انتخابات المؤتمر الوطني الليبي تؤسس لبداية مهمة في مسار بناء الدولة الحديثة (الأوروبية) |
مقدمة
يهدف التحليل إلى قراءة نتائج الانتخابات وتوصيف المؤتمر الوطني وتحديد الأوزان السياسية لأهم مكوناته، مع التركيز على تحالف القوى الوطنية، وحزب العدالة والبناء باعتبارهما الممثلَين للتيارات السياسية الرئيسة المتنافسة والمتحصلَين على أعلى الأصوات من بين كافة الأحزاب السياسية، وكذلك تلمس خياراتهما المتاحة وما يمكن أن يسفر عنها من نتائج أو تداعيات.
تركيبة المؤتمر الوطني
أولا: على المستوى السياسي
-
بحسب النتائج التي أعلنت عنها المفوضية العليا للانتخابات فإن تركيبة المؤتمر الوطني جاءت كما يلي:
تحصل تحالف القوى الوطنية بقيادة الدكتور محمود جبريل على 39 مقعدا من أصل 80 مقعدا مخصصة للأحزاب، بينما تحصل حزب العدالة والبناء، والذي أسسته جماعة الإخوان وآخرون على 17 مقعدا، فيما تحصل حزب الجبهة الوطنية للإنقاذ، أكبر التنظيمات السياسية المعارضة للنظام خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات على 3 مقاعد، وتحصل التيار الوطني الوسطي، حديث التأسيس بقيادة، الدكتور علي الترهوني، وزير النفط والمالية في أول حكومة بعد الثورة على مقعدين، أما الاتحاد من أجل الوطن، الذي أسسه الدكتور عبدالرحمن السويحلي فقد فاز بمقعدين، بينما توزعت بقية المقاعد على عدة أحزاب صغيرة بمعدل مقعد لكل منها وهي : الحكمـة، الرسالة، الوطن، الوطن للتنمية والرفاه، تيار شباب الوسط، لبيك وطني، الحزب الوطني الليبي، الركيزة، الوطن والنماء، التجمع الوطني بوادي الشاطئ، تحالف وادي الحياة، القائمة الليبية للحرية والتنمية، كتلة الأحزاب الوطنية ، تجمع الأمة الوسط ، ليبيا الأمل. -
فيما يتعلق بتوزيع مقاعد الفردي، فإن عمليات المسح البسيط والأولي تشير إلى أن النفَس الإسلامي والمحافظ غالب في المؤتمر الوطني، حيث قدر البعض بأن نحو 80% من إجمالي المقاعد المخصصة للمستقلين وعددها 120 مقعدا فازها بها محسوبون على الإسلاميين أو المتدينين من خطباء مساجد وشيوخ أو شخصيات مدنية معروفة بتدينها، مع التنبيه إلى حدوث فوز شخصيات ليست بالأهلية التي تتطلبها عضوية المؤتمر الوطني العام لكنها على العموم حالات ليست بالكثيرة.
-
أوصلت تصريحات قيادات تحالف القوى الوطنية وبعض المنتسبين إليه حصص التحالف الإجمالية إلى نحو 90 مقعدا، غير أن الفرز الحاصل من خلال الاتصال بأهم الأحزاب والعديد من المترشحين كمستقلين يظهر أن تحالف القوى الوطنية سيتحصل على ما لا يتعدى 65 مقعدا، منها حصته في القوائم وهي 39 مقعدا، بالإضافة إلى حصته في الفردي، حيث تشير مصادر أنها لا تتعدى 9 مقاعد، وأيضا 7 مقاعد حلفاء فردي، و 4 مقاعد قوائم تحالفت مع التحالف.
-
بالمقابل، فإن الاتجاه الإسلامي الذي بدا متحسسا من فوز قوى التحالف الوطني ومتأهبا للتنسيق بين مكوناته لمنعه من احتكار القرار والهيمنة على المشهد السياسي يقول إنه قادر على الوصول إلى أغلبية بسيطة تتعدى بقليل مئة مقعد موزعة بين حصص أحزاب ومرشحين مستقلين، وذلك بقيادة حزب العدالة والبناء الذي تأكد حصوله على 35 مقعدا موزعة ما بين القوائم والفردي.
