المبادرات المستجدة حول دارفور وتأثيراتها على منبر الدوحة

دخلت مؤخرا على أزمة دارفور مستجدات يتوجب على منبر الدوحة أخذها بالاعتبار في جولات التفاوض القادمة، منها إستراتيجية الحكومة السودانية "لتوطين الحل"، والمبادرة الليبية لتوحيد الحركات الدارفورية إضافة إلى حديث عن علاقة مباشرة محتملة تجمع بين حركة العدالة والمساواة وأوغندا.
1 November 2010







 

مركز الجزيرة للدراسات


انطلق منبر الدوحة برعاية قطرية، وبدعم دولي ورعاية عربية، وبتشجيع من المعنيين بأزمة دارفور، لمعالجة هذه الأزمة بالتوسط بين الحكومة السودانية والأطراف الموالية لها من جهة، والحركات الدارفورية المعارضة والمسلحة من جهة أخرى، وذلك بعد أن بلغ الصراع مستوى عالٍ من العنف، بلغ أشده في الهجوم الذي شنته حركة العدالة والمساواة على الخرطوم في10 مايو/أيار 2008.





طرأت على أزمة دارفور مؤخرا مستجدات عدة، منها إستراتيجية حكومية تتمسك فيها الحكومة السودانية بالبُعد الإنساني للأزمة، وبنتائج الانتخابات الأخيرة في دارفور، وتأطيرها جميعا بمبادرة تهدف بحسب وصف الحكومة "لتوطين الحل"، مع بروز للعامل الليبي.
ورعى منبر الدوحة في فبراير/شباط 2009 توقيع الاتفاق الأول "اتفاق نوايا"، بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة، ليفتح الطريق أمام توقيع اتفاق إطاري في فبراير/شباط 2010، وتضمَّن هذا الاتفاق 12 مادة تعالج قضايا النزاع في إقليم دارفور من كافة جوانبها، ويركز على التفاوض للتوصل لاتفاق سلام شامل قبل 15 مارس/نيسان 2010.

لكن حركة العدل والمساواة عادت وانسحبت من المفاوضات احتجاجا على فتح الوساطة مسارا تفاوضيا موازيا مع حركة التحرير والعدالة والتي هي ائتلاف لمجموعة من الفصائل (ما يقرب من18 فصيلا)، والتي لا ترى العدل والمساواة لها قوة ميدانية تخولها التفاوض باسم دارفور. وأصبحت التحرير والعدالة الطرف الرئيسي في مفاوضات الدوحة بمقابل الوفد الحكومي السوداني. ووقعت بدورها مع الحكومة السودانية في مارس/آذار 2010 اتفاق إطار، وآخر لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد.


ولا يزال منبر الدوحة مستمرا في جهوده ولكن لم يُعلِن عن أي إنجاز حاسم في مسار التفاوض بين التحرير والعدالة والوفد الحكومي، فلا يزال الخلاف قائما حول الاعتراف بدارفور كإقليم موحد؛ فالحكومة تريد استفتاء شعبيا يقرر ذلك، بينما التحرير والعدالة تريد إعلانه إقليما أولا، ويمكن أن يجري الاستفتاء عليه لاحقا.


الحكومة تريد المصالحة الوقائية دون المحاكمة، وتريد التعويضات الجماعية دون الفردية، بينما لا تزال المعارضة متمسكة بالمحاكمة والتعويض الفردي. وعلى صعيد آخر فقد تم التوافق من حيث المبدأ على تقسيم السلطة بحسب الحجم السكاني، وعلى أساس اعتبار حجم سكان دارفور 20% من إجمالي سكان السودان. واختلفوا حول ما سُمِّي بالتمييز الإيجابي الذي تريده الحركات الدارفورية وهو أن يُدفَع 8% من صندوق الحكومة بمثابة تعويض، بينما تريد الحكومة إتاحة المزيد من الفرص للدارفوريين دون الالتزام برقم محدد. كما تدعو المعارضة للأخذ بالاعتبار السوابق التاريخية العالمية في تقسيم السلطة المتعلقة بالفئات المهمشة أو المحرومة وما إلى ذلك.


