تداعيات انتخابات أمريكا على إيران: الاتجاه للتصعيد

بعد عامين على انتخاب الرئيس أوباما انحاز الناخب الأمريكي للحزب الجمهوري الذي اكتسح مجلس النواب وزادت مقاعده في مجلس الشيوخ واستحدوذ على أغلبية مقاعد حكام الولايات، فما انعكاسات هذا التغيير على السياسة الأمريكية الخارجية؟ وما تداعياته الخاصة على استرتيجية أمريكا إزاء إيران؟







عماد مكي


في عام 2008، وبعد الانتخابات التاريخية التي جاءت بأول رئيس أمريكي من أصل إفريقي للبيت الأبيض قوت يد الحزب الديمقراطي في السيطرة على الحكم في واشنطن،و كان الجمهوريون يوصفون "بالفئة المنقرضة" التي أوشكت على الفناء. استبشر خبراء العلاقات الدولية أن عهد التلويح بالقوى العسكرية الأمريكية قد أفسح الطريق لعهد جديد من التوافق الدولي والتقارب بزعامة رئيس أمريكي شاب يحمل رغبة حقيقة في التغيير.


عودة الجمهوريين
التغييرات التي جلبتها الانتخابات
رد فعل الإدارة
خيارات إدارة أوباما والسناريوهات المحتملة


عودة الجمهوريين


خرج الصحفي الأمريكي مايك ألن من جريدة بوليتيكو المتخصصة في شئون الكونجرس والتشريعات الأمريكية بعد فوز الرئيس أوباما ليعلن أن الأمر سيستغرق جيلا كاملا من الزمان، على أقل تقدير، ليتمكن الحزب الجمهوري من العودة بأي شكل للكونغرس أو البيت الأبيض أو حتى حكم الولايات.


إلا أن الأمر لم يستغرق سوى عامين فقط ليرتد الناخب الأمريكي على عقبيه ويصوت في انتخابات 2 نوفمبر/تشرين ثان 2010 لصالح الحزب الجمهوري، الذي يمثل اليمين الأمريكي المتشدد بميوله لعسكرة السياسة الخارجية، وليكتسح صقور الجمهوريين مجلس النواب، ويزيد الحزب مقاعده في مجلس الشيوخ، ويستحوذ على أغلبية مقاعد حكام الولايات بل والمجالس التشريعية المحلية في الولايات، مهددا بشكل شبه مميت فرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إعادة انتخابه عام 2012 لفترة رئاسية ثانية.


وربما كان هذا هو ما دعا العديد من المحللين في واشنطن إلى وصف هذا التغيير بأنه "انقلاب" أو "سونامي" أو حتى "ثورة جديدة". فهل تنطبق تلك الصفات على التغيير فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية الخارجية؟ وهل له تداعيات مباشرة على سياسة أمريكا وإستراتيجيتها المتبعة إزاء إيران على وجه الخصوص؟


التغييرات التي جلبتها الانتخابات






إن من يسيطر على الكونغرس وعلى لجان الشئون المختلفة يحق له دعوة من يشاء في الجلسات لإلقاء الشهادات والبيانات أمام الكونغرس. وبهذا سيكون للكثير من نشطاء إسرائيل الفرصة في الصعود الإعلامي أثناء تغطية تلك المناقشات. وسيتم إعطاؤهم تغطية إعلامية كخبراء في المنطقة العربية لتمرير وجهات نظر أكثر مواجهة ضد إيران
للإجابة على هذا السؤال يجب أن ندرس تفاصيل التغيير وبمن جاء خصوصا فيما يتعلق بالأشخاص الذين سيكون لهم اتصال مباشر بالاستراتيجية الأمريكية إزاء إيران.

لقد اشتملت التغييرات التي جاءت بها انتخابات 2 نوفمبر/تشرين ثان 2010 على النقاط التالية:




1- سيطرة الجمهوريين على قيادة كل لجان مجلس النواب، ولعبهم دورا اكبر في لجنة العلاقات الخارجية الهامة في مجلس الشيوخ، ما يعني أن عددا كبيرا من جلسات الاستماع والتحقيقات وجلسات الاستماع المتعلقة بالملف الإيراني سيتم عقدها بدعوات من أعضاء ذوي ميول متشددة لصالح إسرائيل ومعادية لإيران.