-
على ما تم استطلاعه بشكل أولي يمكن القول بأن المؤتمر الوطني العام يتجه إلى حالة من الاستقطاب، لكن من المبكر تحديد مدى حدتها، وسيعتمد ذلك على تركيبة وحجم الكتل داخل المؤتمر، وطبيعة التجاذبات، وعلى خيارات كل منها فيما يتعلق بأهم الملفات التي تشغل الرأي العام ويختلف الفرقاء في كيفية التعاطي معها.
ثانيا: على المستوى الاجتماعي
بالرغم من تجذر الانتماء القبلي والجهوي في العديد من مدن وقرى ليبيا، وبالرغم من بروز هذه النعرة ما بعد الثورة لأسباب عدة ليس المجال ملائما لعرضها، فإن انتخابات المؤتمر الوطني، بالمجمل، شهدت تغليبا للروح الوطنية على الانتماء القبلي والجهوي، حيث لم تتسم الانتخابات بأي نوع من التنافس القبلي والجهوي الحاد، ولم تظهر بشكل ملحوظ في الحملات الدعائية، كما أن النتائج أظهرت أن معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة والوطنية غلبت عند الناخب على الانتماء القبلي والجهوي. فتحالف القوى الوطنية وحزب العدالة والبناء حققا نتائج جيدة على حساب أحزاب محلية في مناطقها، إلا في حالات قليلة. وبالمقابل، فإن النظرة المستطلعة تؤكد أن جل القبائل والمناطق تم تمثيلها في المؤتمر الوطني، ويتضح ذلك من خلال استعراض أسماء الفائزين.
ولأن المجتمع الليبي قبلي وجهوي بامتياز لأسباب تعود إلى التاريخ القديم، وأخرى تتعلق بسياسات النظام السابق في توظيف المجتمع القبلي والخلافات الجهوية لتوطيد أركان حكمه، لم تختف النزعة القبلية والجهوية وذلك من خلال المظاهر التالية:
-
انتقال مرشحين يقطنون المدن الكبرى كطرابلس وبنغازي للترشيح في مناطق مسقط رأسهم.
-
أعطت بعض الأحزاب الأولوية للمنطقة الأصلية في الحملة الانتخابية.
-
العديد من المرشحين أعلن عن توجهات لها علاقة بمطالب جهوية كما هو الحال في موضوع تقسيم مقاعد المؤتمر الوطني أو جعل بنغازي عاصمة اقتصادية.
-
الارتفاع الملحوظ لنسبة التصويت للمرشحين في المناطق التي ينتمون إليها، فقد حقق حزب الوطن للتنمية والرفاه فوزًا ساحقًا في الجفرة، وسط البلاد، وكذلك حزب الاتحاد من أجل الوطن في مصراته.
-
اعتمد بعض المرشحين على الحشد القبلي في حملتهم الانتخابية، وتأكد انعقاد اجتماعات لبعض القبائل في شرق البلاد وغربها لتأكيد دعمهم للمرشحين المنتمين إليها.
ثالثا: على المستوى الجغرافي
بالرغم من الانتقادات الحادة التي وجهت لقانون الدوائر الانتخابية، إلا أنه وفر الحد الأدنى المطلوب لتوزيع مقبول للمقاعد على كافة المناطق، فالمشاكل التي نجمت عن الحرب التي اندلعت في ليبيا بعد تفجر ثورة 17 فبراير أحدثت شروخا كبيرة بين العديد من المناطق، خاصة في غرب البلاد وجنوبها، جعل من العسير وضع تقسيمة مقبولة للدوائر. وقد أثبت الإقبال الجيد على الانتخابات رضى الناخبين عليها، كما أن الانتقادات والطعون المقدمة ضد النتائج يغلب عليها البعد الحزبي وليس المناطقي.
