التغلغل الإسرائيلي في دول البلقان

تنشط الدبلوماسية الإسرائيلية في منطقة البلقان نشاطا منقطع النظير يعكس جانبا من الإستراتيجية الإسرائيلية بأوروبا الشرقية، وقد قطعت إسرائيل أشواطا وهي تكثف علاقاتها بدول المنطقة في سبيل عرقلة التحرك الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل.
201172182020770580_2.jpg

في الأسابيع الأخيرة أقيمت حملة علاقات عامة إسرائيلية غير مسبوقة في أوربا لمحاصرة الطلب الفلسطيني المعروض أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتعلق بإعلان استقلال دولة فلسطين في سبتمبر /أيلول 2011. ومع تقدير وزارة الخارجية الإسرائيلية أن هذا الاقتراح سيحظى بتصويت أغلبية تتجاوز المائة دولة وستضم دول عدم الانحياز ودول منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا)، فإنّ إسرائيل تحاول على الأقل تهميش التصويت على الاقتراح الفلسطيني، وذلك بعزل معظم الدول الأوروبية عنه بضمان تصويتها ضده أو امتناعها عن التصويت على الأقل. وفي هذا السياق جاءت هذه الحملة الإسرائيلية للعلاقات العامة لتبيّن إلى أين وصلت إسرائيل في علاقاتها مع دول البلقان التي كانت تاريخيا مؤيدة للجانب الفلسطيني.

من انهيار سور برلين إلى اقتحام أسطول الحرية

شكّل انهيار سور برلين سنة 1990 وسقوط الأنظمة الاشتراكية في أوربا الشرقية عموما ودول البلقان خصوصا تحولا استراتيجيا لصالح إسرائيل. صحيح أن معظم هذه الدول اعترفت بإسرائيل في 1948 وسمحت لليهود فيها بالهجرة إلى الدولة الجديدة، ولكن بعد تطور علاقات هذه الدول مع العالم العربي الإسلامي، سواء تحت مظلة اليسار، أو عدم الانحياز منذ خمسينات القرن العشرين، قامت معظم هذه الدول بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عام 1967، وأخذت تقترب أكثر من الطرف الفلسطيني إلى حد اعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة التي أعلنت في الجزائر عام 1988 والسماح للطرف الفلسطيني برفع ممثلياته إلى سفارات.

ولكن بعد سنتين فقط من هذه "الذروة" في العلاقات البلقانية العربية انهار سور برلين، لتسقط بعده الأنظمة الاشتراكية (بلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا وألبانيا) التي ارتبطت بعلاقات جيدة مع العالم العربي الإسلامي، وتتشظى يوغسلافيا إلى سبع دول (سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة ومقدونيا والجبل الأسود وصربيا وكوسوفا)، مما رسم خريطة جغرافية سياسية جديدة للبلقان سمحت لإسرائيل أن تعود بقوة إلى المنطقة. فقد تم ربط المواقف السابقة المؤيدة للعرب والفلسطينيين بـ"الأنظمة الديكتاتورية" التي كانت موجودة، بينما أصبحت "الأنظمة الديمقراطية" التي برزت بتأييد قوى للولايات المتحدة و"الجماعة الأوروبية" (الاتحاد الأوروبي لاحقا) معنية بمراجعة علاقاتها مع دول العالم ومن بينها إسرائيل. وهكذا فقد تتابع عود العلاقات الدبلوماسية بين دول البلقان القديمة والجديدة (المنبثقة عن يوغسلافيا السابقة) مع إسرائيل لتشهد بداية تشكل صورة جديدة لإسرائيل بالمقارنة مع الصورة التقليدية التي كانت موجودة حتى ذلك الحين. وبالنسبة لإسرائيل فقد كانت معنية أولا بالوصول إلى من بقي من اليهود في تلك الدول وجذبهم للهجرة إلى إسرائيل، ومد جسور جديدة إلى منطقة البلقان تعوض فيها الفراغ الذي كان في النصف الثاني للقرن العشرين.

