الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان والحوار مع حركة طالبان

في تحول جديد في الإستراتيجية الأمريكية تجاه أفغانستان وباكستان، وتيقن الإدارة الأمريكية أن القوة الصلدة ليس بمفردها الحل للمعضلة الأفغانية، أعلنت كلينتون عن تعديل جديد لإستراتجية أوباما يقوم على بعد القوة الأخر، القوة الناعمة.







 

عمرو عبد العاطي


مع بداية إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي (2009) عاد مصطلحا "حرب ضرورية" و"حرب اختيارية" من جديد يسيطران على النقاش الأمريكي الداخلي حول الحرب التي تخوضها إدارة "أوباما" في أفغانستان. فمنذ ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2008، و"أوباما" يُدافع عن الحرب الأمريكية في أفغانستان باعتبارها حربًا ضروريةً. ومنذ اليوم الأول له في البيت الأبيض أحدث تحولاً في السياسة الأمريكية التي كانت تركز على العراق -التي يراها أوباما "حربًا اختياريةً"- إبان فترتي الرئيس "جورج دبليو بوش" إلى أفغانستان وباكستان حيث ينشط تنظيم القاعدة -المتهم بارتكاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001-وحركة طالبان بصبغتيها الأفغانية والباكستانية.


تحولات في الإستراتيجية الأميركية
دعاوى الحوار في طالبان
الحوار مع طالبان مفعم بالمخاطر
رؤية ختامية


تحولات في الإستراتجية الأميركية





منذ اليوم الأول لأوباما في البيت الأبيض أحدث تحولاً في السياسة الأمريكية التي كانت تركز على العراق -التي يراها أوباما "حربًا اختياريةً- إلى أفغانستان وباكستان حيث ينشط تنظيم القاعدة -المتهم بارتكاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001-وحركة طالبان بصبغتيها الأفغانية والباكستانية.
يسيطر على النقاش داخل العاصمة الأمريكية "واشنطن" ومعظم العواصم الأوروبية تياران رئيسان حول الإستراتيجية المثلى لتعامل الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي مع الحرب الأمريكية في أفغانستان.

يدعو التيار الأول، والذي أضحى أكثر رواجًا في واشنطن مع تزايد الإخفاقات الأمريكية وإثقال كاهل الاقتصاد الأمريكي بتكلفة حرب باهظة، لسحب القوات الأمريكية من هذا البلد وترك إدارة شئونه لأهله مستندين إلى الخبرة التاريخية في أنه عبر التاريخ لم تتمكن قوة من السيطرة على هذا البلد. ويرون أنَّ على واشنطن المساعدة في التوصل إلى تسوية سياسية تضم المعتدلين من حركة طالبان وتضمن عدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات إرهابية ضد حلفاء الولايات المتحدة. ولكن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حسب هذا التيار، لا يعني عدم السعي الأمريكي لملاحقة تنظيم القاعدة.


هذا، في حين يدعو التيار الثاني لضرورة وجود القوات الأمريكية في أفغانستان؛ لترابط الحرب الأمريكية في أفغانستان وتشابكها بعديدٍ من القضايا المحورية والمهمة بالنسبة لواشنطن كالحرب على الإرهاب والصراع على الطاقة في آسيا الوسطى والملف النووي الإيراني ومواجهة المحور الصيني-الروسي، ولذا يدعون إلى زيادة القوات الأمريكية والدولية في أفغانستان للسيطرة عليها وتخليصها من تنظيم القاعدة وحركة طالبان.


تبنى الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وجهة نظر التيار الثاني. فمنذ حملته الانتخابية (عام 2008) والرئيس الأمريكي يعلن أن أفغانستان أولوية للأمن القومي الأمريكي وأنها "حرب ضرورية". ومع دخوله البيت الأبيض غير الرئيس الأمريكي القيادة الأمريكية في أفغانستان بتعيين الجنرال "ستانلي ماك كريستال" قائدًا للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ليخلف الجنرال "ديفيد ماكيرنان" بعد أقل من سنة من توليه مهامه إِثر خطأٍ كبيرٍ ارتكبه الجيش الأمريكي في غارات جوية أودت بحياة عشرات المدنيين في غرب أفغانستان. وإحداث تغيير في الإستراتيجية الأمريكية بحيث نُقل الاهتمام من العراق إلى أفغانستان والدعوة إلى زيادة القوات الأمريكية العاملة هناك.


