نهاية نظام حكم القذافي

نظام القذافي سلك طريق اللاعودة نحو زواله. فأركانه الداخلية تتهاوى، وعزلته الدولية تزداد، والسؤال حاليا عن ترتيبات الحكم في ليبيا بعد رحيله.







 

يحيى ﻫ. زبير


نهاية نظام حكم القذافي محتومة. إنها النهاية! فلا يمكن للجرائم التي اقترفها النظام الليبي ضد شعبه، والتي يمكن تصنيفها في خانة الجرائم ضد الإنسانية، أن تدوم طويلاً. ومهما تعددت زوايا الرؤية، فإن القذافي والموالين له قد ارتكبوا انتحاراً سياسياً حين سلكوا طريق اللاعودة الذي لن يستطيعوا الرجوع منه بسلام. وهذا ما سيجعلهم لا يتوانون عن الإتيان بأشنع الأفعال، على أمل الخروج سالمين من الثورة المناهضة لنظامهم، والتي لم يعد بإمكانهم وقف جماحها.





لا يمكن للجرائم التي اقترفها النظام الليبي ضد شعبه، والتي يمكن تصنيفها في خانة الجرائم ضد الإنسانية، أن تدوم طويلاً.
لقد تعلّم المتظاهرون من تجربتي تونس ومصر بأنهم ما لم يواصلوا الضغط، فإن الدكتاتور وشرذمته لن يتزحزحوا من أماكنهم. وشأنه شأن باقي "زملائه" الاستبداديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل صدام حسين وبن علي وصالح ومبارك وغيرهم، لم يكن القذافي يتوقع أن يأتي يوم عليه يضطر فيه للتخلي عن حكمه. ومثل أولئك، كان واهماً في اعتقاده بأن الشعب يُكنّ له مشاعر الود والحب.

في مارس/آذار 2009، وخلال زيارته إلى نيامي، عاصمة النيجر، حين كان الرئيس المستبد مامادو تاندجا يسعى إلى إلغاء تقييد الولايات الرئاسية التي يمكن للشخص الترشح لها، نفى القذافي أن تكون إجراءات إطالة الولايات الرئاسية "مضادة للديمقراطية"، حيث أعلن: ’’ أنا مع إرادة الشعب؛ فعلى الشعب أن يختار من يحكمه، حتى لو كان ذلك أبد الدهر‘‘. إنه كلام محيّر بعض الشيء، خصوصاً حين نعرف أن القذافي، وعلى مدى 42 عاماً من الحكم، لم يسمح أبداً بإجراء انتخابات رئاسية. لقد كان الرجل مقتنعاً بأن حكمه سوف يُعمّر طويلاً، ولا شك أن الأجواء الاحتفالية المهيبة التي خلّد بها الذكرى الأربعين لحكمه مدّته بالمزيد من الثقة في طول يده وسلطته على المجتمع الليبي. كما نصّب أبناءه لخلافته، بالرغم من أن بعضهم يُعتبرون أفظع من قطاع الطرق. وربما شعر بدماء الشباب تسري في عروقه مجدداً مع عودته إلى المجتمع الدولي في بهرجة وصخب كبيرين. وفي الواقع، فإن إعادة الاعتبار هذه، والتي بدأت منذ 1999 لتصل ذروتها مع تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة سنة 2008، قد زادت من تثبيت دعائم حكمه. إنه "ملك ملوك أفريقيا"، طاغية من الطراز الرفيع، كان يتوهم أنه ملك لن يفنى حكمه، أو بالأحرى سوء حكمه. وبالنظر إلى نظام الحكم الذي أنشأه بعد تسلم زمام الحكم في ليبيا يوم 1 سبتمبر/أيلول 1969، والذي يعتبر من بين أكثر الأنظمة استبداداً ووحشية في المنطقة، إن لم يكن في العالم بأسره، فإنه من المثير للإعجاب أن يستطيع الصمود كل هذا الوقت. ولكن السقوط سوف يكون دموياً، وما من شك أن مصير القذافي، في حال لم ينفذ بجلده خارج البلاد، سوف يكون شبيهاً بمصير الرئيس الروماني المخلوع نيكولاس تشاوسيسكو سنة 1989.