ومع ذلك يلاحظ أن اهتمام إسرائيل بدول البلقان قد زاد كثيرا بعد مايو /أيار 2010، وبالتحديد مع التوتر المتصاعد في العلاقات التركية الإسرائيلية في 2009-2010 الذي وصل إلى ذروته في نهاية مايو /أيار 2010 مع الاقتحام الإسرائيلي لأسطول الحرية. ويلاحظ هنا أنه مع تصاعد التوتر التركي الإسرائيلي زادت كل من تركيا وإسرائيل من اهتمامها بدول البلقان، وإن كان لكل منهما دوافعه الخاصة. فقد استفادت تركيا كإسرائيل من انهيار سور برلين 1990 لتقوم باختراق كبير في البلقان من خلال الأنظمة والدول الجديدة (من بلغاريا على شاطئ البحر الأسود إلى ألبانيا على شاطئ البحر الأدرياتيكي). ولكن الدور التركي تصاعد كثيرا بعد وصول "حزب التنمية والعدالة" إلى الحكم في 2002، وتمكنت تركيا من إحراز اختراق جديد في علاقاتها مع دول غرب البلقان (مقدونيا وصربيا والبوسنة وكوسوفا وألبانيا) خلال 2009-2010.

وفي الوقت نفسه فقد أخذت إسرائيل تعد لاختراق جديد في البلقان بالتركيز على الدول المحيطة بالمجموعة السابقة (بلغاريا ورومانيا وكرواتيا واليونان وقبرص) والتي تشكل قوسا مهما لحصار تركيا وربط هذه الدول بمصالح إستراتيجية وأمنية واقتصادية مع إسرائيل (الإرهاب والسلاح والطاقة الخ). وفي هذا السياق، على سبيل المثال، فقد قام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بزيارة اليونان في أغسطس /آب 2010 لتكون أول زيارة يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلي إلى هذه الدولة التي عرفت حتى ذلك الحين بعلاقاتها الوثيقة مع العرب وتأييدها للموقف الفلسطيني. وفي هذا السياق تتابعت الزيارات وعقدت اتفاقيات على أعلى المستويات، كما سنرى، بين إسرائيل وبلغاريا ورومانيا وكرواتيا الخ.

دول البلقان ضمن الحملة الإسرائيلية

ضمن "الحملة على أوربا" التي دشنها نتنياهو بزيارة روما في شهر مايو /أيار 2011، وتلتها زيارات له ولوزير الخارجية أفيغودر ليبرمان إلى العديد من الدول الأوروبية، حظيت دول البلقان بزيارتين حتى الآن على الأقل: الأولى زيارة ليبرمان لكرواتيا وألبانيا في نهاية يونيو /حزيران الماضي والثانية لنتنياهو في مطلع يوليو /تموز الجاري.

وفيما يتعلق بدول البلقان اتضح أن ثمار "الحملة على أوربا" أخذت تثمر لصالح إسرائيل منذ نهاية مايو /أيار 2011، أي في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يحقق أول نجاحاته في إيطاليا المجاورة. ففي نهاية مايو /أيار تسرّع السفير الفلسطيني في بلغراد محمد نبهان ليصرح بعض لقائه بعض المسؤولين الصرب أنه فهم أن بلغراد ستؤيد إعلان دولة فلسطينية مستقلة في سبتمبر /أيلول القادم. ويبدو أن هذا الإعلان المبكر قد أثار إسرائيل وجرى ما جرى ليصدر نفي رسمي بعد يومين من وزارة الخارجية الصربية يوضح أن "صربيا لن تؤيد إعلان استقلال فلسطيني". وعكس هذا، بشكل من الإشكال، التقارب في المواقف بين صربيا وإسرائيل في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد إعلان استقلال كوسوفا في فبراير /شباط 2008 وزيارة ليبرمان إلى بلغراد في سبتمبر /أيلول 2009. فقد قادت صربيا حملة عالمية لمنع الاعتراف بالدولة الكوسوفية الوليدة لكونها جاءت نتيجة "لاستقلال من طرف واحد"، ونجحت في إقناع إسرائيل بعدم الاعتراف بها على الرغم من تمنيات الولايات المتحدة التي كانت على رأس الداعمين والمعترفين باستقلال كوسوفا. ومن هنا فقد صوّرت إسرائيل المسعى الفلسطيني بأنه "استقلال من طرف واحد" أيضا وأن اعتراف صربيا بذلك ينسف اعتراضها على استقلال كوسوفا.

