في ظل انتشار الحركات المطالبة بالحرية والاستقلال عن روسيا في تسعينيات القرن الماضي، تمكن التتار من نيل سلطات سياسية واقتصادية واسعة دون التصادم مع السلطة المركزية. |
تقاسم السلطة مع المركز الفيدرالي
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين قازان وموسكو في مارس/آذار 1992م تم التوافق فيها على صيغة جديدة من الاستقلال لكن ضمن الفيدرالية الروسية. وفي فبراير/شباط 1994م ارتقت مذكرة التفاهم إلى مستوى معاهدة وقّع عليها الجانبان ونصّت على "التفويض المتبادل للسلطة بين موسكو وقازان"، وعُدَّت هذه العلاقة مثالاً يحتذى بين موسكو وباقي الأقاليم الإدارية فيما صار يُعرف باسم "المسار التتارستاني".
وفي ظل انتشار الحركات المطالبة بالحرية والاستقلال عن روسيا في تسعينيات القرن الماضي، تمكن التتار من نيل سلطات سياسية واقتصادية واسعة دون التصادم مع السلطة المركزية. وبمقارنة بين جمهورية تتارستان وجمهورية الشيشان، نجد أن أبناء تتارستان قد استطاعوا الحصول على صلاحيات واسعة حققوها عبر الطرق السياسية، دون الدخول في نزاعات سياسية ضد روسيا. وعلى الرغم من معارضة التتار دائما للسياسة المركزية التي كان بوتين ينتهجها إلا أنها كانت تسعى جاهدة لتجنب المجابهة معها. أما بالنسبة لاتفاقية تقاسم السلطة التي تم التوقيع عليها عام 2007 فإنها تعتبر محددة جدا مقارنة مع سابقتها، إلا أنها تحمل معنى رمزيًا للمكانة التي تتميز بها تتارستان بالنسبة لموسكو.
ويبلغ نصيب الفرد من إجمالي عائدات الدخل القومي في جمهورية تتارستان 8.160 دولارًا ، وفقا للبيانات الإحصائية الصادرة في عام 2010. ويشكِّل التتار ما نسبته 52.9 % من سكانها البالغ عددهم 3.8 مليون نسمة، ويعبِّر هذا الرقم (8.160) بشكل واضح عن التطور الكبير الذي تشهده الجمهورية. وفي الوقت نفسه يعتبر مؤشرا على ارتفاع المستوى التعليمي لأفرادها.
والسؤال المهم الذي يمكن أن يُطرح في الوقت الحاضر، هو: كيف يمكن لتركيا -التي ترتبط بتتارستان بروابط تاريخية وثقافية وعرقية ولغوية- أن تستفيد من المكانة المهمة التي تحتلها هذه الدولة داخل الاتحاد الروسي، في تدعيم العلاقات التركية الروسية؟
العلاقات الثنائية بين الماضي والحاضر
لقد شكَّل افتتاح تركيا لأول قنصلية لها في الاتحاد الروسي عام 1996 في قازان عاصمة جمهورية تتارستان الفيدرالية، بُعدا مهما لكلا الجانبين. وبعد ذلك مباشرة، افتتحت تتارستان مكتبا تمثيليا لها في إسطنبول في عام 1997، معبرة بذلك عن رغبتها في توطيد العلاقات مع تركيا. وفي النصف الأول من عقد التسعينيات كان لتنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي تأثيرا سلبيا على السياسة الداخلية والخارجية لتركيا. كما أن القصور الناجم عن سوء التنسيق ما بين الحكومات الائتلافية، إضافة إلى تركيز تركيا جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كل ذلك أسهم في عدم تفعيل العلاقات بين تركيا وتتارستان لمدة طويلة من الزمن، تماما كما حدث مع باقي الدول التي ترتبط مع تركيا بصلة القرابة القومية.
وفي عام 2009 بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وتتارستان 1.9 مليار دولار، وبذلك أصبحت تركيا ثاني أكبر شريك تجاري لتتارستان. وشكَّل النفط والمشتقات النفطية المستوردة من تتارستان ما نسبته 90% من حجم التبادل التجاري بين البلدين.
في عام 2009 بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وتتارستان 1.9 مليار دولار، وبذلك أصبحت تركيا ثاني أكبر شريك تجاري لتتارستان. وشكَّل النفط والمشتقات النفطية المستوردة من تتارستان ما نسبته 90% من حجم التبادل التجاري بين البلدين. |
ومن العوامل المهمة التي يمكنها أن تسهم إسهامًا فعالا في زيادة إمكانيات التعاون المشترك بين البلدين توعية الشعبين بعمق الأواصر التي تجمعهما، انطلاقا من التاريخ المشترك ووحدة الدين واللغة بينهما؛ حيث تتصدر تتارستان مجموعة دول روسيا الاتحادية في جانب الاهتمام بالثقافة واللغة التركية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة أن زيادة علاقات التعاون المشترك بين أنقرة وقازان ستشكل نموذجا يحتذى به لباقي مجتمعات روسيا الاتحادية التي ترتبط بتركيا بصلة قرابة قومية.
ومن هنا يمكننا القول: إن جمهورية تتارستان لم تعد نقطة اهتمام مركزي لروسيا فحسب، بل هي نقطة محورية في جانب الاهتمام التركي كذلك، ولهذا تسعى تركيا لأن تقيم علاقة وطيدة مع هذه الجمهورية شأنها شأن العديد من الدول التي تسعى للاستفادة من الإمكانيات التي تتمتع بها تتارستان. وعلى ما يبدو فإن زيادة الزيارات الثنائية رفيعة المستوى بعد عام 2009 لن تسهم في تعزيز علاقات أنقرة-قازان وحسب بل إنها ستسهم كذلك في فتح آفاق مشتركة جديدة أمام العلاقات بين أنقرة وموسكو.
__________________
ﺒﺎﺤﺙ ﻓﻲ ﻤﺭﻜﺯ ﺍﻟﺠﺯﻴﺭﺓ ﻟﻠﺩﺭﺍﺴﺎﺕ