قراءة في تقرير: السلوك الإستراتيجي للصين

يحدد التقرير العناصر التي يقوم عليها السلوك الإستراتيجي للصين أو يتأثر بها، من خلال تناول الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية المكوّنة للمنظور الإستراتيجي الصيني. ويرى أن الصين أطلقت عملية تحديث تقنية للجيش وأنها بصدد تقليص حجمه بمقابل تفعيل قوتها البحرية.
7 October 2010







مركز الجزيرة للدراسات


أصدر المعهد الكندي للدفاع والشؤون الخارجية في يونيو/حزيران الماضي تقريرا يحمل عنوان "السلوك الإستراتيجي للصين"، كتبته الباحثة في المركز "إيلينور سلون"*، وهي أستاذة مشاركة في العلاقات الدولية بقسم العلوم السياسية بجامعة كارلتون، ومحللة سابقة في الشؤون الدفاعية لوزارة الدفاع الكندية.


يقع التقرير في صلب اختصاص الباحثة، التي تتركز اهتماماتها وأبحاثها العديدة في مجالات السياسة الدفاعية والقدرات العسكرية الأميركية والكندية بالإضافة إلى الأمن القومي، الدفاع الصاروخي البالستي، الناتو، وعمليات حفظ السلام.


وتكمن أهمية التقرير في أنه يستعرض السلوك الصيني من خلال التركيز على الرؤية الإستراتيجية الواسعة، كما أنه يحدد العناصر التي يقوم عليها هذا السلوك أو يتأثر بها، من خلال تناول الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية المكوّنة للمنظور الإستراتيجي الصيني، أو تلك المؤثرة في صياغته.


وتبحث الورقة أيضا في انعكاسات السلوك الإستراتيجي الصيني على الولايات المتّحدة والكيفية التي تتحضّر الصين وفقها، للرد على عدد من القضايا الإستراتيجية التي تعنيها في ظل التفوق الأمريكي.


- منظور الصين الإستراتيجي
- الرد على الأوضاع الإستراتيجية


منظور الصين الإستراتيجي


أولا: المكونات السياسية
يعد بقاء النظام في السلطة في بكين أمرا أساسيا ومركزيا في المنظور الإستراتيجي الصيني، ويمكن تفسير هذا المنحى وكل ما يتّصل به على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري كما يلي:


• قضية تايوان: يعتقد بعض الخبراء أن الصين لا يمكنها التنازل عن تايوان أو تركها، خوفا من تآكل شرعية النظام في بكين إذا فعل ذلك أو سمح بحصوله، على اعتبار أن سياسة "صين واحدة" تقع في صلب المصالح القوميّة الصينية العليا.


• النمو الاقتصادي: تتضمن سياسة بقاء النظام في السلطة ضرورة أن تحقق الصين نموا اقتصاديا مستمرا وبشكل دائم. فالنمو الاقتصادي والتنمية والازدهار كلها عناصر أساسية وضرورية للوحدة القومية الصينية، وللمحافظة على النظام العام ولاستمرار احتكار الحزب الشيوعي الصيني للسلطة السياسية. ويؤكد عدد من الخبراء في هذا المجال أنّ الإستراتيجية القومية للصين مصممة أصلا لضمان استمرار النمو الاقتصادي السريع للبلاد، لأنّ هذا العنصر إلى جانب القوميّة: يعدان من العناصر  الأساسية والرئيسية لإضفاء الشرعية على النظام السياسي.


• القوة العسكرية: يدخل البعد العسكري أيضا، في سياسة البقاء بالنسبة للنظام، إذ يشير عدد من الخبراء إلى أنّ أمن النظام وبقائه في السلطة، أحد الأهداف التي تشكل أولوية لاستخدام الصين للقوة العسكرية. فهذه العناصر الثلاثة السابقة الذكر كلها مرتبطة ببعضها البعض بطريقة أو بأخرى، فالحفاظ على النمو الاقتصادي وتاليا الاستقرار الداخلي كلها تعني تعزيز بقاء الحزب الشيوعي في السلطة وتعزيز قبضته عليها، وهي أيضا الموجه الرئيسي لسلوك الصين على الصعيد الخارجي، سواء السلوك الاقتصادي أو العسكري.