ولكن أهمية موقف بلغراد بالنسبة لإسرائيل يفوق غيره؛ لأن بلغراد لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة مع دول عدم الانحياز بسبب كوسوفا في الدرجة الأولى، مع أنها ليست عضوا في الحركة، بل إنها تحضّر لقمة عدم الانحياز في بلغراد في سبتمبر /أيلول القادم بمناسبة الذكرى الخمسين لقمة بلغراد المؤسسة للحركة. ومن هنا فإن نجاح بلغراد في إقناع معظم دول عدم الانحياز بعدم الاعتراف باستقلال كوسوفا لكونه "من طرف واحد" يروج للموقف الإسرائيلي بين هذه الدول لعدم الاعتراف بـ "استقلال فلسطيني من طرف واحد" كذلك، ويجعل إسرائيل تأمل ببعض التأثير الصربي لصالحها. وبعد هذا النجاح الإسرائيلي الأولي، جاءت زيارة وزير الخارجية ليبرمان إلى كرواتيا وألبانيا في نهاية يونيو حزيران 2011، مع الفارق بين ما تعنيه كل دولة بالنسبة لإسرائيل.

ففيما يتعلق بكرواتيا التي ستصبح الدولة الـ28 في الاتحاد الأوروبي في 2013 يلاحظ أن العلاقات مع إسرائيل قد تطورت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وكان ليبرمان قد زار زغرب في سبتمبر /أيلول 2009 حين وصفت العلاقات بين الدولتين بأنها "ممتازة"، وهي السنة التي امتنعت فيها كرواتيا عن التصويت على تقرير غولدستون في الجمعية العامة. وقد تطورت العلاقات أكثر بعد اقتحام أسطول الحرية في مايو /أيار 2010، وهو الشهر الذي قام فيه وزير الخارجية الكرواتي غوردان ياندروكوفيتش بزيارة إسرائيل والتوقيع على اتفاقية جمركية لتوطيد التعاون بين الدولتين، بينما قامت رئيسة الحكومة الكرواتية يادرانكا كوسور بزيارة إسرائيل في مارس /آذار 2011، وتبع ذلك زيارة وزير الاقتصاد الكرواتي جورو بوبياتش إلى إسرائيل في مارس 2011 وتوقيعه هناك لاتفاقية حول ضمان الاستثمار في الدولتين. وفي غضون ذلك كان التبادل التجاري بين الدولتين ينمو بسرعة (وصل إلى خمسين مليون دولار في السنة الماضية لصالح إسرائيل) ويزداد بسرعة أكبر عدد السياح الإسرائيليين إلى كرواتيا ليصل إلى مئة ألف سائح في السنة. وبناء على ذلك فقد ضمنت إسرائيل على الأقل امتناع كرواتيا على التصويت في سبتمبر القادم.

وبالمقارنة مع كرواتيا فقد كانت زيارة إلى ألبانيا مهمة أكثر بحكم تكوين ألبانيا (70% من السكان مسلمون) وعضويتها في "منظمة المؤتمر الإسلامي" (التعاون الآن) وعلاقتها الوثيقة مع تركيا التاريخية بشكل عام وتركيا الأردوغانية بشكل خاص. ومن هنا يلاحظ أن إسرائيل أخذت تهتم بألبانيا أكثر بعد اقتحام أسطول الحرية في مايو /أيار 2010. وهكذا فقد زار نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية دان ميردور ألبانيا في أكتوبر /تشرين الأول 2010 وركز على جذب اهتمام الجانب الألباني بجدوى التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، مما جعل نائب رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد الألباني إلير ميتا يصرح في ختام الزيارة أن "التعاون بين البلدين سيكون أقوى وأكثر تحديدا في المجالات ذات الأفضلية وخاصة الطاقة بما في ذلك وضع مشروع نووي مشترك مع الجانب الإسرائيلي".

