قراءة في كتاب: العناق القاتل

تعتبر العلاقة بين باكستان وأميركا قصة مشوشة يشوبها الكثير من الغموض، وتعرجت خلال منحنيات وعرة بين فترات الصداقة والعداوة، والتعايش وعدم الثقة، ومن خلال كل ذلك، يفسر بروس ريدل، في كتابه "العناق القاتل: باكستان وأميركا، ومستقبل الجهاد العالمي.
2011810955297734_2.jpg

تعتبر العلاقة بين باكستان وأميركا قصة مشوشة يشوبها الكثير من الغموض، وتعرجت خلال منحنيات وعرة بين فترات الصداقة والعداوة، والتعايش وعدم الثقة، ومن خلال كل ذلك، يفسر بروس ريدل، في كتابه "العناق القاتل: باكستان وأميركا، ومستقبل الجهاد العالمي"، كيف أمكن للولايات المتحدة، في مناسبات عدة، أن ساعدت في الواقع أعداء الديمقراطية في باكستان، وساعدت في خلق الأعداء المتشددين، الذين تقاتلهم الآن في المنطقة؛ فالكتاب يسعى إلى كشف هذا التناقض، وتوضيح وتفسير مسارات من العلاقات بين البلدين متعرجة ومختلفة جدا، ولا تزال قائمة، في نواح كثيرة، ويمسك بعضها بخناق بعض.

لقد كتب بروس ريدل كتابه بنظرة فاحصة ليؤكد لنا أن ما ينبه إليه في هذا الكتاب أمر لا بد منه لفهم الوضع الخطير في جنوب آسيا، وكيف يمكن لأميركا أن تصحح سياساتها الفاشلة بالنسبة للبلد الذي يستضيف تنظيم القاعدة وحركة طالبان، ولديه أسلحة نووية، وسيكون قريبا خامس دولة من حيث عدد السكان في العالم، وهو باكستان.

الكاتب والكتاب

يعمل الكاتب بروس ريدل كبيرا للباحثين في السياسة الخارجية في مركز سابان بمعهد بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وكان مستشارا رفيعا لأربعة رؤساء أميركيين لشؤون الشرق الأوسط وقضايا جنوب آسيا، وهو أيضا مؤلف كتاب "البحث عن القاعدة: قيادتها، الفكر، والمستقبل"، وكذلك المعلق في وسائل الإعلام على الأمن والإرهاب، ومساهم منتظم في الصحف اليومية.
وهذا الكتاب عبارة عن تحليل دقيق حول العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، وخاصة على مدى السنوات الأربعين الماضية، وربما يعد الآن أكثر أهمية لأنه يوفر أوضح تفسير عن استمرار دور باكستان حتى الآن متناقضا ومتأرجحا -على ما يبدو- بين التشدد الديني الداخلي والخارجي، وهو ما يتجلى في "الجهاد العالمي" وحركة طالبان الأفغانية، كما يعرِّفه ريدل. والواقع أن المؤلف يحرص في هذا الكتاب على توجيه القارئ من خلال التعقيدات السياسية والإستراتيجية الباكستانية؛ ليؤكد أن باكستان تتعامل مع كل من طالبان والمجاهدين الكشميريين كبيادق في "مباراتها القاتلة" ضد الهند التي ترى فيها تهديدا وجوديا لها.

ويستكشف السيد ريدل، في "العناق القاتل"، القوى الكامنة وراء هذه السياسات، كما ظهرت له، موضحا كيف ولماذا تفاقمت الخلافات والتناقضات في تاريخ العلاقات بين واشنطن وإسلام أباد. ويحاول استكشاف تأثير أوسع لدينامية هذه العلاقات، وما يمكن أن تفعله إدارة أوباما الآن لإصلاح الأعطاب التي فيها، وكيف يمكن تجنب الوقوع في أخطاء مماثلة في التعامل مع القوى المتطرفة التي تبدو مخيفة في باكستان وخارجها؛ فباكستان بالنسبة له تمثل "بؤرة حركة الجهاد العالمية"، منذ تقسيم شبه القارة في عام 1947، والتي ابتدأ فيها تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان.