• الهيبة القومية: قد يكون للهيبة القومية ولرغبة الصين في أن تصبح قوّة عالمية دور في المنظور الإستراتيجي للصين. ويرى البعض أنّ جزءا من سلوك بكّين على الصعيد الدولي مدفوع بطموح بعيد المدى، يرغب في رؤية الصين تلعب دور قوّة عظمى في منطقة شرق آسيا والعالم، وهو ما أشار إليه مدير الاستخبارات القومية الأمريكية وذكرته تقارير عدة وبصور شتى، وهو ما يؤكده البنتاغون الذي يرى أنّ مكانة الصين كقوة عظمى هي القوة الكامنة وراء سلوكها على الصعيد الدولي.


العلاقة مع القوى الكبرى



يرى الخبراء الغربيون بأنّ الصين تفكّر الآن في الكيفية التي تمكّنها من حماية طرق الإمداد البعيدة عنها
يتأثر منظور الصين الإستراتيجي بالعلاقة مع القوى الكبرى في المحيط الإقليمي ومنها:

• روسيا: يمكن وصف العلاقات الصينية-الروسية بأنها جيدة، فالبلدان يتقاسمان هدفا مشتركا في مواجهة القوة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكي، وفضلا عن ذلك، إن تعاون البلدين يعني تعزيز التعددية القطبية والعمل الجماعي والحد من النفوذ الأمريكي في المنطقة. لكن هذا لم يمنع من وجود بعض التوترات بين بكين وموسكو، خاصة إذا ما نظرنا إلى الطرفين كمنافسين صاعدين، حيث أن هناك مخاوف صينية متزايدة من محاولات روسيا للحد من وصول الصين إلى مصادر الطاقة.


• اليابان: بعد مرور عقدين من التفاهم والاستقرار، شهدت العلاقة مع اليابان في العقد الأخير توترا متزايدا بسبب احتدام التنافس بين البلدين على الزعامة الإقليمية في المنطقة، وذلك على الرغم من تزايد الترابط الاقتصادي بينهما.


• الهند: شهدت الفترة الماضية تقاربا تاريخيا في العلاقة بين الهند والصين، وقد بذلت خلالها الأخيرة جهودا لتوثيق العلاقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، في حين سعت الهند لرؤية الجانب المضيء من الصعود الصيني، لكن تقدم العلاقات الأمنية الأميركية-الهندية انعكس سلبا على العلاقات الهندية الصينية، وزاد من شكوك بكين إزاء العلاقات العسكرية المتزايدة بين واشنطن ونيودلهي.


ثانيا: المكونات الاقتصادية
أدى النمو الاقتصادي الدراماتيكي والطويل الذي شهدته الصين خلال العقد الماضي على وجه الخصوص، إلى اعتماد البلاد بشكل متزايد على النفط والمواد الأوّلية لتغذية اقتصادها. ورغم أنّ الصين تعتمد على مصادرها الذاتية من الفحم والطاقة المائية والطاقة النووية ومصادر أخرى من الغاز والنفط، إلاّ أن النفط المستورد يشكّل حوالي 10% من حجم استهلاكها من الطاقة، وهي نسبة من المنتظر أن ترتفع بشكل كبير مستقبلا. ويأتي جزء من هذه الكميّة النفطية عبر البر من دول مثل روسيا، فيما يأتي أكثر من 80% منها إلى الصين عبر الطرق البحرية من مناطق متعددة من العالم، حتى أن بكين استطاعت الوصول إلى دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا وتوقيع العديد من العقود التي تضمن استيرادها للنفط منها.