وتطالب المعارضة بإيجاد صندوق قومي تُجمع فيه إيرادات الدولة بالكامل ثم يتم توزيعها لاحقا، على أن تنال دارفور منه حصة 10% سنويا، إضافة إلى مبلغ أولي يتم وضعه في صندوق دارفور يبلغ 4 مليار دولار يدفع منه ملياران أولا، ثم مليار يُدفَع لكل عام من العامين التاليين.


وهناك اختلاف حول المدة الفاصلة بين التوقيع على الاتفاق وإتمام تنفيذه بدمج المسلحين في الجيش والشرطة؛ فالحكومة تريده فور التوقيع، بينما المعارضة تريد مهلة سبع سنوات لضمان حسن التطبيق قبل الاندماج في الجيش والشرطة.


ويظل أهم إنجاز حققته المفاوضات هو وقف إطلاق النار، وانحسار موجة العنف، ولا يزال أمام منبر الدوحة تحدي استكمال التفاوض والوصول به إلى النهاية المنشودة، خاصة بعد أن برزت مستجدات ذات صلة بأزمة دارفور وأبرزها الإستراتيجية الجديدة للحكومة السودانية لحل أزمة دارفور، وتزايد الحديث عن قرب إطلاق ليبيا لمؤتمر يهدف إلى جمع الحركات المسلحة في دارفور على صيغة واحدة.


والجدير بالذكر أنه من المتوقع أن يطرح الراعي القطري في المرحلة المقبلة ورقة لتكون محل اتفاق كل الأطراف المتنازعة.


مستجدات الأزمة، ومواقف الأطراف المعنية بها
مسار منبر الدوحة، وإعادة قراءة الأولويات


مستجدات الأزمة، ومواقف الأطراف المعنية بها 


طرأت على أزمة دارفور مؤخرا مستجدات عدة، منها إستراتيجية حكومية تتمسك فيها الحكومة السودانية بالبُعد الإنساني للأزمة، وبنتائج الانتخابات الأخيرة في دارفور، وتأطيرها جميعا بمبادرة تهدف بحسب وصف الحكومة "لتوطين الحل"، مع بروز للعامل الليبي حيث تجري التحضيرات في طرابلس لإقامة مؤتمر يهدف لتوحيد الحركات الدارفورية في مسعى لملاقاة أو مواجهة الإستراتيجية الجديدة للحكومة السودانية. كما أن عاملا آخر أو تدخل لاعب آخر في أزمة دارفور أصبح محتملا، ألا وهو العامل الأوغندي.


المستجد الأول: الإستراتيجية الجديدة للحكومة السودانية
بادرت الحكومة السودانية إلى طرح إستراتيجية شاملة لحل أزمة دارفور، على الرغم من استمرار مشاركتها في منبر الدوحة، وحرصت على إعطاء مبادرتها إطارا دوليا؛ حيث اجتمع بعض أعضائها مع المبعوث الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن، ورئيس بعثة حفظ السلام في دارفور(يوناميد) إبراهيم قمباري، إضافة إلى رئيس لجنة حكماء أفريقيا ثابومبيكي، وبحسب ما جاء في وسائل الإعلام أن المشاركين بحثوا إمكانية حشد التأييد الدولي والإقليمي لهذه الإستراتيجية.


وتعتبر هذه الإستراتيجية المستجد الأبرز المتصل بأزمة دارفور، وهي التي طرحها مستشار رئيس الجمهورية السوداني ومسؤول ملف دارفور، وتقوم على نقاط عدة، من أبرزها:






  1. تتقارب مواقف قوى المعارضة الدارفورية الرئيسية في رفضها لإستراتيجية الحكومة؛ لأن توطين الحل يقوم على تجاهل هذه الحركات كما يتراءى لها.
    توطين الحل لأزمة دارفور، وذلك من خلال فتح باب العملية السياسية أمام "جميع ممثلي القوى الاجتماعية والسياسية داخل دارفور، وتشجيعهم علي أخذ زمام المبادرة في البحث عن حل سلمي للصراع".


  2. تعزيز الأمن على أرض الواقع من خلال اتخاذ تدابير محكمة في مجال التعاون مع بعثة اليوناميد للقضاء على مصادر الانفلات الأمني.


  3. تعجيل العودة الطوعية للنازحين ودعمهم.