إن الجزء الأكبر من هذا الكتاب تقرير وصفي، إلا أنه يقدم في الفصول الأخيرة بعض الاقتراحات التي تنادي بتحويل باكستان إلى قوة لتحقيق الاستقرار في جنوب آسيا، في نفس الوقت الذي يتكهن فيه بأن باكستان يمكن أن تتحول إلى دولة أصولية إسلامية مناصرة لـ"الجهاد العالمي" ضد الولايات المتحدة والغرب عموما ابتداء من أفغانستان؛ الأمر الذي يتطلب من الولايات المتحدة أن تكون على استعداد لوضع سياسة متسقة وفعالة مع الحكومة الباكستانية.

ويضع ريدل -الذي خبر جنوب آسيا لما يقرب من أربعين عاما- تورط الولايات المتحدة في أفغانستان في سياق إقليمي، وهذا يجعل فهم مشاكل هذا البلد المضطرب أسهل بكثير؛ حيث إنه يبني تصورًا مقنعًا يقول: إن التعاون والمشاركة البنّاءة مع باكستان أمر حيوي لتحويل أفغانستان إلى وضع سلمي ودولة قومية قابلة للحياة، كما يحدد أيضا المصالح الإيرانية في أفغانستان التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار من أجل تحقيق هذا الهدف.

زواج الإكراه

ظلت العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان أشبه بزواج الإكراه المضطرب وغير الموفق، رغم أن أخباره لا تزال على صدر الصفحات الأولى للصحف، وتملأ ساعات الإعلام المرئي والمسموع. وحتى إذا انتهت الحرب في أفغانستان، التي يأمل الجميع أن تكون قريبة، إلا أن الحرب داخل باكستان نفسها لم تنته، ولن تنتهي في وقت قريب؛ إذ إن أمر نهايتها، في تقدير المؤلف، يأخذ في الاعتبار تزايد حالات "الجهاد العالمي"، وأثره على العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان، ويربط بين النقاط الأساسية لصناعة السياسة الأميركية، ومخاوف الناس العاديين على حد سواء.

إن باكستان والولايات المتحدة ترتميان في حالة من العناق القاتل لعقود، اتبعت خلالها الولايات المتحدة المصالح الضيقة قصيرة الأجل في باكستان، كل ذلك في محاولة لتعزيز الاستقرار في جنوب آسيا والأمن القومي الأميركي. ويمكن القول: إن العديد من السياسات من هذا النوع أثبت نتيجة عكسية على المدى الطويل؛ فبدلا من المساهمة في الاستقرار السياسي في باكستان، زادت حدة التطرف، وزعزعت الصراعات قطاعات من الجمهور الباكستاني. وقد ساعدت هذه الخلفية المتشددين، ومهدت الطريق لحركة الجهاد العالمية، التي تواجه الكثير من بلدان العالم اليوم.

ويحاول هذا الكتاب بعد ذلك النظر لباكستان اليوم في ضوء الجهل العام بأهميتها الإستراتيجية بالنسبة للأمن القومي الأميركي، وما حاول المؤلف القيام به لاستجلاء هذه الحقيقة هو النظر عند تقاطع ثلاث قضايا منفصلة، أو ثلاث روايات متوازية، والبحث عن كيفية اجتماع هذه القضايا الثلاث معا بتفاعل فريد لإنتاج حرائق باكستان التي نواجهها اليوم؛ فالقضية الأولى هي السياسة الباكستانية الداخلية الخاصة، والثانية هي العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة وباكستان، والثالثة هي نمو وتطور حركة الجهاد العالمي.