ولا شك أن اعتماد الصين المتزايد على الدول الأخرى، لتأمين احتياجاتها بالوصول إلى مصادر النفط والموارد الأخرى لتغذية اقتصادها إضافة إلى إيجاد الأسواق لتصريف منتجاتها، يلعب دورا متزايد الأهمية في صياغة السلوك الإستراتيجي للصين وفي تحديد تصرفاتها على هذا المستوى. فأكثر من 75% من وارداتها النفطية تأتيها من منطقة الشرق الأوسط(46%) وأفريقيا(32%)، وعلى متن ناقلات تعبر العديد من المضايق البحرية. أضف إلى ذلك، أنّ الصين تعتمد بشكل كبير على الملاحة البحرية سواء لاستيراد المواد الأولية لدعم اقتصادها أو لتصريف منتجاتها دعما لإنتاجها الصناعي.


وعليه فإن كل هذا الحجم الضخم من التجارة والمواد الأولية إنما يمر في حقيقة الأمر من خلال عدد محدود من الطرق والمضايق البحرية ولاسيما مضيق "ملقا" الإستراتيجي للوصول إلى الصين، وهو ما يشكّل نقطة ضعف لبكّين وهو الذي دفع العديد من الباحثين إلى وصف خطوط النقل البحرية هذه التي تصل الصين بالشرق الأوسط وأفريقيا بأنها "شريان حياة".


فمضيق "ملقا" الذي يحظى بهذه الأهمية الإستراتيجية ضيق ومن الممكن إغلاقه بسهولة نسبية، لذلك يعتبر نقطة ضعف عند الأزمات، إذ من الممكن أن يؤدي قطع الإمدادات في مناطق الاختناق هذه، إلى أضرار بالغة وكبيرة على النمو الاقتصادي للصين وعلى تدفق الإمدادات النفطية من الخارج.


ويرى عدد من التقارير الصينية أنّ الولايات المتّحدة قد تلجأ إلى تعطيل خطوط النقل البحرية الصينية وإغلاق المضيق، بهدف قطع الإمدادات النفطية خصوصا في سيناريوهين مختلفين:


• الأول: حصول حالة طوارئ متعلقة بقضية تايوان.
• الثاني: شعور الولايات المتّحدة بأن الصعود الصيني غير سلمي، أو أنه أسرع بكثير من المتوقع.


ثالثا: المكونات العسكرية
في ضوء المعطيات التي سبق ذكرها، من الطبيعي أن يشكّل الدفاع عن خطوط النقل البحرية إلى الصين عنصرا أساسيا في المكون العسكري للمنظور الإستراتيجي للصين. ففي الورقة الدفاعية الصينية البيضاء الصادرة عام 2006، تم التركيز على المواضيع الأمنيّة المتعلقة بالطاقة والموارد الأوّلية والتمويل والمعلومات وطرق الملاحة الدولية كمواضيع مهمة للمستقبل، وذلك في الوقت الذي صرّح فيه القادة العسكريون والإستراتيجيون الصينيون بأنّ لدى الصين رغبة في ممارسة نفوذ يتجاوز نطاقه مضيق تايوان ويمتد لتأمين ممر آمن لوسائط النقل البحرية الصينية. وقد أكّد العديد من الباحثين والأكاديميين الصينيين على ضرورة أن تقوم الصين ببناء قوة بحرية قادرة على حماية خطوط النقل البحرية الصينية على امتدادها.


وفي المقابل، يرى الخبراء الغربيون بأنّ الصين تفكّر الآن في الكيفية التي تمكّنها من حماية طرق الإمداد البعيدة عنها. وتعمل بكين في هذا الإطار على تطوير إستراتيجية قوتها البحرية بما يجعلها قادرة على التعامل مع المخاوف المتعلقة بحماية خطوط النقل التي تؤمّن التجارة والازدهار، وبما يوفر الحماية الإستراتيجية لخطوط نقلها البحري في جنوب بحر الصين، وخاصة في المناطق المتنازع عليها والتي تضم العديد من حقول النفط والطاقة، وتعتبرها الصين تابعة لها.