ومن هنا فقد حرص ليبرمان الذي لم يخف هدفه من الزيارة (الطلب من ألبانيا عدم دعم الطلب الفلسطيني في الجمعية العامة) على القدوم مع حشد من رجال الأعمال الإسرائيليين ليشارك أيضا في إطلاق المنتدى الاقتصادي الألباني الإسرائيلي الأول لكي يوجه رسالة واضحة إلى تيرانا بأن مصلحة ألبانيا تكمن في التعاون مع إسرائيل. ولكن تراث ألبانيا وعلاقتها الوثيقة مع تركيا الأردوغانية جعل زيارة ليبرمان صعبة بل كأنها في "دولة غير صديقة". فقد كانت تيرانا الدولة الوحيدة في المنطقة التي استقبلت ليبرمان أو نتنياهو بتجمع احتجاجي، ولذلك فقد تميزت الزيارة بإجراءات أمنية غير مسبوقة لحماية ليبرمان. وقد عبّر أحد منظمي هذا التجمع الاحتجاجي أمام قصر الثقافة الذي طالب الحكومة بـ "ألا تقول لا للدولة الفلسطينية المستقلة في الجمعية العامة " (جيرج إربيرا) بأن "ألبانيا ساعدت اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا لا يعني اندراج ألبانيا ضمن الدول التي تنفي حق شعب بدولته المستقلة".

ومع كل هذا، وحرص ليبرمان على الاجتماع برموز الدولة الألبانية (الرئيس بامير توبي ورئيس الحكومة صالح بريشا ورئيسة البرلمان جوزفين توبالي)، يمكن القول إن ليبرمان لم يستطع الحصول على وعد ألباني بعدم التصويت على الأقل أخذا بعين الاعتبار علاقة ألبانيا الوثيقة مع تركيا (التي دعا رئيس حكومتها أردوغان بعد لقائه الأخير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس دول العالم إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة) وحرصها على موقعها في "منظمة التعاون الإسلامي" التي دعت في قمتها الأخيرة بالآستانة الدول الأعضاء إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

وبعد أسبوع من زيارة ليبرمان إلى كرواتيا وألبانيا جاءت زيارة نتنياهو إلى رومانيا وبلغاريا خلال 7-8 يوليو /تموز الجاري مع سبعة وزراء من حكومته لتعكس نجاحا إسرائيليا كبيرا، حيث إن الدولتين صرحتا في ختام الزيارة بأنهما ستصوتان ضد الطلب الفلسطيني. ويعكس تصريح نتنياهو خلال زيارته لبلغاريا عن الأهمية التي توليها إسرائيل الآن لدول البلقان: "لم يزر رئيس وزراء إسرائيلي بلغاريا منذ عشرين سنة. جئت هنا كنائب وزير الخارجية في 1990 بمناسبة إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وعندما أنظر إلى الجوار أقول إن علاقاتنا الطبيعية هي مع دول البلقان. فمع اليونان باتت لنا علاقات طيبة وسنواصل تطوير العلاقات مع المزيد من الدول في المنطقة بما فيها رومانيا وبلغاريا التي جئت أزورها الآن".