ففي السابع والعشرين من مارس/ آذار 2009 أصدر البيت الأبيض إستراتيجية جديدة حيال أفغانستان وباكستان، ولكنها كانت إستراتجية غير ناجحة من وجهة نظر "ماك كريستال" الذي قال في تقريره حول تقييم الوضع الاستراتيجي للنزاع الأفغاني: إن الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان غير ناجحة" واصفًا الوضع هناك "بالخطير"؛ ولذا دعا في تقريره إلى مراجعة الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، وإستراتيجية القوات الدولية في معركتها مع حركة "طالبان"، مشيرًا إلى أنه من الممكن تحقيق النجاح من خلال اتباع إستراتيجية معدلة.


وبعد جدل ونقاش بين أقطاب الإدارة الأمريكية خاصة بين وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" ونائب الرئيس "جون بايدن" والسفير الأميركي في أفغانستان "كارل أيكنبيري" و"ماك كريستال" وعديد من الخبراء العسكريين، أدخل أوباما في الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2009 تعديلات على إستراتجيته السابقة والتي عرفت إعلاميا بـ"الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان". هذه الإستراتيجية تقوم بالأساس على إرسال 30 ألف جندي إضافي من القوات المسلحة الأمريكية إلى أفغانستان لتعزيز الجهود التي يبذلها 68 ألف جندي موجودين هناك بالفعل.


وعن هدف تلك الإستراتجية قال وزير الدفاع الأمريكي "روبرت جيتس" في شهادة له أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2009 أن هدف تلك الإستراتجية بالأساس يتمثل في تعطيل وتفكيك وإلحاق الهزيمة بالقاعدة في أفغانستان وباكستان والحيلولة دون قدرتها على تهديد أميركا وحلفائنا من أي من البلدين في المستقبل. ويضيف أن منطقة جنوب آسيا تُعد بؤرة للتطرف العالمي، وموقعا رئيسيا لقيادة القاعدة والأرض التي تعتبرها العشرات من الجماعات الإرهابية المؤتلفة مع القاعدة وطنا لها.


وفي تحول جديد في الإستراتيجية الأمريكية تجاه أفغانستان وباكستان، وتيقن الإدارة الأمريكية أن القوة الصلدة (Hard Power) ليس بمفردها الحل للمعضلة الأفغانية، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية قبل أيام من توجهها إلى لندن لحضور مؤتمر دولي بشأن القضية الأفغانية عن إستراتيجية أمريكية جديدة. أو بعبارة أخري تعديل جديد لإستراتجية أوباما التي أعلنها في أوائل ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تركز تلك الإستراتيجية على بعد القوة الأخر وهو القوة الناعمة (Soft Power).


فتحدثت الإستراتيجية الجديدة التي أعدها مكتب السفير "ريتشارد هولبروك" الممثل الخاص للولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان وباكستان عن أنه ستكون هناك زيادة كبيرة في أعداد الخبراء المدنيين المصاحبين للمساعدات المدنية. فمن المقرر أن يزيد عدد المدنيين الأمريكيين في أفغانستان إلى ثلاثة أمثالهم من 320 فردا إلى ما يقرب من ألف شخص في أوائل العام الحالي 2010؛ وسيأتون من طائفة عريضة من وزارات وهيئات الحكومة الأمريكية مثل الزراعة والعدل ومكتب التحقيقات الجنائية الفيدرالية وإدارة مكافحة المخدرات والمالية والأمن الوطني.


وفي مؤتمر لندن المنعقد في الثامن والعشرين من الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني 2010) وافقت الولايات المتحدة وسبعون دولة على إنشاء "صندوق السلام وإعادة الدمج" كحافز ليتخلى مقاتلي طالبان عن السلاح وخروجهم من ميدان المعركة وإعادة اندماجهم في المجتمع الأفغاني. فالولايات المتحدة تهدف من هذا التوجه الجديد إلى كسب الأفغانيين الذي لا يعتقدون في مبادئ وأفكار حركة طالبان وتنظيم القاعدة، ولكنهم ينضمون إلى صفوفهما من أجل المال في ظل تدهور الأمور الاقتصادية ومستويات المعيشية في أفغانستان.