نتائج الانتخابات واتجاهات الناخب الليبي
بحسب استطلاع الرأي الذي أجراه "المركز الليبي للبحوث والتنمية" بعد الإعلان عن أول مجموعة من النتائج في اليوم الثاني من الانتخابات فإن 81% ممن صوتوا لتحالف القوى الوطنية اختاروا التحالف لأن الدكتور محمود جبريل على رأسه، فيما أكد فقط 19% أنهم اختاروا التحالف كونه يضم كافة التيارات ويضم كوادر مميزة. وتعزز هذه النسبة ما ذهب إليه مراقبون من أن الناخب الليبي لا يزال يتأثر بالرمز والشخصية القيادية ويقدمه على المؤسسة أو التنظيم أو الحزب. غير أن محمود جبريل قد نجح في لفت انتباه الناخبين إليه من خلال:
-
توظيف رصيده السابق كونه رجل دولة وخبيرا إستراتيجيا وأحد أبرز الداعمين لثورة 17 فبراير على صعيد حشد الدعم الدولي في فترة الصراع مع نظام القذافي.
-
بدء حملته الانتخابية مبكرا جدا، وذلك بعد تحرير البلاد مباشرة من خلال زيارة نحو 36 مدينة وقرية في مختلف ربوع البلاد والتواصل مع الجماهير بشكل مباشر وخطابهم بما يناسب احتياجات مناطقهم.
-
تقديمه مشروعا تنمويا متكاملا، هو خلاصات عمله مع النظام قبل الثورة، جعل الناخب يصوت لجبريل لأجل تحقيق التنمية والرفاه ومنحه فرصة لاستكمال مشروعه.
-
غياب أي رموز قيادية من التيارات الأخرى يمكن أن تنافس جبريل أو تقترب من خبرته ومهاراته.
-
التخفيف من أثر اتهامه بالعلمانية من خلال تغيير خطابه الذي اقترب في السابق من الطرح الليبرالي واستقطاب رموز إسلامية وضمهم للتحالف من بينهم الشيخ عبداللطيف المهلهل، وهو من أبرز مشائخ وعلماء طرابلس.
استطلاع المركز الليبي للبحوث والتنمية أظهر أن 40% من الناخبين الذين لم يعطوا أصواتهم للأحزاب الإسلامية يتخوفون منها ويعتقدون أن جميعها متطرف، حيث تضع هذه الشريحة غير القليلة جميع الجماعات الإسلامية في سلة واحدة وترى أن جميعها مسؤولة عن مظاهر التشدد الديني، من تحطيم للقبور والأضرحة، واعتداء على مقابر الرعايا الأجانب، والاعتداء على محال تزيين النساء، فيما أرجع 45% ممن لم يصوتوا للأحزاب الإسلامية موقفهم إلى عدم معرفتهم بها بشكل مطلق، أو عدم معرفتهم برموزها، فيما عزى 8% فقط من المشاركين في الاستطلاع عدم تصويتهم للأحزاب الإسلامية إلى عدم قناعتهم ببرامجها الانتخابية، مما يعني أن الناخب الليبي لا يعتد كثيرا بالبرامج الانتخابية ولا يزال يتأثر بالرمز والشخصية الكاريزمية، ولا يزال محدود الثقافة والاطلاع. وقد ظهر ذلك في تدني اهتمامه بالفروق الجوهرية بين المتنافسين وعدم قدرته على التمييز بين مكونات التيار الإسلامي الذي دعا قطاع منه إلى أن تكون ليبيا دولة مدنية ونادى بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وأبدى استعدادا كبيرا لإفساح المجال للمرأة للمشاركة في العمل السياسي. وقد كانت علامة فارقة أن تتصدر قائمة حزب الوطن في طرابلس سيدة غير محجبة، بالرغم من أن مرجعية الحزب إسلامية وأن من أبرز مؤسسيه عبدالحكيم بلحاج ومحمد عمر حسين، المعروفين بتشددهما في مرحلة من مراحل تكوينهم الفكري.
