الخلاف بين المرشد ورئيس الجمهورية الإيراني: الخلفيات والتداعيات

يركز التقرير على الخلاف بين المرشد ورئيس الجمهورية الإيراني، ويعزوه إلى محاولة نجاد إعادة تعريف العلاقة بين الرئيس والمرشد، فهو يريدها علاقة لا تنفي تبعية الرئيس الدينية للمرشد، لكنه يريد من المرشد أن لا يتجاهل صلاحيات الرئيس القانونية ودوره.
1_936584_1_34.jpg

مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي (الجزيرة)

محجوب الزويري

أثار الرئيس أحمدي نجاد حفيظة دوائر المحافظين التقليديين وكذلك المرشد نفسه بتعيين صهره إسفنديار رحيم مشائي نائبا أول لرئيس الجمهورية في العام 2009 الأمر الذي لم يقره المرشد.
على وقع الذكرى الثانية للانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة والتي تصادف الثاني عشر من يونيو/حزيران 2011، تراجعت التغطية الإعلامية للأزمة الاخيرة بين مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي ورئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد، إلا أن أسئلة لا زالت تُتداول حتى اللحظة حول ما جرى داخل المشهد السياسي الداخلي الإيراني، من قبيل هل الاختلاف بين المرشد والرئيس -والذي تعتبره أوساط إيرانية عدم التزام من قبل رئيس الجمهورية بحدود صلاحياته- هو الوحيد الذي يعتبر الرئيس أحمدي نجاد طرفا فيه، أم أن هذا الخلاف ما هو إلا حلقة من حلقات الخلافات التي يعيشها الرئيس أحمدي نجاد في فترته الرئاسية الثانية والأخيرة، مع أطراف متعددة داخل النظام السياسي كالبرلمان ومجلس صيانة الدستور.

وإذا كان هذا التقرير سيركز على الخلاف بين المرشد ورئيس الجمهورية في إيران، فلا بد من أن يبحث في طبيعة الأداء الرئاسي للرئيس أحمدي نجاد لاسيما في ظل دائرة الخصوم السياسيين التي اتسعت يوما بعد يوم منذ توليه رئاسة الجمهورية الإيرانية كرئيس تاسع. ومثل هذا التركيز سيتيح الفرصة لنظرة تحليلية أكثر عمقا لأداء النظام السياسي، ولفهم التطور الأخير في العلاقة بين مرشد الثورة في إيران وبين أحمدي نجاد، وبالتالي التداعيات المحتملة لهذا الخلاف المتصاعد.

  1. الحدث ومسار الأزمة
  2. ولاية الفقية في إيران مطلقة أم مقيدة؟
  3. الداخلي والخارجي في الخلاف
  4. في التداعيات والتوقعات

1- الحدث ومسار الأزمة 

شهدت إيران مؤخرا حدثين بارزين، مثّلا تطورا نوعيا في المشهد السياسي الإيراني الداخلي، لاسيما فيما يتعلق بعلاقة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد على خامنئي. أولهما: تصويت أكثر من 160 نائبا في البرلمان الإيراني لصالح إحالة "قرار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بعزل وزير النفط وتولي تلك المسؤولية بدلا منه" إلى السلطة القضائية، وثانيهما: "رفض أحمدي نجاد الانصياع الفوري لتوجيه مرشد الثورة في إيران القاضي برفض استقالة وزير الاستخبارات الإيراني محسن مصلحي".

أعلن مكتب الرئيس أحمدي نجاد عبر وكالة الأنباء الرسمية قبول الرئيس بصفته رئيس السلطة التنفيذية لاستقالة وزير الاستخبارات، وأنه سيقوم بأعمال الوزارة لحين اختيار وزير جديد، وذلك دون انتظار لموافقة المرشد؛ مما يعد "تجاوزا غير مسبوق لعملية التنسيق التي يقوم بها عادة مكتب الرئيس ومكتب المرشد". ومثل هذه التطورات التي انعكست في نوع من البلبلة الاعلامية، تؤكد أنه لم يحدث أي تشاور بشأن موضوع الاستقالة، وأن المرشد تفاجأ بها كما  تفاجأ الآخرون داخل النظام السياسي. فقد جرت العادة السياسية في إيران ما بعد الثورة أن أمر تعيين وعزل وزراء الاستخبارات والداخلية والخارجية والدفاع، يتم بالتشاور مع المرشد الأعلى نظرا لما ترتبط به هذه الوزارات من قضايا وجودية بالنسبة للنظام السياسي. ولم يختف هذا العرف حتى في ظل سيطرة الإصلاحيين برئاسة محمد خاتمي على الحكومة في إيران بين 1997-2005؛ حيث اختير حينها على يونسي وزيرا للاستخبارات.

