات الوزن السياسي والتنظيمي في الحركة.


  • أظهرت المداولات التي أدت إلى توقيع اتفاق اليمن في صنعاء بتاريخ 23 مارس/آذار 2008 حالة التشظي التي تعيشها حركة فتح بشكل جلي، إذ وصلت الاختلافات بين رئيس وفد فتح لمفاوضات اليمن ورئيس كتلتها في البرلمان عزام الأحمد وبين مستشار الرئيس عباس نمر حماد إلى حد التراشق الإعلامي على شاشات الفضائيات، بعد أن نفى الأخير موافقة الرئيس على الاتفاق الذي قال عزام الأحمد إنه وافق عليه بتفويض من عباس نفسه.


  • كانت قضية المعتقلين السياسيين من حماس في سجون السلطة في الضفة الغربية إحدى أهم العوائق أمام نجاح جولات الحوار التي جرت في القاهرة بعد فشل تنفيذ اتفاق اليمن. لقد بررت حركة فتح رفضها الالتزام بالإفراج عن معتقلي حماس بأنها لا تستطيع ذلك، على الرغم من أن رئيس السلطة والقادة الأمنيين هم من حركة فتح، ما يعني أحد احتمالين: أولهما ان فتح لا تريد الإفراج عن المعتقلين، وثانيهما أن فتح لا تملك قرارا موحدا تستطيع من خلاله الالتزام بتعهداتها تجاه طرف الحوار الآخر.

إن الأمثلة السابقة تدلل بشكل واضح على أن حركة فتح موحدة هي في صالح حوار حقيقي، حتى لو كانت وحدة الحركة باتجاه التشدد مع حماس، بمعنى أن تكون فتح كلها إما مع الحوار وإما ضده، إذ أن  استمرار الحوارعلى شكله الحالي دون هدف واضح ودون سقف زمني يعطي الانطباع بأن الحوار هو ذر للرماد في العيون.


وحدة فتح بعد المؤتمر 


أظهرت العديد من المؤشرات قبل وأثناء وبعد انعقاد المؤتمر السادس أن فتح معرضة لانشقاق ما. وأهم هذه المؤشرات:






  • لقد كانت الاختلافات داخل فتح فيما مضى أحد أهم الأسباب التي عرقلت مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني، حيث أظهرت بعض المنعطفات تعددا في قيادة الحركة، وشكوكا في قدرتها على تنفيذ متطلبات الحوار وتطبيق قراراته.
    الاتهامات الخطيرة التي وجهها فاروق القدومي قبيل عقد المؤتمر للرئيس عباس ومحمد دحلان بالتآمر لاغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.


  • القرار الذي اتخذه الرئيس عباس بشكل فردي بعقد المؤتمر في الداخل وما رافق ذلك من نقاش حاد داخل حركة فتح حول هذا الموضوع، ثم غياب قيادات تاريخية عن حضور المؤتمر بسبب عقده في الداخل، وعلى رأسهم عضوا اللجنة المركزية السابقة فاروق القدومي ومحمد جهاد.


  • الخلافات الحادة التي سببتها طريقة اختيار أعضاء المؤتمر وزيادة عددهم بشكل غير قانوني، والاتهامات التي ألقاها الكثير من قيادات فتح حول تزوير الانتخابات والتلاعب بالأصوات، وأهمها تصريحات أحمد قريع التي قال فيها إنه تم "إنجاح" الطيب عبد الرحيم وإسقاطه هو في انتخابات اللجنة المركزية عن طريق التزوير وبطريقة "مشينة".

وعلى الرغم من هذه المؤشرات، فإن هناك الكثير من المبررات للقول بأن فتح خرجت موحدة بعد المؤتمر، وأهم هذه المبررات:



  1. غياب الفرز السياسي الواضح داخل المؤتمر، بالرغم من هوامش الفرق الضيقة التي ظهرت بين بعض الأعضاء. لقد كان عقد المؤتمر في الداخل بموافقة إسرائيل وبتسهيل منها دليلا على أن لهذا المؤتمر سقفا محددا، وأن كل من يشارك فيه سيكون مضطرا للقبول بهذا السقف، ما يعني أن الاختلافات المبنية على أسس سياسية وفكرية وبرامجية ستكون محدودة.


