إثيوبيا وإمكانية التأثر بالثورتين التونسية والمصرية

إعجاب إثيوبيا بالثورتين التونسية والمصرية إعجاب لا نظير له بين بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وهو يعكس تطلعا لإحداث نفس التغيرات داخل إثيوبيا، ومع وجود أوجه شبه بين إثيوبيا من جهة وتونس ومصر من جدة أخرى تبقى هنالك فوارق ضخمة يصعب تجاوزها...
1_1040623_1_34.jpg


أكلوغ بيرارا

إن إعجاب إثيوبيا بالثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية بلغ مستوى لا نظير له بين بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهذا الإعجاب ينبثق من رغبة الشباب الإثيوبي والطبقة المتوسطة الصغيرة في البلاد في رؤية التغيرات نفسها داخل إثيوبيا. ورغم استحالة المقاربة في الوقت الحاضر بين ثورتي تونس ومصر خصوصا وبقية الثورات العربية عموما من جهة، والوضع داخل إثيوبيا من جهة أخرى، تبقى الشرارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية متشابهة، وهي متمثلة في الحوكمة القمعية واللامساواة في الدخل والفساد المستشري وتهريب ثروات البلاد وتنامي الفقر والبطالة لا سيما عند الشباب والاعتماد على التمويل الخارجي والتضخم والنقص في التموين فضلا عن وجود حكومة قليلة الكفاءة في تلبية احتياجات الشعب.

مقارنات ولدت إعجابا 
الشباب والأزمة الاجتماعية
العزلة والخوف: ظاهرة شائعة

مقارنا ت ولدت إعجابا

أغلب إثيوبيي الشتات يقدرون الفوارق الضخمة بين إثيوبيا من جهة وتونس ومصر من جهة أخرى، ويشعرون في الوقت ذاته بوجود أوجه شبه. فقد بدأت الثورة المصرية تختمر لثلاثة عقود على الأقل وفي إثيوبيا لعقدين من الزمن. ويقول المثقفون الإثيوبيون إن الثورتين استفادتا كثيراً من ظروف داخلية فريدة تختلف عن الظروف الخاصة بإثيوبيا، ويذكرون منها ستة عوامل هامة.

يتجلى العامل الأول في التجانس السائد بين أفراد شعبي البلدين (تونس ومصر)، عكس شعب إثيوبيا البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة والذي يضم 80 مجموعة عرقية مختلفة.

أما العامل الثاني، فيتمثل في الطابع القومي للمؤسسات العسكرية. فالمؤسسة العسكرية في مصر وتونس ذات طابع قومي وليس فيها لوثات عرقية أو دينية، أما الجيش الإثيوبي فعبارة عن أقلية عرقية مهيمنة، وهو ما يجعل أغلب الإثيوبيين يشعرون بأن هذه الهيمنة تضعف من الطابع القومي ليس لهذه المؤسسة فحسب بل للبلاد أيضا.

وثالثاً، تحظى المؤسسات الوطنية في مصر وتونس باحترام كبير من المواطنين، أما في إثيوبيا فالروح الوطنية للكثيرين ضعيفة مما ينعكس على احترامهم لمؤسساتهم وثقافاتهم.

ورابعاً، نجد في مصر وتونس طبقة وسطى مثقفة أوسع وأكثر وحدة من الطبقة الوسطى في إثيوبيا.

خامسا، يستخدم المصريون والتونسيون تكنولوجيا المعلومات أكثر من إثيوبيا، وهو فارق نوعي آخر غاية في الأهمية. وإثيوبيا هي واحدة من أقل البلدان استفادة من التكنولوجيا في عالم اليوم، وهذا ليس خياراً بقدر ما هو نتاج قيود الحكومة. فالأدوات التكنولوجية التي يحتاجونها كالإنترنت والهواتف المحمولة، التي تمكنهم من الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتوب وتويتر فضلا عن الصحف المتنوعة أكثر توافراً في تونس ومصر منها في إثيوبيا.