  4. تنفيذ مشاريع حكومية تنموية وسياسية علي أرض الواقع، وأعلنت الحكومة السودانية في هذا الصدد عن إقامة مشاريع تنموية في دارفور بتكلفة بلغت مليار و900 مليون دولار.


  5. العمل بشكل وثيق مع بعثة اليوناميد، والوسيط المشترك والهيئة التنفيذية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي AUHIP  لتسهيل وتنظيم عملية المشاورات بشكل جيد بين قطاعات المجتمع في دارفور، ولاستطلاع آرائهم حول بعض القضايا الخلافية تجاوزا للخلافات السياسية، وذلك بهدف تمكين جميع قطاعات الرأي العام من التعبير عن همومهم، والمشاركة بشكل إيجابي في معالجة جذور الأزمة.


  6. تطبيق العدالة للجميع من خلال الآليات الوطنية، ويقتضي هذا دفع التعويضات، واسترجاع الضحايا للممتلكات، وذلك وفقا لروح العدالة والمصالحة.


  7. إعادة هيكلة العمليات الإنسانية وتوجيهها بغية تحويل التركيز من الإغاثة إلى التنمية على المدى الطويل.


  8. العمل بين جميع الشركاء لإبرام اتفاق سياسي نهائي وشامل، ينبني على أساس التشاور مع مجتمع دارفور، ويأخذ في الاعتبار المفاوضات والاتفاقيات السابقة.

وقد اعترضت أطراف المعارضة على الإستراتيجية الحكومية كلٌّ بحسب موقعه، ووفقا لإستراتيجيته المتبعة في مواجهتها أو تعاملها مع الحكومة، ومن أبرز تلك النقاط على الإجمال:



  1. تخشى أطراف المعارضة أن تتسبب خطة الحكومة السودانية لإفراغ معسكرات اللاجئين بموجة عنف وصدامات؛ فتذكيَ الأزمة بدلا من حلها. كما أن إبقاء المعسكرات -بحسب رؤية بعض المعنيين- هو أقوى عناصر استمرار الأزمة؛ وإنما تحرص عليه الحركات المعارضة كورقة تفاوض أساسية.


  2. وتبدي هذه الأطراف مخاوفها مما جاء في إستراتيجية الحكومة عن نزع الأسلحة في دارفور، وترى أنه يستهدفها، وأن فيه تخليا عن الاتفاقات الموقعة لوقف إطلاق النار.


  3. وترى هذه الأطراف في الإستراتيجية عموما، وفي "توطين الحل" خصوصا محاولة من الحكومة للتهرب من المفاوضات، وعزل الأطراف الخارجية عن التعاطي مع أزمة دارفور إلا بالقدر الذي يخدم الحكومة السودانية.

ومن حيث المواقف الخاصة، فإن التحرير والعدالة -التحالف الأبرز المنخرط في مفاوضات الدوحة- رفض الإستراتيجية لأنها خارج إطار منبر الدوحة، محذِّرا من أنها تسير باتجاه خلق منبر أو منابر موازية، وأنها إستراتيجية استباقية لإفراغ المعسكرات، والتفرغ والاستعداد للاستفتاء حول مصير جنوب السودان. وأبدى بعض أطراف هذه الحركة أن ما كانت الحكومة السودانية ستعطيه لهم بالتفاوض في الدوحة، ستعطيه بدلا منهم لمن انتُخِبوا عن دارفور من أعضاء حزب المؤتمر الوطني تحت شعار "توطين الحل". وأبدى آخرون منها تخوفهم من أن تغادر الوساطة مكانها، فبدلا من أن تكون بين الحركات المعارضة والحكومة، فإنها قد تصبح بين المنتخبين الجدد والمجتمع المدني من جهة والحكومة السودانية من جهة أخرى، خاصة وأن هناك مشاورات تجرى بين هذه الأخيرة في الخرطوم تحت مفهوم "توطين حل الأزمة" سابق الذكر.


