كشمير: الانتفاضة السلمية وسط الحسابات الصينية والتداعيات الأفغانية

المظاهرات الشعبية الأخيرة بكشمير، احتجاجا على السيطرة الهندية، سلمية ومن الصعب اتهام باكستان بتدبيرها، فاضطرت نيودلهي إلى تقديم تنازلات لتخفف منها حتى لا تهيمن تداعياتها على زيارة أوباما المرتقبة، ثم لأنها بدأت تخشى استفادة الصين، خصمها التاريخي، منها.







 

أحمد موفق زيدان


المظاهرات الشعبية الضخمة التي اجتاحت شوارع المدن الكشميرية  الخاضعة للسيادة الهندية دشنت مرحلة جديدة بات عنوانها الأبرز "انتفاضة شعبية بجيل شبابي"، فهي بخلاف الانتفاضة الكشميرية التي أعقبت الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عام 1989، وعودة الشباب الكشميري والباكستاني من الجهاد الأفغاني مدفوعا بالانتصار على السوفييت ليواصل ما تعلمه من أفغانستان، تستند إلى الشباب الذين تربوا وعاشوا تحت أضخم وجود عسكري في أصغر بقعة جغرافية عالمية، حيث ينتشر سبعمائة ألف جندي هندي في كشمير.


ورغم كل الإجراءات الأمنية الهندية مع الكشميريين إلا أن جيل الشباب خرج إلى الشارع وأجبر ربما لأول مرة الهند على مراجعة سياساتها والإفراج عن معتقلين والاستعداد للحوار مع القادة الكشميريين، وغيرها من التنازلات التي تأتي قبل شهر تقريبا من زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تعهد في حملته الانتخابية بالسعي إلى حل القضية الكشميرية، وربطه بالوضع في أفغانستان.


انتفاضتان بهدف واحد؟
الدور الأميركي والانتفاضة إلى أين؟
أفغانستان وكشمير؟


1- انتفاضتان بهدف واحد؟ 





المظاهرات الشعبية الضخمة التي اجتاحت شوارع المدن الكشميرية الخاضعة للسيادة الهندية دشنت مرحلة جديدة بات عنوانها الأبرز "انتفاضة شعبية بجيل شبابي".
يبدو أن باكستان نجحت على المستوى الدبلوماسي والسياسي والإعلامي في تصوير ما يحدث في كشمير على أنه انتفاضة محلية كشميرية لا دخل لها فيها، وهو ما يناقض التفسير الهندي لأحداث كشمير، والرامي  إلى إقناع العالم بأنه لولا تدخل باكستان في كشمير بدعم المسلحين لما انتشر ما تصفه دلهي " الإرهاب والإرهابيين" على أراضيها.

وتعاطفت وسائل الإعلام العالمية الانتفاضة الشعبية بتصويرها على أنها قضية انتهاكات لحقوق الإنسان الكشميري، بخلاف تعاطي وسائل الإعلام مع انتفاضة 1989 بوصف قيادتها كجماعات" إرهابية" تسعى إلى تفجير العلاقات الهندية ـ الباكستانية، وهو ما سيضر بالسلم الإقليمي والعالمي، وربما تؤدي إلى اندلاع حرب نووية بين الخصمين النوويين، خصوصا مع تسويق الهند للإعلام الدولي بأن الانتفاضة الكشميرية الأولى سببها عناصر مسلحة باكستانية وعربية وأفغانية متهمة حسبها بالإرهاب كانت تقاتل في أفغانستان، و تسللت عبر الأراضي الباكستانية، وهو ما أفقدها تعاطف الرأي العام الدولي.


الرسالة الكشميرية هذه المرة هي أن الكشميريين اتخذوا طريق المهاتما غاندي في نيل حقوقهم عبر اللاعنف، ولكن مع هذا ربما ينتقلون إلى العنف في حال فشل هذا الخيار في تحقيق أحلام الكشميريين، خصوصا إن لم يكترث لها الرأي العام الدولي وتحديدا الأمم المتحدة التي لديها قرارات لم تطبقها بشأن حق الكشميريين في تقرير المصير، هذا الانتقال إلى مرحلة العنف لا يستبعده البعض إن فشل اللاعنف في تحقيق أغراضه، لاسيما مع تحذير البعض من دخول الصين على خط دعم الجماعات المسلحة الكشميرية لتصفية حساباتها مع الهند وأميركا؛ وسيختلف الدعم الصيني عن الدعم الباكستاني الذي يتغير تبعا للضغوط الدولية والإقليمية، لأنه سيكون مبنيا على مصالح بعيدة المدى، وقد انعكس الاهتمام الصيني هذا أخيرا بحرمان الكشميريين حاملي الجوازات الهندية من تأشيرات سفر على جوازاتهم وتعويضها بتأشيرات  على أوراق منفصلة، وهو تطور لافت يعول عليه الكشميريون والباكستانيون كثيرا كمؤشر على تغيير الموقف الصيني لصالح الكشميريين، ويجعل الهند تفكر ألف مرة في سياستها الراهنة تجاه الكشميريين.