السيء والأسوأ

يوضح السيد ريدل رؤيته أكثر في الفصل السادس (الصفحات 112-114) تحت عنوان: "التفكير فيما لا يمكن تصوره: الآثار المترتبة على الدولة الجهادية في باكستان"؛ إذ يقول: إن من شأن باكستان الجهادية أن تكون أخطر تهديد واجهته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة؛ فإن دولة متحالفة مع تنظيم القاعدة ومسلحة بأسلحة نووية، يمكن أن تكون كابوسا، وجميع الخيارات لتعامل الولايات المتحدة معها ستكون سيئة. وسيكون "من المستحيل، تقريبا، التعاون الصادق مع القيادة الجديدة في إسلام أباد"، التي لن يكون لديها القليل من الاهتمام؛ فضلاً عن الإيمان، بأي حوار مع الصليبيين والصهاينة. وإذا كانت الولايات المتحدة تحتفظ بسفارة لها في باكستان، فإنها ستكون في خطر دائم من وقوع هجوم، إن لم يكن من النظام نفسه، فإنه سيكون من الحلفاء الجهاديين مثل القاعدة. ومن المؤكد أن تطالب إسلام أباد بانسحاب فوري وكامل لجميع القوات الأجنبية من أفغانستان المجاورة، والنظر إلى أية عمليات لمكافحة الإرهاب على أراضيها كسبب للانتقام من المصالح الأميركية في مكان آخر. وهذا، في زعم الكاتب، تؤكده مواقف باكستان في المحافل الدولية، وتفوقها على إيران كزعيم لقضية مناهضة إسرائيل، كما يتوقع لها أن تزيد مطالبتها للهند لتسليم كل كشمير؛ فبعدما ترك الاتحاد السوفيتي أفغانستان، تخلت أميركا عن باكستان والهند على حد سواء، بينما ظلت باكستان تساعد أميركا في حربها ضد حركة طالبان الأفغانية.

وقد استخدم كلا الجانبين ورقته بطريقة مختلفة؛ ففي حين وثقت أميركا علاقاتها أكثر بالهند، تعامل الشعب الباكستاني مع الولايات المتحدة بشكوك عميقة، وساعد الاحتقان المتنامي في الطبيعة الهرمية للمجتمع الباكستاني طالبان، وسمح لمقاتليها بشن هجمات في أفغانستان من داخل الأراضي الباكستانية.
إن التدخل الأميركي، كما يقول السيد ريدل، جعل من "الصعب على الباكستانيين تطوير الديمقراطية السليمة التي تمكِّن من مكافحة فعالة للإرهاب؛ وذلك من خلال تشجيع التدخل العسكري في الشؤون المدنية، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة قد سبقت الجميع بالحملة التي كانت تقودها في أفغانستان، والتي كانت مسؤولة عن تزايد "التمرد الإسلامي والإرهاب" في باكستان منذ عام 2001.

وهذ الكتاب، يوضح حقيقة غير مريحة بشكل حاد حول السياسة الخارجية الأميركية، وهي أن الحرب في أفغانستان ساعدت في تعزيز أنواع من الاتجاهات في باكستان هي بالضبط، التي ذهبت أميركا إلى أفغانستان للقضاء عليها.

وتبدو فكرة أن باكستان تقترب من حالة الدولة الفاشلة رائجة هذه الأيام، ورغم أن الدولة قد تكون ضعيفة لكن المجتمع قوي، وكلاهما يحملان المكان معا، ويحبطان محاولات تحديثه. والديمقراطية، بالمثل، تجلس بشكل غير مريح مع المجتمع التقليدي؛ إذ يهيمن على السياسة كبار ملاك الأراضي ورؤساء القبائل، الذين يعتبرون عملهم ليس هو تطوير اقتصاد البلاد ومؤسسات المجتمع المدني من أجل خير جميع الباكستانيين، وإنما هو توزيع الرعاية لعشيرة أو قبيلة، وهذه هي الطريقة التي يتم بها تشغيل الحكومة. وهذه القيم تختلف جذريا عن تلك التي ترتبط عادة مع الديمقراطية التمثيلية.