أما حركة العدل والمساواة، المعارض الأبرز الذي انسحب من مفاوضات الدوحة ويتزعمها خليل إبراهيم، فقد رأت في الإستراتيجية الحكومية الجديدة وصفة جاهزة للحل العسكري للنزاع في دارفور، وإعلان حرب شاملة، خاصة وأنها ترمي برأيها إلى نزع الأسلحة من دارفور كجزء من مسألة فرض الأمن قبل إيجاد الحل. مع العلم أن هذه الحركة هي الأقوى عسكريا، وإنْ ضعُفت مؤخرا بعد أن فقدت عمقها وملاذها في الأرض التشادية، ويكثر أتباعها في قبيلة الزغاوة، والتي على رغم صغرها، تمتاز بتأثير فعال.





ويتخوف بعض المشاركين في منبر الدوحة من أن يكون لحركة العدل والمساواة تأثير كبير في صياغة المبادرة الليبية، كما أعرب آخرون معنيون بأزمة دارفور عن خشيتهم من أن ينشأ عن المبادرة الليبية مسار تفاوضي جديد.
مع الإشارة إلى أن حركة تحرير السودان التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور، تسير في نفس الركب المعارض للحكومة، وقد رفضت ابتداء الالتحاق بمنبر الدوحة لتحفظات أبدتها، أهمها: تأمين النازحين بنزع سلاح من تسميهم الجنجويد. وهذه الحركة هي الأكثر شعبية من بين قوى المعارضة في معسكرات النازحين الدارفورية، لأن أتباعها من قبيلة الفور أكبر قبائل دارفور.

وهكذا تتقارب مواقف قوى المعارضة الدارفورية الرئيسية في رفضها لإستراتيجية الحكومة؛ لأن توطين الحل يقوم على تجاهل هذه الحركات كما يتراءى لها، وأن التفاوض والحوار الذي تضمَّنته الإستراتيجية هو سعي من الحكومة لمحاورة نفسها عبر كيانات مكونّة من أعضائها المنتَخَبين مؤخرا.


مع استثناء يتعلق بحركة تحرير السودان جناح مِنِي أركوي مناوي، التي وجهت نقدا -يمكن وصفه بالبناء رغم شدته- للإستراتيجية الحكومية قياسا على ردود بقية الأطراف، وهي التي وقَّعت على اتفاق أبوجا للسلام في مايو/أيار 2006 مع الحكومة السودانية، والتي احتل بموجبها مني أركوي زعيم الحركة منصب مساعد لرئيس الجمهورية. والاعتراض الرئيسي لجناح مني أركوي على الإستراتيجية أنها لم تنطلق من مقررات اتفاق أبوجا، وأن المنتَخَبين عن دارفور ليسوا الممثلين الوحيدين لدارفور، إضافة إلى ملاحظات تفصيلية أخرى قد يلتقي بعضها مع ملاحظات بقية الأطراف المعترضة. والجدير بالذكر أن حركة مني أركوي لم تشارك في الانتخابات الأخيرة؛ لأنها لم تتحول إلى حزب سياسي، ولم تستكمل الشروط القانونية الواجبة لخوض الانتخابات.


المستجد الثاني: المبادرة الليبية
كشفت عدة تقارير صحفية في الأيام المنصرمة أن ليبيا قطعت شوطا بعيدًا بشأن التحضير لعقد مؤتمر لتوحيد جهود حركات المعارضة الدارفورية، عبر تكوين "جبهة عريضة تضم كافة الحركات والفصائل والمجموعات"، ومن المتوقَّع أن تعقد أولى مشاوراتها بليبيا في الشهر الجاري "لمواجهة إستراتيجية الحكومة الخاصة بدارفور، ووضع حلول ناجحة لأزمة الإقليم".


وبحسب بعض ما ورد في الصيغة المقترحة لهذا التحالف: "إن التحالف هو وعاء جامع لقوى (المقاومة) في مناطق الهامش السوداني؛ تؤدي واجبات المرحلة المتمثلة في الآتي:



  1. الوصول لحل شامل وعادل متفاوَض عليه.
  2. يُمتِّن التحالف أبنيته التنظيمية والسياسية، وتتدرج في اتجاه أن تصبح بعد السلام حزبًا سياسيًا قوميًا.
  3. أن يكون لهذا التحالف مرجعيات تنفيذية وتشريعية وقضائية ونظم وقوانين ولوائح دقيقة تحدد الاختصاصات بدقة. "وتحدد كذلك المجالات التي لا يجوز لحركة أو فصيل أو مجموعة أن تنفرد فيها بموقف أو قرار أو علاقة أو رأى، وكذلك المجالات التي يجوز لحركة أو فصيل أو مجموعة أن تنفرد فيها برأي أو موقف أو علاقة أو قرار".