أمّا الاعتبار العسكري الآخر الذي يدخل في هذه المعادلة، فيتمثّل بانتفاء الحاجة إلى جيش برّي ضخم وبالتالي ضرورة العمل على تقليص حجمه. فخلال الحرب الباردة، كانت معظم التهديدات التي تخشاها الصين برّية الطابع خاصة مع مشاركتها لحدود 14 دولة مجاورة لها، ولذلك فقد كانت هناك حاجة إلى عدد كبير من الجنود لصد أي هجوم على الحدود ومنع الاعتداءات. ولكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي، تقلّص الخطر البرّي بشكل كبير على الصين، كما قامت الأخيرة بحل العديد من النزاعات الحدودية مع دول الجوار.


وتعمل قوات الجيش اليوم على دعم قوات الأمن الصينية في حفظ الأمن الداخلي عند الحاجة، ويمثّل عدد الجيش الصيني حوالي 60% من حجم القوات المسلحة الصينية -مقابل 40% مقارنة بالولايات المتّحدة- والنسبة تتجه إلى الانخفاض لصالح تعزيز القوات المسلّحة البحرية عملا بالإستراتيجية البحرية الصينية التي سبق ذكرها، وتتوقّع بعض الأوساط الأكاديمية أن تتحوّل الصين من قوّة بريّة إلى قوّة بحرية متأثرة بالمتغيرات التي طرأت بعد انتهاء الحرب الباردة.


كما انعكست هذه المتغيرات فيما بعد على صياغة المنظور الإستراتيجي للصين، خاصة الحروب التي خاضتها الولايات المتّحدة في الخليج(1991) والبلقان(1996) وكوسوفو(1999) وأفغانستان(2001) والعراق(2003)، واستفادت الصين منها في تعلّم درسين أساسيّين:


 أظهرت هذه الحروب التفوق النوعي الذي يمتلكه الجيش الأميركي والجيوش الغربية عموما والذي يلغي أهمية التفوق الكمي، وهو ما دفع الصين إلى اعتماد إستراتيجية تحديث عسكرية، وإلى إدخال التكنولوجيا المتطورة إلى جيش التحرير الشعبي.


• أظهرت النزاعات والحروب الأخيرة أنّ المنافسين المحتملين للولايات المتّحدة لا يمكنهم مواجهة قدراتها العسكرية بطريقة متناظرة في حروب تقليدية، والصين تعي أنها لو فعلت ذلك فإنه سيؤدي بها إلى الانهيار كما أدى من قبل إلى انهيار الاتحاد السوفيتي. وهو ما يفرض على بكين بالضرورة، تطوير الوسائل والرؤى اللازمة لخوض حروب لا تناظرية تستهدف نقاط الضعف الأمريكية.



الرد على الأوضاع الإستراتيجية






أولا: تايوان ومنع الوصول إليها






الصين نحو تقليص حجم جيشها(رويترز)
تتبنى الصين فيما يتعلق بتايوان، رؤية تهدف إلى ردعها ومنعها من التفكر بالانفصال وتشكيل دولتين. وتتضمن هذه الرؤية خطّة لضرب الجزيرة بالتزامن مع اعتماد إستراتيجية دفاع بحرية تمنع الأمريكيين من النفاذ إلى أرض تايوان.

وتحتاج الصين بطبيعة الحال في هذا السيناريو إلى تطوير قدراتها البحرية لتصبح قادرة على إبطاء أو وقف أو منع إمكانية وصول أية حاملة طائرات أمريكية إلى الجزيرة، وذلك عبر:


 صد السفن الأمريكية من خلال عمليات عسكرية قد تمتد من حدود اليابان البحرية إلى جنوب البحر الأصفر.


• استخدام رؤية هجومية تتضمن التحرك باتجاه المحيط الهادئ في منطقة قد تصل إلى آلاف الأميال بعيدا عن الساحل الصيني، قد يكون من بين هذه الدائرة جزيرة "غوام" الأميركية.


 استخدام "إستراتيجية دفاع بحري بعيد" تركّز على اعتماد واستعمال هجمات متعددة الأبعاد تطال المنطقتين أعلاه، بحيث تتعدى دائرة الـ200 ميل في البحر والتي تشكّل المنطقة الاقتصادية الخاصة بالصين.