حكم القذافي الاستبدادي
سوء تدبير ثروات ليبيا
رد اعتبار من دون إصلاحات
الثورة والسيناريوهات المحتملة


حكم القذافي الاستبدادي 


من المفارقات أن نظام الحكم كان قائماً على أسس هشة لأنه لم يكن يحظى بأية شرعية؛ فقد كان يعتمد على الخوف، والقمع الصرف، وشراء الولاءات من خلال إعادة توزيع قدرات النظام، وإعادة توزيع الموارد بفضل الثورة الهائلة التي تمتلكها البلاد من مصادر الطاقة. فليبيا تمتلك واحداً من أكبر احتياطيات النفط في أفريقيا والذي يعد سابع أكبر احتياطي في العالم. وحسب منظمة أوبك، قُدّرت هذه الثورة الطبيعية مع نهاية سنة 2009 بحوالي 46,6 مليار برميل من النفط. غير أن هذه الثروة لم يستفد منها المجتمع بشكل كبير بسبب الفساد الحكومي المستفحل الذي عزز من اللجان الثورية والجيش والميليشيات وغيرها من الدوائر التي تؤيد النظام. ورغم أن النظام الليبي لا يختلف كثيراً عن الحكومات الاستبدادية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن النظام الاستبدادي في ليبيا يبقى أكثر وحشية ولم يكلف نفسه حتى عناء تنفيذ التغييرات الترقيعية والإصلاحات التي بادرت إلى وضعها الأنظمة الاستبدادية الأخرى.


ليس للمواطنين الليبيين سلطة في تسيير بلادهم، فما بالك بإمكانية تغيير الحكومة. فقد عمد القذافي منذ السبعينات إلى اغتيال المنشقين داخل وخارج البلاد، حيث تعرض المئات (إن لم يكونوا بالآلاف) للاختطاف والتعذيب أو الاعتقال التعسفي. كما تعرض المنشقون، أمثال فتحي الجهمي (توفي سنة 2009) وغيره، للسجن لسنوات طويلة في ظروف قاسية جداً. ولا يوجد في ليبيا نظام قضائي مستقل، وهو ما يعني أن السجناء السياسيين لا يستطيعون الحصول على محاكمة عادلة. أما انتهاكات حقوق الإنسان فتمارَس بشكل شبه روتيني ولا يخشى مرتكبوها أي نوع من العقاب. في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2010، ذكرت منظمة "هيومن رايتس واتش" أن ليبيا ’’ تجاهلت التوصيات بشأن انتهاكات خاصة والخطوات الملموسة التي تؤدي إلى معالجتها‘‘. ولا يجد الضحايا ملاذا يلجأون إليه، كما لا توجد أية حرية للصحافة، حيث تقع ليبيا في المرتبة 160 من بين 178 بلداً في مؤشر حرية الصحافة 2010. ولا توجد كذلك أية حرية للتعبير، بينما يبقى الولوج إلى خدمات الإنترنت مقيداً. ولم يسمح النظام يوماً بتشكيل الجمعيات، فيما عدا تلك التي تكون مقربة من الحكومة. كما أن جميع أشكال المعارضة محظورة والحقوق المدنية مقموعة بوحشية كبيرة.


