الدول العربية المستوردة للغذاء، هي أكثر الدول تضررا من ارتفاع الأسعار. وتضع الزيادات الهائلة في أسعار الغذاء أعباء ثقيلة على عاتق الميزانيات العامة لهذه الدول. |
1. أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا
2. أثر ارتفاع أسعار الغذاء العالمية على العالم العربي
3. الوضع الراهن للأمن الغذائي العربي
4. التوقعات خلال المديين المتوسط والبعيد
5. إستراتيجية الأمن الغذائي وسد الفجوة الغذائية
6. عقبات وتحديات
خاتمة
1. أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا
في عام 2007، تحققت زيادة كبيرة في أسعار الغذاء العالمية، بلغت 40% وفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، مقارنة بنسبة 9% للعام السابق. وقد شهدت كافة السلع الزراعية، وخاصة القمح والذرة والأرز ومنتجات اللبان ولحوم الماشية ولحوم الدواجن، وزيت النخيل ارتفاعات كبيرة في أسعارها. وقد نتجت هذه الزيادة في الأسعار العالمية كمحصلة لمجموعة من المتغيرات الاقتصادية والمناخية. ومن أبرز المتغيرات الاقتصادية، ارتفاع أسعار الطاقة، والتوسع في إنتاج الوقود الحيوي باستخدام المنتجات الغذائية، وتسارع معدلات الطلب العالمي على الغذاء، والمضاربات في أسواق الطاقة والمنتجات الغذائية. وقد أدى ارتفاع أسعار النفط لأكثر من 140 دولارا أمريكيا للبرميل في 2008 إلى اتجاه بعض الدول، وخاصة الولايات المتحدة إلى دعم الزراعات المستخدمة في توليد الوقود الحيوي، ومن أهمها: الذرة وفول الصويا والسمسم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقصب السكر في البرازيل.
وقد ساهم ارتفاع أسعار الطاقة في ارتفاع تكلفة الإنتاج من خلال زيادة تكلفة الزراعة المميكنة، والمدخلات مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية، ونقل المدخلات والمخرجات، كل هذه العوامل ساهمت في زيادة تكلفة الإنتاج الزراعي ومن ثم زيادة الأسعار.
وقد أسفر النمو الاقتصادي المتسارع -ومن ثم زيادة القوة الشرائية للمستهلكين- في عدد من الدول النامية، خاصة الصين والهند، عن ارتفاع الطلب على الغذاء، وتغير نمط الطلب على الأغذية من المنتجات التقليدية إلى المنتجات عالية القيمة الغذائية مثل اللحوم والألبان مما أدى إلى زيادة الطلب على الحبوب العلفية. ومن العوامل التي تساهم في زيادة الأسعار العالمية للغذاء ممارسة المضاربات في أسواق السلع، وكذا القيود التي تضعها الدول على صادرات الحبوب لأسباب مختلفة.
كما لعبت التغيرات المناخية غير الملائمة دورا مهما في ارتفاع أسعار الغذاء، ومن هذه التغيرات: الجفاف والتصحر ونقص المخزونات الجوفية من المياه والاحتباس الحراري؛ مما أثر في الإنتاج الغذائي العالمي بشكل كبير، وأدى إلى نقص الفوائض المتاحة للتصدير، ودفع بعض الدول إلى تقييد صادراتها من السلع الغذائية، وأقرب مثال على ذلك حظر روسيا لصادراتها من القمح في عام 2010 مما قفز بأسعاره وغيره من الحبوب إلى مستويات أزمة 2008.
2. أثر ارتفاع أسعار الغذاء العالمية على العالم العربي
لا شك أن الدول العربية المستوردة للغذاء، هي أكثر الدول تضررا من ارتفاع الأسعار. وتضع الزيادات الهائلة في أسعار الغذاء أعباء ثقيلة على عاتق الميزانيات العامة لهذه الدول. كما تتعرض الدول المستوردة الرئيسية للغذاء لمخاطر خارجية عديدة في سعيها لتلبية احتياجاتها من الأسواق العالمية، بسبب انخفاض المخزون العالمي من الغذاء إلى أدنى مستوياته على مدار العقود الثلاثة الماضية.
وعلى مستوى معيشة الأسر، فإن ارتفاع الأسعار بشكل متقلب وسريع قد أثَّر على الفقراء الذين يفتقرون إلى الأمن الغذائي الأسري، وهم يمثلون الجزء الأكبر من السكان سواء في الحضر أو الريف.