سادساً، يستخدم المصريون والتونسيون الشعارات والأعلام والأغاني التي تنم عن حس وطني، ومضمونها "نحن تونسيون" و"نحن مصريون". وهذه الشعارات تجد لها صدى عند الإثيوبيين الذين يشعرون أن الحزب الحاكم يستخدم الانقسام العرقي ليحكم البلاد. ويسود شعور بأن الناس عندما يتحدون كرجل واحد، لن توقفهم أي قوة، وهذه هي السمات التي تثير إعجاب الإثيوبيين بمصر وتونس.

ويعجب الإثيوبيون خاصة بمصر بسبب نهر النيل ولأن المسلمين والمسيحيين تعايشوا جنباً إلى جنب لآلاف السنين. لقد جلس الإثيوبيون أمام مختلف وسائل الإعلام يوم الأول من فبراير /شباط 2011 عندما تجمع قرابة مليوني مصري من مختلف الخلفيات وصَلّوا واحتجوا معاً من أجل القضية نفسها.

وأُعجب الإثيوبيون الذين اطلعوا على تغطية وسائل الإعلام للثورة المصرية بالكياسة وبالوحدة الوطنية بين المصريين. وكانت الرسالة أن المصريين لم تثنيهم الفوارق السياسية والإيديولوجية والجنسية والاختلافات الدينية والديمغرافية والاجتماعية، بل تغلبوا عليها بسعيهم نحو الحرية وسيادة القانون والتعددية السياسية. واستُخدِم العلم المصري كرمز للوحدة والهوية الوطنية، وأبانت الغالبية العظمى من المتظاهرين عن مستوى انضباط وتضامن لا مثيل لهما.

وما أثار إعجاب الإثيوبيين على وجه الخصوص هو أداء المؤسسة العسكرية المصرية التي رفضت "قتل" مواطنيها. وهذا يتناقض مع إثيوبيا التي قُتل فيها المئات وسُجِن قرابة 40 ألف شخص من قبل قوات الأمن والشرطة عقب انتخابات 2005.

تتشابه إثيوبيا مع مصر في تلك الثورة الشعبية التي أسقطت النظام الإمبراطوري عام 1970، وكذلك في الاحتجاجات الضخمة لدعم الديمقراطية التي اندلعت عام 2005. وفي كلتا الحالتين، كافح الإثيوبيون واحتجوا كشعب واحد. وبغض النظر عن أوجه الشبه والاختلاف، مازال الإثيوبيون يشعرون أن مصر وتونس تُقدّمان لهم دروساً معتبرة في التغيير السلمي. ففي 12 يونيو/ حزيران الماضي،على سبيل المثال، نظم إثيوبيو الشتات منتديات حول ما يسمى بـ"الصحوة الإثيوبية والربيع العربي" وتحدث فيها مصريون شاركوا في الثورة.

إن البحث عن الحرية والعدالة وسيادة القانون والحوكمة هي ذات المطالب في الدول الثلاث وفي بلدان أفريقيا جنوب الصحراء التي تحكمها الحكومات الاستبدادية والدكتاتورية. لكن في الوقت نفسه، فإن الاختلافات بين إثيوبيا من جهة وتونس ومصر من جهة أخرى تبقى عميقة؛ فطبقة الشباب المتعلم في تونس آخذة في التوسع، إلى جانب طبقة وسطى أكثر تحضراً، وهو ما ينطبق كذلك على مصر. فكلا البلدين أكثر تلاؤماً وتكاملاً مع الاقتصادات المتقدمة من إثيوبيا وإن كان القمع والقهر وتركيز الثروة في أيدي قلة من الناس، والفساد، وبطالة الشباب، وتضخم أسعار المواد الغذائية وعدم المساواة في الدخل كلها مظاهر عميقة في جميع البلدان الثلاثة، إلى جانب المطالب التي لم تلبى في توفير فرص العمل وزيادة الدخل وإنهاء القمع والفساد.

إن معظم النخب الإثيوبية تشعر بأن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تظلم الفقراء والشباب من خلال عرض صورة وردية عن بلدان تعيش في أزمة اجتماعية كما كان يحدث في مصر وتونس قبل الثورة.