ولا شك أنّ تطوير هذه السياسات الجديدة سيتيح للصين استخدام قدرات هجومية لمسافات طويلة بعيدا عن الساحل الصيني، وبقدر أبعد مما كان يمكن الوصول إليه سابقا.


وسائل تحقيق ذلك:


من أجل تحقيق هذه الرؤية، تعمل الصين على جبهتين تتضمن السيطرة فوق الماء وتحتها عبر:


تطوير صواريخ بالستيّة مضادة للسفن ومتوسطة المدى قادرة على إغراق حاملة طائرات أميركية بشكل مؤكد (بحلول العام 2015)، إضافة إلى صواريخ مجهزة برؤوس متفجرة متعددة بمدى يصل إلى 900 ميل، وبأنظمة محمولة قادرة على العمل من على متن سفن حربية وهو ما قطعت الصين أشواطا بعيدة فيه.


إضافة عدد من الغواصات "الشبح" إلى الأسطول البحري الصيني، وكلها مجهزة بصواريخ كروز مضادة للسفن، ومنها: غواصات كيلو الروسية العاملة على الديزل، وغواصات سونغ آند يوان الصينية الصنع العاملة على الديزل، إضافة إلى غواصات شانغ الهجومية العاملة على الطاقة النووية.


ثانيا: طرق النقل البحرية
هناك حاجة صينية ملحّة لحماية طرق النقل البحرية الخاصة بها عبر بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا والمحيط الهندي وما بعد ذلك. وهناك حاجة أيضا بما يتّصل بهذا الموضوع لبناء قواعد بحرية خارج الحدود واستخدام القواعد الأخرى وضمان الوصول إليها وذلك لمحاربة القرصنة وغيرها من المهمات.


وسائل تحقيق ذلك:


تحديث الأسطول البحري بما يسمح بتفوق نوعي إقليمي ، أبرز معالمه:


ضم حاملة طائرات إلى الأسطول البحري الحالي لحماية الخطوط البحرية، ومتابعة المطالب الصينية في بحر الصين الجنوبي ووضعها موضوع التنفيذ والتحضير لعمليات حفظ السلام وعمليات الإغاثة في الكوارث في تلك المنطقة.
- تصنيع ثماني سفن برمائية جديدة لا يمكن رصدها.
- تصنيع المزيد من الغواصات النووية المجهزة برؤوس حربية نووية وأخرى بالستية، وإلحاقها بالغواصات الموجودة حاليا من هذا النوع.


بناء قواعد ومنشآت بحرية على طول الخط الساحلي بما يسهّل حمايته ومراقبته، ويتم ذلك عن طريق:
- تطوير قاعدة بحرية جديدة قرب جزيرة هاينان قرب سانيا جنوب الصين قادرة على استضافة سفن بحرية وحاملات طائرات وغواصات نووية مجهزة برؤوس نووية وغواصات مجهزة بصواريخ بالستية.
- تطوير قدرة الصين على الوصول إلى المرافئ والمطارات واستخدام المزيد منها، وذلك على طول خطوط النقل البحرية الموصلة للصين والممتدة من هونغ كونغ إلى البحر الأحمر، ويتضمن هذا الإجراء بناء منشأة برية في بنغلادش للسفن البحرية، ومرفأ متطورا في المياه العميقة لمينمار، وقاعدة بحرية في باكستان.


ثالثا: المعلوماتية والتحديث العسكري
للحاق بقدرات القوى الكبرى فيما يتعلّق بالتحديثات التكنولوجية للجيوش الحديثة وخاصة الجيش الأمريكي، قررت الصين الاعتماد على إستراتيجية تحديث قواتها المسلحة على ضوء الدروس التي تعلمتها من الحروب التي خاضتها الولايات المتّحدة بعد الحرب الباردة، فتم إدخال مفهوم "الثورة في الشؤون العسكرية" (RMA) في صلب العقيدة العسكرية الصينية، بحيث تتضمن دمج التكنولوجيا العسكرية المتطورة في مختلف قطاعات الجيش الصيني.