الخيارات الأميركية

ويعترف ريدل بأن خيارات الولايات المتحدة لإحداث أي نوع من التغيير على النظام الحاكم في باكستان تتضاءل؛ إذ لا يمكن فعل ذلك عن طريق انقلاب عسكري، أو عن طريق مساعدة ستقتصر على المنشقين، مثل الحركة القومية المتحدة؛ فواشنطن لا تحظى بشعبية في باكستان اليوم، وإن أي تأييد سياسي لأية مجموعة هو بمثابة قبلة الموت، وقد تعلمت بنظير بوتو هذا الدرس بعد فوات الأوان وبالطريقة الصعبة، التي أودت بحياتها، كما أن المجتمع الشيعي الباكستاني ينظر إلى إيران وليس إلى أميركا طلبا للمساعدة.

ولا جدال في أن الخيارات العسكرية سوف تكون باستمرار غير جذابة في أحسن الأحوال، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية في أسوأ الأحوال؛ فقد جربت الولايات المتحدة نفس هذه الخيارات الصعبة مع الزعماء الهنود من قبل، ولمدة عشر سنوات، كما أن ضرب معسكرات تدريب "الإرهابيين" لم يحقق شيئا عمليا، لأنه يمكن بسهولة وبتكلفة منخفضة إعادة بنائها، ويتمثل "خطر الإرهابيين" في الضرر الحقيقي الذي يمكن أن تخلقه إعادة اختراعهم؛ إذ ليست العبرة في مكافحة الإرهاب بضمانات غارة تقتل، وإنما في الجرأة على النظر في أسبابه ومعالجة جذوره؛ فحتى نجاح العمليات الحربية يخلق الشهداء، ويوفر آليات دعاية جديدة "للإرهابيين".

إن فكرة الحصار البحري، التي تداولها بعض القادة العسكريين، للضغط على تغيير سلوك الحكم في باكستان، تعني فرض مزيد من المعاناة الإنسانية على قدر أكبر من السكان، وربما يؤدي إجراءٌ مثل هذا إلى حفز موجة من الأعمال الانتقامية الإرهابية داخل وخارج جنوب آسيا. ويقول ريدل: إن اتخاذ أفغانستان كقاعدة غير ساحلية للتعاطي مع ظاهرة تنامي الإرهاب مسألة محفوفة بالمخاطر، رغم أن دولة مثل الهند قد تكون مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة في بعض السيناريوهات، بما في ذلك الهجوم مع القوات الأميركية، ولكن من شأن عمل كهذا أن يجمع كل الباكستانيين خلف قضية "المتطرفين".

وقال أيضًا: إن الباكستانيين، بطبيعة الحال، يمكنهم استخدام أسلحتهم النووية للدفاع عن أنفسهم في حين ليس لديهم نظم إطلاق قادرة على الوصول إلى أميركا، إلا أنهم يمكن أن يدمروا بالتأكيد كل المدن في أفغانستان، والهند، وإذا تم تهريب هذه الأسلحة النووية ووقوعها في يد الإرهابيين، فلربما تُستخدم داخل الولايات المتحدة؛ لهذا، فإن الفوز في مثل هذا الصراع سيكون باهظ الثمن بالفعل.