  2. تكريس الرئيس عباس كقائد للحركة ينتخب بالتزكية ودون أية معارضة واضحة لقيادته، وهو ما سيعطيه القدرة في المستقبل لاستخدام هذه الشرعية التنظيمية لمنع أي محاولة لتجاوز سلطته في اتخاذ القرارات المتعلقة بملف الحوار الوطني وغيره من الملفات وتطبيقها.


  3. حالة الرضا العام داخل فتح بعد المؤتمر، ونظرة الغالبية من كوادرها للمؤتمر باعتباره انطلاقة جديدة للحركة بعد خسائرها المتلاحقة، وهو ما يدعو للاعتقاد بأن كل المعترضين على نتائج المؤتمر –على أهميتهم– سيظلون حالات فردية تفتقد لوجود تيار عريض داخل الحركة.

إن خروج فتح من مؤتمرها السادس حركة موحدة، وانتخابها لقيادة جديدة تمتلك شرعية تنظيمية غير مسبوقة منذ عدة سنوات، سيمكن الحركة من تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه عبر الحوار الثنائي مع حماس، أو عبر لقاء وطني شامل على شاكلة الحوار الذي أدى لتوقيع وثيقة الوفاق الوطني بتاريخ 25 يونيو/حزيران 2006، وسيضع حدا لعجز القيادة عن فرض قراراتها على أعضاء الحركة، كما كان يحدث مع كوادر فتح في الأجهزة الأمنية التي كانت تدين بالولاء لمحمد دحلان وللقادة الأمنيين بدلا من الولاء للقيادة السياسية للحركة.


القيادة الجديدة والحوار 


أفرز المؤتمر السادس لحركة فتح قيادة جديدة متمثلة باللجنة المركزية والمجلس الثوري اللذين يعتبران السلطتين التنفيذية والتشريعية للحركة. وقد ضمت اللجنة المركزية خمسة عشر عضوا جديدا من ضمن أعضائها التسعة عشر، ما يعني أن هذه التركيبة تمثل تجديدا كبيرا على مستوى القيادة.


وعلى الرغم من الاتهامات بحدوث تجاوزات في طريقة اختيار أعضاء المؤتمر وفي المسائل الإجرائية في الانتخابات، إلا أن هذه القيادة أصبحت تمثل ثقلا كبيرا في صنع قرار فتح، وأن الرئيس عباس قد تكرس مركزا لهذا الثقل.


وتظهر التشكيلة الجديدة للجنة المركزية تنوعا واختلافا كبيرا بين الأعضاء، على مستوى الأجيال والقاعدة الحزبية والتوجهات والمصالح في بعض الأحيان. ولكن الاختلاف على أسس برامجية وسياسية يتراجع إلى حد كبير على الرغم من وجود بعض الاختلافات البسيطة بين مجموعة وأخرى من المجموعات المكونة للجنة المركزية.


وبالحديث عن موقف اللجنة المركزية الجديدة من الحوار الوطني، فإن من الممكن تقسيمها إلى ثلاثة تيارات:



  1. تيار يؤمن بإجراء حوار إستراتيجي مع حماس، للوصول إلى برنامج سياسي يمثل الحد الأدنى من الإجماع الوطني، انطلاقا من الإيمان بأن حماس لا يمكن تجاوزها أو إلغاؤها وأن الاتفاق الإستراتيجي معها ضرورة للوصول إلى أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية لأن حماس تستطيع  تعطيل أي اتفاق لا توافق عليه مع إسرائيل.


  2. تيار يدعو إلى الحوار مع حماس للوصول إلى اتفاق "تكتيكي" يقر انتخابات تشريعية ورئاسية في نهاية الأمر، وهو يدرك أن مثل هذه الانتخابات لن يسمح لها دوليا و"إسرائيليا" وحتى إقليميا أن تكون نزيهة بعد تجربة انتخابات يناير/كانون الثاني 2006 التي أوصلت حماس إلى الفوز بأغلبية البرلمان.


