مبادرة موسى لرابطة دول الجوار العربي.. أهدافها ومستقبلها

طرح عمرو موسى مبادرة لإنشاء رابطة دول الجوار العربي في وقت تراجع فيه الدور العربي الإقليمي، مما ساعد على إحداث فراغ سعت لملئه قوى إقليمية أخرى, أهمها إيران وإسرائيل وتركيا, بل وأحيانا قوى إقليمية أقل من ذلك, مثل إثيوبيا
19 April 2010
1_985653_1_34.jpg







حسن نافعة



ماهية المبادرة
دوافع المبادرة وأهدافها
مستقبل المبادرة


في كلمته أمام مؤتمر القمة العربية المنعقد في مدينة سرت في نهاية شهر مارس/آذار من هذا العام, طرح الأمين العام لجامعة الدول العربية, السيد عمرو موسى, مبادرة لإنشاء "رابطة دول الجوار العربي", أثارت ردود فعل واسعة النطاق على المستويين الرسمية والفكري. فبينما رحب بها البعض وتحمس لها، رفضها البعض الآخر وشكك في دوافعها وفي أهدافها متسائلا عن مغزى توقيتها في مرحلة يبدو فيها النظام العربي في أضعف حالاته، واستنكر طرح مبادرات تستهدف ترتيب علاقات النظام العربي بدول الجوار، في وقت يبدو فيه البيت العربي من الداخل في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب وترميم.



ماهية المبادرة






مبادرة عمرو موسى فكرة مستمدة من تجارب تكاملية إقليمية شقت طريقها بنجاح في عالم التنظيم الدولي وتحولت إلى إحدى آلياته المستقرة لتنظيم العلاقة مع دول الجوار ومن أمثلة ذلك ما حصل مع الاتحاد الأوربي ومع رابطة دول جنوب شرق آسيا "الآسيان"
تقوم مبادرة عمرو موسى على فكرة أساسية مفادها ضرورة أن يصبح العالم العربي مركز ثقل وتجمع دولي قادر على جذب الدول المحيطة به وبناء علاقات تفاعل بناءة معها تقوم على المصالح المتبادلة في كافة المجالات الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية, والسعي لتوظيف هذه العلاقات لصالحه وتجنب تحولها, كما هو حادث الآن, إلى عبء ومصدر مشكلات ونزاعات يصعب السيطرة عليها أو احتواؤها. بعبارة أخرى يمكن القول إنها مبادرة تستهدف تحويل النظام العربي من طرف مفعول به إلى طرف فاعل في محيطه الدولي والأقليمي, وقادر على طرح تصورات لعلاقته بالآخرين مستمده من رؤيته لمصالحه الخاصة.


ولا تشكل مبادرة عمرو موسى, بهذا المعنى, بدعة أو اختراعا عربيا فريدا, وإنما هي فكرة مستمدة من تجارب تكاملية إقليمية شقت طريقها بنجاح في عالم التنظيم الدولي وتحولت إلى إحدى آلياته المستقرة لتنظيم العلاقة مع دول الجوار. فقد سبق للاتحاد الأوربي أن استن سياسات متنوعة لإدارة علاقته بدول الجوار الأوربي حيث خضعت هذه الدول للتصنيف إلى فئات متعددة يتم التعامل مع كل منها بطرق ومضامين مختلفة وفقا لدرجة وكثافة ونوع العلاقة المطلوبة. كما سبق لرابطة دول جنوب شرق آسيا "الآسيان" وغيرها من المنظمات والتجمعات الاقتصادية الآسيوية ابتكار آليات مماثلة أو مشابهة لتنظيم علاقتها مع دول الجوار الآسيوي.



والعالم العربي محاط بمجموعات عديدة من دول الجوار من الطبيعي أن تختلف علاقاته بكل منها حسب أهميتها ومكانتها في نسق العلاقات العربية والدولية. ففي شرق العالم العربي توجد دول آسيوية أهمها تركيا وإيران, وفي جنوبه توجد دول إفريقية عديدة, مثل: غينيا ومالي والسنغال والنيجر وتشاد وإثيوبيا وإريتريا وكينيا وأوغنده, وفي شماله توجد دول أوربية متوسطية, مثل: اليونان وإسبانيا وإيطاليا ومالطة وقبرص وفرنسا. وتستهدف مبادرة عمرو موسى حفز الجامعة العربية, بوصفها إطارا مؤسسيا للنظام العربي, على طرح رؤى وتصورات لأطر مؤسسية متنوعة لإدارة العلاقات العربية بهذه المجموعات المختلفة من دول الجوار. وليس من الضروري أن يتم ذلك بصورة فورية وجماعية شاملة وإنما يمكن البدء بالدول التي لا توجد بينها وبين العالم العربي مشاكل معقدة, مثل تركيا أو تشاد, ثم تمتد تدريجيا لكي تشمل بقية دول الجوار, فيما عدا إسرائيل طبعا والتي اعتبرها عمرو موسى أهم مصدر لتهديد أمن الأمة العربية.