وتتعرض للضرر بصورة أكبر الأسر التي يشتغل جُل أفرادها بالزراعة والتي ليس لديها فائض تبيعه -وهؤلاء يمثلون الغالبية العظمي من الفقراء في العالم العربي- وسوف يقع المزيد من الشرائح السكانية تحت خط الفقر بنوعيه النسبي والمطلق. وفي ظل مواجهة ارتفاع الأسعار ومن ثم انخفاض القدرة الشرائية، يضطر الفقراء -والذين يستنفد الإنفاق على الغذاء معظم دخلهم- إلى تعديل استهلاكهم الغذائي إلى وجبات أقل توازنا تؤثر سلبا على صحتهم على المديين القصير والطويل.
3. الوضع الراهن للأمن الغذائي العربي
تأثر الإنتاج العربي من مجموعات السلع الغذائية النباتية الرئيسية عام 2007 بسبب موجة الجفاف التي ضربت الموسم الزراعي في بعض الدول العربية؛ حيث تراجع الإنتاج العربي من مجموعة الحبوب من حوالي 59.6 مليون طن عام 2006 إلى نحو 50.1 مليون طن عام 2007 بانخفاض نسبي يقدر بنحو 16%. وقد شهدت محاصيل هذه المجموعة -فيما عدا الأرز الذي يزرع في الأراضي المروية- تراجعًا ملحوظًا بين عامي 2006-2007، ثم عاودت ارتفاعها مرة أخرى عام 2008 مع تحسن الظروف المناخية الملائمة للإنتاج الزراعي.
وقد حقق الإنتاج العربي في عام 2008 حوالي 50.61 مليون طن من الخضر، ونحو 3.06 مليون طن من السكر الخام، وحوالي 1.61 مليون طن من الزيوت النباتية، ونحو 4.27 مليون طن من اللحوم الحمراء، ونحو2.80 مليون طن من لحوم الدواجن، ونحو 25.83 مليون طن من الألبان ومنتجاتها، وحوالي 3.47 مليون طن من الأسماك.
وفيما يتعلق بالمتاح للاستهلاك في 2008، فقد بلغ المتاح للاستهلاك من الحبوب حوالي 107.9 مليون طن، نصفها تقريبا من القمح ودقيقه، ومن البقوليات حوالي10.6 مليون طن، ومن الخضر حوالي 49.6 مليون طن، ومن الفاكهة نحو 32.0 مليون طن، ومن الزيوت النباتية نحو 5.30 مليون طن، بينما بلغ المتاح للاستهلاك من البطاطس ) البطاطا( حوالي 1.44 مليون طن.
تتعرض الدول المستوردة الرئيسية للغذاء لمخاطر خارجية عديدة في سعيها لتلبية احتياجاتها من الأسواق العالمية، بسبب انخفاض المخزون العالمي من الغذاء إلى أدنى مستوياته على مدار العقود الثلاثة الماضية. |
وقد بلغت قيمة الفجوة الغذائية العربية نحو22.5 مليار دولار في 2008؛ حيث بلغت قيمة فجوة الحبوب نحو 12.0مليار دولار. وفجوة البقوليات حوالي 391 مليون دولار، والزيوت النباتية حوالي 2.26 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الفجوة في البطاطس (البطاطا) نحو 149 مليون دولار، والفاكهة حوالي 460 مليون دولار، وقيمة فجوة السكر المكرر نحو 2.88 مليار دولار. بينما حققت الخضر وحدها فائضًا تجاريًا تصديريا قدره 1.46 مليار دولار في عام 2008. وضمن المنتجات الحيوانية تنفرد الأسماك بتحقيق فائض تصديري حوالي 1.73 مليار دولار. بينما بلغت قيمة الفجوات من اللحوم الحمراء ولحوم الدواجن والألبان ومنتجاتها نحو 1.78 و1.35 و3.98 مليار دولار على الترتيب.
وبالنسبة لمعدلات الاكتفاء الذاتي من الغذاء من الحبوب والسكر واللحوم الحمراء والبقوليات والألبان ولحوم الدواجن فقد بلغت 56.1، 63.3 ،84.5 ، 58.5 ، 70.8 ،63.3 ، 69.1 % على الترتيب. ويتدنى معدل الاكتفاء الذاتي في الزيوت النباتية إلى 25.2%.
ويتحقق الاكتفاء الذاتي وبعض الفائض في مجموعتين فقط من السلع الغذائية في العالم العربي، هما: البطاطس والخضر بمعدل 101.5 و100.2% على الترتيب.