وتم التأكيد في فقرة تتعلق بـ"المبادئ والأهداف" على المحافظة على وحدة السودان أرضًا وشعبًا، وتطبيق الفيدرالية الحقيقية كنظام للحكم تتوازن فيه السلطات بين المركز والأقاليم.


ومن المفترض أن يلتحق بالمؤتمر كل الفصائل الدارفورية، والتي من أبرزها الحركات الرئيسية الثلاث: العدل والمساواة، التحرير والعدالة، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور.


مخاوف
ويتخوف بعض المشاركين في منبر الدوحة من أن يكون لحركة العدل والمساواة تأثير كبير في صياغة المبادرة الليبية، كما أعرب آخرون معنيون بأزمة دارفور عن خشيتهم من أن ينشأ عن المبادرة الليبية مسار تفاوضي جديد، خاصة وأن توحيد الفصائل قد يدخل في تفاصيل تفاوضية متصلة بالمفاوضات الجارية في منبر الدوحة، فضلا عن وجود حرص ليبي دائم على متابعة أزمة دارفور، وما يتصل بها عن قرب.


وذلك لأن دارفور محاذيا لليبيا كما أن هناك تداخلا سكانيا بينهما، وكذلك لأن أمن ليبيا القومي -كما ترى طرابلس- مرتبط بدارفور، ولا تريد لأي حل لهذه الأزمة أن يكون بعيدا عنها. وفضلا عما سبق فقد استثمرت ليبيا سياسيًّا في دارفور من خلال محاولاتها العديدة لتقريب وجهات النظر عندما كان طرفاها الأهم هما السودان وتشاد، وذلك باستضافة محاولات مصالحة تراها ناجحة بين رئيسي البلدين، كما حدث في قمة سرت في أكتوبر/تشرين أول 2004، وطرابلس في مايو/أيار 2006، وسرت الثانية في إبريل/نيسان 2007، إضافة إلى ما لا يُحصَى من الاجتماعات والمؤتمرات. مع الإشارة إلى أن طرابلس قد باتت مقتنعة بالإجمال -وبالأخص منذ نزاعها مع تشاد على خط أوزو- بضرورة تعزيز دورها في محيطها وعدم تركه لسواها.


ومن المهم في ختام هذه النقطة التأكيد على أن ما رُشِّح -حتى الآن- حول المبادئ والأهداف التي ستجتمع حولها هذه الفصائل في مؤتمر طرابلس، لن يخرج عن تلك الموضوعة قيد المعالجة والتفاوض في الدوحة، مثل اعتبار دارفور إقليما موحدا، واقتسام السلطة والثروة، ورفع الحرمان والتهميش، وإعادة توطين اللاجئين والتنمية، وتحقيق العدالة والمصالحات.


المستجد الثالث: احتمال انفصال الجنوب، واللاعب الأوغندي



أوغندا هي الطرف الإقليمي الوحيد الذي أعلن جهرا تأييده لانفصال جنوب السودان المحاذي لها؛ لأن جنوب سودان مستقل هو مصلحة إستراتيجية لها.
كشفت تقارير صحفية سودانية في أغسطس/آب الفائت أن وفدا من حركة العدل والمساواة التقى في كمبالا -وبوساطة من الحركة الشعبية- الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وأن الوفد طلب من الرئيس الأوغندي إقامة قاعدة عسكرية للحركة في أوغندا مع دعمها بالسلاح والتدريب اللازمين، إضافة إلى دعم سياسي ولوجستي مستقر، وأن الرئيس موسيفيني وافق على ذلك.

وقد نفت العدالة والمساواة وجود هذا الاتفاق، إلا أن هناك إدراكا من جميع الأطراف أن العامل الأوغندي مرشح للتطور، وقد تدفع الظروف باتجاه تفعيله، خاصة وأنه جزء من المعادلة القائمة في المنطقة، لا سيما طموحاته المتعلقة بجنوب السودان، والتي قد تقوده إلى التدخل في دارفور، هذا إذا لم يكن قد أصبح بالفعل أحد اللاعبين في هذه الأزمة.


فأوغندا هي الطرف الإقليمي الوحيد الذي أعلن جهرا تأييده لانفصال جنوب السودان المحاذي لها؛ لأن جنوب سودان مستقل هو مصلحة إستراتيجية لها؛ فمساحة أوغندا (241 ألف كلم2) أي تساوي ما يقرب من ثلث مساحة جنوب السودان (بحسب بعض التقديرات 700 ألف كلم2)، في حين أن عدد سكان الجنوب (حوالي 8 ملايين) أي يساوي ما يقرب من ربع عدد سكان أوغندا (حوالي32 مليون و500 ألف)، والجنوب عموما مصب لبضائع أوغندا، وساحة لعمالتها.


وإستراتيجيا، تريد أوغندا من الجنوب أن يكون منطقة عازلة مع السودان، خاصة وأنها تتخوف من عودة دعم الحكومة السودانية لجيش الرب الأوغندي، مع العلم أن هناك تقارير تتحدث عن أن هذه المنظمة موجودة الآن في دارفور، وأنها تحظى برعاية الحكومة السودانية، وأنها متورطة بأعمال عسكرية ضد الحركات الدارفورية المعارضة.


مسار منبر الدوحة، وإعادة قراءة الأولويات 


إن منبر الدوحة لا يزال يحظى باهتمام حكومة السودان والمعارضة والقوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمة دارفور، ولا يزال يشكل حاجة لها جميعا؛ فالراعي القطري ليس طرفا سياسيا في الأزمة، وهو من خارج الإقليم ولا مطامع سياسية له فيه، ويعمل تحت غطاء جامعة الدول العربية، كما تمتاز قطر بقدرات مالية لتحمُّل الجزء الأهم من كلفة الحلول في حال التوافق عليها؛ لهذا لا يزال منبر الدوحة الفرصة الأفضل لحل أزمة دارفور، مهما كثرت المستجدات وبدا أنها مناقضة لمنبر الدوحة أو مجافية له.


ولكن على الرغم من كل ذلك فإن المبادرة الليبية والإستراتيجية الجديدة للحكومة السودانية إضافة إلى تزايد احتمالات الانفصال العدائي لجنوب السودان عن شماله، والمخاوف المتصلة بتعاظم الدور الأوغندي المحتمل في أزمة دارفور على خلفية دعم أوغندا لانفصال الجنوب، وتعقيدات احتمال وجود جيش الرب الأوغندي المعارض، تشكل كل هذه تحديا يتطلب من منبر الدوحة إعادة قراءة المشهد السياسي الإقليمي، وبذل جهد دبلوماسي استثنائي كي تتطابق أولويات المبادرة السودانية والليبية فيما خص دارفور مع مساره، وكذلك العمل على الحيلولة دون تطور العامل الأوغندي في الأزمة، وهو الأمر الذي يتطلب:


أولا
أن يشرع الراعي القطري في إقامة اتصالات مكثفة مع الحكومة الليبية للتأكيد على أن مؤتمر طرابلس المزمع عقده سيصب في مصلحة العملية التفاوضية الجارية في الدوحة ويتكامل معها، وأن هدفه توحيد بقية الفصائل السودانية في تحالف واحد، وأن لا ينزلق إلى خلق منبر موازٍ لمنبر الدوحة. مع الإشارة إلى أن توحيد الحركات المسلحة في دارفور على مطالب موحدة، وإيجاد آلية وجسم تفاوضي واحد في مقابل المفاوض الحكومي السوداني، كان ولا يزال المطلب الأساسي للوساطة في منبر الدوحة ولأهل دارفور ولكل المعنيين بحل هذه الأزمة، وهو حتى مطلب الحركات الدارفورية المسلحة نفسها. ولكن ذلك يتطلب من جهة: إعادة تكييف الدور الليبي بالقدر الذي يُطمئن الحكومة السودانية لإيجابية هذا الدور، ويتطلب أيضا من جهة أخرى: أن تُعطَى ليبيا الفرصة للمشاركة في صنع الحل لدارفور بالقدر الذي يُطمئنها؛ لأنها معنية بكيفية تعزيز استقرار دارفور المتصل بأمنها القومي بحسب تقديرها.


وبذلك تستطيع الوساطة في منبر الدوحة في جميع الأحوال -من خلال المساعدة الليبية- التواصل مع الحركات الدارفورية المعارضة والمؤثرة كافة لتلتحق بمنبر الدوحة، خاصة وأن الاتفاق مع بعض المعارضين دون آخرين لن يشجع الحكومة السودانية على توقيع اتفاق شامل، كما أن ظهور تحالف آخر سيفتح منبرا جديدا للتفاوض وبالتالي قد تتشتت الجهود بما يستعصي معه التوافق على حل شامل ممكن التطبيق، كما أن الحركات لن تجتمع على منبر واحد دون موافقة البلدان التي تستضيفها.


ثانيا



لا يزال منبر الدوحة الفرصة الأفضل لحل أزمة دارفور، مهما كثرت المستجدات وبدا أنها مناقضة لمنبر الدوحة أو مجافية له.
أن يحث الراعي القطري الحكومة السودانية على تأكيد جديتها فيما يتعلق بالإيفاء بالتزامات منبر الدوحة، وكذلك التأكيد على أن إستراتيجيتها الجديدة تتلاقى مع مفاوضات الدوحة وأنها ليست بصدد خلق منبر موازٍ للمنبر القائم. وكذلك حث  الحكومة السودانية على عدم الإقدام على أي إجراء انفرادي لا توافق عليه أطراف المعارضة، أو أنه لا يزال قيد التفاوض، وإلا فإنه سيعود بالضرر على المفاوضات بل قد ينسفها.

وعلى الحكومة السودانية أن تطرح الإستراتيجية الجديدة على الحركات الدارفورية المعارضة لأنها معنية بما يجري في دارفور شأنها شأن بقية الأطراف الدارفورية الأخرى على الأقل. خاصة وأن هناك تفاوضًا جاريًا، واتفاقات إطار موقعة بين الطرفين، وحتما ستكون النقاط المعترض عليها في الإستراتيجية موضوعا للتفاوض في منبر الدوحة بين الحكومة والمعارضين الدارفوريين، أما فيما وراء ذلك مما ورد في الإستراتيجية، فإن للحكومة أن تقوم بما تراه ملائما لتحقيق التنمية والمصالحة في دارفور.


ثالثا
يجب تبديد مخاوف أوغندا فيما يتعلق بوجود جيش الرب في دارفور، وذلك عبر جهد دبلوماسي سوداني بالدرجة الأولى، وقد يشارك فيه أكثر من طرف لاسيما الراعي القطري المعني بأزمة دارفور من هذا الوجه، وإلا فلا يمكن إغفال احتمال دخول العامل الأوغندي على خط الأزمة، وبهذا سيزيد عدد اللاعبين في أزمة دارفور لاعبا إقليميا إضافيا ألا وهي أوغندا، وربما يضاف عامل آخر ألا وهو جيش الرب نفسه إذا صح وجوده في دارفور، أو ربما قد تستعين به حقا الحكومة السودانية في إدارة حرب باردة مع كمبالا في حال تفاقم الخلافات معها. وهذا السيناريو سيتأكد في حال انفصال الجنوب على عداوة مع الخرطوم؛ لأنه حينها سيستضيف -أي الجنوب- الحركات الدارفورية المسلحة، وستحظى أوغندا عندها بفرصة رعاية حركات المعارضة الدارفورية المسلحة بشكل مباشر، وستتحول دارفور إلى ساحة حرب.


وأخيرا
يجب أن تقوم قيادة منبر الدوحة بحراك دبلوماسي لتامين قوة دفع جديدة للمفاوضات حول دارفور، خاصة وأن عامل الوقت والاستحقاقات القادمة ليست في مصلحتها، ومن ذلك ما أعلنته الحكومة السودانية مؤخرا على لسان الرئيس عمر البشير بأن المهلة الممنوحة للتفاوض مع الحركات تنتهي بنهاية هذا العام، كما أن التمثيل السوداني في منبر الدوحة في انخفاض مستمر، وفضلا عن ذلك فإن هناك انصرافا دوليا عن ملف دارفور بسبب تزايد الاهتمام بالاستفتاء الذي سيقرِّر مصير جنوب السودان.