2- سيتمكن الكونغرس الجمهوري من تكثيف الضغوط على إيران حيث إن التقارير والجلسات التي ستعقد لدراسة استراتيجية الإدارة تجاه إيران في العاميين الماضيين ستكون عاملا مؤثرا على التكتيكات القادمة في العامين القادمين. كما ستعمل تلك الجلسات التحقيقية، من جانب آخر، كآلة تحريضية على ضربات عسكرية تصلح كأداة ترويجية مستقبلية لأية إدارة جمهورية تأتي للبيت الأبيض فيما بعد لتأمين موافقات على عملية عسكرية. وهذا هو ما أدركه الباحث الأكاديمي في شئون الشرق الأوسط البروفيسور مارك لينش، المدرس بجامعة جورج واشنطن، الذي كتب على مدونته بعد ظهور نتيجة الانتخابات: إن الكونجرس القادم تحت قيادة الجمهوريين "سيصبح منصة للصقور المطالبين بالحرب على إيران". والمعلوم أن سيناريو الحرب على العراق تم بطريقة مشابهة عن طريق استغلال فعاليات مكثفة للكونجرس من جلسات واستجوابات وتقارير في نشر تبريرات الحرب. إلا أن هذا التصعيد من الكونغرس لا يعني بالضرورة قيام حرب مماثلة حتمية أو حتى شن ضربة عسكرية في الوقت الحالي نتيجة انخراط أمريكا في عمليات عسكرية في أفغانستان وباكستان والعراق وعمليات مراقبة وإمداد عسكري في مناطق أخرى حول الشرق الأوسط وهو ما يرهق العسكرية الأمريكية المنخرطة في حروب طال أمدها بالفعل أرهقت الجنود الأمريكيين وقلت من شعبية العمليات العسكرية بين الأمريكيين في الوقت الحالي.


3- مع وصول عدد كبير من الجمهوريين الجدد لواشنطن العاصمة، سنجد الكثير من التصريحات النارية منهم فيما يتعلق "بتهديدات إيران" لأمن أمريكا وأمن أصدقائه. وستزيد التصريحات نتيجة رغبة عدد من هؤلاء الأعضاء الجدد في الفوز بالترشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة في عام 2012. والمعروف حتى الآن أن الحلبة مفتوحة أمام الجميع لاختيار شخص ينافس الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تلك الانتخابات الهامة.


4- سيطرة النائبة الجمهورية المتطرفة إيلينا روس ليتنين، التي تمثل إحدى مقاطعات ولاية فلوريدا ذات الكثافة السكانية اليهودية، على رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وهي اللجنة المؤثرة بشكل مباشر في سياسات أمريكا الخارجية.


والمعروف أن النائبة ليتنين أكثر صهيونية في ميولها من بعض اليهود أنفسهم نتيجة قربها من دوائر التمويل الصهيونية في أمريكا. و ليتنين معروفة بانتقادها الشديد للأمم المتحدة، التي تساهم في إدارة الملف الإيراني حاليا، ودعمها غير المحدود لإسرائيل، الدولة الأكثر قلقا من برامج التسلح الإيراني، علاوة على رغبتها الدائمة في تغيير الأنظمة المناوئة لأمريكا في إيران وسوريا علاوة على تصريحاتها المتوالية بضرورة كسر حركات المقاومة العربية والإسلامية على إطلاقها وبدون تمييز مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحزب الله وغيرها.


كما أعربت النائبة مرارا عن رغبتها في تكثيف العقوبات ضد إيران بشكل شامل وكامل يفوق ما تقوم به الإدارة الحالية من اتباع سلم تدريجي تصاعدي في العقوبات.وهذه الاتجاهات التي تمثلها ليتنين أكثر ضراوة من ميول الديمقراطيين الذين يسعون لاستخدام الدبلوماسية كمقدمة للإجراءات العنيفة.