الشباب والأزمة الاجتماعية

تأثر الإثيوبيون بشدة بوفاة البوعزيزي التي أدت إلى اندلاع "ثورة الياسمين" بتونس ويقول العديد منهم إن حجم الاضطهاد والقمع خلال حكم الحزب الوحيد في إثيوبيا أسوأ من ذلك بكثير. ثم إن هذا الحادث التونسي وما أعقبه قد تجذر بين صفوف الشباب المضطرب بشكل متزايد في إثيوبيا
يعتبر ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب القاسم المشترك في البلدان الثلاثة. فعلى سبيل المثال وُلد ما يقرب من 40 مليون إثيوبي بعد العام 1991. ولم يعرفوا في حياتهم سوى حكم الحزب الواحد والحاكم الواحد (رئيس الوزراء ميليس زيناوي الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ اعتلائه السلطة في عام 1991). وينطبق الشيء نفسه بالنسبة للملايين الشباب المصري والتونسي.

وحسب تقديرات بلومبرغ (موقع متخصص في الاقتصاد)، فإن على تونس خلق مليون فرصة عمل جديدة سنوياً لمواكبة الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام. أما إثيوبيا، فيبدو أنها قد تخلت عن آفاق خلق فرص عمل للملايين؛ فالآلاف من الشباب اختاروا الهجرة إلى جميع أنحاء العالم كل شهر لأنهم لا يرون آفاقا داخل وطنهم. فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشباب إذن في البلدان الثلاثة متردية.

لكن ومع ذلك تبقى إثيوبيا أكثر فقراً وأقل نمواً من مصر وتونس. ففي نهاية 2010، قدّرت بلومبرغ نصيب الفرد من الدخل في تونس بـ 9500 دولار، مقارنة مع 370 دولارا في إثيوبيا. كما أن 67 في المائة من التونسيين تمدّنوا، في حين أن 80 في المائة من الإثيوبيين هم من سكان الريف. وتتوفر تونس على واحد من أعلى معدلات التمدرس في العالم العربي، في حين أن إثيوبيا تعرف أدنى معدلات التمدرس في العالم.

وبالتالي، فإن النسب العليا من التمدرس، إلى جانب الطبقة الوسطى الصاعدة، والتواصل الاجتماعي من خلال التلفزيون، الراديو، الإنترنت، الهواتف المحمولة، يوتوب، تويتر، والصحف، كلها عوامل عزّزت من التواصل في تونس. وهذا لا يزال شرطاً أساسياً غائباً في إثيوبيا.

كما أن القمع والخوف لم يردعا سكان تونس المندمجين عن تنظيم وتبادل المعلومات بسرعة وفعالية. وفي المقابل، تعد إثيوبيا من الدول الأقل تحضراً وتواصلا في أفريقياً، كما أنها تضم أعلى نسب الأمية في العالم، وتعاني من الانقسام العرقي والحكم المستند إلى العرق. ويُقَدَّر البالغون الشبان في البلاد، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 29 عاماً، بـ50.3% كما هو الحال تقريباً في تونس، ما جعل الديموغرافيين يصفون هذه الفئة العمرية بـ"القنبلة" التي قد تنفجر في أي وقت وفي أي مكان، وهي المجموعة التي تطالب برفع القيود عن الحقوق السياسية والحريات المدنية وببرامج عادلة في التعليم والرعاية الصحية، والإسكان، وتكنولوجيا المعلومات والعمالة.

وعلى غرار تونس، تعتمد الحكومة الإثيوبية على النزوح المستمر لهذه الفئة العمرية إلى دول أجنبية كحل دائم لسوء الإدارة وانعدام فرص العمل في الداخل. ويقول الإثيوبيون، على غرار التونسيين والمصريين، إن على الحكومة فتح الفرص ورفع القيود عن الحريات وتسخير تكنولوجيا المعلومات وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة التي من شأنها أن توظف الملايين.

