سياسات الطاقة.. قراءة في الحالة الآذرية والنيجيرية

خلصت دراسة إلى أن تزايد القيود على أسواق الطاقة الدولية تعمل ضد الإصلاح الديمقراطي في الدول المنتجة لها، والطلب المتزايد على الغاز والنفط عاد بإيرادات ضخمة على تلك الدول، مما يزيد في دينامكية "الدولة الريعية"، ويساعد على فهم انعدام الديمقراطية بالدول النفطية.







 

جوز بونسترا، وإدوارد بورك، وريشارد يونغ


ترجمة وقراءة شريفة دحروش


مدخل
أذربيجان
نيجيريا
خلاصات


مدخل


نشرت مؤسسة فريدي في تموز/يوليو 2008 ورقة عمل(1) كجزء من الرصد المستمر للسياسات الدولية للطاقة، وقدمت فيها رؤية عامة للعلاقة بين أمن الطاقة والحكم الديمقراطي، ورغم مرور أكثر من عام على نشر هذه الدراسة إلا أنها لا تزال مفيدة في مجالها.





لا شك أن ارتفاع أثمان الطاقة يدعم العديد من الأنظمة السياسية، وبرغم ذلك فقد نتجت عنه احتجاجات شعبية ضد سوء الإدارة في دول الرخاء النفطي.
تفيد هذه الدراسة بأن تزايد القيود المفروضة على أسواق الطاقة الدولية منذ سنة 2002 تعمل ضد الإصلاح الديمقراطي في الدول المنتجة لها، وأن الطلب قد تزايد على الغاز والنفط، ووصل الاحتياطي العالمي إلى ذروته، وتدفقت إيرادات ضخمة على خزائن الدول المنتجة، مما يزيد في دينامكية "الدولة الريعية"، ويساعد على فهم انعدام الديمقراطية في أغلبية الدول الغنية بالبترول.

وتظهر الدراسة أن الضغوط الدولية لأجل تحقيق إصلاحات ديموقراطية في الدول النفطية قد فقدت قوتها مع الزمن، بسبب حاجة الدول الغربية للمزيد من موارد الطاقة المتناقصة وفي أسواق عالمية متنافسة، وتؤكد الدراسة أيضا على أن العلاقة بين الطاقة والديمقراطية أكثر تعقيدا مما يبدو.


ولا شك أن ارتفاع أثمان الطاقة يدعم العديد من الأنظمة السياسية، وبرغم ذلك فقد نتجت عنه احتجاجات شعبية ضد سوء الإدارة في دول الرخاء النفطي، فقد أصبح النقد الموجه للحكومات أكثر مما كانت الأسواق محدودة، وفي الوقت نفسه نجد الدول الغربية في غالب الأحيان تظهر رضاها عن الدول "النفطية".


ولكن برنامج الأعمال الدولي للحكم الرشيد استعاد حيويته من جديد لدرجة أن الدول المستهلكة للنفط أصبحت تبحث عن فرص أكثر شفافية يمكن التنبؤ بها قبل حصولها على موارد الطاقة الشحيحة.


وتقدم هذه الدراسة تحليلا للمسائل المتعلقة بالقضايا السابقة من خلال حالات ثلاث أحدها المملكة العربية السعودية التي تم استثناؤها من القراءة الراهنة لأنها موضوع قائم بذاتها ويستحق الدراسة في نفس السياق وبتوسع أكبر.


أما الحالتان قيد القراءة، فهما أذربيجان ونيجيريا، حيث استفادت هاتان الدولتان من الزيادة الهائلة في الإيرادات الناتجة عن البترول والغاز في السنوات الأخيرة، وواصلتا في الوقت نفسه سياساتهما الاستبدادية. وتبحث الدراسة في القضايا الثلاث الآتية:



  1. تأثير قضايا الطاقة على هذه الأنظمة.
  2. العوامل المتعلقة بالطاقة ساهمت في خلق مبادرات جديدة لحكم رشيد على مستوى الدولة ودفعت إلى حركة لأجل الديمقراطية، والتي ساهمت أيضا في سياسات حكومية مضادة للديمقراطية.
  3. هل زادت أم تقلصت الجهود المبذولة دوليا لأجل تعزيز الإصلاحات الديمقراطية والحكم السليم في هذين البلدين انطلاقا من ارتفاع أثمان الطاقة؟