تزامن ذلك مع تحذير أطلقه رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينج، من محاولة الصين مدّ نفوذها إلى جنوب آسيا، معتبرًا أن باكستان وكشمير هما "نقطتا ضعف الهند". ونقلت صحيفة "ذي تايمز أوف إنديا" عن سينج قوله: "تودّ الصين أن يكون لها موطئ قدم في جنوب آسيا، ويجب أن نفكر في هذه الحقيقة، يجب أن نعيَ ذلك".


المميز في هذه الانتفاضة هو أن وقودها اليوم هم الذين عانوا من قسوة الجيش الهندي في انتفاضة 1989 المسلحة والتي أدت إلى مقتل الآلاف من الكشميريين، وفقد البعض أقاربه، وبالتالي فإن جيل الانتفاضة الحالية  أكثر شراسة ويملك  عاطفة ثأرية انتقامية لما جرى لهم ولجيل آبائهم في الانتفاضة الماضية.


الفارق الآخر بين انتفاضة 89 والانتفاضة الحالية هو أن الأخيرة التي انطلقت إثر مقتل طفل على أيدي القوات الهندية في 11-6-2020، وتجري في وقت تنشغل فيه باكستان بمشاكلها المتعددة الأوجه: كارثة الفيضانات، والحرب على المسلحين، والتوتر في العلاقة مع أميركا، و الوضع الاقتصادي الكارثي، وبالتالي يتعذر على الهند اتهام خصمها باكستان بالتورط فيما يجري في كشمير، ولذلك يتوقع البعض أن يكون التعاطف الدولي مع هذه الانتفاضة أقوى من السابق.


2- الدور الأميركي والانتفاضة إلى أين؟ 


الواضح أن الكشميريين ومنهم المجموعات المسلحة بدأت بإعادة تعريف وتحديد القضية الكشميرية من خلال الدفع نحو انتفاضة كشميرية سلمية، يظهر ذلك من خلال اللقاءات بين القادة الكشميريين السياسيين والمسلحين، ومع أن المسلحين قد لا يثقون في نجاحها إلا أنهم قد يريدون إحراج الهند والمجتمع الدولي في حال لم يصغ لمطالب الشارع الكشميري، لاسيما وأن المسلحين لن يخسروا شيئا على الأرض ما داموا لم يلقوا السلاح، بل على العكس سيكسبون تنامي الشعبية لمطالبهم، ويزيدون من المياه التي يستطيعون مواصلة السباحة فيها لقتال القوات الهندية.


هذا الأمر ربما هو الذي دفع الهند لأول مرة إلى قبول طاولة المفاوضات مع القادة الكشميريين والإفراج عن نشطاء اعتقلوا خلال المظاهرات وتخفيف الإجراءات الأمنية، وإن كان البعض يعتقد أن الهند لن تتخذ إجراءات جوهرية لتسوية القضية.





بعض الخبراء الباكستانيين يقرؤون في تفهم النخبة الهندية والأقليات هناك للمعاناة الكشميرية عاملا مساعدا ومهما في تحول القضية الكشميرية داخل الرأي العام الهندي.
وبغض النظر عن طول أو قصر المدة التي ستستغرقها تسوية القضية الكشميرية إلا أن الزخم الذي اكتسبته في ازدياد وتنام وتصاعد، ووفقا لمعهد غالوب لقياس الرأي فإن 26% من الكشميريين يريدون الانضمام إلى الهند، بينما يفضل 36% الانضمام إلى باكستان، في حين ترغب الأغلبية بالاستقلال الكامل، والخيار الأخير هو الذي يرى كثير من الخبراء أنه يتعزز ويتقوى هذه الأيام وربما في المستقبل.

المعروف أن الرئيس الأميركي باراك أوباما تعهد في حملته الانتخابية بتسوية القضية الكشميرية، وهو سيزور الهند في الشهر المقبل، وبالتالي تسعى الهند إلى تقديم بعض التنازلات في كشمير أولا لإحباط أي عرض يقدمه أوباما لتسوية القضية الكشميرية، وثانيا تخشى الهند من أن تطغى أخبار الانتفاضة والتمرد الكشميري على الزيارة نفسها، وبالتالي تسعى للتعامل مع هذا التحسب من الآن؛ وبينما يعتقد البعض أن الدور الأميركي لن يصب في صالح الكشميريين لكونه أولا يعتبر القضية الكشميرية هندية داخلية، وثانيا لرغبته في أن تكون الهند قوة منافسة ومخاصمة للصين التي تراها أميركا مهددا حقيقيا لها، خصوصا مع وصول توم دونيلون مستشار الأمن القومي الجديد إلى منصبه والذي يعتبر الصين وإيران نووية مهددتين للأمن القومي الأميركي.


لكن بالمقابل لا يزال البعض يعتقد أنه في حال بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان فإن تسوية القضية هناك مرتبطة بحزمة إقليمية، وأولها المطالب الباكستانية بضرورة مساهمة أميركا في تسوية القضية الكشميرية، بمعنى إن أرادت واشنطن تعاون باكستان في تسوية بأفغانستان بفضل علاقاتها مع بعض قادة طالبان فلا بد أن تدفع واشنطن ثمن ذلك بالمساعدة في تسوية القضية الكشميرية بالضغط على الهند لتقديم تنازلات، مقابل إغراء أميركي محتمل للهند بمنحها مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وهو ما قد يفسر تحول الموقف الصيني إزاء كشمير والذي تحدثنا عنه في البداية.


غير أن بعض الخبراء الباكستانيين يقرؤون في تفهم النخبة الهندية والأقليات هناك للمعاناة الكشميرية عاملا مساعدا ومهما في تحول القضية الكشميرية داخل الرأي العام الهندي، ويُنقل عن أحد هؤلاء المثقفين الهنود قوله:" إذا أردنا أن نرى الهند مزدهرة فينبغي أن نتحرر من كشمير."


3- أفغانستان وكشمير؟ 


ثمة روابط تاريخية وتقليدية بين كشمير وأفغانستان، وبمعزل عن السياق التاريخي ووصول كشميريين كرؤساء لوزارات حكومات أفغانية، ومشاركة البشتون من الأفغان والباكستانيين في انتفاضات كشمير المسلحة على مدى عقود، إلا أن التمرد والأعمال المسلحة في أفغانستان عادة ما تنتقل إلى كشمير، فأفغانستان غير المستقرة والمضطربة تعني نفس الشيء لكشمير وللكشميريين، والرسالة الأوضح للهزيمة الأميركية العسكرية في أفغانستان على أيدي مسلحي طالبان هي الرسالة ذاتها للقيادة الهندية، ومفادها أن القوة العسكرية لا يمكن أن تُفلح في السيطرة على حركات التمرد المسلحة، وهو ما يفسر السعي الهندي إلى التخفيف من الإجراءات الأمنية الصارمة في كشمير لإحباط أي انتفاضة مسلحة على غرار ما حصل بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عام1989.





الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن صراحة أن الاستقرار في أفغانستان مرتبط بالوضع في كشمير وإذا أردنا تسوية القضية الأفغانية فلا بد من حل القضية الكشميرية.
الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن صراحة أن الاستقرار في أفغانستان مرتبط بالوضع في كشمير وإذا أردنا تسوية القضية الأفغانية فلا بد من حل القضية الكشميرية، فما تخشاه القوى الغربية هو أن أي انسحاب من أفغانستان يعني تصاعد التنسيق بين المسلحين في أفغانستان وكشمير وهو ما يعرض الغرب ومصالحه ومصالح حلفائه لخطر كبير، ذلك  ما يفسر ربما الحديث عن المؤامرة التي تتهدد عواصم أوربية بهجوم على غرار مومباي، الذي يعني الربط بين مسلحي كشمير وأفغانستان. وتنبغي الإشارة إلى أن بعض قادة عسكر طيبة، المتهمين بتفجيرات الهند، قد انحازوا إلى مناطق القبائل الباكستانية ووقع انشقاق في عسكر طيبة، وتبنى الجناح المنشق أكثر من عملية وقعت في نيودلهي، ثم يرشح نبأ تسلم إلياس كشميري أحد قادة عسكر طيبة للمسؤولية العسكرية لتنظيم القاعدة ليؤكد على ذلك الارتباط القوي بين بعض الجماعات المسلحة الكشميرية والظاهرة الأفغانية.

فالمسلحون في أفغانستان، وأعدادهم كما لا يخفى بعشرات الآلاف من جنسيات مختلفة، و حالما تتوقف الحرب هناك سيواصلون نفس المهمة، وأقرب مكان مرشح لهم هو الساحة الكشميرية، وربما على غرار انتفاضة 1989 التي سبق الحديث عنها، خصوصا إن فشلت هذه الانتفاضة السلمية.
_______________
متخصص في الشأن الباكستاني

ABOUT THE AUTHOR