وقال كذلك: إن أصعب مشكلة تنشأ بعد اليوم تتمثل في: ماذا ستفعل الولايات المتحدة مع بلد ضعف حجم كاليفورنيا، ومثقل بفقر هائل، وتبلغ الأمية فيه نسبة 50 في المئة، وهناك كراهية شديدة من قبل جميع سكانه للولايات المتحدة خصوصا بعد تصريحات بعض مسؤوليه بإمكانية خوض واشنطن حربا نووية لاحتلاله؛ لأن تطهير باكستان من الإرهاب يتطلب الغزو، الذي سيكون عسيرا توفير الدعم العسكري والسياسي له، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وسيكون مهمة من الجحيم؟ ولا ينبغي لرئيس أميركي عاقل التفكير في هذه النتيجة، لأن أي سيناريو من هذا القبيل سيكون كابوسا مفزعا، رغم أنه لا توجد الكثير من الخيارات الجيدة.
وباختصار، فإن المواجهة العسكرية مع باكستان المسلحة نوويا هي السيناريو الذي يجب تجنبه بأي ثمن، وهذا يعني، في تقدير المؤلف، ضرورة العمل مع باكستان بدلا من مواجهتها، في محاولة لتحسين سجلها في قضايا متفرقة، مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية. رغم أن العديدين، على كلا الجانبين، متشائمون من نتيجة الحوار بين واشنطن وإسلام أباد، وغير متفائلين بنجاح التعاون بين البلدين. ولكن، وبالنظر إلى البدائل، فهناك كل ما يدعو إلى الجد في المحاولة.

تحالف التعساء

حاول السيد ريدل في كتابه هذا تقديم قراءة أميركية متحيزة، وكأني به يريد أن يقول لنا: إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وباكستان لم تكن أبدا سعيدة، ولن تكون، وإن التحالف بينهما لا يخدم إستراتيجية أي منهما، لتعارض مصالحهما الإقليمية والدولية.

ويعترف أنه حتى على مستوى الداخل الباكستاني، فإن الذي تريده واشنطن لا يمكن أن تقوم به إسلام أباد، خاصة في حال تعارضه القاتل مع مصالحها القومية؛ لهذا، لعبت الحكومة والجيش والمخابرات الباكستانية لفترة طويلة لعبة مزدوجة، تقديرا على رؤية إستراتيجية اتسمت بشيء من التسامح مع الجماعات، التي تصنفها واشنطن إرهابية، بل ذهبت إلى حد دعم وايواء بعض هذه الجماعات المسلحة على أمل أن تساعدها في المستقبل ضد الهند، أو بمثابة التحوط ضد احتمال عدم الاستقرار في أفغانستان.

وقد كان هذا مصدر إحباط للدبلوماسيين الأميركيين والقادة العسكريين الذين كانوا يرون باكستان حليفا موثوقا به؛ لأنها ما فتئت تقر بأن لديها مصالحها الإستراتيجية الخاصة للدفاع عن نفسها، وظل غضب المسؤولين الباكستانيين، ينمو بشكل مضطرد على ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار التي تقتل المدنيين، وتتردد إسلام أباد على نحو متزايد في التضحية لاستيعاب مطالب القوات الأميركية، التي لا تثق بقدرتها للحفاظ على الاستقرار طويل الأجل في المنطقة؛ إذ من المقرر أن تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2014.
الآن، ومع تمكن الإدارة الأميركية من قتل أسامة بن لادن في منزل قرب أهم كلية عسكرية باكستانية، ازدادت شكوك الأميركيين في ضلوع عناصر استخبارية وعسكرية في حماية زعيم القاعدة. ومرة أخرى ارتفعت الأصوات في الكونغرس، التي تدعو إلى قطع المساعدات الأميركية لباكستان والبالغة 4,5 مليارات دولار؛ فالسيناتور الديمقراطي من كاليفورنيا دايان فينستين، يجادل بأن على الولايات المتحدة أن تفكر في التخفيف من اعتمادها على باكستان، وتخفيض أو إنهاء المعونات الأجنبية لمعاقبة إسلام أباد على ازدواجيتها. وهناك جماعات أميركية تقول: إن المصالح الباكستانية والأميركية لا يمكن مساواتها ومضاهاتها ببساطة، وأنه يجب على الولايات المتحدة خفض خسائرها قبل أن تتعرض لحريق أكثر إيلاما. لكن، ومثلما تدعو بعض الأصوات في واشنطن إلى تحرير أميركا من هذا "العناق القاتل"، فإنه يوجد في باكستان من يدعو إلى معاملة أميركا بالمثل وتركها تحت رحمة الإرهاب وحدها.