من ناحية أخرى، أخفق التيار الإسلامي بالرغم من توفر المشتركات الفكرية مع الناس في التقرب منهم والفوز بتأييدهم، حيث اقتصرت حملته على الملصقات والدعاية المرئية، ولم ينجح في إبراز رموز سياسية مركزيا أو مستوى المدن والمناطق المختلفة تقنع الناخب. أيضا يلحظ تحقيق التيار السلفي نتائج غير متوقعة، فقد تقدم مرشح سلفي وبفارق كبير على مرشح حزب العدالة والبناء في دائرة من أهم دوائر العاصمة طرابلس، بالرغم من كون الأخير شخصية سياسية وإعلامية بارزة. كما فاز مرشحو التيار السلفي بكل مقاعد الفردي في مدينة الزاوية، وهي ثاني مدن الغرب الليبي تعدادا سكانيا، ونافس حزب الأصالة والتجديد السلفي حزب الوطن، بقيادة عبدالحكيم بلحاج، في عدد المقاعد في نظام القوائم.
المشهد السياسي في ظل نتائج انتخابات المؤتمر الوطني
لقد وضع الناخب الليبي التحالف بقيادة محمود جبريل في صدارة الأحزاب، إلا أنه لم يتحصل على التفويض الذي يمكنه من الانفراد بتشكيل الحكومة وقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية. بالمقابل، فإن تشتت التيار الإسلامي ووجود تناقضات حادة بين بعض مكوناته قد لا تسمح بتشكيل تحالف يمكنه من الحصول على الأغلبية، وفي حال حصل على الأغلبية فمن المتوقع أن ينفرط عقده عند أول عقبة، الأمر الذي ينذر بوضع مربك قد يسفر عن ولادة مؤتمر وطني مشلول قد لا يختلف في عجزه عن المجلس الانتقالي الذي سيتم حله عند انعقاد أولى جلسات المؤتمر الوطني العام.
وبالرغم من أن تحالف القوى الوطنية يلقى دعما محليا وخارجيا قد يسهل عليه مهمة قيادة البلاد، فإنه بالمقابل يواجه تحديات يمكن أن تعرقل مشروعه وتوقعه في أزمات سياسية، ومن بين هذه التحديات:
-
اعتماده على بعض مؤيدي النظام السابق، وقد ظهرت أسماؤهم في بعض قوائم التحالف الانتخابية.
-
تركيبة التحالف الذي يبدو أنه غير متماسك بسبب تعدد الكيانات واختلاف توجهاتها الفكرية حيث لم يتم الاتفاق على صيغة دمج تحتوي هذا التفاوت.
-
وجود معارضة نخبوية واسعة خصوصا بين المجموعات الإسلامية المتشددة والتي تنتظم في كتائب أمنية وتمتلك قوة عسكرية ضاربة.
توقعات بشأن سياسة التحالف بعد النتائج التي حققها
السيناريو الأول: العمل على تحقيق أكبر قدر من التوافق الوطني من خلال طرح أجندة وطنية، وذلك كما تكرر على لسان رئيس التحالف في مناسبات عدة آخرها خطابه المهم بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات. ويمكن أن يقود خيار الوفاق الوطني إلى اتخاذ التحالف بعض المبادرات من بينها:
-
السعي لاستمالة حزب العدالة والبناء القوة الثانية في المؤتمر الوطني والممثل الأبرز للتيار الإسلامي، أو بعض التكوينات السياسية الإسلامية، والاستعانة بكوادر وطنية إسلامية في إدارة المرحلة الانتقالية في التحالف الحكومي.
-
طرح مرشح لرئاسة الحكومة يكون محل قبول من قبل التيار الإسلامي، والابتعاد عن التعديل الجذري في الحكومة من خلال تغيير الوزراء الذين ثبت إخفاقهم وغضب الرأي العام عنهم (الدفاع، الداخلية، الصحة، الاقتصاد)، والإبقاء على الوزارات المستقرة والناجحة (الكهرباء والاتصالات والصناعة والتعليم والنفط).
