أوباما يواصل الولاية الثانية لبوش

يجب اعتبار إدارة الرئيس أوباما امتداداً للمرحلة الثانية من عهد بوش، وأهمية هذه الملحوظة تكمن في إسقاطها للوهم الذي صحب ما سمّي بـ"وعد التغيير" لأوباما، فالتغيير الوحيد في السياسة الخارجية الأميركية بالنسبة إلى المنطقة هو في الخطاب وليس في الممارسة.
1_994727_1_34.jpg







 

منير شفيق


يبدو من حيث الظاهر أن ثمة اختلافاً كبيراً حدث في السياسات الأميركية الخارجية بين عهدَيْ كل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما، ويرجع ذلك إلى خطأ شائع في التقييم من خلال التسوية بين ولايتي الرئيس جورج بوش اللتين حكم خلالهما، حيث تم إضفاء السمة التي اتسّمت بها ولايته الأولى وما اشتهرت به من مقولات وممارسات، على ولايته الثانية دون تمييز.





يجب اعتبار إدارة أوباما امتداداً للمرحلة الثانية من عهد بوش، وهذه الأخيرة تختلف عن مرحلته الأولى، ولهذا فإن الفارق بينهما يضيق جداً عند المقارنة.
ومن يدقق في إستراتيجية إدارة بوش الثانية التي بدأت في العام 2005، سيلحظ جملة من التغييرات الهامّة عن الإستراتيجية التي اتبعها في ولايته الأولى، وهو أمر له دلالة في تقييم السياسات الأميركية الراهنة في عهد أوباما، كما يفرض ضرورة إعادة قراءة الفوارق الإستراتيجية والسياسية ما بين ولايتيْ الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش.

فعلى سبيل المثال، لم يكن مصادفة استبدال وزير الدفاع روبرت غيتس مكان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في ولاية إدارة بوش الثانية من جهة، كما استمراره من جهة أخرى وزيراً للدفاع في إدارة باراك أوباما، وذلك ليستمر، عملياً، في تطبيق الإستراتيجية نفسها التي بدأها في إدارة بوش.


أما الفارق بين السياسات الخارجية لكل من الوزيرتين كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون، فتهبط إلى حدودها الدنيا، فالحالتان تختلفان بفوارق أكبر إذا ما قورنتا بالسياسات الخارجية الأميركية في ولاية بوش الأولى. علماً أن كونداليزا رايس كانت من صناعها (سياسات الولاية الأولى) حينها، فعلى سبيل المثال إن الجهد الذي راح يضعه أوباما من خلال مبعوثه جورج ميتشل في السعي لإيجاد تسوية ما في الساحة الفلسطينية لم يزد حتى الآن عما بذلته كونداليزا رايس لاسيما بعد مؤتمر أنابوليس.


فالفارق في هذا المضمار يضيق جداً، عند المقارنة بين إدارة أوباما وإدارة بوش الابن في ولايته الثانية.


إن أهم تغيير إستراتيجي ذي دلالة حدث في ما بين ولايتيْ بوش كان التخلي عن نظرية "تحالف الراغبين" التي سادت في الولاية الأولى، والعودة في الولاية الثانية إلى إعادة الاعتبار لحلف "الناتو" (الأطلسي)، ولترميم العلاقات الأميركية بكل من روسيا والصين، والتراجع عن موضوعيْ "الإصلاح والتغيير" بالنسبة إلى "الأصدقاء" أو "الحلفاء" العرب.


هذا ويمكن رصد تغييرات هامّة حدثت في ولاية بوش الثانية في ما يتعلق بالسياسات الأميركية في كل من العراق وأفغانستان على الخصوص. ويكفي أن نلحظ هنا، مثلاً، توقيع الاتفاقية الأمنية الأميركية-العراقية، وهي التي تطبّقها إدارة أوباما خطوة بعد خطوة. وكذلك فإن الأمر غير مختلف بالنسبة إلى التصعيد في حرب أفغانستان، غير أن إدارة أوباما زادت من التصعيد العسكري من جهة، وفتحت حربا داخل باكستان من جهة ثانية.


ويجب أن يسجّل هنا بأن العامل الرئيس في ما حدث من تغيير في ما بين ولايتيْ جورج دبليو بوش يعود إلى مسلسل الإخفاقات التي مُنيت بها إستراتيجية الولاية الأولى. وهو العامل الرئيس المشترك الذي تحكم في كل من ولاية جورج بوش الثانية وعهد أوباما الحالي. 


إخفاق إستراتيجية بوش في عهدها الأول
بدأ مسلسل الإخفاقات مع فشل وزير الخارجية الأميركي كولن باول في فرض قائمة الطلبات التي حملها إلى سورية إثر سقوط بغداد، وكان الرفض السوري أول تحدٍ لنظرية انهيار أحجار الدومينو تحت وطأة الحرب على العراق واحتلاله وتغيير نظامه. وقد تبع ذلك فشل كولن باول أيضاً في إخضاع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لشروطه وشروط رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أرئيل شارون. ثم جاء اندلاع المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال في العراق وإفشاله عملياً ليشكل ضربة حاسمة على طريق إحباط "مشروع الشرق الأوسط الكبير".


لم تكد تنتهي ولاية بوش الأولى حتى كانت "المقاومة في أفغانستان" قد عادت بقوة إلى الميدان، منذرة الاحتلال الأميركي بأسوأ مصير. وكذلك كانت المقاومة في فلسطين عنواناً بارزاً لإفشال إستراتيجية المحافظين الجدد طوال الولاية الأولى. وقد توّجت بقرار فك الارتباط مع قطاع غزة حيث اضطر الاحتلال إلى الانسحاب منه وتفكيك المستوطنات فيه، كما توّجت بنتائج انتخابات 2006 حيث أفرزت صناديق الاقتراع أغلبية كاسحة لحركة حماس. أي لإستراتيجية المقاومة.





التغيير الوحيد في السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين تجده في لغة الخطاب، وليس في الإستراتيجية وتطبيقاتها أو في السياسة وممارساتها.
أما على مستوى آخر، وقبل بدء ولاية بوش الثانية، فقد أخذت إيران تخطو خطوات واسعة في تطوير قدراتها العسكرية وفي تعزيز علاقاتها بسورية وفي دعم المقاومتيْن في فلسطين ولبنان وقد راحتا تعملان ليل نهار في تعزيز قدراتهما القتالية، وهو ما ستكشف عنه حربا "العدوان" اللتان شنهما الجيش الإسرائيلي على لبنان 2006 وعلى قطاع غزة 2008/2009.

وبموازاة ذلك بدأت تركيا تعطي إشارات لبدء مرحلة إقليمية جديدة ستقوم بها، وكانت أولاها تعزيز علاقاتها بسورية، وتبني إستراتيجية "صفر مشاكل مع جيران تركيا". وقد أثبتت التطورات اللاحقة، ولاسيما في أتون الحرب على قطاع غزة، بأن تركيا كانت تتهيّأ لدور إقليمي وربما عالمي أكبر. علماً أن تطورّات موازين القوى عالمياً وإقليمياً في ظل مسلسل إخفاقات ولاية بوش الأولى ثم الثانية، أخذت تساعد على تسريع هذه الانطلاقة التركية أو التشجيع عليها.


صحيح أن التغيير في إدارة بوش قد بدأ مع 2005 إلاّ أنها حاولت إنقاذ الوضع عسكرياً من خلال دعم الحرب التي شنتها حكومة إيهود أولمرت ضدّ لبنان عام 2006، وكانت تأمل حينها كونداليزا رايس أن تكون هذه الحرب فاتحة لإعادة إحياء "مشروع الشرق الأوسط الجديد". ولكن الهزيمة العسكرية التي مُنِيَ بها الجيش الإسرائيلي أمام المقاومة بقيادة حزب الله كانت بمثابة رصاصة الرحمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو قل لإستراتيجية إدارة بوش الأولى.


طبعاً يجب أن يُضاف إلى هذه المعادلة استعادة روسيا لقوّتها خلال هذه الفترة، كما ما تحقق من تطورّ هائل للصين اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً وثقافياً، وذلك إلى جانب ما تحقق من تطورّات في الهند والبرازيل. وهذا كله أسهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في صيرورة الإخفاقات الأميركية.


من هنا يمكن وضع اليد على فهم ما فرض على إدارة بوش، وبوجود المحافظين الجدد، من تغيير في الإستراتيجية والسياسة. فالمرحلة الثانية من ولايته كانت مرحلة معالجة الفشل والإخفاقات قدر الإمكان، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولو عسكريا بدعم إسرائيل في حربيها على لبنان وقطاع غزة.


وبالمناسبة لا يمكن استبعاد مشاركة ما ولو بعدم الاعتراض، من قبل أوباما وفريقه بعد انتخابه رئيساً في الحرب على قطاع غزة 2008/2009، لأن قرارها اتخذ بعد انتهاء رئاسة بوش عملياً، أو في الفترة الضائعة بين الرئاستين.


والخلاصة
يجب اعتبار إدارة أوباما امتداداً للمرحلة الثانية من عهد بوش، وهذه الأخيرة تختلف عن مرحلته الأولى، ولهذا فإن الفارق بينهما يضيق جداً عند المقارنة.


وأهمية هذه الملحوظة تكمن في إسقاطها للوهم الذي صحب ما سمّي بـ"وعد التغيير" لأوباما، فالتغيير الوحيد في السياسة الخارجية الأميركية بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين تجده في لغة الخطاب، وليس في الإستراتيجية وتطبيقاتها أو في السياسة وممارساتها.
_______________
باحث إستراتيجي

ABOUT THE AUTHOR