العزلة والخوف: ظاهرة شائعة

خلافاً لتونس ومصر، فإن المثقفين الموهوبين في إثيوبيا يختبئون وراء قناع عدم الكشف عن هويتهم. فهم يريدون الحرية للشعب الإثيوبي، ولكنهم يعتقدون أن أحداً ما سيقدمها لهم. أما المصريون والتونسيون، فقد أظهروا للعالم أنه لا وجود لقوة في العالم تستطيع وقف غضب الشعب
على النقيض من تونس ومصر، فإن العزلة هي طريقة الحياة في إثيوبيا التي يغلب عليها الطابع الريفي ولم تشملها ثورة المعلومات التي اجتاحت بقية العالم. فهي تعاني من الحد الأدنى للتنقل والتواصل الاجتماعي، كما أن الحصول على الأنباء والمعلومات جد محدود.

ويتفاقم هذا الوضع بسبب الخوف وتعزيز النظام للاختلافات العرقية والدينية.  فالأثيوبيون في عمومهم معزولون إلى حد كبير عن بعضهم البعض ومشتتون على أساس عرقي، ولا يستطيعون تبادل المعلومات مع بعضهم البعض.

كل هذه الظروف تسمح للنظام والنخب الإثنية بالتلاعب خاصة بالفقراء وتقسيمهم وجذبهم والإبقاء عليهم غير مترابطين وتحت السيطرة. كما أن ضعف التعليم ومحدودية الحصول على المعلومات والعزلة شبه التامة -كما سبق القول- عن بعضهم البعض جعلهم ضعفاء وعرضة للخطر. ولا تزال إجراءات النظام الصارمة ضد السكان في عام 2005 ماثلة في أذهان الناس.

ومما يزيد الأمر سوءاً، اهتمام التنظيم السياسي للنظام بالولاء العرقي. ويقول الإثيوبيون إن النظام يستخدم الخوف لتعزيز الانقسامات العرقية، والارتياب المتبادل والاستضعاف، وخلق شعور من الترقب الدائم. فالنظام يرشي الكثير من الفقراء والمتعلمين ويجبرهم على الانحياز إلى جانبه.

وإثيوبيا هي أكثر اعتماداً على المساعدات من تونس أو مصر. فهي أكبر مستفيد من المساعدات في أفريقيا والثالثة في العالم بعد أفغانستان والعراق. وتستخدم الحكومة المساعدات كأداة للعقاب والسيطرة. وعلى عكس الشباب في تونس، فإن الإثيوبيين لا يتمتعون بحق الولوج غير المقيد لتكنولوجيا المعلومات الحديثة. كما أن الخوف ينخر أوصال المجتمع. ويبدو أن النظام يولّد مزيداً من الخوف بدلاً من الاستجابة الجريئة ضد الاضطهاد والقمع والفقر لدرجة أصبح معها قبول ثقافة الخوف هذه نبوءة تحقق ذاتها.

وخلافاً لتونس ومصر، فإن المثقفين الموهوبين في إثيوبيا يختبئون وراء قناع عدم الكشف عن هويتهم. فهم يريدون الحرية للشعب الإثيوبي، ولكنهم يعتقدون أن أحداً ما سيقدمها لهم. أما المصريون والتونسيون، فقد أظهروا للعالم أنه لا وجود لقوة في العالم تستطيع وقف غضب الشعب. فمعظم الإثيوبيين المتعلمين تعليماً عالياً يقولون أن هذين المجتمعين لقّنَاهُما درساً أساسياً مفاده أن من يرغب في إقامة مجتمع حر منبثق من الشعب ويتمتع بالحريات السياسية وحقوق الإنسان يجب أن يضع جانباً الخلافات الثانوية ويناضل في انسجام تام.

ويُذكِّر الإثيوبيون بعضهم بأن الشباب في البلاد ليسوا غرباء عن الانتفاضات، فهم من بين رواد التغيير في أفريقيا. ففي سبعينيات القرن العشرين، توحدوا وأسقطوا النظام الإمبراطوري. ودفع القمع والوحشية التي مارسها النظام العسكري الاشتراكي من 1974 حتى 1991 على جميع شرائح المجتمع وخاصة الشباب للعمل معاً كإثيوبيين. وكذلك كانوا عقب انتخابات عام 2005 حينما عبروا عن رغبتهم في إقامة دولة تحترم الحريات السياسية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهذا صحيح عموماً. ويقول