وتلقي الأدلة التي حصلت عليها الدراسة الضوء على النقاط الرئيسية السابقة:



  • أولا: المشهد الجديد للطاقة زاد من قوة الضغط على الأنظمة السياسية في هذين البلدين من أجل الإصلاحات الديمقراطية، وقد استجاب كل بلد بطريقة تختلف عن الآخر.
  • ثانيا: يلاحظ أن بعض الجهود التي بذلت من أجل الإصلاحات الديمقراطية في هذين البلدين لها علاقة بتحسين الإدارة في قطاع الطاقة.
  • ثالثا: أضاف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية التزامات جديدة تتعلق بالأمن والطاقة في هذين البلدين مع مبادرات للحكم الرشيد.

أذربيجان 


يعتبر اقتصاد أذربيجان من الاقتصادات الأسرع نموا في العالم، حيث الناتج المحلي الإجمالي يزيد بنسبة 30% عما كان عليه في العام 2007، وهذا النمو يكاد يعزى حصرا إلى زيادة صادرات الطاقة وارتفاع أسعار البترول، وإضافة إلى كون أذربيجان منتج رئيسي للطاقة فهو أيضا المركز الأساسي لنقل النفط والغاز بين آسيا الوسطى وأوروبا.








إلهام علييف (الفرنسية-أرشيف)
استقلت الجمهورية السوفيتية السابقة سنة 1991 وانتقلت بخطى بطيئة وثابتة من فترة انتقالية غير مستقرة إلى نظام سلطوي بزعامة حيدر علييف، الذي خلفه ابنه إلهام سنة 2005.

وعملت أذربجان جاهدة لتحسين صورتها دوليا كمصدر موثوق  للطاقة، وكشريك مستقر. إلا أن ممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تزال ضعيفة ومهددة. هذا بالإضافة إلى أن أي إحياء للنزاع في  ناكورنو- قره باغ ستكون آثاره وخيمة على إمدادات الطاقة.


الأحداث الداخلية
تبلغ مساحة أذربيجان نحو 90 ألف كم2، ويقترب سكانها من 9 ملايين نسمة، يدين 94% منهم بالإسلام. ويعتبر المراقبون الاقتصاد الأذربيجاني على أعتاب نقلة نوعية بسبب الاكتشافات النفطية المنتظرة وخاصة حول العاصمة باكو. وتشير التقديرات إلى احتياطي من النفط مقداره 33 بليون برميل ونحو 40 تريليون قدم مكعب من الغاز. وتنتج أذربيجان يوميا من النفط نحو 320 ألف برميل، ومن الغاز نحو 200 بليون قدم مكعب سنويا.


إن خط الأنابيب الممتد بين باكو- تبليسي- سيهان في حالة تشغيل كامل منذ أواسط سنة 2006، ويضخ البترول بانتظام إلى ميناء سيهان التركي، ومن هناك يشحن البترول في ناقلات للنفط باتجاه دول الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى.


ويتبع أنبوب الغاز باكو- تبليسي- إرزوروم نفس الطريق لتزويد الغاز من حقل شاه دنيز بأذربيجان إلى تركيا، هذا الأنبوب بدأ بالعمل في بداية سنة 2007 محولا أذربيجان من مستورد للغاز إلى أحد أهم المصدرين لهذه المادة، وهذه الشبكة لنقل الطاقة إلى أوروبا عبر الأراضي السوفيتية تعتبر ذات أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة لأذربيجان، جورجيا، تركيا والاتحاد الأوروبي، ومن المرجح أن تزيد المنافع، وأن تستطيع أذربيجان نقل الغاز من آسيا الوسطى من خلال أنبوب مرتقب مده عبر بحر قزوين، و نقل البترول من كزخستان وتركمنستان، لوصل أنبوب النفط باكو- تبيلسي- سيحان بأنبوب الغاز  باكو- تبيلسي- أوزوروم.


وأدى النمو الاقتصادي المرتفع إلى تضاعف الميزانية ثلاث مرات  خلال أربعة أعوام، حيث وصلت تقريبا إلى 12 ألف مليون دولار سنة 2008.كما أنه من المحتمل أن ينمو اقتصاد أذربيجان أكثر خلال السنوات المقبلة، ومن المرتقب أن يصل ذروته سنة 2012، فيتوقع حينذاك أن يبدأ احتياطي البلد من البترول بالانخفاض وأن تستبدل موارد  شحن الطاقة من بلدان آسيا الوسطى بموارد الإنتاج المحلي.