إن تأخر الرئيس في الاستجابة للعودة عن قبول استقالة الوزير، واختفاءه عشرة أيام، وعدم حضوره جلسات مجلس الوزراء التي حضرها الوزير، ثم عدم حضوره الجلسة الدينية التي تمت بحضور المرشد الأعلى وحضور وزير الاستخبارات، كلها أحداث توالت لتؤكد على عمق الأزمة في العلاقة بين الرجلين. وتزامن مع هذا حالة الانتقاد الشديد التي أمطرت الرئيس من مرجعيات دينية في (قم) ومن أعضاء في مجلس الشورى بسبب عدم انصياعه لتوجيهات المرشد الذي يُعد رأس النظام سياسيا ودينيا، مع الإشارة إلى أن المدافعين عن المرشد يستندون إلى المادة 110 من الدستور الإيراني التي تقول: إن تدخل المرشد ضروري لضمان تصحيح قرارات لها تأثير على النظام، باعتباره الحارس له والمشرف على حسن سير عمله.

والواقع أن الأزمة التي تطورت بين المرشد والرئيس الإيراني لم تكن الأولى للرئيس أحمدي نجاد؛ فقد واجه منذ توليه الرئاسة كثيرا من الانتقادات على أدائه سواء ما تعلق منها باختيار الوزراء وإقالتهم، أو إبقاء بعض الوزارات تدار من مكتبه، فضلا عن نزاعه مع مجلس الشورى حيث تكررت انتقادات رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني لأداء الحكومة الإيرانية في الميدان الاقتصادي في إشارة واضحة إلى رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية أحمدي نجاد. ويشار هنا إلى أن لاريجاني كان قد عُين أمينا عاما لمجلس الأمن القومي الإيراني الذي يشرف على الملف النووي لاسيما موضوع المفاوضات مع القوى الأوربية، لكنه استقال في العام 2007 بسبب خلافات بينه وبين الرئيس أحمدي نجاد.

كما أثار الرئيس أحمدي نجاد حفيظة دوائر المحافظين التقليديين وكذلك المرشد نفسه بتعيين صهره إسفنديار رحيم مشائي نائبا أول لرئيس الجمهورية في العام 2009 الأمر الذي لم يقره المرشد، فما كان من أحمدي نجاد إلا أن تجاهل الرسالة المكتوبة من المرشد لمدة أسبوع تقريبا، ثم عاد وعين مشائي مديرا في مكتبه ومستشارا له، وكذلك مبعوثا للرئيس للشرق الأوسط.

كل هذا الخطوات كانت تعكس رسالة واضحة وهي أن الرئيس أحمدي نجاد يسعى إلى تعريف جديد للعلاقة بين الرئيس والمرشد، علاقة لا تنفي تبعية الرئيس الدينية للمرشد لكنها ترى بنفس الوقت أنه لا يجب أن يتجاهل المرشد صلاحيات الرئيس القانونية وكذلك دور رئاسة الجمهورية بشكل عام، "لأن احترام دور رئاسة الجمهورية سيؤدي بالضرورة إلى تقوية مؤسسة ولاية الفقيه وتعزيز دور المرشد الأعلى".

هذا النوع من التعريف الذي يسعى أحمدي نجاد إلى تقديمه يطرح بعدين مهمين:

  • أدرك النظام الإيراني أن الخلاف بين الرئيس والمرشد قد يترك أثرا سلبيا على صورة إيران، الأمر الذي دفعه إلى الحديث صراحة عن ضرورة توقف الإعلام الإيراني عن الخوض في الخلاف بينهما.
    البعد الأول:
    أنه يكاد يُجهز على النظرية التي تقول: إن المرشد يعمل على تحقيق التوازن بين السلطات؛ مما يُبقي تلك السلطات في مسار يمنع من تغولها على بعضها، وبذلك يضمن النظام السير في بحر الحياة السياسية متلاطم الأمواج بطريقة آمنة. ويجدر التذكير هنا بأن التأييد الذي أبداه المرشد لفوز أحمدي نجاد في الانتخابات العاشرة قد أثار تساؤلا حول إذا ما كان المرشد طرفا فيه أم أنه في الحقيقة ضابط لإيقاع عمل النظام السياسي ككل في إيران.

