نهج العدالة والتنمية التركي إزاء القضية الكردية

من بين مختلف العوامل المؤثرة في سياسة حزب العدالة والتنمية الخاصة بالقضية الكردية، هناك ثلاثة عوامل أساسية: أولها الإطار السياسي الذي تأسس عليه الحزب، والثاني يتمثل في ناخبي الحزب، والثالث يتعلق بالشخصية القيادية المؤثرة التي يتمتع بها أردوغان.







 

جمال الدين هاشمي


من بين مختلف العوامل المؤثرة في سياسة حزب العدالة والتنمية الخاصة بالقضية الكردية، هناك ثلاثة عوامل أساسية: أولها الإطار السياسي الذي تأسس عليه الحزب، والثاني يتمثل في ناخبي الحزب، والثالث يتعلق بالشخصية القيادية المؤثرة التي يتمتع بها أردوغان.


ما من شك في أن المسألة الكردية كانت ولا تزال أحد أكثر المشاكل إثارة للجدل على الساحة التركية منذ الأيام الأولى لبناء الجمهورية التركية الحديثة، حيث ما فتئت الدولة تتعامل معها بحساسية مفرطة، سواء بشكل علني صريح أو خلف دهاليز السياسة. وليست هذه القضية بجديدة في تاريخ السياسة التركية، حيث تتفرع وتتشعب منها العديد من الاعتبارات الداخلية والخارجية، وتتداخل فيها أبعاد أمنية بالغة التعقيد أدت منذ أواخر ثمانينيات القرن المنصرم إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص، مع كل ما نجم عن هذه التوترات من اختلالات أمنية وتصدعات اجتماعية. كما أن كل المحاولات الرامية إلى إيجاد حل نهائي لهذه المسألة تبقى رهينة قدرة الدولة على تفادي مختلف الحزازات المرتبطة بعلاقة الدولة بالمجتمع، وتحديد تعريف واضح للهوية القومية، بالإضافة إلى التعاطي مع النتائج الاجتماعية والسياسية للوضع القائم، مثل التهجير القسري لسكان المنطقة الكردية.





ما من شك في أن المسألة الكردية كانت ولا تزال أحد أكثر المشاكل إثارة للجدل على الساحة التركية منذ الأيام الأولى لبناء الجمهورية التركية الحديثة.
وبالرغم من كل هذه المصاعب، لجأ حزب العدالة والتنمية (الذي تأسس سنة 2001) باستمرار على استشراف طرق جديدة للتعامل مع المسألة الكردية، عوض الطريقة الأمنية التقليدية للتعاطي مع الموضوع. فقد ركز الحزب على كون هذه القضية لا تنحصر في البعد السياسي المحض فحسب، بل تتعداه لتشمل انعدام العوامل الديمقراطية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، وبالتالي فإن أنسب وسيلة للتعاطي مع هذا المشكل هو فسح المجال للمزيد من المشاركة السياسية وإدخال الإصلاحات وإرساء ركائز الديمقراطية في المناطق الكردية من تركيا. فمثلاً، لا يكتفي الحزب في برنامجه بالترويج للتعددية الثقافية، بل إنه رحّب بخلق "نشاطات ثقافية بلغات أخرى غير اللغة التركية"، واعتبرها "كسباً هاماً في تعزيز الوحدة" في تركيا. وكان من نتائج هذه السياسة التي عمد الحزب إلى تطبيقها لاحقاً ظهور قناة تلفزية جديدة باسم TRT-6 تبث برامجها باللغة الكردية، وهو ما يعتبر تغيراً تاريخياً هاماً بالنظر إلى أنه حتى بدايات التسعينيات كانت الدولة التركية ترفض رسمياً الاعتراف بوجود شيء اسمه اللغة الكردية.

ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، غلب هذا الأخير منطق النهج الاقتصادي في التعامل مع المسألة الكردية. وقد نجحت بالفعل سياسات الحزب الرامية إلى حل هذه القضية، بالإضافة إلى الاستراتيجيات التي طبقها على أرض الميدان، في تقديم سياسة أكثر شمولية في التعاطي مع الأوضاع القائمة. ويبقى خطاب أردوغان أواخر سنة 2005 مثالاً واضحاً عن هذا الموقف، حيث أعلن أن الحل السياسي أصبح ضرورة ملحة بالنسبة للمسألة الكردية وبأن على الدولة أن تعتذر عن ما اقترفته في السابق من أخطاء في حق الكرديين، وشدد على أن الهوية الكردية يجب أن تخرج من النطاق الضيق للحسابات الأمنية وتُعامَل على أساس أنها إضافة نوعية للتنوع والتعددية التي يتميز بها المجتمع التركي عموماً.


ومؤخراً، أعلن حزب العدالة والتنمية عن مبادرة جديدة تهدف إلى تقديم حل للمسألة الكردية. وتتميز هذه المبادرة بكونها عملية استشارية أكثر منها تطبيقاً لحزمة من الشروط الواجب التقيد بها حرفياً، حيث ترمي إلى خلق "توافق وطني" باتجاه الحل النهائي لهذه القضية. وكان من نتائج هذه السياسة المفتوحة إشراك الرأي العام في مستجدات القضية وانتشار الوعي وسط المجتمع التركي بما يجري من تحركات في هذا الاتجاه. كما سمحت هذه الخطوة للحزب بالدفع بالقضية نحو تحريرها أخيراً من التصورات الأمنية الضيقة التي صاحبتها لفترة طويلة، وهذا بالضبط مع يجعلنا نهتم أكثر بالتمحيص الدقيق للوسائل والاستراتيجيات التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية في تطبيق سياساته.


السياسات والإستراتيجيات
دعم الناخبين
العامل القيادي
الطريق نحو إيجاد الحل؟


السياسات والإستراتيجيات 


من بين مختلف العوامل المؤثرة في سياسة حزب العدالة والتنمية الخاصة بالقضية الكردية، هناك ثلاثة عوامل أساسية: أولها الإطار السياسي الذي تأسس عليه الحزب، والثاني يتمثل في ناخبي الحزب، والثالث يتعلق بالشخصية القيادية المؤثرة التي يتمتع بها أردوغان.


وفي كل واحدة من مراحل تطبيق سياسة الحزب الخاصة بالقضية الكردية، كان الحزب يركز على مبدأ تعزيز المشاركة السياسية، والدفع بالإصلاحات السياسية نحو إيجاد حل للقضية، وإعادة صياغة المعنى الأساسي للهويات الطائفية التي تؤدي في النهاية إلى خلق معنى حقيقي للهوية القومية المشتركة. كما سعى حزب العدالة والتنمية إلى تحويل دعم الناخبين القوي الذي حظي به إلى سياسات واقعية، وحافظ على تجاوبه وتواصله الوثيق مع من صوتوا لصالحه، ونجح في خلق مشاركة سياسية أكثر فاعلية غطت على السياسات الفاشلة التي لم يحظ تطبيقها بنجاح يذكر.


الإطار السياسي والخصائص التي تميز حزب العدالة والتنمية



أدت سياسة الدولة للتهجير القسري في بدايات التسعينيات إلى نزوح أكثر من 1.5 مليون كردي من الأرياف إلى المراكز الحضرية.
ما من شك في أن الساحة السياسية في تركيا شهدت دائماً بعض المواقف السياسية، سواء كانت قوية أو ضعيفة، كانت تدعو إلى تبني نهج يتخطى الإطار الأمني المتزمت. غير أن أياً من هذه المواقف لم ينجح في الاستمرار لفترة طويلة أو يحشد دعماً جماهيرياً هاماً في الأوساط الاجتماعية والسياسية. ومن هذا المنطلق، جاءت محاولة حزب العدالة والتنمية الداعية إلى إيجاد حل سياسي للمسألة الكردية في الوقت الذي وصل فيه الحل الأمني إلى الطريق المسدود.