5- سيطرة الجمهوريين على اللجنة الفرعية للإرهاب في مجلس النواب وهي إحدى أهم الآليات لتمرير العقوبات على معارضي إسرائيل مثل إيران وسوريا. ومن المرشح أن يقودها واحد من ثلاثة كلهم موالون تماما لإسرائيل هم النائب أيد رويس، الذي يمثل إحدى دوائر كاليفورنيا، أو الجمهوري المتشدد بيتر كنغ، الذي يمثل إحدى دوائر نيويورك أو النائب سبنسر بوكس من ولاية آلاباما، وكلهم بالطبع من الجمهوريين.


6- نجاح النائب المغالي إيريك كانتور في هذه الانتخابات في فيرجينيا سيجعله يحصل على أعلى منصب يصل إليه سياسي يهودي داخل الكونغرس، وهي المرتبة الثانية في سلم زعامة الأغلبية في مجلس النواب. وبهذا يتوقع المزيد من التشدد ضد طهران والتلويح بالخيار العسكري.


7- في واشنطن، ربطت إسرائيل مرارا بين قيامها بتقديم تنازلات أو تحريك المفاوضات مع الفلسطينيين، بقيام بواشنطن بإحراز تقدم في السياسة الخارجية مع إيران وتقديم تطمينات لإسرائيل بعدم تهديد برامج إيران النووية لها، وعليه فإن وصول الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب سيعني دعما لتلك المطالب مما قد يعقد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ويربطها بتطورات الموقف مع إيران.


8- خروج السيناتور الديمقراطي رس فاينغولد، المعروف بميوله اليسارية، من مجلس الشيوخ وفقدان مقعده في لجنة العلاقات الخارجية حيث كان يعتبر ثالث أقوي ديمقراطي في اللجنة بعد السيناتور جون كيري والسيناتور كريس دود، الذي سيتقاعد لاحقا هو الآخر. وكان فاينغولد من القلائل الذين عارضوا أجندة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش العسكرية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول فيما يتعلق بتوسيع ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب. كما أنه طالب مرارا بوضع خطط زمنية سريعة لتقليل القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان وطالب باعتماد المفاوضات مباشرة مع إيران كحل بديل عن خيار العمليات العسكرية.


9- توقع زيادة الضغوط حتى على الدول التي تعتبرها واشنطن معتدلة مثل مصر والسعودية وباقي دول الخليج فيما يتعلق بالملف الإيراني مع ميل الكونغرس الجمهوري لاستخدام ورقة الجلسات والتقارير عن أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية والمعونة لاستدرار مواقف لا تعادي إسرائيل وربما تكون أكثر تشددا تجاه إيران.


10- سيشهد الكونغرس صعودا لا لأعضائه الجمهوريين المتشددين وحسب بل أيضا لنشطاء الشرق الأوسط المتطرفين تجاه إيران خصوصا من بين مراكز البحث اليمينية المنتشرة في واشنطن مثل أمريكان انتربراز انستيتيوت، وهيرتدج ومعهد هادسن، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وكلها تنادي بالتلويح الجدي بالخيار العسكري ضد إيران. حيث إن من يسيطر على الكونغرس وعلى لجان الشئون المختلفة يحق له دعوة من يشاء في الجلسات لإلقاء الشهادات والبيانات أمام الكونغرس. وبهذا سيكون للكثير من نشطاء إسرائيل الفرصة في الصعود الإعلامي أثناء تغطية تلك المناقشات. وسيتم إعطاؤهم تغطية إعلامية كخبراء في المنطقة العربية لتمرير وجهات نظر أكثر مواجهة ضد إيران.



رد فعل الإدارة



لكن وبما أن الكونغرس ليس جهة تنفيذية فهل سيتمكن من إجبار البيت الأبيض والإدارة على تبني سياسة مختلفة تجاه إيران، ربما تكون أكثر صدامية ومواجهة، مع العلم أن للرئيس الأمريكي في نهاية المطاف له حق الفيتو على بعض القرارات والقوانين التي يصدرها الكونجرس؟


ولمعرفة الإجابة يجب أن نتعرف على ملامح السياسة الحالية لنستطيع أن نميز ما قد يلحقها من تغيير في المستقبل تحت تأثير الجمهوريين.