  • البعد الثاني: وهو مرتبط بفهم البنية السياسية للنظام في إيران وموقع ولاية الفقيه والولي الفقيه الذي يسمى أيضا المرشد الأعلى للثورة، ويدور هذا البعد حول السؤال الآتي: هل ولاية المرشد مطلقة أم مقيدة؟

2- ولاية الفقية في إيران مطلقة أم مقيدة؟ 

إن الخلاف الذي يتم الحديث عنه ما هو إلا حديث عن قمة الهرم؛ فهناك على ما يبدو جوانب أخرى يمكن اكتشافها في أجزاء أخرى من هرم السلطة في إيران؛ فعلى سبيل المثال اعتاد المشهد السياسي الإيراني على أن يتدخل الولي الفقيه أو المرشد الأعلى في أعمال المؤسسات الأخرى للنظام، تدخلا يجد تبريره في الدستور كما سبقت الإشارة إليه، لكن هذه ليست كل الحكاية؛ فالقوى السياسية المعروفة تقليديا في إيران بالمحافظين والإصلاحيين كان لديها وجهات نظر حول دائرة صلاحيات المرشد وحدود تلك الصلاحيات، وهل هي ملزمة عندما يكون الأمر متعلقا بإدارة أمور الدولة اليومية أم لا، ويبدو أن وجهات النظر تلك كانت تعتمد على مدى قرب أو بُعد المرشد من تلك القوى؛ فعلى سبيل المثال كان التيار الإصلاحي حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي يرى ضرورة اتباع رئيس الجمهورية للولي الفقيه، وأن سلطة الولي الفقيه مطلقة، في حين كانت دوائر المحافظين التقليديين ترى أن ما يصدر من المرشد فيما يتعلق بالحكم ما هو إلا إرشادات غير ملزمة لرئيس الجمهورية. لكن تغييرا بدأ في الرئاسة الثانية لهاشمي رفسنجاني؛ حيث بدا واضحا أن ما كان يُعرف باليسار الإسلامي، والذي هو جذور للحركة الإصلاحية، يتحرك باتجاه السلطة المقيدة وليست المطلقة.

هذا الأمر بدا أكثر وضوحا حين اقترح الرئيس الأسبق خاتمي إجراء تعديلات على صلاحيات الرئيس بحيث تزيد تلك الصلاحيات، وهو ما منع مناقشته المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في رسالة وجهها إلى رئيس البرلمان آنذاك مهدي كروبي. لقد تم تغيير في الأدوار؛ فالمحافظون التقليديون أصبحوا الأكثر دفاعا عن الولاية المطلقة للفقيه، في حين تعالت الأصوات داخل الحركة الاصلاحية إلى تقييد تلك الصلاحيات، الأمر الذي زجّ بعدد من المثقفين الإيرانيين في السجون، مثل الأستاذ الجامعي هاشم آغاجري ورجل الدين محسن كديور بسبب ما عُرِف بتجاوزهم الخطوط الحمراء.

التطور الأهم الذي حدث بعد العام 2005 هو أن دائرة الرئيس أحمدي نجاد السياسية والدينية التي تعود جذورها الفكرية إلى دوائر المحافظين التقليديين تطرح فهما جديدا له علاقة بغيبة الإمام، ويقوم هذا الفهم على أن تمتع المرشد والمراجع بالصلاحيات المطلقة من شأنه أن يُرجئ ظهور الإمام الثاني عشر الغائب؛ لذا فمن الضروري أن لا تكون السلطة مطلقة في يد الولي الفقيه، وهذا يعني بالنسبة إلى هذا التيار أن تقييد صلاحيات الولي الفقيه أمر قد يساعد على التعجيل بظهور الإمام الغائب. هذه المقولة كان المرشد الأعلى قد رد عليها خلال العام الماضي بالقول: إن مسألة ظهور الإمام الغائب يعلم بها الله وحده، وأن الحديث عن توقيت ظهوره ما هو إلا انحراف عن الفهم الصحيح الذي يوفره الفقه الشيعي الاثنا عشري حول هذه المسألة. ومن هنا ظهر مصطلح "التيار المنحرف" داخل المؤسسة الدينية والسياسية في إيران اليوم، وهو تيار يرى فيه التيار المحافظ التقليدي خطرا يتهدد إيران الإسلامية لاسيما أنه تيار طموح يسعى إلى المشاركة والتفوق في الانتخابات البرلمانية التاسعة المتوقع أن تُجرى في العام 2012.