حتى بدايات التسعينيات، انحصرت المشاكل المتصلة بالمسألة الكردية أساساً في التوتر القائم بين القيادات السياسية الكردية ومنظماتها ومسؤولي الدولة ومؤسساتها من جهة ثانية. بعدها، ظهرت عدة عوامل مؤثرة في المناهج الرئيسية المؤثرة في المسألة الكردية. فعلى سبيل المثال، أدت سياسة الدولة للتهجير القسري في بدايات التسعينيات إلى نزوح أكثر من 1.5 مليون كردي من الأرياف إلى المراكز الحضرية. وكنتيجة لذلك، أصبحت المدن الرئيسية فضاء جديداً لنشاطات الجماعات السياسية الكردية يسمح لها بإعادة تنظيم مواردها وقواها التعبوية.


بالإضافة إلى ذلك، أدت هذه السياسية إلى زهق أرواح أكثر من 40 ألف شخص بسبب الصراع المسلح بين حزب العمال الكردستاني المسلح والجيش النظامي التركي، وهو ما كان من شأنه عواقب مأساوية وصلت شرارتها إلى العديد من مدن البلاد. وكان من عواقب هذا الاحتقان أن تحولت القضية من مجرد صراع سياسي محدود بين الدولة والقادة السياسيين الكرديين إلى بؤرة للتوتر الاجتماعي السياسي بين مختلف الجماعات العرقية داخل تركيا.


وجاءت تطورات الأحداث الدائرة في العراق، مع ظهور حكومة إقليمية كردية داخل العراق، لتزيد من إبراز المسألة الكردية التركية وتعطيها أبعاداً جديدة أصبحت عالمية هذه المرة. وبالتالي، لم يعد بالإمكان مواصلة السياسة الأمنية التقليدية للدولة في تركيا، والتي لا تخرج عن الثنائي المعتاد: نفي المسألة من أساسها، أو حصرها في نطاق أمني داخلي ضيق. وأصبحت النتيجة الحتمية لهذا المأزق تزايد التناقض الحاصل بين التوجهات السياسية للجماعات العرقية داخل تركيا واتساع إشعاع المسألة الكردية في داخل وخارج تركيا.


وفي مواجهة الوضع الجديد، جاء حزب العدالة والتنمية بسياسة مختلفة تنأى به عن النهج الأمني التقليدي في التعامل مع القضية الكردية، وتدعو إلى حل سياسي من خلال المزيد من الإصلاحات الديمقراطية. ومع تعاظم مخاطر الانزلاق نحو التسييس الاجتماعي الداخلي والدولي للقضية الكردية، أصبح حزب العدالة والتنمية طوق النجاة الوحيد المتوفر أمام أي مجموعة اجتماعية سياسية للحفاظ على نظام سياسي مستقر نسبياً، سواء تعلق الأمر بالمحافظين أو القوميين المعتدلين أو اللبراليين أو الإسلامويين، أو حتى الجماعات المؤيدة للأكراد. كما أصبح تأثير الإطار السياسي من الفاعلية بحيث صار البحث عن حل سياسي للمسألة أكثر من مجرد عرض مسرحي لطريقة مختلفة في التعاطي مع القضية، بل أصبح "الورقة الرابحة الوحيدة" المتوفرة أمام من يريدون الحفاظ على السلم الاجتماعي والتعددية القومية داخل البلاد.


كما يجب التنويه إلى أن المسألة لم تكن ضربة حظ فريدة أو فرصة سانحة لحزب العدالة والتنمية، استطاع أن يلعب على خيوطها بمهارة. فمن المعروف أن العديد من الأطراف القيادية الأخرى، منهم قياديون بارزون في الدولة والجيش ومؤسسات الدولة المختلفة، حاولوا، خصوصاً في الفترة ما بين 2003 و2005، تقديم حلول بديلة للحيلولة دون انتشار شعبية النهج السياسي لحزب العدالة والتنمية.