ولذا بدأت الإدارة الأمريكية التركيز على كسب عقول وقلوب تلك الفئات من خلال توفير المال لهم لجذبهم بعيدا عن صفوف الحركة والتنظيم. وفي كلمتها بمؤتمر لندن قالت كلينتون: "إننا نتوقع أن يتخلى العديد من المقاتلين العاديين في ميادين المعارك عن طالبان لأن كثيرين منهم أنهكهم القتال. ونحن بحاجة لحوافز لحمايتهم وتوفير بديل للأجور التي كانوا يتقاضونها كمقاتلين في صفوف طالبان".


دعاوى الحوار مع طالبان 





هدف الولايات المتحدة ليس الانصياع والتفاوض حول مطالب حركة طالبان التي تعلنها بل العمل على إضعاف قواها وكسر عظامها.
وفيما يشبه الاعتراف بإخفاق الحل العسكري الذي كانت تركز عليه الإدارة الأميركية في أفغانستان تتواتر الدعوات من الحكومة الأفغانية ومن أقطاب القوات الدولية التي تقاتل في أفغانستان منذ نهاية عام 2001 مطالبة بفتح قنوات حوار مع حركة طالبان. وهي دعوة باتت تمثل أبرز الآمال في مخرج من المستنقع الأفغاني الذي يزداد فيما يبدو اتساعا مع تقدم حركة طالبان عسكريا وباضطراد حتى باتت تهاجم القصر الرئاسي ومعاقل القوات الأجنبية.

في حقيقة الأمر ليست إدارة "أوباما" أول من يعلن الحوار مع رجالات حركة طالبان، فقد سبقها في ذلك إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش". ففي التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2008 ومن بودابست أثناء اجتماع لوزراء دفاع حلف شمال الأطلسي "الناتو" أشار وزير الدفاع بإدارة بوش الابن "روبرت جيتس" إلى نجاح المصالحة في العراق في تخلي كثير من المسلحين عن العنف وإلقاء سلاحهم وانخراطهم في الحياة السياسية العراقية، فقال بشأن أفغانستان "في النهاية يجب أن تكون هناك مصالحة كجزء من العمل السياسي".


واتساقا مع هذا التوجه حث وزير الخارجية البريطانية "ديفيد ميليباند" في أواخر شهر يوليو/تموز 2009 الحكومة الأفغانية على بذل المزيد من الجهد لإجراء حوار مع العناصر المعتدلة في حركة طالبان. ودعا "ميليباند" لتبني إستراتيجية سياسية للتعامل مع التمرد عن طريق المصالحة وإعادة التكامل. فمن وجهة نظره لن تهزم القوة العسكرية وحدها طالبان وحلفائها، مؤكدا ضرورة وجود عملية سياسية نشطة إلى جانب العمليات العسكرية لتأمين مستقبل أفغانستان.


وفي أكثر من موضع دعا الرئيس الأفغاني "حامد كرزاي" إلى الحوار مع طالبان والجلوس على طاولة المفاوضات، وحديثه عن استعداده إلى مقابلة الملا عمر، وإن كانت كثير من التسريبات الصحفية تُشير إلى لقاءات عقدها "قيوم كرزاي"مع ممثلين للأجنحة داخل الحركة أو محسوبين عليها.


وفي النصف الأول من العام الماضي (2009)، ومع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأفغانية لوحت الإدارة الأمريكية باقتراح وصف بأنه "مغازلة" لجذب طالبان إلى دائرة السياسة والسلطة بعيدا عن ميدان القتال، وهو السماح للحركة بإنشاء حزب سياسي، والمشاركة في الانتخابات، ضمن خطة الإدارة الأمريكية الجديدة للسير في أكثر من اتجاه؛ لإنهاء الصراع المتأجج مع مقاتلي الحركة.


فكرة الحوار الأمريكي مع حركة طالبان في ظل صعوبة تحقيق النصر العسكري ترجع إلى نجاح إدارة بوش الابن عام 2007 في إقناع عشرات الآلاف من المقاومة العراقية بأن يلقوا أسلحتهم في مقابل الحصول على أموال ووظائف. ولكن تعامل الإدارة الأمريكية مع الحركة ينطلق من تقسيمها إلى جناحين رئيسيين:



  • أولهما: الجناح المتشدد الذي يمثله الملا عمر ومجلس شورى الحركة والذي يتماها مع تنظيم القاعدة، حيث يصعب التفريق بين التنظيم والحركة داخل هذا الجناح. وترفض الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم القوى المحاربة في أفغانستان التحاور مع هذا الجناح. وإن كان هذا التوجه الأمريكي يختلف عن نظيره الأفغاني، حيث أعلن "كرزاي" -كما سبق الإشارة- عن رغبته في الاجتماع والتحاور مع رجالات هذا الجناح المتشدد.