وإذا حدث وقطعت واشنطن مساعداتها عن إسلام أباد، فلن تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ العلاقات الثنائية بينهما؛ فقد سبق وأن قطعت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لباكستان في عامي 1979 و1990، بسبب برامجها النووية، لكنها عادت وتورطت معها من جديد في عناق قاتل بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
إن الكتاب في جملته محاولة لدراسة العلاقات الثنائية الأميركية-الباكستانية في سياق من ارتفاع وتيرة الجهاد العالمي خلال ربع القرن الأخير. وهو، بجانب كشفه لاضطراب العلاقات العسكرية والاستخبارية وعقدة الشك العميقة بين الجانبين، يساعدنا بشكل كبير على استيعاب سبب ضعف الولايات المتحدة كشريك من أجل الديمقراطية في باكستان؛ فقد أيدت، كما نعلم، بحماس جميع القادة العسكريين الباكستانيين الديكتاتوريين، وكانت النتيجة أنها ساهمت في إضعاف المجتمع المدني الباكستاني، وفي عدم توازن العلاقات العسكرية والمدنية، وأثبتت لنا أن ذلك كان مشروعا يجمع بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث أيد الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء القادة العسكريين الباكستانيين.

ونجد أنفسنا نتفق مع بعض تقديرات المؤلف حين يقر بأن هذا "العناق القاتل" ليس ورطة للولايات المتحدة وحدها، بل لكلا الطرفين؛ حيث تواجه فيه واشنطن تنظيم "القاعدة"، وتواجه فيه (أي في تنظيم القاعدة) إسلام أباد شبح "فرانكشتاين"، كما صُوِّر في قصة ماري شيلي المشهورة، الذي، كما قال، قد استحضرته باكستان ولم يعد في مقدورها السيطرة عليه.

خاتمة

لقد اقتبس السيد ريدل من الناس الذين التقاهم في باكستان، كل التعاطف والتشكيك، لافتا إلى قدرة المجتمع الباكستاني على توليد عدة إصدارات غير متوافقة مع بعضها البعض، حول وقوع حدث معين أو واقعة محددة ضمن مساحة قصيرة ومدهشة من الوقت، غالبا ما تكون مرتبطة بنظريات المؤامرة، وهي سمة لا بد أن أي شخص عمل هناك قد لاحظها إلا أن الذي تأكد منه هو حاجة باكستان وأميركا للبقاء معا في حالة من العناق القاتل لعقود تأتي؛ فالعلاقة بينهما معقود بنواصيها الخير والشر لكليهما، كما أوضح الكاتب في تفاصيل كتابه.
وللحقيقة، فإن الكتاب، رغم تحيزه الظاهر للموقف الأميركي، قد صيغ بشكل جيد ودقيق تاريخيا، على الرغم من أن قدرا كبيرا من المعلومات يبدو أنه قد تم التحفظ عليه، والتي كان يمكن أن تجعل من الكتاب ممتعا وشيقا. وهو عمل يبدو أنه خضع لرقابة ذاتية، وكالعادة ادعى الكاتب أن الأفكار الواردة هي من عنده هو وليست تعبيرا عن "المواقف الرسمية أو آراء أو أي مكتب من مكاتب أخرى تابعة للحكومة الأميركية، "كما أنها لا تعني" أن أي فرع من فروع الحكومة قد صادق على المعلومات، أو أيد رأي صاحب البلاغ. وعلاوة على ذلك، تم فحص هذه المادة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية لمنع الكشف عن أية معلومات سرية.
الصفحات: 180
الناشر: مؤسسة بروكينغز بواشنطن
الطابع: مطبعة بروكينغز
تاريخ الإصدار: 11 يناير/كانون الثاني 2011
اللغة: الإنجليزية
___________________
باحث سوداني في القضايا الدولية

ABOUT THE AUTHOR