ومن أهم العوامل المؤدية إلى محدودية إنتاج الغذاء في العالم العربي، ومن ثم اتساع الفجوة الغذائية خلال العقد الأول من الألفية، نقص الأراضي الصالحة للزراعة وندرة موارد المياه، فضلا عن تأثر إنتاج الغذاء بالعديد من العوامل الطبيعية التي أثرت على المساحات المزروعة والمحصودة من المحاصيل الغذائية الرئيسية، وتدني مستويات توفير مستلزمات الإنتاج من الأصناف والبذور المحسنة والأسمدة، وما يؤدى إليه ذلك من تدني الإنتاجية المحصولية، فضلا عن فقد كميات كبيرة من الإنتاج الزراعي خلال مراحل الانتاج والتسويق. يضاف إلى ذلك ضعف التكامل والتنسيق العربي والمشروعات المشتركة.
4. التوقعات خلال المديين المتوسط والبعيد
تشير التوقعات إلى أن عصر الغذاء الرخيص قد انتهى إلى غير رجعة. وبالنسبة للعالم العربي إذا استمر الوضع عل ما هو عليه فإن الطلب على الغذاء يتزايد بمعدلات أكبر من معدلات النمو في إنتاج الغذاء، الأمر الذى يُتوقع معه اتساع الفجوة الغذائية بصورة متزايدة.
وفى المدى المتوسط قد تتمكن بعض الدول العربية من تحقيق بعض النجاحات المحدودة في مجال رفع معدلات الاكتفاء الذاتي في عدد من السلع الغذائية، إلا أن هناك بعض السلع التي يتدنى معدلات الاكتفاء الذاتي منها في الوطن العربي، وتشكل وارداتها عبئا ثقيلا على موازين مدفوعات الدول العربية، وتساهم مساهمة كبيرة في قيمة فجوة السلع الغذائية الرئيسية. كما أن عولمة التجارة، وانفتاح الأسواق، وسهولة انسياب السلع والمنتجات الغذائية بين دول العالم، والمتغيرات الطبيعية والاقتصادية المعاصرة في العالم تضيف بعدا آخرا لقضية الأمن الغذائي العربي؛ فقد أصبحت الدول العربية تواجه تحديا مزدوجا يتمثل في توفير الغذاء الكافي والآمن معا. وفى المدى الطويل يُتوقع أن تزداد أوضاع الأمن الغذائي العربي حرجا فيما إذا استمرت أوضاع الإنتاج العربي على ما هي عليه خاصة فيما يتعلق بأساليب الإنتاج، ومعدلات الإنتاجية الزراعية، وكذا معدلات استخدام الموارد الأرضية والمائية المحدودة. ومن المتوقع أن تلعب زيادة شح المياه الدور الأكبر في تكريس حرج الأمن الغذائي العربي على المدى الطويل خاصة مع الثبات النسبي في الموارد المائية مع تزايد الاحتياجات السكانية من المياه للاستخدامات المنزلية وتناقص المتاح منها للإنتاج الزراعي والغذائي.
5. إستراتيجية الأمن الغذائي وسد الفجوة الغذائية
تشير التوقعات إلى أن عصر الغذاء الرخيص قد انتهى إلى غير رجعة. |
ويقع في مقدمة أهداف الإستراتيجية زيادة القدرة على توفير الغذاء الآمن للسكان بتحسين القدرة على توفير أكبر قدر من الغذاء بالاعتماد على الذات دون التضحية بمعايير الكفاءة الاقتصادية والجدوى البيئية.
وفى إطار الرؤية المستقبلية، وتحقيقا للأهداف المقترحة للإستراتيجية، تمت بلورة البرامج الرئيسية والفرعية التي تحدد مجالات وأولويات العمل وبما يخدم تحقيق هذه الأهداف. وقد شملت البرامج الرئيسية للإستراتيجية سبعة برامج تتعلق بسبعة مجالات، هي: تطوير تقنيات الزراعة العربية، وتشجيع استثمارات الزراعة والتصنيع الزراعي في البيئات الزراعية الملائمة، وتعزيز القدرة التنافسية لنواتج الزراعة العربية، وتهيئة بنية التشريعات والسياسات المطبقة لتفعيل وتعزيز أداء التكتل الاقتصادي العربي، وبناء القدرات البشرية والمؤسسية، وازدهار الريف، وتطوير نظم إدارة الموارد البيئية. ويتضح أن هذه البرامج جميعها ترمى لتحقيق رؤية الإستراتيجية وهدفها المتمثل في زيادة القدرة على توفير الغذاء الآمن للسكان، في ظل المتغيرات الاقتصادية والطبيعية المتلاحقة التي يشهدها العالم.
تواجه إستراتيجية الأمن الغذ