فمثلاً، تعرض الحزب لانتقادات لاذعة وتدخلات قوية من طرف جماعات تدعوا إلى الحفاظ على الوضع القائم، وصلت إلى حد اتهامه بالدعوة إلى التفرقة والطائفية. غير أن سياسة حزب العدالة والتنمية الداعية إلى الحل السياسي للمسألة الكردية تتميز من الناحية الاستراتيجية بقدرتها على إضعاف النهج الأمني في التعامل مع القضية وإفساح المجال أمام العمل السياسي ليأخذ حيزاً أوسع بعيداً عن تأثير الجيش. وكان من نتائج هذه السياسة تعزيز موقف حزب العدالة والتنمية في التصدي لمخاطر تأثير القضية الكردية على المجتمع التركي وإذكاء نزعة التفرقة وسط المجتمع التركي، وفي نفس الوقت إبراز الحل السياسي على أنه المخرج الوحيد للحفاظ على الوحدة القومية التركية.


دعم الناخبين 


يتمثل العامل المنهجي الثاني في سياسة حزب العدالة والتنمية الخاصة بالقضية الكردية في طبيعة الناخبين الذين يدعمون الحزب وتوزيعهم الجغرافي في ربوع البلاد.





بقي حزب العدالة والتنمية الحزب الوحيد الذي حافظ على دعم قوي من الناخبين في جميع الدوائر الانتخابية خلال انتخابات سنة 2009، وذلك بالرغم من تقلص نسبة الأصوات التي كسبها.
فمثلاً، خلال الانتخابات البرلمانية ليوم 22 يوليو/تموز 2007، لم يتمكن الحزب من رفع حصيلته من الأصوات إلى 47% مقارنة بنسبة 34% سنة 2002 فحسب، بل ورفع تلك النسبة من 25% إلى 53% في منطقة جنوب شرق الأناضول ذات الأغلبية الكردية.

وبذلك، بقي حزب العدالة والتنمية الحزب الوحيد الذي حافظ على دعم قوي من الناخبين في جميع الدوائر الانتخابية خلال انتخابات سنة 2009، وذلك بالرغم من تقلص نسبة الأصوات التي كسبها. ويعتبر هذا في حد ذاته مكسباً هاماً بالنظر إلى أن الدعم الذي حصلت عليه كافة الأحزاب السياسية الأخرى يبقى ضيقاً ومحصوراً في بعض المناطق والجماعات، عوض أن يكون شاملاً لجميع البلاد كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.


فكان من نتيجة هذه الانتخابات أن أصبحت كل الأحزاب السياسية، فيما عدا العدالة والتنمية، تركز وتستثمر جهودها على المناطق والجماعات المحدودة التي تحظى بدعمها فقط. ولعل أهم ما أعطى لحزب العدالة والتنمية كل هذا النجاح هو قدرته على التجاوب مع مطالب الناخبين والتوفيق بين مختلف المواقف والآراء السياسية.


فمثلاً، كان بإمكانه أن يحظى بدعم الجماعات القومية في منطقة الأناضول الوسطى، وفي نفس الوقت الحصول على دعم الجماعات المؤيدة للأكراد في جنوب شرق الأناضول. وهذا ما زاد من قوة الحزب، بحيث صار اللاعب الرئيسي وسط مجموعات عرقية مختلفة، يدير دفة الحوار بينها ويسعى للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف في البنية السياسية التركية المتشابكة، بل وصار صمام الأمان الوحيد القادر على أن يقود البلاد نحو مزيد من اللُّحمة الداخلية والتعايش الطائفي التعددي.


العامل القيادي 


يعتبر هذا الأخير أهم عامل استراتيجي في سياسة حزب العدالة والتنمية، حيث أنه يبقى الأكثر فاعلية نظراً لكونه العجلة المحركة للعاملين السابقين. وحيث أن الاستخدام الفعال للإطار السياسي والحفاظ على دعم الناخبين كانا في جانب كبير منهما نتيجة للقيادة الناجحة لأردوغان، فقد كانت الغالبية العظمى للناس، باختلاف مشاربهم الاجتماعية والسياسية، تربط بين مطالبها وتطلعاتها السياسية وبين القيادة الشخصية لأردوغان.


