القوى المؤثرة على مستقبل السودان

كرست الانتخابات السودانية الأخيرة سيطرة المؤتمر الوطني على مفاصل السلطة في شمال البلاد, وعززت سيطرة الحركة الشعبية على السلطة في الجنوب، وجل التفكير السياسي في السودان الآن موجه إلى عملية الاستفتاء وما ستسفر عنه أو ما سيتلوها من تداعيات.







المسلمي الكباشي


إن الانتخابات السودانية التي جرت في أبريل/نيسان الماضي ونتائجها، لم تغير المشهد السياسي كثيرا من حيث عودة الحزبين الشريكين إلى سدة الحكم، ولكن جاءت العودة هذه المرة بأحجام أكبر ونسب أعلى.





كرست العملية الانتخابية بالسودان سيطرة المؤتمر الوطني على مفاصل السلطة في شمال البلاد, وكرست سيطرة الحركة الشعبية على السلطة في الجنوب، بما يعزز ذات المعطيات السياسية السابقة للعملية الانتخابية.
فقد عاد المؤتمر الوطني إلى السلطة بوزن انتخابي ناهز نسبة الـ 70% في البرلمان القومي. ونالت الحركة الشعبية من جهتها حوالي 29%، منها 20% حازتها بالانتخاب، إضافة إلى ما يقرب من 9% حصلت عليها وفق اتفاق سياسي مع المؤتمر الوطني، جبرا للضرر واستجابة لاحتجاجها على التعداد السكاني الذي طعنت في نزاهته.

وحاز المؤتمر الوطني نسبة تزيد على 90% في المجالس التشريعية، واستحوذ على كل مناصب ولاة ولايات الشمال الأربعة عشرة، ما خلا ولاية النيل الأزرق التي فاز بها مالك عقار نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان. وسيطرت الحركة الشعبية على تسع من الولايات الجنوبية وعلى المجالس التشريعية فيها، إضافة إلى المجلس التشريعي للجنوب.


وهكذا، فقد عاد البشير حاكما على السودان بنسبة 68%، وعاد سلفاكير حاكما للجنوب بنسبة تجاوزت 92%، وذلك على الرغم من تبادل الاتهامات بتزوير الانتخابات من كلا المعارضتين، حيث رددت المعارضة الجنوبية في مواجهة الحركة الشعبية ما سبق أن قالت به المعارضة الشمالية في مواجهة المؤتمر الوطني. بل إن القوتين الفائزتين الأساسيتين شمالا وجنوبا، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، تبادلتا ذات الاتهام بالتزوير: حيث رمت الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بتزوير الانتخابات شمالا، ووجه المؤتمر الوطني ذات التهمة للحركة الشعبية وعلى لسان الرئيس عمر البشير نفسه، الذي أشار إلى أن النتائج كانت ستكون مختلفة لو أتيح للناخب الجنوبي حرية الاختيار.


ومن غريب المفارقات أن اتهامات التزوير التي يتم تبادلها تجري بين فرقاء تتداخل مواقفهم في هيكلة التحالف السياسي، حيث تقف المعارضة الشمالية إلى جانب الحركة الشعبية في مواجهة المؤتمر الوطني، وهذا الأخير تتحالف معه المعارضة الجنوبية.


وتبادل الأطراف الرئيسية وحلفائها تهم التزوير يشير إلى أن لا أحد راض عن الانتخابات ونتائجها، ولكن كل على طريقته، حيث ينزهها كل طرف في مكان ما عن التزوير دون آخر. ومؤدى ذلك كله أن المفوضية القومية للانتخابات فشلت في إدارة عملية انتخابية نزيهة يرضى عنها الجميع، وأن مختلف القوى السياسية تقر بأن الانتخابات شابهها قدر من عدم النزاهة، إن بتواطؤ المفوضية القومية للانتخابات شمالا كما تقول السلطة الحاكمة في الجنوب، أو بعجزها عن السيطرة على العمليات الانتخابية جنوبا كما تقول السلطات السودانية.