أي مستقبل للعلاقات الإسرائيلية مع دول البلقان؟

لم تشمل زيارات نتنياهو وليبرمان بقية دول البلقان الجديدة (البوسنة ومقدونيا والجبل الأسود وكوسوفا) لاعتبارات متعددة. فالوضع في البوسنة لم يستقر بين كياني الدولة ("الفدرالية البشناقية الكرواتية" و"جمهورية الصرب") منذ الانتخابات العامة والرئاسية في خريف 2010، ولكن هذا لم يمنع إسرائيل من أن تطور علاقتها مع "جمهورية الصرب"، التي لم تكن تتابع بارتياح تطور العلاقات بين تركيا الأردوغانية وجمهورية صربيا المجاورة خلال 2010-2011، ولذلك بوسع إسرائيل أن تطمئن إلى أن جمهورية البوسنة لن تصوت لصالح الطلب الفلسطيني في الجمعية العامة في سبتمبر /أيلول لأن التصويت يحتاج إلى توافق ثلاثي في رئاسة البوسنة، وبالتحديد إلى صوت "جمهورية الصرب" التي هي أقرب إلى إسرائيل.

وفيما يتعلق بـ"جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة"، التي تطورت العلاقات معها بسرعة بعد زيارة ليبرمان في شهر مايو /أيار 2010 مع وفد من رجال الأعمال في مجالات التقنية والزراعة والبناء، فقد يزورها ليبرمان لاحقا بعد أن تتألف الحكومة الجديدة نتيجة للانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في الشهر الماضي وأكدت عودة الائتلاف الحكومي برئاسة نيكولا غيوريفسكي. ومع التطور الذي طرأ على العلاقات بين الدولتين في السنوات الأخيرة يمكن لإسرائيل أن تعتمد على امتناع "جمهورية مقدونيا" عن التصويت في سبتمبر /أيلول القادم. ويبدو أن الأمر كذلك مع جمهورية الجبل الأسود، التي كان ليبرمان أول وزير خارجية يزورها في سبتمبر /أيلول 2009، حيث إن إسرائيل تعول على امتناعها على التصويت في سبتمبر /أيلول القادم. أما فيما يتعلق بكوسوفا فهي خارج "جدول الأعمال" الإسرائيلي الآن لأن إسرائيل لم تعترف حتى الآن باستقلال كوسوفا نتيجة لمصالحها مع بلغراد، ولأن كوسوفا لم تنضم بعد إلى الأمم المتحدة ولن تكون حاضرة بالتالي في الجمعية العامة خلال سبتمبر /أيلول القادم.

ولكن الملفت للنظر ضمن هذه المجموعة الأخرى من الدول هو ذلك التطور الملفت للانتباه في علاقات إسرائيل مع اليونان بعد اقتحام أسطول الحرية في مايو /أيار 2010، وهو ما ينسحب أيضا على علاقتها مع قبرص. فقد كانت اليونان حتى بداية التوتر في العلاقات مع تركيا تعتبر "دولة غير صديقة" ولكن الأمور بدأت تتغير منذ أغسطس /آب 2010 حين قام نتنياهو بزيارة أثينا في أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلي إلى اليونان، ليؤسس لعلاقة جديدة تقوم على التعاون الأمني والاقتصادي. ومن هنا فقد حرص نتنياهو خلال زيارته لبلغاريا أن يلفت الانتباه للتطور السريع في العلاقات الذي حصل بين إسرائيل واليونان. وقد أعقب هذه الزيارة زيارة قام بها ليبرمان إلى أثينا في شهر يناير /كانون الثاني 2011 التي عكست أيامها الخمسة ولقاءاته الرفيعة (رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع الخ) حجم التطور الجديد في العلاقات بين الدولتين.

صحيح أن زيارات نتنياهو وليبرمان إلى كرواتيا وألبانيا ورومانيا وبلغاريا في نهاية يونيو /حزيران ومطلع يوليو /تموز 2011 جاءت ضمن "الحملة على أوربا" لكسب تأييد أكبر عدد من دولها للموقف الإسرائيلي ضد الطلب الفلسطيني للتصويت على الاستقلال في الجمعية العامة إلا أنها كشفت عن الاهتمام الذي توليه إسرائيل بتطوير علاقاتها مع دول البلقان خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد اقتحام أسطول الحرية وتوتر العلاقة مع تركيا الاردوغانية، وما تحقق خلال ذلك.
_______________
أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت / الأردن

ABOUT THE AUTHOR