وقد أكّدت الورقة الصينية البيضاء عن "الدفاع القومي" للعام 2006 على أنّ الهدف الرئيسي من بناء جيش حديث، هو جعله قادرا على الفوز في حروب المعلوماتية بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين. وهو الأمر الذي أعادت تأكيده ورقة عام 2009 التي شددت أيضا على أهمية التحديث العسكري للقوات المسلحة الصينية والأمن القومي.


وتتضمن هذه الرؤية الصينية أيضا تحويل الجيش من جيش مصمم لخوض حروب على الحدود ضد خصوم محدودي القدرات والتقنيّة، إلى جيش أكثر تعقيدا وسرعة وقوة وقدرة على التحرك والمباغتة وشن هجمات بعيدة المدى والرد على القوات المتطورة والحديثة بنفس الكفاءة.


وسائل تحقيق ذلك:


زيادة الإنفاق العسكري، فالصين تمتلك اليوم ثاني أكبر موازنة دفاعية في العالم بعد الولايات المتّحدة وتقدّر بحوالي 80 مليار دولار (وفق الأرقام الصينية)، وحوالي ما يزيد عن 100 مليار دولار (وفق الأرقام الأمريكية).


التركيز على التكنولوجيا المتعلقة بمراكز القيادة والتحكم، الاتصالات، أجهزة الكمبيوتر، الاستخبارات، المراقبة، وقدرات الاستطلاع وحروب الشبكات الإلكترونية.


تركيز البرامج العسكرية على تأمين قدرات استخدام القوة على نطاق واسع من الناحية الميدانية.


التركيز على إطلاق الأقمار الصناعية الخاصة بالملاحة والاتصالات والمراقبة.


التركيز عمليا على أنظمة الطيران المتعلقة بالقيادة والإنذار المبكر، والطائرات بدون طيار بما فيها تلك التي تطير على ارتفاعات شاهقة ومتوسطة، كالنموذج الأميركي "غلوبال هوك" و"بريديتور".


أبرز سمات التحديث العسكري


من أبرز سمات التحديث العسكري الذي حققته الصين إلى الآن أو الذي ستحققه في المنظور القريب على مستوى القدرات الجوية والبريّة، فهي:


• بخصوص القدرات الجويّة:
- السعي لإنتاج صواريخ كروز بعيدة المدى كنموذج توماهوك الأمريكي.
- طورت الصين الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع (J10) القريبة بقدراتها من طائرات (F-18) التي تمتلكها كندا.
- خلال 10 سنوات ستكون الصين قد طوّرت طائرة مقاتلة من الجيل الخامس شبيهة بمقاتلة (F-22) الأمريكية أو (F-35).
- هناك سعي على الأرجح للحصول على طائرة مقاتلة من دون طيار تتمتع بالقدرة على التخفي ومزودة بأنظمة تسلّح دقيقة.


• بخصوص القدرات البريّة:
- تقوم الصين بتطوير آليات مدرّعة شبيهة بنموذج سترايكر(stryker) الأميركي.
- يتم تدريب حوالي 15% من حجم الجيش الصيني البالغ تعداده حاليا (2.3 مليون جندي) كقوات نخبة قادرة على نقل المعركة إلى العدو.
- هناك خطط لتطوير طائرات نقل عسكرية للمعدات الأرضية كطائرة (C-17) الأمريكية.


رابعا: مقاربات لا تناظرية
هناك وجهتا نظر في الداخل الصيني حول كيفية مقاربة التكتيكات العسكرية إزاء الولايات المتحدة الأميركية. الأولى تقول بضرورة التحضير لتبني تكتيكات لا تناظرية (Asymmetric) ضد القوات العسكرية التقليدية القوية جدا،  فيما تطرح وجهة النظر الأخرى البديلة ضرورة أن تقوم الصين بمجاراة الولايات المتّحدة الأمريكية إذا ما شعرت الحكومة أنّ الولايات المتّحدة ستقوم بالانتقال إلى تسليح الفضاء.