لكن الأمر لا يتوقف عند الشأن السياسي فقط، فهناك أمر مرتبط بالنظام ومصدر شرعيته؛ فقضية الحكم في الفقه الاثنى عشري بقيت مثار نقاش حقيقي منذ قيام الدولة الصفوية في إيران في القرن السادس عشر، وزاد النقاش في الفترة القاجارية لاسيما في القرن التاسع عشر حول من يحكم الدول الإسلامية الشيعية في ظل غياب الإمام. هذا السؤال حسمه مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني؛ وبناء على ذلك الحسم تأسست الجمهورية الإسلامية التي على رأسها الولي الفقيه ذو الصلاحيات الدينية والسياسية المطلقة، ومن هنا فإن العودة إلى فتح نقاش حول هذا الموضوع فيه خطر على الجمهورية ومصدر شرعيتها الديني.

3- الداخلي والخارجي في الخلاف 

إن التطورات السياسية المتسارعة في إيران خلال الأشهر القليلة الماضية أفادت كثيرا من زخم الثورات العربية التي احتلت العناوين الأبرز في الإعلام المرئي والمقروء والمسموع؛ فالثورات العربية جعلت الحدث الإيراني أقل مرتبة من حيث التركيز وتسليط الأضواء عليه، وإن كانت المتابعة لما يجري داخل النظام السياسي لا زالت مستمرة. ورغم هذا أدرك النظام أن الخلاف بين الرئيس والمرشد قد يترك أثرا سلبيا على صورة إيران، الأمر الذي دفعه إلى الحديث صراحة عن ضرورة توقف الإعلام الإيراني عن الخوض في الخلاف بينهما، حتى لا يتم تصويره بطريقة قد يفهم منها الخارج أن النظام السياسي الإيراني يعيش حالة من الصراع على السلطة.

إن التطورات الداخلية في المشهد السياسي الإيراني منذ الانتخابات الرئاسية العاشرة في صيف 2009، وكذلك الثورات العربية تلقي بظلالها الثقيلة على صورة إيران في المنطقة، وكذلك طبيعة الأدوار التي تضطلع بها؛ حتى إنه من الممكن القول: إن تلك الأحداث تؤثر على القوة الناعمة التي كانت تستند إليها إيران في حضورها الإقليمي، فهذه القوة هي التي كانت تجعل الدور الإيراني مقلقا، وجعلت طهران سابقًا في غير حاجة إلى عرض قدراتها العسكرية التقليدية وذلك بعكس ما يحصل اليوم؛ حيث بدأت إيران تستعرض قدراتها خارج منطقة الخليج لاسيما في البحر المتوسط والبحر الأحمر، ولعل موقف إرسال الغواصات الحربية الإيرانية إلى البحر الأحمر وإلى خليج عدن ما هو إلا إشارة في هذا السياق.

4- في التداعيات والتوقعات 

الجدل حول طبيعة صلاحيات الولي الفقيه أو المرشد الأعلى مستمر لأكثر من ثلاثة عقود، وهو جدل لا يبدو أنه سيُحسم قريبا لاختلاط السياسي فيه بالديني، وسيبقى حاضرا في المشهد السياسي.
إن الخلاف بين المرشد ورئيس الجمهورية لم ينته لأنه ببساطة ليس خلافا شخصيا ينتهي بمصالحة الأشخاص أو تنازل أحدهما للآخر، وإنما هو خلافٌ تضرب جذوره في أطناب النظام السياسي الإيراني الذي أنتج الجمهورية الإسلامية، والآن تعيد الجمهورية الإسلامية بدورها صياغته عبر القوى الأساسية المتفاعلة داخل المشهد السياسي.

في نظريات الدولة الحž

ABOUT THE AUTHOR