أما بالنسبة للحقائق التي كرستها العملية الانتخابية ونتائجها على أرض الواقع فيمكن إيجاز أهمها بالآتي:



  1. تكريس سيطرة المؤتمر الوطني على مفاصل السلطة في شمال البلاد, وتكريس سيطرة الحركة الشعبية على السلطة في الجنوب، بما يعزز ذات المعطيات السياسية السابقة للعملية الانتخابية.
  2. عدم قبول المعارضة الشمالية بأوضاع ما بعد الانتخابات، وعدم اعترافها بما ستفضي إليه من أوضاع سياسية، وبالتالي استمرار حالة الاستقطاب السياسي، واستمرار الانقسام في الشارع السياسي السوداني كما كان عليه الحال قبل الانتخابات، فلا حلول للأزمة القائمة ولا وفاق على رؤى موحدة لمواجهة التحديات الوطنية الراهنة.
  3. تجاهل المجتمع الدولي للمشهد الانتخابي السوداني عموما، سواء ما يتعلق بالتحضير للعملية الانتخابية أو لمسارها أو نتائجها، أو لما ورد من شكاوى بخصوصها بغض النظر عن صحتها، حيث إن هناك أصواتا قالت إن الانتخابات اعتراها ضعف فني وسياسي وقانوني وأخلاقي، ولم يلتفت المجتمع الدولي إليها وصرف جل تركيزه إلى الاستحقاقات الداهمة لما بعد الانتخابات, وفي مقدمها الاستفتاء على مصير جنوب السودان، بالانفصال أو البقاء موحدا في إطار الدولة السودانية.

وكذلك فإن جل التفكير السياسي السوداني الآن أيضا، موجه إلى عملية الاستفتاء من حيث التحضيرات الإجرائية الضرورية التي تسبقها والتي ستناط بمفوضية الاستفتاء المتوقع إعلانها في غضون أسابيع، وكذلك إلى النتيجة التي سيسفر عنها الاستفتاء وما سيتلوها من تداعيات.


مجموعة القوى الأولى المؤثرة
مجموعة القوى الثانية المؤثرة
مجموعة القوى الثالثة المؤثرة
خلاصة وخاتمة


مجموعة القوى الأولى المؤثرة 





جل التفكير السياسي السوداني الآن، موجه إلى عملية الاستفتاء من حيث التحضيرات الإجرائية الضرورية التي تسبقها والتي ستناط بمفوضية الاستفتاء المتوقع إعلانها في غضون أسابيع، وكذلك إلى النتيجة التي سيسفر عنها الاستفتاء وما سيتلوها من تداعيات.
ومجموعة القوى الأولى منها هي الشريكان -شمالا وجنوبا- اللذان وقعا اتفاقية نيفاشا، الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني.

صحيح أن الشكل القانوني الذي تنص عليه الاتفاقية هو إتاحة الفرصة للمواطن الجنوبي ليقرر مصيره، إلا أن الجميع يدرك أن النوايا والتدابير السياسية التي يقوم بها المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية هي التي تحدد موقف الفرد الجنوبي، ويزداد تأكيد هذه الحقيقة بفحص نتائج الانتخابات التي جرت، حيث لم يجر إلا ما أراده الشريكان شمالا وجنوبا.


وفي نفس السياق يمكن القول إن الاستفتاء لن يكون إلا إجراء قانونيا تتأكد به الإرادة السياسية الموحدة للطرفين في الشمال والجنوب، حيث تتكامل مواردهما الاقتصادية وتتساند مقدراتهما الإستراتيجية، ويتكامل أيضا نسيجهما الاجتماعي والثقافي منذ سنوات طوال.


إضافة إلى الضرورات السياسية التي تفرض استمرار التحالف بين شريكي نيفاشا، هناك رابط النفط وهو أقوى ما يجمع بين الطرفين، فالنفط الذي يعتمد عليه الطرفان في استمرار سلطتيهما يقع 80% منه في الجنوب، وتقع كل بنيات التكرير والنقل والتصدير في الشمال، ولا بد للطرفين من الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض رغم كل عوامل المواجهة السياسية والأيدلوجية بينهما.


ولكن واقع الحال يقول أيضا، إن الخطاب السياسي لا يزال يجنح في اتجاه الانفصال، فحزب المؤتمر الوطني بالرغم من أنه أعلن أكثر من مرة أن أهم ما يشغله في فترة ما بعد الانتخابات سعيه لتحقيق الوحدة الوطنية بين طرفي الوطن، إلا أنه لا يوجد لديه حتى الآن أية برامج عمليه تدفع باتجاه ما يسمى "الوحدة الجاذبة"، فما يعلنه مسئولوه من نوايا حسنة تسقطه المواجهة مع الحركة الشعبية التي لا تزال حامية. إضافة إلى ذلك، فإن الثقة المطلوبة لانطلاق هكذا برامج لا تزال فجوتها تتسع بين شريكي نيفاشا.