وتخلو الجامعة العربية كما تخلو الكلمة الافتتاحية التي ألقاها السيد عمرو موسى في مؤتمر القمة, والتي طرحت في سياقها هذه المبادرة لأول مرة, من أي تفصيلات تتعلق بالهيكل التنظيمي المفترح لوضع هذه المبادرة موضع التنفيذ.



وفي حدود ما هو متاح الآن من نصوص, يمكن القول إن المقصود ليس إقامة منظمة إقليمية جديدة تضم في عضويتها كل دول الجوار العربي, أو من يقع عليه الاختيار من هذه الدول في مرحلة أولى, للجلوس جنبا إلى جنب مع الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية تحت مظلة منظمة دولية جديدة, أو حتى تنظيم "منتدى" للحوار بين الطرفين يجتمع دوريا وبشكل مؤسسي.



وإنما المطلوب صيغة مؤسسية من نوع مختلف لا يرقى إلى مستوى "المنظمة الدولية" التي تتساوى فيها حقوق وواجبات العضوية, ولا يكتفي بتأسيس "منتدى للحوار" كساحة تقتصر على المناقشة والجدل. بعبارة أخرى يمكن القول أن المطلوب صيغة مبتكرة تجمع دول الجامعة العربية ككل بمجموعات مختلفة من دول الجوار لبحث سبل التعاون في مختلف المجالات, بما فيها المجالات الاستراتيجية والأمنية, بما يحقق المصالح المتبادلة بين الطرفين ويضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وذلك لأن التصورات المختلفة للصيغ المقترحة لم تبلور بعد في شكلها النهائي, حيث ما تزال الفكرة مطروحة على القادة العرب لإقرارها من حيث المبدأ قبل البحث في التفاصيل وفي طريقة وضعها موضع التنفيذ.



دوافع المبادرة وأهدافها






ارتبط تصاعد الدور التركي في المنطقة بتبني رؤية دبلوماسية جديدة سعت لتوظيف علاقات تركيا القوية والمتميزة بجميع الأطراف لمحاولة لعب دور الوسيط النزيه القادر على تخفيف حدة الأزمات أو التوترات أو الصراعات في المنطقة ومعاونة أطرافها على إيجاد تسويات مؤقتة أو حلول سلمية دائمة لها
لا تتوافر لدينا معلومات تؤكد أو تنفي قيام السيد عمرو موسى بالتشاور مع رؤساء أو مسؤولين في الدول العربية قبل أن يقرر طرح مبادرته في قمة سرت. وتوحي بعض ردود الأفعال السلبية من جانب عدد من مسئولي الدول الرئيسية في النظام العربي, في مقدمتها مصر والسعودية, بأن موسى ربما يكون قد أطلق مبادرته دون تشاور مسبق معها, ومن ثم فالأرجح أن يكون هو وحده صاحب المبادرة.


لكن ذلك لا يعني بالضرورة استبعاد إقدامه على التشاور بشكل غير رسمي, أو جس النبض كما يقال, مع عدد من القادة العرب قبل إطلاقها. وإذا صح هذا الاستنتاج تصبح "رابطة الجوار العربي" مبادرة تعكس قراءة عمرو موسى الشخصية للأوضاع العربية والإقليمية والدولية والتي أملتها, فيما يبدو عوامل موضوعية وأخرى ذاتية.



فعلى الصعيد الموضوعي, يمكن تحديد العوامل التي دفعت عمرو موسى للقيام بهذه المبادة على النحو التالي:



أولا: قناعته بأن عملية السلام وصلت إلى نهايتها وفشلت، نتيجة لأسباب عدة أهمها:




1- تعنت إسرائيل وتبني حكومتها اليمينية المتطرفة بقيادة نتانياهو مواقف يستحيل على أي طرف فلسطيني أو عربي القبول بها كأساس للتسوية.




2- فقدان الثقة بقدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على ممارسة ضغوط حقيقية لحمل إسرائيل على الوقف الكامل لبناء المستوطنات واستئناف مفاوضات الحل النهائي مع السلطة الفلسطينية بحسن نية.




3- انقسام العالم العربي على نفسه وتصدع الحركة الوطنية الفلسطينية على نحو جعل من الصعب جدا, إن لم يكن من المستحيل, الاتفاق على رؤية عربية موحدة لإدارة الصراع مع إسرائيل في المرحلة المقبلة, مما يهدد بتصفية القضية الفلسطينية.