سوء تدبير ثروات ليبيا 





لقد تعلّم المتظاهرون من تجربتي تونس ومصر بأنهم ما لم يواصلوا الضغط، فإن الدكتاتور وشرذمته لن يتزحزحوا من أماكنهم.
لقد عرفت ثروة البلاد سوء تدبير كبير بسبب الفساد المستشري في كل مكان. وفي تقرير مؤشر مدركات الفساد 2010، حصلت ليبيا على المرتبة 146 من بين 178 بلداً. فقد اغتنت عائلة القذافي وأتباعها على حساب تنمية البلاد. بل أسوء من ذلك، بدد القذافي ثروة البلاد في مشاريع غير منطقية بالداخل ومغامرات باهظة التكلفة بالخارج. هذه المغامرات كلّفت البلاد العديد من الأرواح وخسارة فادحة في الموارد؛ وقد أثبتت هزيمة ليبيا النكراء في تشاد تصرفات القذافي الرعناء فيما يخص السياسة الخارجية، والتي نتج عنها، إلى جانب تبديد موارد البلاد، صدامات مختلفة مع عدة بلدان، خصوصاً مع الولايات المتحدة. وقد سعى القذافي إلى لعب دور مهم على الساحة الدولية تعدّى بكثير قدرات ليبيا. فقد أدى دعمه وتمويله للإرهاب إلى عقوبات شديدة على يد الأمم المتحدة وأمريكا، ما أثر سلباً على الحياة العادية للمواطنين الليبيين لفترة قاربت عشر سنوات. وكان لتلك العقوبات آثار مدمرة على الاقتصاد الليبي، ما أعاق عملية تحديث البلاد. كما كلفت العقوبات ليبيا حوالي 30 مليار دولار، هذا إلى جانب صناعة النفط التي عانت كذلك من هذه العقوبات. وبسبب تصرفات القذافي الرعناء (قتل المنشقين في الخارج، قتل شرطية إنجليزية، تفجير الطائرات...)، أصبح الليبيون يُنظر إليهم في صورة قائدهم، ما ألصق بهم نظرة سلبية جعلت المواطنين الليبيين العاديين يعانون بسببها في الخارج. وقد أدت العقوبات إلى إضعاف النظام بصورة كبيرة، ما عرّاه من أية شرعية اكتسبها في السابق. إضافة إلى ذلك، زادت العقوبات من تدهور الظروف الاجتماعية الاقتصادية للمواطنين الليبيين، حيث كان من عواقبها ظهور معارضة قوية.

فمثلاً، خلال الأشهر الأولى من سنة 1989، وقعت صدامات مسلحة بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية في الجزء الشرقي من البلاد في مدن بنغازي ومسراتة والأجدبية. وخلال سنوات التسعينات، شكّلت المعارضة الإسلامية جزءاً مهماً من التشكيلة الإجمالية للأطراف المعارضة لنظام القذافي. هذا الأخير، وبعد أن نجا من عدة محاولات اغتيال خلال التسعينات، سحق المعارضة بوحشية لم يسبق لها نظير.


ولم يكن بالإمكان إدامة السخاء الذي أظهره النظام من أجل اكتساب الشرعية في وجه حقائق اقتصادية صادمة. فقد أثبتت سياسات العقيد القذافي الاقتصادية أنها موغلة في الكوارث (إزالة تجارة التجزئة، مصادرة الحسابات البنكية، تقييد الملكية الخاصة والمقاولات الخاصة، وغياب الضرائب). وحتى النظام التعليمي لم يسلم من سياساته التخريبية، ما تسبب في انعدام وجود طبقة وسطى مثقفة.


لقد أدت العقوبات، ومعها المعارضة الداخلية القوية (والتي قوبلت بقمع وحشي وصل إلى حد استخدام القصف الجوي لسحقها)، إلى تهديد استمرارية النظام الذي كان يسعى إلى ترميم الجسور مع جيرانه ومع القوى الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة. وقد شكلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول الفرصة الحقيقية التي سمحت لليبيا بالتخلص تدريجياً من صفة البلد المنبوذ التي كانت لصيقة بها. فقد استغل النظام خبرته المزعومة في مكافحة المنظمات الإرهابية، إلى جانب كمية المعلومات الكبيرة التي كانت بحوزته عن مختلف الجماعات الإرهابية الأجنبية، لكي يشتري له مكاناً في المجتمع الدولي مجدداً.


وكان الهدف الأسمى بطبيعة الحال هو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وتحسينها. وبالفعل، أدى تعاون ليبيا فيما يخص الحرب ضد الإرهاب إلى منحها نقاطاً جيدة في هذا الشأن، يضاف إلى ذلك قرارها التخلي عن تطوير أسلحة الدمار الشامل سنة 2003، ما جعلها تستعيد مكانها وسط المجتمع الدولي. غير أن هذا المكسب جاء من دون أية شروط لكي يُطبّق النظام أية إجراءات ديمقراطية في البلاد. باختصار، فرضت الولايات المتحدة على ليبيا تغيير سياساتها من دون أن تطالبها بتغيير النظام الحاكم فيها.