وربما بسبب تعقيدات العلاقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية من حيث التحالف والمواجهة في آن واحد، فقد ظل خطاب الحركة الشعبية لما بعد الانتخابات عدائيا يصعب معه  تعديل المزاج الشعبي الجنوبي باتجاه قرار تأكيد وحدة السودان. وهناك استثناء واحد تمثل بمطالبة والي ولاية النيل الأزرق نائب رئيس الحركة الشعبية مالك عقار بوضع وثيقة اتفاق لإزالة أسباب الانفصال، وطالب السياسيين في الطرفين بتقديم التنازلات الضرورية للوحدة، وحذر من إمكانية العودة إلى الحرب بسبب التنازع حول الحدود في حال وقوع الانفصال.


ولكن منطلق حديث مالك عقار يختلف عما يعتمل في أذهان الجنوبيين من قادة الحركة الشعبية، فمالك عقار هو والي ولاية النيل الأزرق التي خصها اتفاق نيفاشا ببروتوكول  خاص ضمن المناطق الثلاث، حيث يفترض إجراء مشورة شعبية لسكانها بعد الانتخابات ليحددوا العلاقة الملائمة لهم مع المركز، والمجلس التشريعي للولاية هو المنوط به إجراء المشورة الشعبية، وبما أن المؤتمر الوطني فاز بـ 29 مقعدا من مقاعد المجلس التشريعي البالغة  48 مقعدا، فإن المؤتمر الوطني سيكون المتحكم في مآلات هذه المشورة. ولهذا فأن عقار يسعى لتأتي نتائج الاستفتاء لجنوب السودان مع ما يتسق مع النتائج المتوقعة للمشورة الشعبية لولاية النيل الأزرق. وعلى كل، ربما هذا التصريح المنسوب إلى عقار هو التصريح اليتيم القادم من صوب الحركة الشعبية في اتجاه الوحدة، حيث لم يسمع من الحركة -ممثلة بقادتها في الجنوب- غير الإصرار على إقامة الاستفتاء في مواعيده، دون التعبير عن إمكانية أن يفضى إلى الوحدة.


وهناك تصريحات جنوبية عدة تصب في اتجاه تقويض الثقة بين طرفي نيفاشا، آخرها ما أدلى به الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم في اجتماع مفوضية التقويم لاتفاقية نيفاشا، حيث اتهم جهات قال إنها تسعى لزعزعة الاستقرار الأمني بالجنوب من خلال العمل على تدريب جنود مليشيات داخل وخارج حدود الجنوب، وبالدفع "بالجنجويد" على الحدود بين الشمال والجنوب على أساس أنهم حرس حدود. وطالب باقان الأمم المتحدة والجهات الراعية لاتفاق السلام  بمزيد من الرقابة الدولية على الحدود بين الجنوب والشمال، حتى لا تتطور الأوضاع إلى حرب. وفى ذات السياق بعث سلفاكير ميارديت رئيس حكومة جنوب السودان برسالة إلى الرئيس البشير يستفسر عن تحركات للجيش السوداني على الحدود بين الشمال والجنوب.


وفضلا عما سبق فقد كشفت صحيفة الرأي العام في 5 مايو/أيار 2010، عن ورقة قالت إنها أعدت من قبل لجنة برئاسة نيال دينج وزير شؤون الجيش الشعبي وهيئة أركانه، وأنه تمت إجازتها في اجتماع ترأسه سلفاكير توطئة لتسليمها لمساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية عند زيارتها للجنوب خلال مايو/أيار الجاري.





مجموعة القوى السياسية الثانية التي يرجح تأثيرها في الموقف من الوحدة والانفصال في الجنوب، هي "المجتمع الدولي" وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إضافة إلى الدول الأفريقية المجاورة للسودان، وربما بدرجة أقل البلاد العربية.
وقد اشتملت الورقة المشار إليها، على "كيفية الاستفادة القصوى من السياسية الدفاعية الأمريكية الجديدة تجاه القارة الأفريقية". وعرضت الحركة الشعبية من خلالها القيام "بمسؤولية فض النزاعات في المنطقة إنابة عن الإدارة  الأمريكية  في مقابل زيادة الدعم اللوجستي الذي يقدم لحكومة الجنوب". كما طالبت الورقة الإدارة الأميركية بإعادة تدريب الجيش الشعبي وإكمال تجهيز سلاح الطيران والأسلحة لمواجهة أية مخاطر إرهابية.

وقالت الورقة إن الحركة تشجع واشنطن على إيجاد مواقع لها في منطقة البحيرات لمواجهة الزحف المساند لحكومة المؤتمر الوطني. واقترحت عليها إنشاء قاعدة سرية ل(أفريكوم) في الجنوب للربط المباشر مع القيادة في ميامي والمحيط الهندي.


إذا تأكدت حقيقة هذه الورقة فمعنى ذلك أن الحركة الشعبية قد تجاوزت أي حديث ممكن عن احتمال استمرار الجنوب في السودان الموحد، خاصة أن هناك 18 محطة تمثيل دبلوماسي للحركة الشعبية لا تعرف عنها الخرطوم شيئا.


ولا تفتقر هذه الورقة إلى ما يؤكد اتجاهها عمليا، ففي ذات السياق تعهد نائب وزير الدفاع الأميركي السفير فيكى هدلستون الذي التقى في صحبة  المبعوث الأمريكي أسكوت غريشن وزير داخلية حكومة الجنوب اللواء قير شوانق الونق، وتعهد المسؤول الأميركي أن تعمل بلاده مع حكومة الجنوب لتنفيذ ما أسماها (الإستراتيجية الأمنية الداخلية) مبينا أن الإدارة الأمريكية ستعمل من خلال الخطة على مد جهاز الشرطة والقوات النظامية الأخرى بالاحتياجات الأمنية، قصيرة وطويلة المدى (جريدة الصحافة السودانية 7 مايو/أيار 2010).


ولكن أقوى توجهات الحركة الشعبية الانفصالية صدرت من نائب رئيس الحركة رياك مشار الذي قال للمبعوث البريطاني الذي زار جوبا في 7 مايو/أيار 2010، إن الرئيس البشير بعد انتخابه رئيسا للبلاد، أعلن أنه سيقود حملة وسط الجنوبيين تحضهم على اختيار الوحدة، فيما وعدت الحركة الشعبية مواطني الجنوب حال انتخابها أن تمكنهم من اختيار الوحدة أو الانفصال بحرية، وهو الأمر الذي يتعارض مع تصريحات البشير. وحذر مشار من تبعات خطيرة في الفترة المقبلة ما لم يتوقف المؤتمر الوطني عن التدخل في تحديد خيار الجنوبيين خلال الاستفتاء. أي إيقاف الدعوة إلى الوحدة وإلا فإن حكومته قد تضطر لاتخاذ قرارها منفردة حول الوحدة.


مجموعة القوى الثانية المؤثرة 


مجموعة القوى السياسية الثانية التي يرجح تأثيرها في الموقف من الوحدة والانفصال في الجنوب، هي "المجتمع الدولي" وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إضافة إلى الدول الأفريقية  المجاورة للسودان، وربما بدرجة أقل البلاد العربية.


وبالرغم من قلة الحديث المباشر عن الموقف من الوحدة أو الانفصال غربيا، إلا أن ما أعلنه مركز كارتر والمبعوث الأميركي للسودان أسكوت غريشن وبعثة الاتحاد الأوروبي، يؤكد بوضوح أن الانتخابات بالنسبة لهم ليست أكثر من الخطوة التي تسبق الاستفتاء، فأهمية الانتخابات تستمدها مما يليها من استحقاق – وأكد ذلك  بوضوح المبعوث الأميركي غريشن في مخاطبته للجالية الجنوبية بواشنطن حين قال: "نعلم أن الانتخابات مزورة، ولكننا قبلنا نتائجها لنخطو نحو الاستقلال الجنوبي". وهكذا يتضح الدفع باتجاه الانفصال على الرغم من أن بعض الدراسات والتحليلات تحذر من إقامة دولة فاشلة في جنوب السودان لتضاف إلى عائلة الدويلات الفاشلة التي تهدد السلم والأمن الدوليين. وبالطبع هذا ما يدفع به بعض الأفارقة في عدم  حماستهم لانفصال الجنوب الذي يعتبرونه تدشينا لحالة من الاضطراب ربما تعم القارة كلها، وأنها قد تشجع مكونات عديدة من دول أفريقية مختلفة للسعي نحو الانفصال عن كياناتها الوطنية. ولكن هذا لا يمنع أن بعض هذه الدول لا يمانع من ولادة دولة جديدة لمصالح اقتصادية واعتبارات أخرى.


ومن أقوى أشكال الدفع نحو خيار الانفصال ما صدر في بيان لمجموعة الأزمات الدولية في 7 مايو/أيار 2010، تطالب فيه دول الجوار بضمان احترام نتائج الاستفتاء حول الوحدة، وقال البيان إن دول الجوار انخرطت بالفعل في نشاطات تقوم على فرضية انفصال الجنوب الذي أصبح مسألة وقت. وذلك لأن هذه الدول تتأثر سلبا أو إيجابا بعودة السودان للحرب أو حدوث انفصال سلمي.


وبالنسبة للدور العربي فهو لا يزال غائبا، فبالرغم مما عند العرب من عناصر تأثير كبيرة يمكن أن تدفع بالفعل في اتجاه الوحدة السودانية إن تم الوعي بها ونشطت الهمة في تسخيرها لهذا الهدف.


مجموعة القوى الثالثة المؤثرة 


ومجموعة قوى التأثير الثالثة هي القوى السودانية الوطنية المعارضة شمالا وجنوبا، فالقوى المعارضة الجنوبية فيها كثير من الانفصاليين مثل جبهة الإنقاذ الديمقراطية التي رفضت مجرد التسجيل كحزب سياسيي قانوني إذا كان ذلك يلزمها بالوحدة. وبالمقابل هناك القوى الشمالية التي ترفض الانفصال جملة واحدة إلا أنها ربما لا تزال تفتقر للإرادة التي يمكن تسخيرها في اتجاه الوحدة، أو أنها تعجز عن توظيف هذه الإرادة خاصة بعد صدمة الانتخابات التي أخرجتها جميعا من دائرة  التأثير الرسمية، سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي.


وتحاول قوى المعارضة الحزبية وخاصة أحزاب الأمة والاتحاد الديمقراطي والشعبي والشيوعي لملمة جراحها وإعادة الاتصال بالحركة الشعبية لتجديد تجمع جوبا الذي لم يكن للحركة الشعبية أكثر من تحالف تكتيكي قبل فترة الانتخابات، وقد لا يصلح للعمل بعدها، خاصة بعد أن أصبح الانفصال هو التوجه المعتمد لدى الحركة الشعبية.


خلاصة وخاتمة 





الحديث عن ترجيح وحدة السودان على ضوء المعطيات السياسية القاسية الآن ضرب من التفاؤل لا يسنده إلا حلم يبدو طوباويا في غياب دعائمه الواقعية. ولكن ذلك لا يمنع الكثيرين من انتظار المعجزة التي يحفظ بها السودان خارطته الجغرافية السياسية التي عرفه بها العالم.
الخلاصة أن جل الحراك السياسي لفترة ما بعد الانتخابات يتركز على الاستفتاء، حتى كادت الأنظار تنصرف عن موضوعات أخرى لا تقل أهمية عنها، منها مشكلة دارفور التي يبدو أن حكومة -المؤتمر الوطني- ما بعد الانتخابات لا تستعجل حلها بتأثير ما يسمونه "التفويض الشعبي" الذي منحته الانتخابات للحزب الحاكم.

وذلك يعنى أن ما كان موقفا ضاغطا على المؤتمر الوطني بضرورة حل أزمة دارفور لم يعد كذلك، وجاء هذا التطور في سياق تبدل دولي وإقليمي انعكس سلبا على الحركات المسلحة في دارفور، وخاصة على الحركة الأقوى عسكريا، حركة العدل والمساواة التي تعالج دون جدوى حتى الآن آثار الطرد التشادي لها من مجال حراكها الحيوي، كما تعانى من تراجع الاهتمام الغربي إعلاميا وسياسيا بأزمة دارفور، لمصلحة أولوية تقرير المصير لجنوب السودان. وهذا رغم أن هناك مخاوف من أن تنتقل عدوى الانفصال إلى جهات أخرى في السودان وعلى رأسها دارفور، فيما لو قادت نتائج الاستفتاء في الجنوب إلى الانفصال.


ومن القضايا ذات الأهمية العالية التي يعتبر البعض أن نتائج الانتخابات أطاحت بها بعيدا وأزاحتها عن سلم الأولويات بالرغم من أهميتها في معالجة كل ما يعاني منه السودان، هي قضايا التحول الديمقراطي. فقد أصابت نتائج الانتخابات الأحزاب المناوئة للمؤتمر الوطني في مركزها العصبي وشلت قدرتها على التفكير والحركة، ويسودها خوف من أن يعتبر المؤتمر نتائج الانتخابات تفويضا شعبيا مطلقا له لمواجهة الطامحين في التحرك لإسقاط شرعيته.


على كل، الحديث عن ترجيح وحدة السودان على ضوء المعطيات السياسية القاسية الآن ضرب من التفاؤل لا يسنده إلا حلم يبدو طوباويا في غياب دعائمه الواقعية. ولكن ذلك لا يمنع الكثيرين من انتظار المعجزة التي يحفظ بها السودان خارطته الجغرافية السياسية التي عرفه بها العالم.
_______________
مدير مكتب الجزيرة بالسودان

ABOUT THE AUTHOR