يعتمد اقتصاد أذربيجان على الطاقة، ولم تستثمر الدولة بفعالية في إنعاش قطاعات اقتصادية أخرى، كالزراعة التي يعتمد عليها عدد كبير من السكان، علما بأن نسبة قليلة من القوى العاملة يستوعبها قطاع الطاقة، وقياسا بارتفاع إيرادات البترول ارتفع أيضا  مستوى الفساد.


وبالنسبة للشفافية الدولية تحتل أذربيجان المرتبة 150 من 179 بلدا، ويعمل النظام الإقطاعي في ممارسة السلطة وتوزيع الثروات لصالح النخبة، بينما يصل جزء بسيط من مداخيل البترول إلى المواطنين.


واقترن ارتفاع مداخيل الطاقة في أذربيجان بانخفاض حاد في مستوى الديمقراطية، وتعزيز سلطة علييف، وضعف دور البرلمان، وتزوير الانتخابات، وأعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن تجاوزات حصلت في الانتخابات البرلمانية عام 2005 ضد بعض المرشحين وأحزابهم، كمنع التجمع، والتهديد والاعتقال، وسجلت بعد يوم الاقتراع عدة احتجاجات من قبل المعارضة.


المجتمع المدني أصبح في وضع أحسن قليلا مما كان عليه، حيث يمكنه العمل بحرية نسبيا، ولكن تأثيره محدود، وفي مجال حقوق الإنسان فإن مستوى أذربجان منخفض، حيث صنف "بيت الحرية" سنة 2007 أذربيجان كدولة "غير حرة" وذلك "نظرا لانعدام حرية الصحافة بالإضافة إلى الرقابة التي يفرضها الرئيس علييف على وسائل الإعلام".


وأعلن المجلس الأوروبي والذي تشكل أذربيجان أحد أطرافه، بل وتتمتع بدعم جمعيته البرلمانية عن تجاوزات حصلت في الانتخابات، وذكر أنه "من المؤسف جدا أنه بدل من أن تتحسن الأوضاع العامة بالنسبة لوسائل الإعلام الحرة في أذربيجان فمنذ 2006 زادت الأمور تدهورا".








خارطة أذربيجان موضحا عليها إقليم قره باغ
هناك عامل آخر، وهو الصراع القديم على إقليم "قره باغ" والصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان حول هذه المنطقة، التي تقع في أراضي أذربيجان، لكن معظم سكانها من الأرمن، هذا الصراع الذي بدأ فور سقوط الاتحاد السوفيتي، وخلف أكثر من 25 ألف قتيل، عندما استولت أرمينيا على إقليم "قره باغ" وسبعة أقاليم أخرى مجاورة، وهرب أكثر من 200 ألف أذربيجاني من أرمينيا، وهرب أكثر من نصف مليون من قره باغ، وبعد وقف إطلاق النار سنة 1994 تطور إقليم "قره باغ" إلى مستوى الدول المستقلة بحكم الأمر الواقع، وذلك بدعم من أرمينيا، وبقي الصراع "مجمدا"، ولم تؤدي المفاوضات إلى أية نتيجة، وما زالت تقع بعض الأحداث بين الحين والآخر من قبل بعض القناصين الذين يسقطون كل سنة تقريبا عشرات الجنود من الطرفين المتصارعين.

الصراع يحدد وإلى حد ما وضعية المجتمع الأذربيجاني، فقد تضاعفت ميزانية الدفاع ثلاث مرات عما كانت عليه، حيث وصلت إلى 1.100 مليون دولار، ووجهت الأموال التي لم تودع في صندوق الدولة للبترول، أو تلك التي لم تختفي بعامل الفساد لمشاريع الدفاع أو البنية التحتية، ومع ذلك ليس واردا أن تحاول أذربيجان استرجاع أراضيها بالقوة.