  3. تيار استئصالي يميل إلى استخدام أساليب غير أسلوب الحوار في العلاقة مع حماس، مثل توريطها والتشويش عليها أمنيا في قطاع غزة، والمساهمة في استمرار الحصار السياسي والاقتصادي عليها، وزيادة العداء الدولي والإقليمي للحركة من خلال الترويج لدعمها لتيارات تؤمن بفكر القاعدة أو جعلها قطاع غزة ملاذا "للإرهابيين" أو سعيها لإقامة إمارة إسلامية وغيرها من الاتهامات، في محاولة لتضييق الخناق على حماس وجرها لمواقف تزيد من عزلتها وتؤدي في نهاية المطاف لفشل تجربتها فشلا ذريعا أو إلى انقلاب الشعب الفلسطيني في القطاع عليها.

البرنامج السياسي.. خيارات مفتوحة 


إن أهم ما ميز البرنامج السياسي الذي أعلن مؤتمر فتح خطوطه العريضة في ست نقاط، هو ما يمكن تسميته بـ "الغموض البناء". لقد امتلأ البيان بعبارات فضفاضة استطاعت القيادة من خلالها إرضاء الجميع:






  • أهم ما ميز البرنامج السياسي الذي أعلن مؤتمر فتح خطوطه العريضة في ست نقاط، هو ما يمكن تسميته بـ "الغموض البناء". لقد امتلأ البيان بعبارات فضفاضة استطاعت القيادة من خلالها إرضاء الجميع.
    أقر البيان في بنده الرابع المفاوضات والسلام طريقا لحل القضية الفلسطينية، ولكنه أبقى المجال مفتوحا لخيار "المقاومة بكل أشكالها"، ولكنه ربطها بالالتزام بما تقره الشرعية الدولية حسب خطاب الرئيس عباس الذي أسهب بالحديث عن "المقاومة الشعبية" على شاكلة مقاومة الجدار العازل في قريتي بلعين ونعلين في الضفة الغربية.


  • تحدث البيان في بنده الثالث عن وفاء فتح "للشهداء وتضحياتهم" وعن "النضال لأجل حرية الأسرى" وأكد على التمسك "بثوابت الشعب الفلسطيني المتعلقة بالأرض والقدس وتحريرها، والاستيطان وإزالته، واللاجئين وعودتهم"، ولكن لم يحدد هذه الثوابت وأبقى المجال مفتوحا للتفسيرات المختلفة وربما المتناقضة لهذه الثوابت.


  • أكدت فتح في البند الثاني من بيانها السياسي على أن "تناقضها الأساسي هو مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن أي تناقضات أخرى هي تناقضات ثانوية تحل بالتواصل والحوار" ولكنها احتفظت بالحق في "استخدام كل الوسائل المتاحة للدفاع عن الوحدة الوطنية والشرعية الفلسطينية والقرار الوطني الفلسطيني المستقل" دون تحديد هذه الوسائل.

إن الغموض والعبارات الفضفاضة في هذا البرنامج يعطي الحركة هامشا أكبر في حوارها مع حماس، وربما سيسهل الطريق للوصول إلى اتفاق سياسي بين الحركتين، يبنى على عبارات مماثلة يمكن تسويقها فلسطينيا ودوليا خصوصا أن حماس اتبعت نفس الأسلوب تقريبا في صياغة اتفاق مكة ومن قبله وثيقة الاتفاق الوطني التي تحدثت مثلا عن احترام المعاهدات الدولية بدلا من الالتزام بها، وأقرت المقاومة بكافة أشكالها.


السيناريوهات المحتملة 


من خلال تحليل نتائج مؤتمر فتح السادس وتأثيرها في الحوار الوطني الفلسطيني يمكن توقع السيناريوهات التالية:



  • الوصول إلى اتفاق وطني شامل توافق عليه حماس وفتح وكافة الفصائل الفلسطينية، ويتبنى برنامجا وطنيا يمثل الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني بكافة توجهاته وأطيافه.