فمثلاً، بالرغم من العديد من الانتقادات التي تعرضت لها بعض سياسات حزب العدالة والتنمية في بعض المناطق ذات الغالبية السكانية من الأكراد، إلا أن شخصية أردوغان حظيت دائماً بثقة الناس. ولعل أبرز مثال على ذلك التجاوب الكبير الذي لقيه شعار "بلد واحد، دولة واحدة، علم واحد" الذي حمله حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات سنة 2007. ففي قاموس المعارضة الكردية، يعتبر هذا الشعار ترجمة حرفية لإنكار وجود الهوية العرقية للكرديين، ولكنه في نفس الوقت لاقى ترحاباً لدى الشارع الكردي خلال خطابات أردوغان الذي رأوا فيه إشارة إلى حل محتمل للقضية الكردية. فقد اعتبر الجميع نداء أردوغان على أنه دعوة للتعددية في إطار وحدة قومية عوض أن يكون نبذاً للاختلافات.


كل ذلك ما كان ليتحقق لولا ثقة الشارع، سياسياً وثقافياً، في شخصية أردوغان التي يرى فيها الكثيرون رمزاً للإصلاح الديمقراطي ومحفزاً على إيجاد الحلول لقضايا الدولة الشائكة. ولعل استطلاعات الرأي التي أُجرِيت في أوساط الأكراد عن أكثر القادة السياسيين شعبية لديهم تؤيد هذا الطرح، إذ أن أردوغان حافظ على مكانته على رأس هذه اللائحة.


الطريق نحو إيجاد الحل؟ 





موقف الحزب الداعي إلى المزيد من الإصلاح الديمقراطي في التعاطي مع القضية الكردية سوف يعزز من موقفه على الساحة السياسية الداخلية ويظهره بمظهر الحزب المؤيد للتغيير السياسي.
كما سبق وذكرنا، تبقى القضية الكردية موضوعاً شائكاً ربما سيتطلب سنوات عدة قبل الوصول إلى حل نهائي له. كما أن المنحى الذي سيسلكه هذا الحل سوف تظهر ملامحه النهائية حسب النشاطات السياسية للأطراف المعنية بهذه القضية. وبما أن الطرح الأمني التقليدي الذي ميز سياسات الدولة السابقة قد وصل إلى الباب المسدود، مع كل ما جره ذلك من تبعات ومصادر لزعزعة الاستقرار الاجتماعي السياسي للبلاد، فإن مبادرة حزب العدالة والتنمية جاءت كخيار سياسي جديد يسمح بمزيد من التحرك السياسي ويضمن استمرار التعددية الشاملة للمجتمع التركي.

فموقف الحزب الداعي إلى المزيد من الإصلاح الديمقراطي في التعاطي مع القضية الكردية سوف يعزز من موقفه على الساحة السياسية الداخلية ويظهره بمظهر الحزب المؤيد للتغيير السياسي. بعبارة أخرى، فإن حزب العدالة والتنمية استطاع بمهارة أن يجعل من مسألة أمنية شائكة ومعقدة فرصة لتحقيق رؤية تعددية تضمن استمرارية الوحدة القومية.


وبينما سيكون علينا الانتظار لبعض الوقت لنرى ما إذا كانت مبادرة الإصلاح الديمقراطي التي ينادي بها حزب العدالة والتنمية سوف تؤتي ثمارها، استطاع هذا الحزب بالفعل أن يترك بصمته في كيفية التعاطي مع المشاكل الاجتماعية السياسية في تركيا. فهذا النوع من المشاكل يتطلب خيالاً سياسياً خصباً قادراً على تعزيز التعددية العرقية داخل إطار من الوحدة القومية، ويجعل من هذه التوليفة الحل الأمثل للحفاظ على الوحدة الوطنية لتركيا.


فما من شك أن هذا هو السبيل الوحيد لخلق مستقبل مشرق قادر على تخطي كل تلك الصعاب، مع التركيز على أن مستقبل الجميع واحد وأن هناك ذاكرة جماعية توحد صفوفهم وتجعل منهم دولة واحدة وشعباً واحداً يعيش على أرض واحدة.
_______________
باحث، مؤسسة سيتا