ثانيا: تراجع دور ومكانة العالم العربي في النظام الإقليمي:


مما ساعد على خلق فراغ سعت لملئه قوى إقليمية منافسة, أهمها إيران وإسرائيل وتركيا, بل وأحيانا قوى إقليمية من الدرجة الثانية أو الثالثة, مثل إثيوبيا.



وقد ارتبط تصاعد دور إيران الإقليمي بانتهاج إيران لسياسات تشكل تحديا للسياسات والمصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة, تمثلت أهم مظاهرها في:




1- الإصرار على المضي قدما في استكمال برنامجها النووي غير عابئة بما قد يترتب على ذلك من احتمال تشديد العقوبات عليها أو حتى توجيه ضربة عسكرية قوية لها.




2- تحالفها مع الدول والقوى العربية التي تتبنى أو تدعم خيار المقاومة في مواجهة إسرائيل, خاصة سوريا وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد في فلسطين، مما ساعد على تغلغل نفوذها في المنطقة على الصعيدين الرسمي والشعبي.



أما تصاعد الدور الإسرائيلي في المنطقة فقط ارتبط أساسا باستمرار تفوقها العسكري على الجيوش النظامية العربية مجتمعة وتحالفها الاستراتيجي مع القوى الغربية, بصفة عامة, ومع الولايات المتحدة بصفة خاصة.



في المقابل ارتبط تصاعد الدور التركي في المنطقة بتبني رؤية دبلوماسية جديدة سعت لتوظيف علاقات تركيا القوية والمتميزة بجميع الأطراف لمحاولة لعب دور الوسيط النزيه القادر على تخفيف حدة الأزمات أو التوترات أو الصراعات في المنطقة ومعاونة أطرافها على إيجاد تسويات مؤقتة أو حلول سلمية دائمة لها.



ثالثا: احتمال انفجار الأوضاع في المنطقة لعدة أسباب أهمها:



1- فشل عملية السلام وتعثر الجهود الرامية لإحيائها أو الاستمرار فيها وفقا للمنهج المستخدم منذ البداية.




2- صعوبة قبول الأطراف الإقليمية الفاعلة, أو حتى الأطراف الدولية المتصارعة على النفوذ في المنطقة بالواقع الراهن، الذي يبدو وكأنه يضعها في مأزق، وكل من هذه الأطراف يسعى للخروج منه بطريقته.




3- تصاعد حدة المشكلات الطائفية في العالم العربي, خاصة بين السنة والشيعة, على نحو قد تصعب السيطرة عليه.






كثيرا ما نزع الأمين العام للبحث عن بدائل توحي بإمكانية الخروج من المأزق العربي, على أمل تجنب الاستغراق في حالة من اليأس والقنوط كان قد بدأ العالم العربي ينزلق نحوها بسرعة, حتى لو كانت مجرد بدائل لفظية أو وهمية
في سياق كهذا تبدو مبادرة عمرو موسى وكأنها محاولة للبحث عن آلية جديدة تسمح بإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة لمصلحة العالم العربي, وذلك من خلال السعي لتحقيق ثلاثة أهداف متكاملة ومتناسقة:


الهدف الأول:


خلق تكتل إسلامي داعم للعالم العربي في صراعه مع إسرائيل, بالاستفادة من إرادة التحدي لدى إيران, من ناحية, وإرادة التهدئة لدى تركيا من ناحية أخرى, وتوظيفهما معا لحمل إسرائيل على تغيير موقفها الساعي لفرض تسوية بشروطها على العالم العربي.



الهدف الثاني:


فتح الباب أمام حوار عربي إيراني من ناحية, وأمام حوار عربي تركي من ناحية ثانية, وأمام حوار عربي تركي إيراني من ناحية ثالثة, لغلق الطريق أمام المحاولات الرامية لإثارة الفتن الطائفية في المنطقة.



الهدف الثالث:


إجهاض المحاولات الساعية لعزل إيران أو ضربها, تفاديا لأضرار فادحة قد تلحق بالعالم العربي في حال تكرار السيناريو العراقي مرة أخرى.



رابعا: العوامل الذاتية أو الشخصية,


والتي ربما تكون قد لعبت دورا ما في تشجيع السيد عمرو موسى على طرح مبادرته, فيمكن تلخيصها على النحو التالي:




1- إعلان الأمين العام عدم رغبته في التجديد له لفترة ولاية ثالثة, مما ساعد على تحرره من قيد كان يكبله على الصعيدين النفسي والفكري وجعله في موقف يسمح له بالمبادرة والفعل وعدم الاكتفاء كالعادة برد الفعل.