رد اعتبار من دون إصلاحات 


نتج عن عودة النظام الليبي إلى المنتظم الدولي رجوع الشركات الأوروبية والأمريكية للاستثمار في ليبيا، خصوصاً في قطاع النفط.





استغل النظام خبرته المزعومة في مكافحة المنظمات الإرهابية، إلى جانب كمية المعلومات الكبيرة التي كانت بحوزته عن مختلف الجماعات الإرهابية الأجنبية، لكي يشتري له مكاناً في المجتمع الدولي مجدداً.
ولأن ليبيا أصبحت سوقاً مربحة للجميع، فقد حظيت باستلطاف معظم الحكومات الأوروبية. والأهم من ذلك، جعلت ليبيا من نفسها حامياً لتخوم البلدان الأوروبية من خلال منع الهجرة غير الشرعية إلى القارة العجوز. هذه النقطة بالذات كانت الورقة الرابحة في يد القذافي التي يستخدمها لإسكات أية أصوات منتقدة لنظامه. ومثلما هو الشأن بالنسبة لبن علي ومبارك، ضمن القذافي منصبه كمركز قوة لحماية الاستقرار بالمنطقة.

لقد تضاعفت ثقة القذافي بكون علاقته بأوروبا والولايات المتحدة قد عادت مرة أخرى لتكون علاقة "أعمال ومصالح كالعادة". فقد وقّع عقوداً قيمتها مليارات الدولارات مع إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، والتي كانت كلها ترغب في بيع معدات عسكرية إلى ليبيا، من المؤكد أن بعضها يُستخدم الآن لسحق المتظاهرين ضد القذافي. وإجمالاً، أصبحت ليبيا شريكاً جيوسياسياً هاماً: توفير إمدادات النفط والتحكم في الهجرة السرية.


لقد كانت هناك آمال معقودة على شروع ليبيا في تطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية فور عودتها إلى المجتمع الدولي، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث. بل على العكس، صار القذافي أكثر شراسة في رفض السماح بإصلاح نظامه الاستبدادي. لقد كان هناك خطاب مزدوج: فإلى جانب الحديث عن الإصلاحات، كان النظام يشير إلى بعض السياسات "الاشتراكية" لسنوات السبعينات (مثلاً، هدّد القذافي بتأميم أصول شركات النفط). أما ابنه سيف الإسلام، والذي يعتبر المدافع المتمرس عن الإصلاحات المزعومة في ليبيا، فقد كان يُتقن لغة الخشب التي تروق كثيراً للحكومات الغربية: المجتمع المدني، الحوكمة الجيدة، سلطة القانون، الخ. ورغم أن ليبيا شرعت في حل بعض قضايا حقوق الإنسان (في الغالب استجابة لبعض الضغوط الداخلية والدولية)، لم يسمح القذافي أبداً بتطبيق أية إصلاحات سياسية حقيقية. وحتى محاولة صياغة دستور للبلاد، تم تعليقها أوائل سنة 2010. أما محاولات إنشاء إعلام مستقل حقيقي، فقد وُئدت في مهدها؛ فلم يكتفِ النظام بحظر الجرائد المستقلة والقنوات التلفزية الخاصة، بل عمد إلى اعتقال الصحفيين الذين تجرأوا على انتقاد النظام.