فالولايات المتّحدة تعتمد على الأقمار الصناعية في كل ما يتعلق بإدارة وتنفيذ الحروب، وبما أنّ دفاعاتها أيضا تعتمد على نفس الأمر، فان هذا المجال يعتبر من وجهة النظر الصينية نقطة ضعف قاتلة لواشنطن يجب التركيز عليها ويمكن استغلالها حينها.


وسائل تحقيق ذلك:


تهديد الأقمار الصناعية الأمريكية من خلال اعتماد تكتيكات هجمات الإنترنت، وأيضا من خلال تطوير قدرات الصين على استهداف هذه الأقمار بشكل مباشر، وهو الأمر الذي سبق وأن حققته بكّين عندما استهدفت بنجاح عبر سلاح مضاد للأقمار الصناعية، قمرا صناعيا قديما تابعا لها في الفضاء، ودمرته بشكل دقيق ومباشر.


إجراء العديد من التمارين والتدريبات بشكل منتظم التي تتضمن سيناريوهات مكافحة الهجمات في الفضاء.


مقارنة بما تمتلكه الدول الكبرى الأخرى من ترسانة نووية، تعتبر الصين القوّة التي تمتلك أقل  عدد من الرؤوس النووية (100 إلى 200 رأس نووي مقابل حوالي 2000 لكل من أمريكا وروسيا)، وهو ما يعني بأنّ  المخزون الصيني قد لا ينجو من ضربة نووية أولى، ولتدارك ذلك قامت الصين بـ:
- نشر الرؤوس النووية في أماكن يصعب على الأقمار الصناعية الأمريكية التجسسية التقاطها، وإخفاء القواعد النووية الأرضية بطريقة تصعب عليهم أيضا كشفها.
- نشر العديد من الغواصات المحملة بصواريخ بالستية ونووية في العديد من القواعد الخفيّة، وإنشاء قواعد متحركة لإطلاق صواريخ عابرة للقارات تتمتع بقدرة أكبر على النجاة من القواعد الثابتة.
- البحث عن طرق لا تناظرية لاستخدام القوة الصينية النووية لردع القوات التقليدية الأخرى، حتى في ظل السياسة الحكومية التي تقر بعدم استخدام الأسلحة النووية الصينية في أي ضربة أولى.
- شن حروب إنترنت لاستهداف القوات الأمريكية التي تعتمد على الاتصالات وشبكات الإنترنت والمعلومات، وهو أمر قامت الصين بتجربة نماذج عديدة منه رصدتها أجهزة الدول الأخرى.


خامسا: مقاربات أخرى
تسعى الصين مؤخرا إلى احتكار السيطرة على صادرتها من المواد والمعادن النادرة التي تستخدم في العديد من الأجهزة التكنولوجية المدنية والعسكرية، من الأجهزة الخلوية إلى الرادارات المتطورة، والتي تشكّل الصين حوالي 95% من إمداداتها العالمية.


وسائل تحقيق ذلك:


 في آب/أغسطس 2009، تمّ إصدار توجيه سياسي يقترح منع أو الحد من تصدير بعض المعادن النادرة للتعامل مع هذا الوضع، لكن لم يتم تبنيها إلى الآن على الرغم من أنّ صادرت الصين من هذه المعادن عمليا انخفض من 75% إلى 25%.


 على الرغم من أن ّالعديد من الدول تتمتع بمخزون مهم من المعادن النادرة من بينها أمريكا وكندا واستراليا وجنوب أفريقيا، إلا أنها كانت قد منعت سابقا استخراجها لأسباب تتعلق بالتكلفة وأيضا باليد العاملة والتداعيات البيئية. وحتى في حال قررت العودة إليها من جديد، فان هذه العملية تحتاج على الأقل من 5 إلى 10 سنوات سيظل العالم خلالها يعتمد على صادرات الصين من هذه المعادن، وهو ما سيمكنها من التحكم في وجهتها خلال هذه الفترة.






  ____________________________
* China’s Strategic Behaviour By Elinor Sloan Prepared for the Canadian Defence & Foreign Affairs Institute, June, 2010

ويمكن الرجوع لنص التقرير على الرابط التالي:
http://www.cdfai.org/PDF/China%20Strategic%20Behaviour.pdf