ترى حكومة أذربيجان أن من مصلحتها المحافظة على الوضع الراهن، لأن حربا جديدة قد تعرض صادراتها من الطاقة للخطر، فأنبوب البترول المتد من باكو- تبليسي- سيهان وأنبوب الغاز الممتد من باكو- تبيلسي – إرزوروم يقتربان من إقليم "قره باغ"، ولم يعد بوسع الحكومة الأذربيجانية استخدام قضية "قره باغ" في عدم تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية.


تعتبر أذربيجان أحد الأعضاء المؤسسين لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، التي أنشئت عام 2003 كمحصلة لائتلاف بين حكومات وشركات ومنظمات من المجتمع المدني ومستثمرين ومنظمات دولية، وتهدف إلى تحسين مستوى الإدارة في الدول المطلة على البحر الأسود وبحر قزوين، ويرشح ذلك أذربيجان ليكون بلدا ديمقراطيا.


مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
تستفيد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أذربيجان كدولة مستقرة تنتج وتصدر البترول، ويعتقدان أن سير البلد على نهج الديمقراطية لن يسيء للأمن في المنطقة، ويمكن لأذربيجان بسياساتها العلمانية أن تكون حليفا في مواجهة الإرهاب، وكانت بالفعل حليفا في الحرب على العراق، ونقطة اتصال لقوات حلف شمال الأطلسي، والاتجاه السائد في واشنطن هو إعطاء الأولوية للمصالح الجيوسياسية على حساب تعزيز الديمقراطية في أذربيجان، وعندما زار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف البيت الأبيض في نيسان/أبريل 2006، أشاد به الرئيس بوش وبموقفه من الحرب ضد الإرهاب والتزامه بالتحديث الاقتصادي والاجتماعي.


الاتحاد الأوروبي ليست له وجهة نظر جيوسياسية محددة، فهو يحاول الجمع بين مصالحه في مجال الطاقة والترويج للديمقراطية، ولكنه يضع مصالحه بالدرجة الأولى.


وأما زعماء أذربيجان فيفضلون العمل بشكل فعال في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية على العمل بشكل مباشر لترسيخ الديمقراطية، كدعم البرلمان أو مراجعة مدونة الانتخابات على سبيل المثال.


وفي العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وأذربيحان أكد الاتحاد على دعم المجتمع المدني والمبادرات الصغرى، وخصصت الوكالة الأمريكية للإنماء أكثر من 10 مليون دولار لترسيخ الديمقراطية وترشيد الحكم، وتنشط أيضا دول أوروبية مثل النرويج وألمانيا وبريطانيا بدعم مشروعات للإعلام والمجتمع المدني وتعزيز الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان، وخصص الاتحاد الأوروبي لهذه الأغراض مبلغ 92 مليون يورو.


ويحاول الاتحاد الأوروبي الفصل بين مصالحه مع أذربيجان في مجالات الطاقة وبين العمل لأجل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن كثيرا من المراقبين يعتقدون أن مبدأ "الطاقة أولا" هو الذي يحكم العلاقة بين أذربيحان والاتحاد الأوروبي.


وفي المقابل هناك أدلة على أن أذربيجان تحتاج إلى الولايات المتحدة وأوروبا لتعزيز موقعها في الخلاف مع إيران وروسيا، ولتعزيز هويتها الوطنية وسيادتها على أراضيها، وهذا يشكل ضغطا على حكام أذربيجان لتحقيق إصلاحات سياسية وديمقراطية، وتحتاج أذربيجان أيضا إلى الخبرات والتقنيات الغربية في مجال الطاقة وإلى الحماية الأوروبية لخطوط الإمداد بالطاقة، وفي التنافس مع أرمينيا على العلاقات مع الغرب فإن أذربيجان تحتاج أن تكون في مستواها على الأقل في الديمقراطية، وقد كان للتصريحات والانتقادات الأمريكية والأوروبية لمجريات الانتخابات الأذربيجانية أثر كبير على سمعة أذربيجان الدولية، كما أن الولايات المتحدة أدرجت أذربيجان في مستوى متدني للديمقراطية والحريات الإعلامية، وأعلنت المفوضية الأوروبية في تقرير لها عن انتقادات لانتهاكات للحريات وحقوق الإنسان جرت في أذربيجان، مثل المعاملة القاسية للصحفيين، وعدم تنفيذ الإصلاحات الانتخابية الضرورية لدولة القانون، ودعا الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إلى استخدام طرق فعالة للحد من السلوك الاستبداي للنظام السياسي الأذربيجاني بسبب عدم امتثاله للالتزامات الديمقراطية، وقد دفعت هذه الانتقادات الدولية الرئيس علييف في كانون الثاني/يناير 2008 إلى العفو من عقوبة الحبس عن 119 سجينا من بينهم عدد من الصحفيين.