2- نزعة الأمين العام المعروفة عنه للبحث عن بدائل توحي بإمكانية الخروج من المأزق الراهن, على أمل تجنب الاستغراق في حالة من اليأس والقنوط كان قد بدأ العالم العربي ينزلق نحوها بسرعة, حتى لو كانت مجرد بدائل لفظية أو وهمية.




3- حرص الأمين العام الدائم على التمتع بهامش من حرية الحركة يتيح له القدرة على المناورة يشكل أفضل حين يبدأ الفصل الحاسم من معركة البحث عن أمين عام جديد لجامعة الدول العربية. فمن شأن مبادرة كهذه, والتي يصعب إنكار أهميتها الاستراتيجية, أن تضعه خارج المنافسة مع الآخرين وربما في موقف المنقذ للجامعة من احتمالات تعرضها للانهيار التام.



مستقبل المبادرة






سيظل العالم العربي لفترة طويلة قادمة محكوما عليه بلعب دور المفعول به في النظام الدولي والإقليمي, وليس دور الفاعل, وذلك لسبب بسيط وهو: أنه غير قادر على أخذ زمام المبادأة والفعل
تشير ردود الفعل التي أمكن رصدها حتى الآن تجاه مبادرة عمرو موسى إلى أن الدول العربية ليست في وضع يسمح لها بتبني هذه المبادرة أو بذل جهود حقيقية ومخلصة لمحاولة الاستفادة منها على الصعيد الاستراتيجي, وذلك لعدة أسباب:


أولها:


رفض بعض الدول العربية فتح حوار مع إيران لاعتقادها بأن من شأن هذا الحوار أن يصب في مصلحة إيران ويساعد على إخراجها من عزلتها ويسمح لها بزيادة نفوذها في العالم العربي وبمزيد من التغلغل في شؤونه الداخلية, خصوصا في ظل مرحلة الضعف والتشرذم الحالية التي يمر بها العالم العربي.



وثانيها:


توجس دول عربية أخرى من تنامي دور تركي في المنطقة يبدو أنه تجاوز الحدود المقبولة من وجهة نظرها. فهذه الدول ربما تكون راغبة في توظيف الدور التركي في مواجهة الدور الإيراني ومقاومة نفوذه في المنطقة, لكنها لا تتحمس كثيرا لدور تركي متناغم مع الدور الإيراني أو في حالة تنسيق معه. فهذا التناغم أو التنسيق قد يشكل, من منظورها, مصدر تهديد لها وربما للعالم العربي ككل.



وثالثها:


تخوف الدول العربية التي ترتبط بعلاقة تعاقدية مع إسرائيل من أن يؤدي تبنيها لمبادرة عمرو موسى إلى بداية الانزلاق على طريق قد يفضي إلى مرحلة جديدة من مراحل التصعيد في مواجهة إسرائيل وربما الدخول في مواجهات عسكرية معها لا تبدو مستعدة لها لا الآن ولا في المستقبل المنظور.



ومع ذلك تبدو رابطة الجوار العربي المقترحة, رغم ما تنطوي عليه من بريق على الصعيد الإستراتيجي, وكأنها ولدت ميتة، وذلك للاعتبارات التالية:




- لأن القدرة على تفعيل هذه المبادرة والاستفادة منها على الصعيد الاستراتيجي تتطلب ابتداء وعلى الصعيد الموضوعي المجرد, إعادة ترتيب البيت العربي من الداخل ليكون النظام العربي في وضع يسمح له بالتعامل من موقع الندية مع كل من تركيا وإيران, وهو أمر لا تتوافر شروطه الموضوعية في المرحلة الحالية.




- وكذلك لأن العالم العربي لا يبدو مولعا بحسم أي قضية, فالأرجح أن يلجأ إلى طريقته المعتادة في التسويف: بأن يطالب بإجراء المزيد من الدراسات حول المبادرة لا بقصد الرغبة في تعميقها وبحث سبل الاستفادة الحقيقية منها، ولكن بقصد المساعدة على نسيانها والانتقال إلى البند التالي من جدول الأعمال.



لذا يبدو أن العالم العربي سيظل لفترة طويلة قادمة محكوما عليه بلعب دور المفعول به في النظام الدولي والإقليمي, وليس دور الفاعل, وذلك لسبب بسيط وهو: أنه غير قادر على أخذ زمام المبادأة والفعل.



وعليه ليس من المتوقع أن تتمخض مبادرة عمرو موسى, والتي سيعاد النظر فيها في قمة استثنائية من المقرر أن تعقد في شهر سبتمبر/أيلول القادم, عن شيء له قيمة.
_______________
كاتب مصري

ABOUT THE AUTHOR