الثورة والسيناريوهات المحتملة 


كما حصل في تونس، اندلعت الشرارة في ليبيا بعد وقوع ما بدا أنه حادثة عارضة. فقد بدأت الثورة في بنغازي مع اعتقال محام بارز في حقوق الإنسان، قبل أن تنتشر في باقي المدن والبلدات. ومما لا شك فيه أن هذه الثورة لم تكن متوقعة، رغم أن الإشارات كانت واضحة بأن النظام قد فقد كل شرعية. لقد كانت الثورة عفوية كما حصل في تونس. وفي غياب معارضة سياسية منظمة، خرج الشعب إلى الشوارع. وكان استخدام قوات الأمن للذخيرة الحية في وجه متظاهرين سلميين عُزّل إشارة على قرب نهاية حكم القذافي، خصوصاً مع ظهور تصدعات وسط نظامه بُعيد صدور أوامر للقوات الجوية بقصف المدنيين. ورغم أن الجيش الليبي لا يُعتبر محبوباً وسط الليبيين، إلا أن العديد من مسؤوليه رفضوا الانصياع لأوامر القذافي بإطلاق النار على المتظاهرين. أما اللجوء إلى خدمات المرتزقة لقمع الشعب، فليس بجديد على القذافي؛ ففي سنوات التسعينات، استخدم النظام طيارين مرتزقة لقصف الثوار في بنغازي والجبل الأخضر. ولا يمكن للجيش الليبي أن يتحمل رؤية المرتزقة يُقتّلون الليبيين، لذلك أصدرت مجموعة من القادة أوامرها للجيوش بالانضمام إلى المتظاهرين. وما من شك أن التصدعات داخل الحكومة ومؤسستها الدبلوماسية سوف تزيد من تسريع وتيرة انهيار النظام. إضافة إلى ذلك، أصبحت العديد من القبائل التي كانت تدين بالولاء للقذافي في حِلّ منه.





حتى الآن، لم تطف على السطح أية شخصيات قادرة على تعبئة المتظاهرين المناوئين للنظام وجمعهم حول مشروع وطني موحد. الشيء الوحيد الأكيد هو أن نظام القذافي في فراش الموت.
ومازالت الأوضاع قاتمة الآن، وللأسف لا يبدو أن حمام الدم سوف يتوقف؛ وهذا ما يؤكده إعلان سيف الإسلام بأن والده لن يغادر السلطة من دون قتال، ما ينذر بأوضاع أسوء. غير أن النظام قد فقد الآن دعم من كانوا يدينون له بالولاء في السابق. فالثورة قد غمرت جميع أنحاء البلاد الآن، ولم تعد محدودة في منطقة بنغازي الثائرة تقليدياً. فقد أدى القمع الوحشي، الذي فاق كل تصور، بالوضع إلى نقطة اللاعودة. وأصبح السؤال المطروح الآن هو: من سيخلف القذافي؟

من دون شك، فإن أهمية ليبيا الجيوسياسية سوف تفرض على القوى الخارجية السعي إلى التدخل تحت ستار تفويض أممي من أجل منع اندلاع الفوضى في البلاد. وربما تفرض الأمم المتحدة حظراً جوياً لمنع القوات المسلحة من قصف المتظاهرين. فالقوى العظمى تخشى من انقطاع الإمدادات النفطية من جهة، ومن جهة أخرى تدفق جحافل الهجرة السرية من أفريقيا إلى أوروبا. وسوف يواصل النظام استخدام أساليب الترهيب العتيقة حتى يضمن بقاءه في السلطة (اتهام قوى أجنبية بإشعال الفتنة، بما في ذلك وسائل الإعلام الخارجية، التهديد بالسماح للمهاجرين الأفارقة بعبور البحر المتوسط إلى الشواطئ الأوروبية...). ولكن السؤال الأساس هو:  أي نوع من الأنظمة سوف يخلف نظام القذافي؟ فمن المستبعد أن يكون الجيش الليبي قادراً على تسيير الفترة الانتقالية، خصوصاً وأنه لا يحظى بنفس الشعبية والتأييد الذين يحظى بهما الجيش في مصر. أما المعارضة في المهجر، فإنها متفرقة ومتشتتة وليست لها دراية كافية بالشأن الداخلي لكي تكون قادرة على لعب مثل هذا الدور. وحتى الآن، لم تطف على السطح أية شخصيات قادرة على تعبئة المتظاهرين المناوئين للنظام وجمعهم حول مشروع وطني موحد. الشيء الوحيد الأكيد هو أن نظام القذافي في فراش الموت.
_______________
مدير أبحاث في الشؤون الجيوسياسية
مدرسة "أوروميد مانجمنت"، مرسيليا، فرنسا