نيجيريا 








خارطة نيجيريا
مرت نيجيريا بتحول رسمي في مجال الديمقراطية سنة 1999، ورغم ذلك فإن الحقوق الديمقراطية تتعرض للانتهاك، وفي هذه الحالة نجد أن تشابك الطاقة وسوء الإدارة والصرع الداخلي أدى إلى تحديد العلاقة بين الديمقراطية والطاقة.

لقد تدهور الوضع خلال السنوات الأخيرة نتيجة التمرد وأعمال العنف في المنطقة، وكذا الهجمات المتكررة على المنشآت النفطية، والاختطافات المتكررة للعاملين بالقطاع النفطي، وخلال هذه الفترة أدى الصراع إلى تقليص نسبة إنتاج النفط بنسبة 20% من الإنتاج الإجمالي للبلد، مما ألحق أضرارا بالغة بمخططات الحكومة التي كانت تسعى إلى مضاعفة الإنتاج.


وفقدت كميات كبيرة من البترول بسبب تسريبها ونقلها بطرق غير مشروعة، وذلك لأجل تمويل الجماعات المتمردة، وتقع هذه الهجمات عادة على البواخر النفطية التي تبدو بعيدة وآمنة، وتشرف عليها مؤسسات دولية، وتستفيد الجماعات المسلحة ومن بينها جماعة "الحركة من أجل تحرير دلتا النيجر" من فقدان السيطرة على موارد النفط.


وترد التوترات في المنطقة إلى التلاعب بنتائج الانتخابات المحلية التي أجريت سنة 2003، والفساد الذي رافق المشرعات المخصصة للبنى التحتية في منطقة الدلتا، ومن ثم فشل هذه المشروعات.


وبالرغم من الخطوة الإيجابية التي اتخذت في مجال الديمقراطية والإصلاحات في مجال الحكم منذ انطلاقة سنة 1999، وبالرغم أيضا من مكافحة الرئيس أوباسانجو للفساد بعد إعادة انتخابه سنة 2003 وانضمام نيجريا لمبادرة الشفافية في الصناعات التحويلية، إلا أن سوء استخدام عائدات النفط ظل متفشيا، وبدلا من توطيد سيادة القانون سعت حكومة أباسانجو إلى إغراء المتمردين ومنحهم عقود تسويق في مجال النفط، وتقليدهم مناصب حكومية، مما شجع جماعات متمردة أخرى تسعى إلى الحصول على نفس الامتيازات على الاستمرار في أعمال العنف.


وفي المؤتمر الوطني للإصلاح السياسي الذي عقد سنة 2005 طالبت مجموعة دلتا نيجريا (من الجماعات المدنية) تخصيص 20 إلى 50 في المائة من عائدات النفط للمجتمعات المحلية، دون أن تتسرب هذه العائدات إلى هيئات الحكومة الفدرالية الفاسدة.


كان هذا الإصلاح مدعوما من قبل اللجنة الخاصة بمناطق إنتاج النفط والتي تضم ممثلين عن كبريات شركات البترول في العالم، ولكن الحكومة قدمت 17% فقط من عائدات النفط، مما أدى إلى غضب الجماعات المحلية، وبرغم ذلك فقد تم إحراز بعض التقدم والشفافية في مجال عائدات الطاقة، كما حاول الرئيس أوباسانجو تكثيف الرقابة الشخصية على السياسيين.


وزاد الرئيس أوباسانجو الإنفاق على "الهدايا" لموظفي القطاع المحليين، وفي السنتين الأخيرتين من رئاسته وزع حوالي 45 رخصة على "الرفاق" السياسيين، ومنحت عقود نفطية مهمة إلى شركات صينية وهندية وآسيوية لأن حكامها دعموا الرئيس أوباسانجو في محاولته اللادستورية بترشيح نفسه للمرة الثالثة رئيسا للبلاد.


ومنذ ارتفاع أسعار البترول أصبحت شركات النفط تدفع مزيدا من الرشاوى للسلطات المحلية، مما ألهب الشارع، لأن توزيع العائدات أصبح يخضع لاعتبارات سياسية.