السياسة القائمة من قبل الديمقراطيين تجاه إيران:


ترتكز سياسة واشنطن الحالية تجاه إيران على جانبين : أولا الجانب السياسي والدبلوماسي المزدوج، وثانيا الجانب العسكري.


أولا الجانب السياسي والدبلوماسي:


اعتمدت واشنطن تحت حكم الديمقراطيين على استخدام عصا الضغوط السياسة والدبلوماسية والاقتصادية مع التلويح بجزرة المفاوضات في نفس الوقت، لمحاولة لإيقاف طهران عن الاستمرار قدما في برنامجها النووي، والذي تدعي فيه أمريكا وإسرائيل أنه يحتوي على مكون للتسلح النووي.


ومنذ مجيء إدارة أوباما وتزعم هيلاري كلينتون ملف السياسة الخارجية الأمريكية تمحور البعد الدبلوماسي حول استعمال التنديدات السياسية بملف حقوق الإنسان في إيران كما هو الحال في قضية الإيرانية سكينة محمدي أشتياني التي تواجه عقوبة الإعدام بجريمة الزنا. كما تستعمل واشنطن الاتهامات لقادة إيران بالإخفاق في حماية الحقوق الأساسية لمواطنيهم أنفسهم، وبوجه خاص النساء.


وتستخدم الإدارة عصا الديمقراطية كذلك مثل ما حدث بعد انتخابات إيران الرئاسية في 12 يونيو/ حزيران 2009، بما في ذلك اتهام إيران بارتكاب انتهاكات خطيرة للديمقراطية، تبرر فرض عقوبات إضافية.


ومن الناحية العملية مررت واشنطن تحت حكم الديمقراطيين عددا كبيرا من القوانين والإجراءات العقابية الاقتصادية التي تشدد الحظر الاقتصادي على إيران تقدم بها عدد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين. واتبع أوباما أسلوب أن كل تطور جديد من جهة إيران لا ترضى عنه الإدارة سيستلزم نوعيات من العقوبات ضد إيران جديدة ومختلفة وتصاعدية وتدريجية.


وتعتمد واشنطن في تبرير العقوبات على أن ثمة مزيدا من الأدلة على أن العقوبات تخلف أثرا داخل الجمهورية الإسلامية، مثل زيادة المصاعب في تمويل مشاريع داخل إيران لا سيما في قطاعات مثل النقل والتأمين والى حد ما النفط .


لكن على الجانب الآخر من الشق الدبلوماسي فتحت أمريكا فرصا إما الحوار مع إيران. حيث تقول الولايات المتحدة، وشريكاتها، ومجلس الأمن الدولي وألمانيا (مجموعة خمسة زائد واحد التي تضم روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ) أنها على استعداد للجلوس والتعاطي مع إيران بخصوص المخاوف الدولية حول نشاطاتها النووية. وهناك محادثات بشأن عقد تلك الاجتماعات هذا الشهر بعد الانتهاء من حسم الخلافات حول مكان عقدها.


كما قامت أمريكا بتصنيف منظمات سنية معارضة لطهران، مثل تنظيم جند الله، كتنظيم إرهابي وهو ما اعتبر احد إيماءات التقارب الأمريكي مع الدولة الشيعية.


ثانيا: الجانب العسكري


تعتمد السياسة الأمريكية الديمقراطية الحالية في الشق العسكري حول الغموض. فنجد أن زعيم أكبر قوة عسكرية في العالم لم ينف ولو مرة واحدة إمكانية استخدام القوة العسكرية ضد طهران بل إنه دائما ما يكرر، بالتضامن مع عدد غير قليل من موظفي الإدارة مدنيين وعسكريين، أن الخيار العسكري ضد إيران لا يزال مطروحا على الطاولة وان "كل الخيارات متاحة".


والهدف من هذه الاستراتيجية ذات الشقين (العسكرية والدبلوماسية) هو:



1-تضييق الخناق على النظام وإفلاسه ماليا حتى لا يتمكن من تقوية العسكرية الإيرانية أو تمويل برنامجه النووي.