  • آخرهما: الجناح المعتدل، وهو الجناح الأقل التزاماً بأيديولوجية الحركة. حيث يضم هذا الجناح مجموعة من تجار المخدرات، والمرتزقة، والمجرمين، والملتحقين بصفوف الحركة لدوافع غير أيديولوجية تتعلق بالرغبة في المقاومة الوطنية أو رغبته في التأثر للضحايا المدنيين، أو فقراء في حاجة إلى المال مع تدهور الأوضاع الاقتصادية لبلد من أفقر بلاد العالم، أو أولئك المراهنين على تغير موازين القوى على الأرض لمصلحة الحركة طالبان.

ترى واشنطن وحلفائها إمكانية تقديم الدعم المالي للجناح غير الأيديولوجي في الحركة وإقناعه بإلقاء السلاح ونبذ العنف وإلى الانخراط في الحياة السياسية والاجتماعية الأفغانية بعد تقديم الدعم المالي له والوظائف التي توفر لها مقابل مالي أكبر مما كان يحصلون عليه من الحركة. وبالنسبة لهؤلاء المتاجرون في المخدرات فعلى الولايات المتحدة تركيز جهودها بمساعدة القوى الإقليمية على محاربة تجارة وزراعة المخدرات، وتوفير بدائل لتلك التجارة الرائجة داخل أفغانستان. وبهذا المعنى تكون الإدارة الأمريكية أقرب في تصورها إلى تفكيك وتفتيت الحركة من الداخل منه إلى الحوار بما تحمله الكلمة من معاني. بعبارة أخرى أن هدف الولايات المتحدة ليس الانصياع والتفاوض حول مطالب الحركة التي تعلنها بل العمل على إضعاف قواها وكسر عظامها.


والتعليل المنطقي لبرنامج إعادة الدمج في رأي السفير "هولبروك" هو أن "ما يزيد على 70 في المائة من المواطنين الذين يقاتلون في صفوف طالبان ليسوا ملتزمين عقائديا تجاه القاعدة وطالبان بل هم يقاتلون بسبب تظلمات محلية أو أنهم ضللوا بالنسبة لأهداف التحالف وحضوره في أفغانستان، كما لم يجر إعداد برنامج جيد لدعوة هؤلاء المقاتلين للعودة إلى مجتمعهم".


الحوار مع طالبان مفعم بالمخاطر 





استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان يُقلل من فرصها في التعامل مع العراق وإيران وكوريا الشمالية. ولذا فإن هناك حاجة إلى الحد من المهام الأمريكية ومدتها في أفغانستان حتى لا ترى واشنطن ذاتها غير قادرة على مواجهة "حروب ضرورية" عندما تقع.
إن مسألة الانخراط في حوار مع حركة طالبان تُعد من جهة إحدى الخيارات القابلة للتطبيق للتعامل مع الأوضاع المتردية في أفغانستان في ظل صعوبة حسم العمل العسكري بمفرده، حيث يسمح الحوار مع أجنحة الحركة بعزل العناصر المتطرفة عن تلك التي تم إقحامها في حركة التمرد -سواء أكان عن طريق التهديد أم الحوافز- كما أن إعلان الولايات المتحدة عن رغبتها في التحاور مع أعدائها سوف يحسن من صورتها على المستوى المحلى. إلا أن هذا الحوار مفعم بالمخاطر، وذلك استنادًا إلى أن المحاولات السابقة للحوار مع الحركة لم تبؤ بالفشل فحسب بل امتدت آثارها إلى ارتفاع مستوى العنف في البلاد، ذلك فضلاً عن زيادة نسبة الخسائر التي تكبدتها قوات التحالف.

هناك انقسام في الرأي حول جدوى هذا الحوار والانفتاح الأمريكي على حركة طالبان التي تربطها علاقات وطيدة بتنظيم القاعدة المتهم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. فيرى التيار الأول أن هذا الانفتاح سيكون له كبير الأثر في إضعاف وتفتيت الحركة ومن ثم إضعاف قوى تنظيم القاعدة. في حين يري التيار الآخر أن هذا الانفتاح سيأزم من الوضع في أفغانستان وسيزيد الأمور سوءا.


ويدافع أنصار التيار الثاني عن وجهة نظرهم بالقول أن الانفتاح والحوار الأمريكي ومن ورائه الغربي والإقليمي يصب في مصلحة حركة طالبان. فالحركة تهدف من الحوار شراء مزيد من الوقت لإعادة بناء قوتها وإعادة سيطرتها مرة أخري على الأراضي الأفغانية، وأنها لن تلتزم بأي تعهدات يفرضها الحوار، حيث ترفض الحركة التخلي عن دعم تنظيم القاعدة وقياداته.


تواجه فرص نجاح الانفتاح والحوار الأمريكي على حركة طالبان صعوبات وتحديات جمة، نجمل بعضها فيما يلي:



  • أولا: من الصعوبة بمكان تحديد من هم المعتدلين في طالبان الذين يتحدث عنهم الرئيس الأمريكي ومن ورائه القوى الغربية. فمن الصعب تحديد المعتدلين في ظل التغيرات المستمرة في قيادات الحركة. يضاف إلى ذلك أنه ليس هناك حوار علني بين الحركة والمجتمع الدولي يستند عليه في القول بأن هذا الفريق أكثر اعتدالا من ذلك الفريق.


  • ثانيا: من الصعب قبول أي من طرفي الحوار شروط الآخر، حيث كل منهما فرض شروط مسبقة على الحوار يصعب أن ينصاع لها أي منهما في ظل عدم نجاح أي من طرفي الصراع على هزيمة الآخر. فشروط الولايات المتحدة قبول الحوار مع طالبان تدور حول ضرورة اعترافها بالعملية السياسية الجارية الآن على الأرض الأفغانية وقبول نظام "كرزاي" وبالدستور الأفغاني "العلماني"، ناهيك عن ضرورة تخليها عن دعم تنظيم القاعدة وإلقاء سلاحها ونبذها للعنف.

    ومن جانبها تطالب الحركة بخروج القوات من أفغانستان، واعتبار الدستور الإسلامي هو المرجعية الأساسية والقبول بسيطرة طالبان على الولايات العشر الجنوبية، وهي شروط تبدو تعجيزية، ربما يُراد بها كل منهما تأكيد رفضه فكرة الحوار أكثر من التمهيد له.


  • ثالثا: الانقسام داخل الحركة ذاتها حول جدية الانفتاح والحوار الأمريكي. واعتبار المتشددين منهم التفاوض مجرد آلية لكسب مزيد من الوقت للارتقاء بقدرات الحركة العسكرية في مواجهة القوات الأجنبية. ولا يقتصر الأمر على الانقسام داخل الحركة، ولكن هناك انقسام محتدم داخل الساحة السياسة الأفغانية ذاتها، حيث ترى قوى سياسية أفغانية أن الحوار وانفتاح الحكومة الأفغانية على الحركة يُهدد العملية السياسية برمتها، وأنه سيعمل على إضعاف الحكومة الأفغانية أكثر مما هي عليه الآن.

    فهناك مخاوف لدي الطاجيك والأوزبك والهزارة (الشيعة) في أفغانستان من تداعيات خطة المصالحة، خاصة بعدما ألمح قائد القوات الأمريكية والأطلسية في أفغانستان الجنرال "ستانلي ماك كريستال" إلى عودة محتملة لطالبان للعب دور سياسي في البلاد. وفي السياق ذاته يرفض المعارض الأول للرئيس "كرزاي" "عبد الله عبدا لله" هذا الحوار مشيرا إلى صلات بين الحركة والإرهاب الدولي، ولذا يرفض إشراك أي من عناصرها في العملية السياسية.


  • رابعا: التنافس المحتمل بين دول الجوار لأفغانستان في ظل تعكر صفو العلاقات بين تلك الدول لاسيما بين إيران والسعودية، وتنافس تلك الدولتين مع تركيا على دور إقليمي في منطقة القوقاز وجنوب شرق ووسط آسيا من جهة، فضلا عن إمكانية استغلال طهران دورها في أفغانستان لمقايضة واشنطن على ورقتها النووية مثلما الحال مع الورقة العراقية التي تلوح بها في وجه أمريكا. خاصة وأن لدى إيران نفوذا لدى الطاجيك، أكبر الأقليات في أفغانستان، نظرا لوحدة اللغة، كما أن لديها نفوذا لدى الهزارة، ولها اتصالات قوية مع الأوزبيك ثاني أكبر أقلية في أفغانستان.