ومن المحتمل أن تكون مغادرة الحكام المحليين "منتدى الإصلاح الوطني" سنة 2005 تعود إلى رفض الحكومة تخصيص زيادة نسبة كافية من عائدات البترول لمنطقة الدلتا، ولكن هؤلاء الحكام أنفسهم هم المسئولون عن شحن القسم المخصص للدلتا وتسريبه إلى الخارج، لدرجة أنه عندما اقتربت انتخابات سنة 2007 خضع 33 من 36 حاكم إقليمي للتحقيق.


وأكدت انتخابات 2007 هشاشة الديمقراطية في البلاد، فقد أجرى الرئيس أباسانجو عدة مناورات لإبعاد أتيكو أبوبكر، أحد معارضيه  الرئيسيين عن الانتخابات، ورفض استقلالية المجلس الانتخابي، وشهدت انتخابات 14 نيسان/أبريل تلاعبا واضحا لصالح الحزب الحاكم ولصالح المقربين من الرئيس.









عمر يارادوا (الفرنسية-أرشيف) 
وبرغم أن المحكمة العليا منحت في آخر لحظة حق الترشيح لأبو بكر إلا أن "الحزب الديمقراطي الشعبي" هو الذي رجع مرة أخرى إلى السلطة بنجاح مرشحه الرئاسي عمر يارادوا بـ 70 في المائة من الأصوات.

اعتمد الرئيس يارادوا منذ انتخابه في نيسان/أبريل 2007 نهجا أكثر انفتاحا وتصالحا حيث أصدر عفوا عن المتمردين، وقدم لهم فرصة للحوار حول قضية الدلتا، ولكن المطالب الأساسية التي تتعلق بعائدات البترول والغاز لم تؤخذ بالاعتبار، ووعد يارادوا بإعادة النظر في العقود والرخص المتعلقة بالنفط، وبخاصة تلك التي منحت للمقربين من الرئيس السابق أوباسانجو.


وفي سنة 2008 زاد غضب النيجيريين بعد معرفتهم أكثر بتفاصيل فساد إدارة قطاع النفط في عهد الرئيس أوباسانجو، مما حفز الرئيس الجديد على إعطائهم وعودا طويلة المدى بإصلاح قطاع النفط، وبسبب هفوات المحكمة قبل وفي أثناء الانتخابات أجبر بعض أعضاء مجلس الشيوخ وبعض المنتخبين المحليين أواخر عام 2007 على التنحي من مهامهم.


مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
رغم أن نيجيريا نفذت عملية التحول الديمقراطي، والذي يعتبر ذا أهمية بالغة بالنسبة لمصالح الطاقة بوجه عام، فإن مشاركة الغرب للمساعدة في هذا الإطار كانت محدودة. ولذا تبقى نيجيريا البلد الإفريقي الأقل استفادة من المساعدة الإنمائية الرسمية للدخل القومي.


ويمكن اعتبار المفوضية الأوروبية والحكومة البريطانية من أهم المانحين، حيث خططت مجموعة عمل الاتحاد الأوروبي لأجل أفريقيا سنة 2004 "إستراتيجية وقائية" لكنها لم تنفذ بسبب عدم التزام الدول الأعضاء.


لقد زادت حدة الاقتتال الداخلي في نيجيريا، ولهذا السبب فقد وجه التمويل الغربي للأغراض الأمنية، وضوعفت الدوريات الأمريكية في خليج غينيا، وبخاصة تلك المرتبطة بقيادة أفريقيا الأمريكية، كما زادت مبيعات الأسلحة الأوروبية، إذ قدمت فرنسا إلى نيجيريا برنامجا عسكريا لبناء قدرات حفظ السلام في إفريقيا، وخصصت ألمانيا فريقا من الضباط لأجل تدريب النيجيريين، وقدمت مساعدات لتجهيز قوات الأمن بطريقة أفضل.


وأحدث وزير الخارجية البريطاني وظيفة "خبير في مجال الطاقة لغرب أفريقيا" وقال إنه سوف يأخذ بالاعتبار الطلبات النيجيرية المتعلقة بالتدريب العسكري لحماية المنشآت النفطية.


ووافقت المملكة المتحدة في تموز/يوليو 2008 على مواصلة تعزيز مستوى التعاون الأمني، كما تعاونت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في إطار استراتيجية جديدة لأمن الطاقة في خليج غينيا من أجل زيادة المساعدات في هذا المجال، وقامت المملكة المتحدة بتدريب وحدات الجيش النيجيرية على عمليات الوقاية من تسرب وتهريب النفط.


وفي صيف 2005 نجحت المملكة المتحدة في التخفيف من عبء الديون على نيجيريا، وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس أوباسانجو متهما بعدة فضائح داخلية، منها تهميش منافسيه السياسيين بشكل غير دستوري، أصر دبلوماسيون غربيون على أن نيجيريا بلد أقوى من أن يصبح عرضة للضغوط التي تمارس عليه من خلال التهديدات الأوروبية بخفض المعونة.


ومن بين جميع وكالات التنمية للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي يوجد مكتب واحد تابع لمديرية التنمية الدولية البريطانية في نيجيريا، ورغم أن نيجيريا هي ثاني مزود لأسبانيا بالغاز إلا أن هذه الأخيرة ليست طرفا فاعلا في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه هذه الدولة الأفريقية.


تسعى المملكة المتحدة لتوقيع اتفاقيات الغاز الطبيعي المسال، لكن احتياجاتها للطاقة النيجيرية تبقى منخفضة، ويرجع أحد النقاد اللامبالاة التي يعتمدها الغرب تجاه نيجيريا إلى أنه ما دامت أوروبا والولايات المتحدة تحصل على احتياجاتها من الطاقة عن طريق التهريب بصفة منتظمة، فلا حاجة لها بالدخول مع نيجيريا في تفاصيل حول الموضوع، ولكن الغرب يبدي قلقا بشأن فشل نيجيريا في الحد من الفساد، وتعزيز الديمقراطية.


الوضع في نيجيريا يسلط الضوء على مدى علاقة النفط بالديمقراطية، ويعطي مثالا واضحا عن مدى تأثير ارتفاع أسعار البترول على تأجيج الغضب والصراع والاحتجاجات من قبل المواطنين، وذلك لكون العائدات الضخمة للنفط لم تؤد إلى الإصلاحات المرتقبة في الحكم، والتوزيع العادل للثروات الإضافية. علما بأن مشاريع المساعدة الأوروبية موجهة بالأساس إلى ترشيد الحكم.


فقد وجهت مشاريع التنمية البريطانية في نيجيريا إلى المنظمات غير الحكومية، كما سعت في التدقيق في رصد عائدات البترول والغاز، وانتقد الاتحاد الأوروبي انتخابات 2003 لأنها لم تفي بالمعايير الديمقراطية، وقدمت مديرية التنمية الدولية البريطانية 100 مليون يورو إلى مشروع تعداد السكان الذي يعتبر أكبر مشروع تقوم به اللجنة في نيجيريا استعدادا لانتخابات عام 2007، ولكن المديرية البريطانية ليست متأكدة من أن جميع الاموال المخصصة قدمت للمشروع.





الوضع في نيجيريا يسلط الضوء على مدى علاقة النفط بالديمقراطية، ويعطي مثالا واضحا عن مدى تأثير ارتفاع أسعار البترول على تأجيج الغضب والصراع والاحتجاجات من قبل المواطنين.
لقد أصبح التزام الولايات المتحدة مع نيجيريا أكثر توجها نحو الأمن، حيث أصبحت توفر للحكومة النيجيرية المعدات العسكرية الجديدة، كما تحث على مشاركة حلف شمال الأطلسي في استتباب الأمن في خليج غينيا.

وانتقد البرلمان الأوروبي الحكومات الأوروبية على تراجعها، وحث على استعمال العقوبات، إلا أن بعض الدول الأوروبية جمدت هذا الاقتراح، وأدان الاتحاد الأوروبي الانتخابات المحلية لسنة 2007 لكونها اتسمت بالعنف وعدم الحرية.


وقد ضعفت العلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا وحكومة يارادوا مع مراقبتها مدى وفائه بوعوده لمبادرة الشفافية، وذلك لأجل فتح علاقات تعاون نيجيرية تتسم بالشفافية في مجال الطاقة، ولكن ديناميكية الإصلاح تراجعت في نهاية سنة 2007 بعدما تذمر الرئيس يارادوا من رئيس لجنة التجاوزات الاقتصادية والمالية المكلف بمحاربة الفساد، وكان الحدث الأهم هو دعوة الرئيس إلى إعادة التفاوض بشأن الاتفاقيات الدولية والعقود المبرمة في مجال الطاقة.


ومع تصاعد التوتر ذكر بعض الدبلوماسيين أن الحوار السياسي رفيع المستوى بين الاتحاد الأوروبي ونيجيريا والذي بدأ في آذار/مارس 2008 لم يحرز تقدما ملموسا بسبب المخاوف حول أمن الطاقة.


خلاصات 


إن دراسة هاتين الحالتين تسمح لنا بإلقاء الضوء على ثلاث قضايا قدمت في بداية هذه الورقة.



  • أولا: التطورات الداخلية في البلدين تشير إلى حدوث تغير كبير، وأن المشهد الجديد للطاقة قد أثر على الإصلاح السياسي، ومنذ بداية ارتفاع أسعار النفط ابتعدت أذربيجان عن الديمقراطية، وسيطرت النخبة الحاكمة على المجتمع، وشهدت البلاد تدهورا ملحوظا في الحريات السياسية.

    وبالنسبة لنيجيريا فإنها لم تتراجع إلى الديكتاتورية المعلنة، لكن نظامها الديمقراطي الرسمي  تنقصه الشفافية والمساءلة والتعددية الحقيقية.

    ولكن الطاقة ليست هي السبب الرئيسي في تجميد الإصلاحات، وإنما لعبت العوامل السياسية الداخلية دورا كبيرا.


  • ثانيا: بذلت جهود في إطار إدارة موارد الطاقة من أجل تحسين معايير الحكم في كلا البلدين، وقدم نظام علييف وعودا في مجال إدارة الطاقة أسفرت عن مبادرة باكو، وبذلت حكومة أذربيجان جهودا لا بأس بها من أجل تحسين معايير الحكم، وأما في نيجيريا فإن سوء إدارة موارد الطاقة كان العامل الأساسي في إضعاف الحكم الديمقراطي، ولم تؤدي الوعود والتدابير التي اتخذتها حكومة أوباسانجو لتسيير قطاع الطاقة بشفافية، وكذلك مناقشة الإصلاحات السياسية، وإعادة توزيع موارد الطاقة داخل المنتديات، وغيرها من الجهود المبذولة إلى أية نتيجة إيجابية في هذا السياق.


  • ثالثا: من خلال ما سبق توضح هذه الدراسة أن سياسة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى تعميق علاقاتها مع أنظمة غير ديمقراطية، مما حفز على تحسين سياسة الطاقة في هذين البلدين.

    كما أوضحت الدراسة وجود مبادرات غربية تتعلق بعدد من الإصلاحات في مجال الإمدادات بالطاقة، وهذه المبادرات تظهر جلية بالنسبة لأذربيجان ونيجيريا.

    إن الحافز الرئيسي للتعاون مع هذين البلدين بالخصوص هو أمن الطاقة و ليس تطوير نظام الحكم. هذا مع العلم أن سوء إدارة قطاع الطاقة قد يسيء إلى حد ما إلى مصالح الغرب.

_______________
جوز بونسترا: باحث في برنامج الديمقراطية بمؤسسة فريدي، ماجستير في العلاقات الدولية،وماجستير في التاريخ من جامعة جرونينجين هولندا، وكان مديرا لمركز دراسات الأمن الأوروبي  بجروننجين هولندا.
إدوارد بورك: باحث ضمن برنامج "حرية الجمعيات بالشرق الأوسط" حالة المملكة العربية السعودية و دولة البحرين، بمؤسسة فريدي، كما عمل باحثا بمديرية الشؤون الخارجية بإيرلندا ، حاصل على ماجستير في دراسات الحرب من  كينكز كوليج بلندن.
ريتشارد يونج: أستاذ بجامعة وارويتش، المملكة المتحدة، وباحث بمؤسسة فريدي مكلف بالإشراف على برنامج الديمقراطية.


هوامش
(1) ورقة عمل أصدرتها مؤسسة فريدي للعلاقات الدولية والحوار الخارجي، ونشرتها على موقع المؤسسة بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 2008. للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإسبانية إضغط هنا.