2-الهدف الآخر أن تضييق الخناق قد يدفع بالإيرانيين المتضررين اقتصاديا بإلقاء اللوم على النظام الحاكم في التسبب في عزل إيران ومن ثم الانطلاق نحو الثورة أو المطالبة بالتغيير من النظام كما أن التهديد العسكري يرمي لإقناع الشعب الإيراني أن النظام الحالي يتبع سياسات خاطئة تضر بجموع الإيرانيين بما في ذلك شبح التدمير الكامل من قبل القوة العسكرية الأمريكية الساحقة التي استطاعت دخول بغداد في ثلاثة أسابيع فقط رغم أن الحرب العراقية الإيرانية استمرت لثماني سنوات بدون حسم عسكري.



فهل ستتغير استراتيجية الإدارة تلك؟




1-من الواضح أن الديمقراطيين لا يعتبرون حتى الآن أن هذا التصويت الأخير موجهه ضد سياستهم الخارجية من قريب أو بعيد. حتى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مؤتمره الصحفي، والذي بدا فيه شاحبا حزينا بعد ظهور نتيجة التصويت ، لم يتطرق خلال ساعة كاملة من الأجوبة والأسئلة للعلاقات الخارجية الأمريكية على الإطلاق.


كما أن الإجماع الفكري في أمريكا هو أن الناخب الأمريكي أدلى بصوته على أسس من الاهتمام المحض بالسياسة الداخلية خصوصا ظروف الاقتصاد الأمريكي، لا على خلفية السياسة الخارجية، أو علاقة أمريكا مع الدول الأجنبية.


2- لم ينجرف الجمهوريون كذلك أثناء الحملات الانتخابية الداخلية إلى التطرق إلى موضوع إيران إلا فيما ندر. بل ركزوا على انتقاد أوباما والديمقراطيين في نقاط السياسة المحلية.


3-من الواضح كذلك أن الأمريكيين أنفسهم مستغرقون في شئونهم الداخلية ولا يلقون بالا كثيرا، خارج واشنطن العاصمة، بقضية إيران أو حتى الشرق الأوسط ككل على الأقل في هذه الفترة التي أصبحت أرقام البطالة على كل لسان ويرى الأمريكيون تدهورا نسبيا في مستوى معيشتهم.



خيارات إدارة أوباما والسيناريوهات المحتملة



الخيار الأول: هو استمرار السياسة الأمريكية الحالية على ما هو عليه بشقيها العسكري والدبلوماسي. استغلالا لعدم بروز السياسة الخارجية عموما، والسياسة تجاه إيران خصوصا، كنقطة خلاف أثناء الحملة الانتخابية.


الخيار الثاني: لكي يستعيد أوباما حيويته وشعبيته ضمن الناخبين الذين أتوا به للبيت الأبيض، يجب أن يعود لروح حملة الانتخابات الرئاسية في 2008. وان يتبنى سياسة يسارية مبنية على المبادئ والأخلاق بمعنى أن عليه ألا يخفق في تحقيق المثل العليا التي تحدث عنها في السابق. بمعنى أنه يجب عليه أن يبدأ مفاوضات حقيقة للتوصل إلى حل مع طهران بشأن عدد من القضايا مثل البرنامج النووي الإيراني ودعم جماعات المقاومة، ونفوذ إيران في العراق، وسعي إيران لبث نفوذها في المنطقة العربية. ومعنى سياسة المبادئ والمثل تلك أيضا هو انسحاب أمريكي شبه كامل من العراق ومن أفغانستان، كما وعد أوباما في حملته الانتخابية وعدم تهديد إيران عسكريا.


الخيار الثالث: هو التحرك يمينا من اليسار الأمريكي إلى الوسط السياسي أو حتى إلى يمين الوسط، كما يرغب الجمهوريون، وترضية أعضاء الكونجرس الجمهوريين المتشددين فيما يتعلق بإيران.