  • خامسا: أن دول الجوار تفرض قبل الشروع في القيام بدور الوساطة شروط قاسية من الصعب تحقيقها. فالمملكة العربية السعودية ترفض التوسط قبل تنفيذ الحركة الشروط التي وضعها وزير الخارجية السعودي "سعود الفيصل"، والتي يأتي في مقدمتها تخلي طالبان عن تأمين ملاذات آمن للإرهابيين ولزعيم تنظيم القاعدة "بن لادن" والتخلي عن اتصالاتها به، وأخيرا أن يأتي طلب التوسط رسميا من أفغانستان. وبعد مؤتمر لندن تحقق المطلب السعودي الثاني بزيارة للرئيس الأفغاني للرياض لدعوة المملكة للعب دور الوسيط لمكانتها ورمزيتها بين الأفغانيين وعالميا، ولكنه من تحقق المطلب الثاني تؤشر تصريحات قيادات الحركة صعوبة ـ بل استحالة ـ تحقيق المطلب الأول.

رؤية ختامية 





هناك تيار قوي داخل واشنطن يتزعمه رئيس مجلس العلاقات الخارجية "ريتشارد هاس" يري أن الحرب الأمريكية في أفغانستان الآن لم تعد حرب "ضرورية" على عكس ما كانت عليه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لأن هناك -من وجهة نظره- بدائل أخرى غير عسكرية يمكن أن تعتمدها الإدارة في الفوز على حركة طالبان.
منذ منتصف العام الماضي (2009) والحديث عن تقييم الإستراتيجية الأمريكية تجاه أفغانستان بعد سنوات ثماني من حرب ضارية أثقلت كاهل دافعي الضرائب والاقتصاد الأمريكي الذي يمر بأزمة لم يشهدها منذ ثلاثينيات القرن المنصرم احتدم النقاش حول ما إذا كانت الحرب الأمريكية في أفغانستان –حاليا- حرب "ضرورية" أم حرب "اختيارية". وكان هناك تيار قوي داخل واشنطن يتزعمه رئيس مجلس العلاقات الخارجية "ريتشارد هاس" يري أن الحرب الأمريكية في أفغانستان الآن لم تعد حرب "ضرورية" على عكس ما كانت عليه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لأن هناك -من وجهة نظره- بدائل أخرى غير عسكرية يمكن أن تعتمدها الإدارة في الفوز على حركة طالبان وكسر عظامها وللخروج المشرف من أفغانستان.

واستمرار الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان يُقلل من فرصها في التعامل مع العراق وإيران وكوريا الشمالية. ولذا فإن هناك حاجة إلى الحد من المهام الأمريكية ومدتها في أفغانستان حتى لا ترى واشنطن ذاتها غير قادرة على مواجهة "حروب ضرورية" عندما تقع.


يتوقف إمكانية نقل قيادة أفغانستان إلى أهله مع منتصف العام القادم (2011) حسبما تشير الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، على جملة من العوامل بدأت الإدارة الأمريكية تركز عليها حتى لا تكون أفغانستان مرتعا لحركة طالبان ومن ورائها تنظيم القاعدة. ترتبط أولى تلك العوامل باستقرار باكستان والحد من التطرف داخل حدودها، وثانيها بتمكين الحكومة والقوات الأفغانية من التمكن من بسط نفوذها وإحكام سيطرتها على أنحاء البلاد وتهيئة الظروف الملائمة للانسحاب الأمريكي التدريجي. ثالثها أن المدخل الملائم لتحقيق المصالحة في أفغانستان يكمن في وضع خطة كاملة للتنمية وإعادة الأعمار في أفغانستان وتدعيم دور لجنة المصالحة مع التركيز على اجتذاب قيادات الحركة وتحقيق الأمن لاجتذاب تأييد المواطنين وزعماء القبائل الأفغانية واحتواء نفوذ حركة طالبان. في حين يتمثل أخرها في صعوبة توفير الأمن والاستقرار في أفغانستان بمفردها بدون شراكة فاعلة للأطراف الإقليمية خاصة باكستان وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية.
_______________
باحث مصري متخصص في الشئون الأمريكية، ومحرر "تقرير واشنطن" ـ أحد مشاريع معهد الأمن العالمي بواشنطن

ABOUT THE AUTHOR