    إن هذا السناريو مبني على تأثير التيار الجديد في قيادة فتح الذي ينظّر لحوار استراتيجي مع حماس، وعلى القاعدة الفتحاوية التي وافقت على برنامج سياسي يوائم بين المقاومة والمفاوضات بالرغم مما شاب هذا البرنامج من غموض. كما يستند إلى قدرة فتح على التحكم بكوادرها لتطبيق أي اتفاق تتوصل إليه الحركة مع حماس، إضافة إلى قدرة قيادة الحركة الجديدة على ضبط مسار الأجهزة الأمنية التي ربما كانت سببا رئيسيا فيما سبق في تعطيل الوصول إلى اتفاق وطني.

    ويفترض هذا السيناريو أيضا أن قيادة فتح ستتسلح بالإجماع التنظيمي لتسويق اتفاق وطني شامل أمام المجتمع الدولي واللجنة الرباعية، مستفيدة من النهج الجديد للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس أوباما.


  • التوجه نحو حوار وطني "تكتيكي" تستطيع فتح من خلاله الوصول إلى عقد اتفاق مع حماس، يتم بموجبه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة.

    ويقوم هذا السيناريو على حقيقة أن المؤتمر السادس قد كرس الرئيس عباس زعيما أوحدا لفتح، وأن عباس يؤمن بهذا الخيار لأنه لا يقبل حقيقة بنهج المقاومة، وإنما اضطر للإشارة إليها في البرنامج السياسي للحركة بشكل عام وفضفاض بهدف الحفاظ على وحدة الحركة، وهو ما تأكد فعلا بتصريحات عباس في أول اجتماع  لحكومة فياض بعد المؤتمر، الذي عقد في رام الله  بتاريخ 17 أغسطس/آب 2009 وقال عباس في افتتاحه "إن المفاوضات هي الطريقة الأساسية لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة".

    ومما يؤكد هذا السيناريو قناعة عباس أن فتح قد تجاوزت أزمتها التنظيمية، وأنها ستكون موحدة بشكل كبير في أي انتخابات قادمة، ما سيؤهلها للفوز في هذه الانتخابات بشكل مريح، ولعل هذه القناعة هي التي جعلت عباس يدعو لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بعد غياب دام لثلاث عشرة سنة للاستفادة من هذه الأجواء.





  • إن الغموض والعبارات الفضفاضة في برنامج فتح يعطي الحركة هامشا أكبر في حوارها مع حماس، وربما سيسهل الطريق للوصول إلى اتفاق سياسي بين الحركتين.
    استمرار الانقسام وتعثر الحوار، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة الغربية دون إشراك قطاع غزة في هذه الانتخابات.


    إن هذا السيناريو يستند على افتراض زيادة الاستقطاب ضد حركة حماس بين كوادر فتح، وتعزيز التيار الاستئصالي داخل الحركة، بفعل انضمام بعض رموزه للجنة المركزية والمجلس الثوري. كما يعزز هذا الاحتمال أجواء العداء ضد حماس التي سادت مؤتمر فتح بعد الخطاب الفتحاوي الذي  ركز على النزاع مع حماس أكثر من تركيزه على العدو الحقيقي المتمثل في الاحتلال.

    ومما يدفع باتجاه هذا السيناريو، بعض المؤشرات التي بدت في طريقة معالجة عباس للمؤتمر السادس لفتح، والتي أظهرت ميلا لعباس نحو استمرار الانفصال بين الضفة وغزة، وعززت الاتهامات له بأنه صار أقرب إلى التركيز على تنفيذ مشاريعه السياسية في الضفة الغربية بعيدا عن صراعه مع حماس في غزة، ودون الالتفات لخصومه في الخارج.

إن من الصعب، في ضوء المعطيات الحالية، ترجيح أي من السيناريوهات المحتملة، لاسيما أن تطورات الأوضاع الفلسطينية الداخلية باتت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوازنات والإرادات العربية والدولية.
_______________
باحث في الشأن الفلسطيني