فأي سيناريو إذا هو الأكثر احتمالا :



السيناريوهات المحتملة:



أولا على الاستراتيجية الدبلوماسية: على الأرجح سيكون الخيار الثالث هو الأكثر احتمالا وذلك لان أوباما نفسه أعلن أنه سوف يعمل فعلا على التقارب مع الجمهوريين. وثاني الأسباب أن أوباما بحاجة إلى استرضاء الناخبين عن طريق السياسة الداخلية وهو ما لن يتمكن منه إلا بموافقة الجمهوريين على القوانين التي سيطرحها في الكونجرس هو سيضطر إلى أحداث تضحيات في السياسة الخارجية لكي يحظى ببعض الدعم في السياسة الداخلية. ثالثا يحتاج أوباما إلى تقليل الانتقاد لإدارته، فإذا لم يتقارب أوباما سياسيا مع الجمهوريين فسيتم توجيه الانتقاد له بأنه لم يعاقب روسيا والصين بشكل جيد بسب استمرار تعاملاتهم الاقتصادية مع إيران، أو انه قائد ضعيف، أو انه لا يقدم إلا الاعتذارات في السياسة الخارجية وما شابه من الانتقادات له التي شابت العاميين الماضيين .


ثانيا على الموقف العسكري: سيشهد هذا الجانب تصعيدا أكيدا عن طريق التلويح بالخيار بشكل غير مسبوق. فمن المستقر في أدبيات السياسة الأمريكية أن الجمهوريين أكثر تشددا في السياسة الخارجية الأمريكية ويميلون إلى استعراض العضلات العسكرية، بنفس نوعية الديمقراطيين، ولكن بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع نتيجة قرب آلة التصنيع العسكرية من المشرعين والنشطاء الجمهوريين.


والدليل على ذلك أن هناك تصعيدا لفظيا قويا حدث بالفعل بعد نتيجة الانتخابات مباشرة. حتى أن واحدا من اكبر صقور الحزب الجمهوري والمتحدثين باسم الأمن القومي في الحزب وهو كذلك أحد أبرز أعضاء مجلس الشيوخ السيناتور ليندسي غراهام صرح يوم 6 نوفمبر/تشرين ثان، أي بعد الانتخابات بأربعة أيام فقط، صرح قائلا إنه يجب توجيه ضربة عسكرية لإيران تدمر الجيش الإيراني بالكامل مع القضاء على القوات الجوية الإيرانية وإغراق الأسطول وتدمير الحرس الجمهوري عن طريق ضربات جوية أمريكية مكثفة تعمل على القضاء على فرص قيام إيران بأية تهديدات.


والسيناتور غراهام هو أحد أعضاء لجنة الخدمات المسلحة العسكرية في الكونغرس علاوة على لجنة الأمن القومي. وجاءت تصريحاته تلك في منتدى هاليفاكس الدولي الذي عقد في كندا ودعا فيها إلى "تحييد النظام الإيراني" وذلك على أمل أن يقوم الإيرانيون "باسترداد الحكومة" من نظام ولاية الفقيه. وهو نفس الهدف لدبلوماسية الرئيس أوباما. ويعبر غراهام في فكره عن الاعتقاد السائد بين الجمهوريين أن العقوبات، التي يتبناها الديمقراطيون، وحدها لن تردع إيران عن بناء أسلحة نووية.


هذا وسيؤدي التقارب مع الجمهوريين إلى قيام الإدارة نفسها بتضخيم الحل العسكري إذا ما استمرت إيران في تحديها لواشنطن، مع إطلاق العنان لرجل الإدارة الذي يتولى الملف الإيراني وهو دينس روس الذي قال في الكثير من كتاباته أن النظام في طهران لن يرجع عن تصرفاته إلا إذا رأى تهديدا عسكريا حقيقا.


الخلاصة أن الانتخابات صعبت الأمر ليس على الإدارة فقط ولكن على إيران وان الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا حقيقا من الجانب الأمريكي ضد إيران يتزعمه أعضاء الكونجرس من الجمهوريين، ويصفق له اليمين الأمريكي في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام في أجواء سياسة مشحونة ستجبر إدارة أوباما على الكشف عن بعض أنيابها تجاه إيران.
_______________
رئيس تحرير وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك