الاقتصاد السياسي اليمني ودوره في تشكيل الجماعات الفاعلة

ساهم الاقتصاد السياسي والريعي باليمن في ظهور وتقوية الجماعات الفاعلة غير الرسمية، وفي ظهور الصراعات بين بعض تلك الجماعات والسلطة، وتحقيق الاستقرار يتطلب الانتقال إلى الاقتصاد الإنتاجي والقيام بإصلاحات سياسية تعتمد معيار الانتخاب والكفاءة بدلا عن القرابة والولاء السياسي والتوريث.








 


عبد الله الفقيه


اتصف الاقتصاد اليمني سواء في الدولتين الشطريتين السابقتين على الوحدة أو في مرحلة ما بعد الوحدة حتى اليوم بكونه اقتصادا ريعيا. والمقصود بالاقتصاد الريعي "الاقتصاد الذي يعتمد في استمراره على موارد خارجية المصدر، سواء أكانت تلك الموارد عائدات تأتي من مبيعات النفط، أو من المساعدات الدولية، أو تحويلات المغتربين من أبناء الدولة، أو مزيجا من بعض أو كل هذه المصادر" (1).


ويمكن للموارد الخارجية بالطبع أن توجه إلى مجالات الاستثمار والإنتاج وخلق فرص العمل وأن تقود إلى تحول من "اقتصاد الريع" إلى "اقتصاد الإنتاج"، لكن الوضع في اليمن كما في معظم الدول العربية الأخرى مع تفاوت في الدرجة هو استمرار نموذج "الاقتصاد الريعي" الذي أفضى إلى نتائج على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، أبرزها: هشاشة الدولة وافتقارها للقوة والشرعية، وتشجيع الجماعات غير الرسمية على التمرد عليها، وغياب الاستقرار على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.


ويقسم هذا التقرير إلى خمس نقاط، تستعرض الأولى والثانية جذور الاقتصاد الريعي وكيفية تطوره، وتركز الثالثة والرابعة على أزمة الاقتصاد الريعي ونتائجها السياسية، أما النقطة الأخيرة فتركز على الإصلاحات المطلوبة.


أولا: جذور الاقتصاد الريعي
ثانيا: تطور الاقتصاد الريعي
ثالثا- أزمة الاقتصاد الريعي
رابعا: النتائج السياسية
خامسا: دور الريع في الصراعات العنيفة
خاتمة


أولا: جذور الاقتصاد الريعي 





اتصف الاقتصاد اليمني سواء في الدولتين الشطريتين السابقتين على الوحدة أو في مرحلة ما بعد الوحدة حتى اليوم بكونه اقتصادا ريعيا.
يمكن إرجاع جذور الاقتصاد الريعي السائد الآن في الجمهورية اليمنية إلى النموذج الاقتصادي الذي ساد في الدولتين اليمنيتين السابقتين على قيام الوحدة اليمنية، فقد اعتمد اقتصاد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو جنوب اليمن في مرحلة ما بعد الاستقلال بشكل أساسي على الدعم السوفياتي الكبير، سواء أكان ذلك الدعم على شكل مساعدات ومعونات أو على شكل قروض. وارتكز اقتصاد الجمهورية العربية اليمنية أو اليمن الشمالي بشكل أساسي على الدعم الخليجي والغربي، وعائدات المغتربين اليمنيين في دول الخليج. وفي حين اتجه الدعم السوفياتي لجنوب اليمن إلى الدولة التي احتكرت وظائف الإنتاج والتوزيع، اتسمت العائدات الريعية في اقتصاد شمال اليمن بالتنوع، واتجه بعضها إلى الدولة وبعضها الآخر إلى المجتمع سواء كأفراد أو كتنظيمات اجتماعية.

وقد عزز الاقتصاد الريعي الذي ساد في شمال اليمن استقلال الدولة النسبي عن المجتمع واستقلال بعض الجماعات عن الدولة ولو نسبيا، فقد اعتمدت سلطات الدولة في شمال اليمن في استمراريتها على موارد مصدرها مستقل عن المواطنين وليس على موارد ينتجها مواطنوها كالضرائب مثلا. ووظفت تلك السلطات الموارد الخارجية في تقديم الخدمات المجانية وإن على نطاق محدود وفي خلق نظام لدعم السلع الأساسية، وفي شراء الولاء أو على الأقل الحياد السياسي من الجماعات الفاعلة. أما المجتمع بشكل عام، فقد وفرت له عائدات المغتربين مصدرا ريعيا جعله مستقلا نسبيا عن الدولة. وبالنسبة لدور الريع في تشكيل الجماعات الفاعلة فقد بدا واضحا بالنسبة للجماعات التالية:


1. قبيلتا حاشد وبكيل: أدى الدعم المادي السعودي لمشايخ قبيلة حاشد، خصوصا الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ولمشايخ قبيلة بكيل إلى تمتع شيوخ القبائل بمصدر مالي ثابت كفل لتلك القبائل الاستقلال النسبي عن سلطات الدولة والعمل موازنا لها، وقد لعبت تلك القبائل كقوى محافظة بطبيعتها على  ضمان عدم وصول الجماعات القومية واليسارية التي تراها السعودية تهديدا لها إلى السلطة.


وظهر دور تلك القوى موازنا للدولة واضحا عند صعود الرئيس إبراهيم الحمدي إلى السلطة (1974-1977)، حيث عارضت تلك القبائل سياساته التحديثية، ومنها سعيه إلى التقارب مع جنوب اليمن الذي كانت تهيمن عليه الماركسية، ومحاولته لإبعاد شيوخ قبائل حاشد وبكيل عن مواقع الدولة سواء المدنية أو العسكرية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن شيوخ حاشد وبكيل كانوا يحصلون على الريع من الدولة حتى في عهد الإمامة مقابل ولائهم السياسي.


وفي حين شهد جنوب اليمن في مرحلة ما بعد الاستقلال تصفية للفئات الإقطاعية من مشايخ وسلاطين التي كانت تتلقى الريع من الحكومة البريطانية، فإن سقوط الإمامة في شمال اليمن والحرب التي تلت بين الجمهوريين والملكيين قد عملت على تعزيز استقلال القبائل وتعزيز قوتها العسكرية. وكما احتاج الأئمة إلى شراء ولاء القبائل، اتبع الرؤساء الجمهوريون المتعاقبون نفس السياسة. وكان الرئيس الحمدي هو الوحيد في تاريخ اليمن الشمالي الذي حاول تهميش دور القبيلة وعدم شراء ولائها، وقد دفع حياته ثمنا لتلك السياسة.


2. الجماعات الدينية السنية: دعمت السعودية الجماعات الوهابية أو تلك القريبة من الوهابية في اليمن، وذلك بغرض توسيع رقعة التيار، لاحتواء كل من الشيوعية في جنوب اليمن، والفكر الزيدي القريب من الشيعة في شمال اليمن. وكانت جماعة الإخوان المسلمين أبرز الجماعات التي استفادت من الدعم السعودي، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال الدعم السعودي لما كان يسمى بالمعاهد العلمية التي كانت تخضع لسيطرة الإخوان.


3. الجماعات اليسارية: ظهرت في وسط اليمن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي خاصة في محافظات إب وتعز جماعات يسارية انتظمت فيما عرف بـ"الجبهة الوطنية"، وقد استفادت تلك الجماعات من الدعم الذي كانت تتلقاه من النظام الشيوعي في جنوب اليمن، ودخلت في حرب مع النظام في الشمال وسعت إلى إحداث تغير سياسي واجتماعي سريع عن طريق التخلص من القوى التقليدية الموالية للنظام، وقد تمكن النظام في شمال اليمن عن طريق التحالف مع القوى التقليدية بشقيها القبلي والديني، وبفضل الدعم السعودي ونتيجة لتوقف دعم النظام في الجنوب لها، من القضاء على تلك الجماعات.


4. الأحزاب القومية الصغيرة: عرف اليمن في شماله وجنوبه منذ النصف الأول من القرن العشرين مختلف التكوينات القومية من بعثية وناصرية وغيرها، ومع أنه تم حظر التعدد الحزبي في اليمن بشماله وجنوبه في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ظلت الأحزاب القومية تعمل تحت الأرض مستفيدة من دعم دول مثل مصر والعراق وسوريا وليبيا. ومثلت هذه الأحزاب كل على حدة أو بالتحالف بينها جزءا من القوى  المتصارعة على السلطة، وهو الصراع الذي قاد في بعض الحالات إلى مصادمات عنيفة.


ويمكن النظر إلى عملية تحقيق الوحدة اليمنية على أنها نتجت جزئيا على الأقل عن تقلبات الاقتصاد الريعي في الدولتين الشطريتين، فقد أدى توقف الاتحاد السوفياتي عن تقديم المعونات الكبيرة لجنوب اليمن إلى وضع الدولة الجنوبية في مأزق حرج. أما في الشمال فقد واجهت الدولة تراجعا في الموارد الريعية نتيجة لعاملين على الأقل، تحالف الرئيس علي عبد الله صالح مع الرئيس صدام حسين في عقد الثمانينيات، وهو ما قوبل بفتور كبير انعكس على حجم المساعدات المقدمة لشمال اليمن من دول الخليج خصوصا السعودية والكويت، وحدوث تحول في بنية سوق العمل الخليجي أثر سلبا على فرص التوظف المتاحة للعمالة اليمنية غير الماهرة في معظمها وبالتالي على حجم تحويلاتها السنوية.


ثانيا: تطور الاقتصاد الريعي 





وتعد اليمن الدولة الأفقر ليس فقط في العالم العربي ولكن أيضا في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع إذا استثنيت منطقة جنوب الصحراء الأفريقية.
واجهت الوحدة اليمنية بعد قيامها مباشرة في 22 مايو/أيار1990 أزمة اقتصادية كبيرة بسبب تقلبات الاقتصاد الريعي، فقد أدى الموقف اليمني الذي فهم على أنه مساند  للرئيس العراقي صدام حسين في غزوه للكويت إلى عدة نتائج على الصعيد الاقتصادي. من جهة قامت الحكومة السعودية بطرد مئات الآلاف من العمال اليمنيين، وهو ما أدى إلى فقد اليمن لتحويلاتهم السنوية، ومن جهة ثانية توقفت المعونات الخارجية لليمن سواء تلك التي كانت تقدم من دول الخليج أو من الدول الغربية.

وشهدت اليمن في السنوات الأربع الأولى لقيام الوحدة صراعا سياسيا بين النخبة التي كانت تحكم الجنوب وتلك التي كانت تحكم الشمال، ولم يكن ذلك الصراع في أسبابه ومسارات تطوره بمعزل عن الاقتصاد الريعي للبلاد، فقد اتهمت النخبة الشمالية نظيرتها الجنوبية بالسعي إلى الانفصال لتستأثر وحدها بعائدات الاكتشافات النفطية التي ظهرت بعد قيام الوحدة في جنوب اليمن وبدأت عملية استخراجها. كما اتهمتها أيضا قبل وأثناء الحرب الأهلية بتلقي دعم خارجي لشراء الأسلحة والتمرد على الشرعية. وبرزت دولة الكويت متهما رئيسا، حيث أرادت وفقا للاتهامات الانتقام من موقف صنعاء المؤيد للرئيس العراقي في غزوه للكويت، وقد انتهت تلك الحرب بانتصار النخبة الشمالية على النخبة الجنوبية.


وقد تبلور الاقتصاد الريعي في الجمهورية اليمنية في أعقاب حرب العام 1994 الأهلية واضحا من خلال نمو نسبة مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمساهمة قطاعات الصناعة والزراعة والبناء والتشييد، وكذلك من خلال معدلات النمو المحققة في تلك القطاعات. وبينما بلغت إيرادات اليمن من النفط في العام 1995 حوالي مليار دولار بلغت عام 2003 حوالي 3.7 مليارات أو ما يعادل 70% من عائدات الحكومة. ويساهم النفط بحوالي 30% من الدخل المحلي الإجمالي، في حين يوظف أقل من 1% من قوة العمل بينما يساهم القطاع الزراعي بـ20% فقط من الناتج المحلي الصافي في الوقت الذي يوظف 54% من قوة العمل (2).


ويعكس التباين في حجم مساهمة القطاعين الزراعي والنفطي في الدخل المحلي الإجمالي مقارنة بحجم العمالة صغر القاعدة السكانية المستفيدة من عمليات استخراج النفط من جهة والطبيعة الريعية لهذا المورد من جهة أخرى، حيث لا تعكس عائداته ومساهمته في الدخل المحلي الجهد المبذول في إنتاجه.


وتراوحت مساهمة قطاع النفط والغاز بين 66% و68% من جملة الموارد الذاتية للموازنة العامة للدولة في السنوات من 2000 إلى 2004 ومثلت أيضا حوالي 64% إلى 65% من الموارد العامة للدولة. وبلغت مساهمة النفط 62% من الإيرادات الذاتية للدولة في العام 2006 (3). أما الضرائب فقد شكلت المصدر الثاني من حيث الأهمية، وقد بلغت مساهمتها حوالي 22% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة في الفترة من 2000 إلى 2004. وبلغت مساهمة الإيرادات الضريبية، التي تعاني من تخلف أساليب الجباية والتحصيل وعدم كفاية الإدارة الضريبية وانتشار ظاهرة التهريب والتهرب الضريبي (4)، 23% في موازنة العام 2006 (5).


ثالثا- أزمة الاقتصاد الريعي 


يمكن النظر إلى الأزمة المركبة التي تواجه اليمن اليوم على أنها جزئيا على الأقل تعبير عن نتائج ومضاعفات وتقلبات الاقتصاد الريعي وعن قرب انهيار هذا النموذج الاقتصادي بسبب استنزاف الموارد التي تشكل مصدرا للريع من جهة، وتراجع الدعم الخارجي من جهة أخرى. ويتمثل مأزق الاقتصاد الريعي في اليمن في التالي:


1- ضعف النمو الاقتصادي
بلغ معدل النمو الاقتصادي في اليمن 5.5% في الفترة من 1990 إلى 2000، وهو ما يمكن ترجمته إلى معدل نمو سنوي بمقدار 1.5% في نصيب الفرد من الدخل السنوي بعد أخذ عامل الزيادة السكانية في الاعتبار (6). وقد تحقق ذلك النمو في تلك الفترة نتيجة تراكم عنصري العمل ورأس المال وليس نتيجة تحسن في نمو الإنتاجية. (7) ويبين الجدول التالي معدل نمو مساهمة القطاع غير النفطي مقارنة بمعدل نمو القطاع النفطي في الفترة من 2001 إلى 2006. والواضح أن معدل النمو، إذا ما أخذ معدل النمو السكاني الذي لا يقل عن 3% في الاعتبار، لا يختلف كثيرا عما تحقق في العقد السابق.


معدل نمو مساهمة القطاع غير النفطي في الدخل المحلي الإجمالي





































-

200120022003200420052006
نمو الناتج المحلي الإجمالي4.63.93.12.63.83.9
النفطي1.30.4-1.8-6.9-0.9-6.3
غير النفطي5.24.644.14.55.4
Source:  World Bank, Yemen Economic Updates, Spring 2006, 3
URL:
click here

وتعد اليمن الدولة الأفقر ليس فقط في العالم العربي ولكن أيضا في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع إذا استثنيت منطقة جنوب الصحراء الأفريقية. ووفقا لمؤشرات البنك الدولي فإن معدل دخل الفرد السنوي للفرد في اليمن بلغ 1060 دولارا في العام 2009. وتقدر نسبة البطالة في اليمن بحوالي 40% بينما يرتفع المعدل بين الشباب ليصل إلى أكثر من 50%. ويعيش أكثر من نصف اليمنيين تحت خط الفقر بينما يعاني قرابة النصف من الأمية الأبجدية (8).


ويعزو الدكتور سيف العسلي وزير المالية السابق سبب الفشل في تحقيق النمو الاقتصادي بالإشارة إلى ضعف المؤسسات الاقتصادية، وهو ضعف يجعلها تتبنى سياسات اقتصادية ضعيفة وتهمل سياسات النمو الاقتصادي القوية. (9) كما أن تلك المؤسسات الضعيفة، حسب العسلي، تؤدي إلى توزيع غير فعال للموارد العامة، بحيث يتم إنفاق معظم الموارد على أنشطة غير إنتاجية وبشكل لا يساعد على تحقيق النمو الاقتصادي (10).


ويعزو العسلي ضعف المؤسسات المسؤولة عن إدارة الاقتصاد إلى عوامل سياسية، حيث يقوم الفرع التنفيذي بإضعاف تلك المؤسسات عنوة، وذلك عن طريق: صياغة القوانين بطريقة غامضة بهدف منع تلك المؤسسات من استخدام النصوص القانونية لتعزيز استقلالها، والعمل على إثارة الخلافات داخل المؤسسات، وخلق التنافس بين القيادات المختلفة، والعمل على نقل القيادات بسرعة قبل أن تتمكن من بناء قواعد لها، وتعدد المؤسسات التي تقوم بنفس الوظيفة وتنازع الاختصاص بينها، وتشجيع الفساد في مؤسسات الدولة بما يجعل القيادات تخضع تماما ويمكن تغييرها في أي لحظة ... إلخ (11).


وواضح أن توفر الريع مصدرا للدخل للخزينة العامة يغنيها عن فرض الضرائب هو الذي يشجع السلطة الحاكمة على المضي في تلك السياسات التي تكرس هشاشة الدولة. كما يشجعها أيضا على الجمع بين السياسة والتجارة طالما غابت المساءلة، وعلى الإصرار على التعيين من أعلى بما يترتب على ذلك التعيين من غياب الحافز لتوظيف الموارد العامة بشكل فعال يمكن أن يعزز التنمية.


2- تراجع أسعار النفط



أدى الموقف اليمني من الغزو العراقي للكويت إلى توقف المعونات الخليجية، وهو ما أسهم في انخفاض عائدات اليمن من المعونات من مستواها في الثمانينيات من القرن الماضي الذي بلغ 18% من إجمالي العائدات إلى أقل من 2% في التسعينيات.
تعاني اليمن التي شهدت طفرة في عائدات النفط في السنوات 2001-2007 تراجعا كبيرا في إنتاج النفط من جهة وفي أسعاره من جهة أخرى، وهو ما خلق ضغوطا على الاحتياطي النقدي للبلاد، خاصة أن عائدات النفط تمثل 90% من عائدات الصادرات و70% من الإيرادات المالية. (12) وقد أدت هذه التطورات إلى تنامي عجز الموازنة في اليمن في السنتين الأخيرتين. واضطرت الحكومة اليمنية في منتصف العام 2010 وبعد أن فقد الريال قرابة 30% من قيمته أمام الدولار خلال بضعة أيام إلى التدخل للمحافظة على سعره، وهو ما ساهم بين عوامل أخرى في انخفاض احتياطي البلاد من النقد الأجنبي من 7.1 مليارات دولار مع نهاية 2009 إلى  قرابة 6 مليارات دولار بنهاية 2010.

ويغطي الاحتياطي النقدي الحالي حسب بعض التقديرات حاجات البلاد من الواردات لثمانية أشهر فقط. (13) وإذا كان النظام القائم قد وظف عائدات الريع في شراء الولاءات وتقديم بعض الخدمات، فإن تراجع العائدات الريعية مضافا إليه تراكمات عوامل أخرى مثل سيطرة قلة صغيرة على السلطة والثروة وغياب المؤسسات التمثيلية الفعالة يؤدي إلى احتدام الصراع حول الموارد وسعي الجماعات الفاعلة غير الرسمية للإطاحة بالجماعة المسيطرة على الدولة.


3- نفاد المخزون من النفط
تراجع إنتاج النفط في اليمن من 410 آلاف برميل في اليوم في العام 2004 إلى 320 ألف برميل في العام 2007، ثم إلى 300 ألف برميل في العام 2008. (14) وتوقع تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي مع نهاية العقد الماضي أن ينفد مخزون النفط في اليمن خلال 20 سنة، وهو ما يستدعي العمل على تخفيض عجز الموازنة غير النفطية (15).


وتشير دراسة أعدتها منظمة النقد الدولية إلى أنه بقسمة الاحتياطي النفطي على معدل الإنتاج السنوي والمقدر بـ146 مليون برميل سنويا فإن الكميات الموجودة من النفط ستنفد خلال خمس سنوات فقط (أعدت الدراسة في العام 2004) وخلال عشر سنوات إذا ما أضيفت الكميات المحتمل وجودها. وتخلص الدراسة إلى وجود ثلاثة سيناريوات:



  1. السيناريو الأول: في حالة تقدير النفاد بناء على الاحتياطي الموجود، وفي هذه الحالة فإن إنتاج النفط سينخفض بمقدار 90% بحلول العام 2016.


  2. السيناريو الثاني: في حالة إضافة الكميات التي يمكن أن تكتشف في المستقبل، وفي هذه الحالة تقدر الدراسة انخفاض النفط بمقدار 60% بحلول العام 2016.


  3. السيناريو الثالث: الاحتمال الواقعي الذي يعتمد على الاحتمال الأول مع أخذ تجارب الدول الأخرى في الاعتبار، وبموجب هذا السيناريو ستنفد كميات النفط تماما بحلول العام 2018. ورغم أن اليمن بدأت في تصدير الغاز مع نهاية العام 2010 فإن الاتفاقات المبرمة بين الحكومة اليمنية والشركات المنفذة قد شابها كما يبدو الكثير من الفساد، مما يجعل الريع الذي يمكن أن تحصل عليه الدولة اليمنية ضئيلا جدا.

4- تدني الدعم الدولي
يتصف الدعم الدولي لليمن بالانخفاض مقارنة ببعض الدول النامية الأخرى، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل، السبب الأول يتمثل في السياسة الخارجية التي لا تراعي مصالح اليمنيين كما تبدت في الموقف اليمني من الغزو العراقي للكويت، حيث أدار المسؤولون اليمنيون ظهورهم لمصالح شعوبهم التي كانت تتطلب الوقوف مع دول الخليج التي كانت تستضيف أكثر من مليوني يمني، وكانت تقدم لليمن المعونات السخية والقروض. (16) وقد أدى الموقف اليمني من الغزو العراقي للكويت إلى توقف المعونات الخليجية، وهو ما أسهم في انخفاض عائدات اليمن من المعونات من مستواها في الثمانينيات من القرن الماضي الذي بلغ 18% من إجمالي العائدات إلى أقل من 2% في التسعينيات (17).


أما السبب الثاني فيتمثل في ضعف القدرة الاستيعابية وانخفاض أداء الحكومة، مما شكل عامل إحباط للمانحين والمقرضين، فالمجتمع الدولي ينظر إلى الحكومة اليمنية على أنها ضعيفة غير أمينة لا يمكن الاعتماد عليها وغير موثوقة. (18) ويبين الجدول التالي تقييم البنك الدولي لأداء الحكومة اليمنية في الفترة من 1990 إلى 1998 ولأداء البنك في تعامله معها.


أداء الحكومة اليمنية وفقا لتقييم البنك الدولي

























الفترة النتائج التطور المؤسسيالاستدامة أداء البنكأداء الحكومة اليمنية
1990-1995ضعيفةهامشيغير محتملةضعيفضعيف
1996-1998مقبولةمتواضعغير مؤكدةمقبولمقبول
Source: World Bank, Yemen Economic Updates, Spring 2006, 20

ويتمثل السبب الثالث في الفساد الذي فشلت الحكومة اليمنية في الحد منه حتى بعد إنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد في العام 2007. ويبين الجدول التالي درجة الجمهورية اليمنية على مقياس الفساد في الفترة 2003-2010. ويقول خبراء البنك الدولي إن عدم قدرة هيئة مكافحة الفساد على تحقيق تقدم في مكافحته يرجع إلى الضعف المؤسسي وإلى احتمال اختطاف الدولة من قبل جماعات مصالح قوية (19).


درجة الجمهورية اليمنية على مؤشر قياس الفساد (وفقا لمنظمة الشفافية الدولية)


























السنة


الدرجة


2010


2.1


2009


2.2


2008


2.3


2007


2.5


2006


2.6


2005


2.7


وكانت المؤسسات المالية الدولية قد بدأت منذ سنوات ممارسة الضغوط على النظام اليمني للقيام بإصلاحات، وربطت استمرار الدعم بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. ولجأ البنك الدولي والاتحاد الأوروبي إلى تخفيض دعمهما لليمن. ومع أن المانحين التزموا في مؤتمر لندن بدعم اليمن بمبالغ تجاوزت الـ5 مليارات دولار، غير أن فشل الحكومة اليمنية في القيام بإصلاحات تحد من الفساد وترفع القدرة الاستيعابية قد حرم البلاد من تلك المعونات ولم يزد المستخدم منها حتى الآن عن 10%.


رابعا: النتائج السياسية 





من غير المستبعد، كما يذهب بعض المحللين، أن يكون النظام اليمني قد وجد في القاعدة مصدرا هاما من مصادر الريع والدعم السياسي.
تطور النظام السياسي في اليمن بشكل مواز لتطور الاقتصاد الريعي، ففي ثمانينيات القرن الماضي، وكان الريع ما زال مقتصرا على المعونات الخارجية وعائدات المغتربين، عمل الرئيس علي عبد الله صالح على جعل الجيش الذي تتوجه إليه معظم الموارد الريعية خاضعا لأسرته وأبناء قريته (سنحان)، لكن قطاعات التجارة والأعمال الحرة والخدمة المدنية تركت لليمنيين عامة، وصحيح أن الفساد كان موجودا لكن في نطاق دائرة ضيقة جدا.

أما وقد تبلور نموذج الاقتصاد الريعي في الجمهورية اليمنية فإن أول إفرازاته تمثل في توجهات تركيز السلطة والثروة على خطوط أسرية وعشائرية وقبائلية ومناطقية. وامتدت عملية سنحنة الجيش إلى سنحنة للتجارة والمقاولات والنقل والاستثمارات والمواقع العامة ذات الصلة بما في ذلك المواقع المدنية.


وسرعان ما ظهر التوجه نحو تأبيد السلطة من خلال التعديلات الدستورية المتكررة، وتوريثها من خلال إعادة بناء الجيش والأجهزة المدنية بطريقة تجعل أبناء الرئيس وأنسابه وبعض المقربين منه هم المسيطرين على السلطة الفعلية في البلاد. وإذا كان الرئيس صالح بعد انتخابه رئيسا من قبل مجلس النواب في العام 1994 قد عين نائبا له فإنه لم يعين نائبا له بعد انتخابات 1999 وانتخابات 2006 تاركا نائبه يمارس اختصاصاته دون قرار تعيين، وذلك لقطع الطريق أمام تولي النائب للرئاسة ولو لفترة مؤقتة في حال حدوث شيء ما للرئيس.


وسرعان ما تطور النظام اليمني وفقا لروبرت بيروز إلى نوع من نظام حكم القلة هو "الكلبتوكراسي"، التي يعرفها بيروز بأنها "حكم اللصوص باللصوص وللصوص"،  فقد تكونت، كما يقول بيروز، طبقة صغيرة من المشايخ والضباط ورجال الأعمال تتمتع بقيمها ودوافعها وثقافتها السياسية المختلفة عن قيم ودوافع المجتمع اليمني. وتمكن أفراد تلك الطبقة من خلال سيطرتهم على المواقع الحكومية التي يتدفق من خلالها الريع من الإثراء الشخصي على حساب التنمية والأهداف الأخرى.


وتمثل هشاشة الدولة الحديثة في اليمن، من وجهة نظر بيروز، سببا ونتيجة لظهور حكم القلة الذي يسيطر على اليمن، فغياب الدولة الحديثة مكن حكم القلة من التطور والحفاظ على السلطة ثم البدء بنقلها إلى الجيل الثاني من ذات الجماعة في عملية يمكن وصفها بـ"خصخصة الدولة"، وبدورها عملت تلك القلة على استخدام سلطتها في الدولة لمعارضة وإضعاف محاولات بناء الدولة وعلى نحو أخص تلك الجهود المتعلقة بإحلال "معيار الكفاءة" محل "معيار الولاء" ومحاربة الفساد (20).


ومن الواضح أن الريع قد لعب دورا ما في ظهور حكم القلة وفي إعاقة نمو الدولة وافتقارها إلى القدرة والشرعية. واتصفت مؤسسات الدولة اليمنية وما زالت بالضعف والعجز عن تقديم الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الأمن الداخلي والخارجي والتمثيل السياسي والرفاه، خصوصا عند حدوث الأزمات الاقتصادية.


ويتضح هذا العجز من خلال ضعف الدرجة التي تحققها اليمن على مقاييس الاستقرار السياسي، فعالية الحكومة، وجودة القواعد المنظمة، وسيادة القانون، والسيطرة على الفساد، والتمتع بالحقوق السياسية والمدنية، وحرية الصحافة، وقوة النظام السياسي.


وقد أدى اعتماد الدولة على الموارد الريعية إلى صرف النظر عن سياسة فرض الضرائب للحصول على الموارد بما تتضمنه الأخيرة من ضرورة التغلغل داخل المجتمع وتطوير جوانب الشرعية والقدرة. وحيث إن السيطرة على مؤسسات الدولة الهشة يعني السيطرة على الموارد فإن الصراع بين الأطراف المختلفة داخل وخارج الدولة قد اشتد وتحول مع منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى صراع عنيف بعد حوالي عقد من الاستقرار النسبي.


خامسا: دور الريع في الصراعات العنيفة 


ساهم الاقتصاد الريعي بطرق مختلفة في ظهور أو على الأقل تقوية الجماعات غير الرسمية من جهة وفي ظهور الصراعات العنيفة التي تخوضها بعض تلك الجماعات مع الدولة إن جازت التسمية من جهة أخرى، فقد عمل الريع  سواء أكان مصدره القابضين على السلطة أو الخارج في تقوية الجماعات غير الرسمية وتعزيز استقلالها عن السلطة. كما ساهم الريع كما سبقت الإشارة في تكريس هشاشة الدولة وفشلها في التوزيع العادل للثروة، وبالتالي تشجيع الجماعات غير الرسمية على التمرد عليها. وجاءت أزمة الاقتصاد الريعي بكل تفاصيلها وسياقاتها لتسهم بدورها في تحويل تلك الصراعات إلى صراعات مزمنة. ولا يستبعد أن يكون الريع المتدفق للدولة لدعمها في مواجهة تلك الصراعات قد مثل حافزا لها في إبقاء بعض تلك الصراعات دون حسم. ويتم هنا التركيز على دور الريع في ظهور وتطور التمرد الحوثي، والحراك الجنوبي والقاعدة والصراعات الأخرى.


1- التمرد الحوثي
ساهم الريع في ظهور "الشباب المؤمن" في بداية تسعينيات القرن الماضي كحركة إحيائية داخل المذهب الزيدي، فقد دعم الرئيس صالح جماعة الحوثي ماليا وسعى لدى الإيرانيين للحصول على دعم للجماعة، وذلك بهدف تقويتها ليوازن بها على الصعيد الداخلي تنامي دور حزب الإصلاح ومنافسيه على السلطة من بيت الأحمر في قبيلة حاشد، وليوازن بها على الصعيد الخارجي الضغوط السعودية ضد نظامه في مرحلة ما قبل ترسيم الحدود بين البلدين.


وساهم الريع كذلك مع عوامل أخرى في تحول الحركة إلى تمرد مسلح، فعندما نجح صالح في حل خلافاته الحدودية مع السعودية حاول إضعاف الجماعة وتفكيكها ودعم الجماعات السلفية المضادة لها، وقد ردت الجماعة باللجوء إلى توظيف العنف لمقاومة ما تقول إنه سلطة غير عادلة. وساهمت عوامل غير بعيدة عن أزمة الاقتصاد الريعي، مثل ضعف التنمية في اليمن عامة وفي محافظة صعدة خاصة وغياب العدالة في توزيع الثروة وارتفاع نسبة البطالة والأمية وضعف مؤسسات الدولة وغيرها في استمرار الجماعة وتوسعها جغرافيا واستقطاب المزيد من المناصرين.


وتذهب إحدى النظريات المفسرة لاستمرار الصراع إلى أن النظام اليمني ربما وجد في استمرار الحرب ضد الحوثي طريقة مقنعة للحصول على دعم سعودي كبير، كما أن أطرافا داخل الجيش اليمني أو في أوساط القبائل اليمنية ربما وجدت في استمرار التمرد طريقا مضمونا للحصول بشكل مستمر على تحويلات مالية كبيرة سواء من النظام أو من الحكومة السعودية.


2- الحراك الجنوبي



يتطلب تحقيق الاستقرار في اليمن الانتقال من نموذج الاقتصاد الريعي السائد، الذي يتصف بالتقلب وعدم القابلية للاستمرار، إلى نموذج الاقتصاد الإنتاجي.
رغم أن الحراك الجنوبي كان وما زال ذا طابع سلمي فإن السياسات الأمنية التي وظفتها السلطة في احتواء الحراك قد قادت في السنوات الأربع الماضية إلى سقوط المئات من القتلى من المدنيين وأفراد الجيش والأمن على السواء، وقد لعب الاقتصاد الريعي دورا كبيرا في  ظهور الحراك الجنوبي.

فالنهب الذي تعرضت له أراضي وممتلكات الدولة الجنوبية السابقة على الوحدة، وسيطرة المركز على عوائد النفط المستخرج من الجنوب، واحتكار أقارب الرئيس وأنسابه وأبناء قريته والمقربين منهم لفرص الاستثمار وعقود المقاولات العامة والمواقع القيادية في الدولة، وغياب الفرص السياسية والاقتصادية المتاحة للجنوبيين، وتدهور الخدمات الأساسية التي كانت الدولة تقدمها لهم، مثلت كلها بين عوامل أخرى الأسباب المباشرة لظهور الحراك الجنوبي ولتطوره فيما بعد إلى حركة انفصالية.


ومع أن النظام اتبع في الجنوب سياسة توظيف بعض عوائد الريع في شراء الولاءات كما فعل في الشمال، فإن طبيعة المجتمع الجنوبي الذي تراجع فيه تأثير التراتبية الاجتماعية والقبيلة وعلاقات القرابة قد جعلت تأثير تلك السياسات محدودا.


كما لعب الاقتصاد الريعي، وما زال يلعب، دورا كبيرا في استمرار الحراك الجنوبي، فرغم الكثير من الغموض حول المصادر التي يحصل منها قادة الحراك على الأموال اللازمة لتنفيذ الأنشطة التي يقومون بها فإن الواضح أن هناك تدفقات مالية قد يكون مصدرها الداخل أو الخارج أو خليطا من ذا وذاك. وقد يكون مصدر الريع الخارجي المغتربين اليمنيين أو الشخصيات السياسية الجنوبية المنفية في الخارج أو حتى بعض الدول المجاورة وغير المجاورة.


3- القاعدة
ارتبط ظهور وتطور القاعدة في اليمن بالتدفقات الريعية سواء من الداخل أو من الخارج، ففي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وجد الكثير من الشباب اليمني في ثمانينيات القرن الماضي في السفر إلى أفغانستان للجهاد، في ظل التمويل السعودي للمجاهدين، فرصة لحل مشاكلهم الاقتصادية من جهة وكسب الثواب من جهة أخرى.


واعتمدت تلك الجماعات بعد استقرارها في اليمن في عقد التسعينيات في بقائها على المرتبات والمخصصات التي قدمها لها النظام اليمني إما لشراء حالة السلم أو عرفانا بجودها في دعم النظام ضد خصومه وخصوصا في حرب العام 1994. أما في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين فبدا واضحا أن الحكومة اليمنية تخصص اعتمادات لقادة بعض تلك الجماعات لمنعها من القيام ببعض العمليات من جهة ولتوظيفها سياسيا ضد خصومها سواء في الشمال أو في الجنوب كما يذهب الكثيرون من جهة أخرى. ويبدو أن نشاط القاعدة في النصف الثاني من العقد الأخير قد ارتبط جزئيا على الأقل بالريع. فإما أن هناك قادة جددا يسعون للحصول على حصة منه، أو أن القادة المخضرمين في التنظيم يضغطون على الحكومة للإيفاء بوعود لم تنفذ أو لاستعادة مخصصات قطعت عليهم.


وتعمل الصراعات الداخلية العنيفة، خصوصا التمرد الحوثي والحراك الجنوبي على استنزاف طاقات النظام وموارده، التي يفترض أن توجه نحو تحقيق الاستقرار والبناء الاقتصادي ومكافحة الفقر والسيطرة على حدود البلاد ومكافحة التهريب والقضاء على الجماعات الإرهابية. كما تعمل تلك الصراعات والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على جعل اليمن بيئة خصبة لظهور ونمو وانتشار القاعدة.


ورغم أن النظام اليمني يتلقى الكثير من الدعم الخارجي المخصص لمحاربة القاعدة فإن الملاحظ أن حاجات النظام تجعله يوجه ذلك الدعم نحو الصراعات التي يخوضها مع الخصوم السياسيين أو نحو نشاطات مولدة للريع. وتبين البرقيات المرسلة من السفارة الأميركية في صنعاء التي سربها موقع ويكيليكس مع نهاية العام 2010 أن النظام اليمني وجه المعدات والتجهيزات التي حصل عليها والقوات التي دربت لمحاربة القاعدة إلى المجهود الحربي في صعدة.


كما قام النظام اليمني بتأجير زوارق حربية حصل عليها من الولايات المتحدة الأميركية بهدف تقوية خفر السواحل اليمني، بما عليها من جنود لشركات خاصة تقدم الخدمات الأمنية للشركات العابرة في خليج عدن مقابل عشرات الآلاف من الدولارات تدفعها كل سفينة (21)


ومن غير المستبعد، كما يذهب بعض المحللين، أن يكون النظام اليمني قد وجد في القاعدة مصدرا هاما من مصادر الريع والدعم السياسي، ففي ظل تنامي الأزمات السياسية والاقتصادية وتراجع الدعم الخارجي ربما وجد النظام في إبقاء حربه مع القاعدة مفتوحة إلى ما لا نهاية سياسة مثلى للحصول على دعم الولايات المتحدة والغرب والدول المجاورة.


4- أخرى
تنتشر في اليمن الصراعات القبلية وحوادث اختطاف السياح. أما الصراعات القبلية فتظهر مساهمة الريع فيها بوضوح من خلال توظيف النظام الحاكم للموارد في إذكاء الصراعات القبلية، وذلك كإستراتيجية للبقاء في السلطة بالحفاظ على مستوى معين من العداء والصراع بين تلك القبائل وضمان عدم اتحادها في مواجهة النظام.


وأما اختطاف السياح فإن القبائل تمارسه بغرض الضغط على الحكومة المركزية للحصول على نصيبها من الموارد.


خاتمة 





تنتشر في اليمن الصراعات القبلية وحوادث اختطاف السياح. أما الصراعات القبلية فتظهر مساهمة الريع فيها بوضوح من خلال توظيف النظام الحاكم للموارد في إذكاء الصراعات القبلية.
يتطلب تحقيق الاستقرار في اليمن الانتقال من نموذج الاقتصاد الريعي السائد، الذي يتصف بالتقلب وعدم القابلية للاستمرار، إلى نموذج الاقتصاد الإنتاجي. لكن مثل ذلك الانتقال لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن القيام بإصلاحات سياسية عميقة سابقة ومصاحبة توزع السلطة رأسيا وأفقيا، وتفعل مبدأ الانتخابات الحرة والنزيهة والعادلة في اختيار الحكام ومبدأ الكفاءة كأساس للتعيين بدلا عن مبادئ القرابة والولاء السياسي والتوريث. وأما الجانب الاقتصادي، فإن الأولوية يجب أن تعطى  للخطوات التالية:

  1. إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بإدارة الاقتصاد الوطني وتحديد أدوارها بوضوح واستقطاب الكفاءات لإدارتها وضمان درجة معقولة من الاستقلال السياسي لتلك المؤسسات.
  2. تبني إستراتيجية تنموية تعطي الأولوية لمشاريع البنية الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالطرق والطاقة الكهربائية وحماية الملكية الخاصة وتحقيق الأمن والاستقرار والتخفيف من الفقر.
  3. خصخصة المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة، بما في ذلك شركة يمن موبايل للهاتف النقال، والمؤسسة الاقتصادية اليمنية، ومصانع الإسمنت، والبنوك التجارية، وغيرها، من خلال عملية شفافة ونزيهة.
  4. تفعيل مؤسسات محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين وتطبيق مبادئ النزاهة والشفافية في إدارة الدولة لشؤونها.

___________________
أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء


ملاحظة: الدراسة جزء من تقرير معمق يضم عدة دراسات وبعنوان "الفاعلون غير الرسميين في اليمن"، سيصدر قريبا عن مركز الجزيرة للدراسات.


المصادر
1- Iliya Harik, and Denis J. Sullivan, eds., Privatization and Liberalization in the Middle East. Bloomington, IN: Indiana University Press, 1992, 21.
2- Arab Political Systems: Baseline Information and Reforms – Yemen.
3- "الكتل البرلمانية لأحزاب المعارضة والمستقلين..." الوحدوي، 3 يناير 2006، 3
4- أحمد سعيد الدهي، "قراءة في الموازنة العامة للعام 2005."  صوت الشورى، 20 ديسمبر 2004، 8-9
5- "الكتل البرلمانية لأحزاب المعارضة والمستقلين..." الوحدوي، 3 يناير 2006، 3
6- World Bank, Economic growth in the Republic of Yemen: sources, constraints, and potentials, Volume 1, 13/10/2002 (ISBN 0-8213-5210-5)
7- World Bank, Economic growth in the Republic of Yemen: sources, constraints, and potentials, Volume 1, 13/10/2002 (ISBN 0-8213-5210-5)
8- قدر البنك الدولي معدل الفقر في اليمن في أواخر العام 2008 بـ35%. انظر:
World Bank, Yemen Economic Updates, Winter  2008, 3
9- Saif M. Al-Asly, “ Political Economy of Economic Growth Policies: the Case of Yemen Republic,” 2 
10- Saif M. Al-Asly, “ Political Reform and Economic Institutional Building: A  Case Study of Budgetary Institutional Reform in Yemen,”  October 2003.   
11- Saif M. Al-Asly, “ Political Reform and Economic Institutional Building: A  Case Study of Budgetary Institutional Reform in Yemen,”  October 2003.
12- Ibid.
13- وكالة الأنباء الرسمية سبأ، "5.9 مليارات دولار احتياطي اليمن من النقد الأجنبي بنهاية أكتوبر الماضي"، 24 يناير 2011.
14- World Bank, Yemen Economic Updates, Spring 2009, 5
15- صندوق النقد الدولي، المساعدة الفنية المقدمة من الصندوق في السنوات المالية 1990-2003
16- Saif M. Al-Asly, “ Political Economy of Economic Growth Policies: the Case of Yemen Republic,” 10
17- World Bank, Yemen Economic Updates, Spring 2006, 5
18- World Bank, Yemen Economic Updates, Spring 2006, 5
19- World Bank, Yemen Economic Updates, Spring 2009, 11
20- Burrowes, Robert D., "Yemen, Its Political Economy and the Effort against Terrorism," in Robert I.
Rotberg, ed., Battling Terrorism in the Horn of Africa, Washington, DC:  Brookings Institution Press/WPF, 2005
21- See: Margaret Coker, “U. S. Military Aid Is Available for Hire in Yemen,” The Wall Street Journal,  Jan 4, 2011.
Burrowes, Robert D., "Yemen, Its Political Economy and the Effort against Terrorism," in Robert I
Rotberg, ed., Battling Terrorism in the Horn of Africa, Washington, DC:  Brookings Institution Press/WPF, 2005