-
التركيز على القضايا التي تشغل الرأي العام وعلى رأسها الملف الأمني والخدمات العامة دون الخوض في قضايا تتعلق بهوية المجتمع وهيكلة الاقتصاد.
السيناريو الثاني: اتجاه تحالف القوى الوطنية إلى التفرد بالقرار وتبني خيارات سياسية يراها المخالفون مجافية للوفاق الوطني وقد تورط البلاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وقد يكون ذلك من خلال:
-
استقطاب أكبر عدد ممكن من المستقلين بمختلف السبل لتعزيز ثقل التحالف في المؤتمر الوطني العام.
-
الاعتماد على بعض رموز التيار الليبرالي، وبعض رجال النظام السابق في مشروعه، وإقصاء الكوادر ذات التوجهات الإسلامية.
-
فتح المجال للمشاركة الغربية في معالجة الملف الأمني والاقتصادي بشكل يهدد السيادة الليبية ولا يخدم المصلحة الوطنية.
-
إدارة اقتصاد البلاد بشكل لا يحقق المصلحة الوطنية من خلال التحكم في مفاصل الاقتصاد وإعادة إنتاج الفساد.
-
حشر من يعارضه من الإسلاميين في زاوية من خلال إحراجهم أمام الرأي العام وإظهارهم كطرف معطل للانتقال الديمقراطي والتطوير الاقتصادي.
خيارات التيار الإسلامي في ظل نتائج الانتخابات
يلحظ المراقب أن التيار الإسلامي بشكل عام، وحزب العدالة بشكل خاص يواجه اختبارا صعبا فيما يتعلق بتحديد خياراته في المرحلة الانتقالية الثانية. فالحزب ومن يناصره يتخوف من التسليم لتحالف القوى الوطنية ورئيسه محمود جبريل، حيث يسود اعتقاد أنه -وحتى مع ترجيح تبني جبريل لمشروع تنموي حقيقي- سيجنح بالبلاد إلى منزلق فكري وأخلاقي يناقض القيم الإسلامية للمجتمع الليبي، وقد يفضي إلى إقصاء التيار الإسلامي وحتى تحجيمه. بالمقابل، فإن الخيار الآخر قد يُخسر العدالة والبناء أكثر مما يُكسبه، وبالتالي فإن خياراته لن تكون سهلة، ويتوقع أن يترتب عليها تداعيات لن تكون بالإجمال في صالحه.
أولا: سيناريو المشاركة
يقابل هذا الطرح سيناريو ذهاب التحالف لخيار الوفاق الوطني، حيث يضع هذا السيناريو العدالة والبناء ومن ينسق معهم من الإسلاميين أمام القبول والمشاركة الكاملة في مشروع التحالف بما في ذلك تشكيل الحكومة. ولأن ليس ثمة من مؤشر على قبول الأطراف الإسلامية الأخرى بالدخول في مشاركة سياسية مع التحالف، فإن مهمة حزب العدالة في حال ترجح لديه مصلحة التفاهم مع التحالف ستكون عسيرة. من ناحية أخرى، سيكون الدكتور جبريل هو المستفيد الأكبر من هذه المشاركة لأنها ستنفي عنه شبهة العلمانية والاعتماد على بعض رجال النظام السابق التي تهدد تماسك التحالف الذي يقوده، وتوفر له كادرا إضافيا مهما لإنجاح مشروعه السياسي والاقتصادي، بينما لن تنتبه الجماهير إلى مساهمة العدالة والبناء في إنجاح المشروع بسبب المكانة التي يتميز بها جبريل في نظر الناخب.
ثانيا: سيناريو المعارضة
وهو الخيار الذي رجحته تصريحات صدرت عن رئيس حزب العدالة والبناء، محمد صوان، بقوله إن التحالف يضم أزلام النظام الليبي، وكذلك تصريحات بعض قياداته التي ترى أن نقاط الالتقاء مع جبريل قليلة، مع التأكيد على أن الحزب لم يحسم موقفه بشكل نهائي، فقد تراجع صوان عن تصريحه، ولم يتكرر على لسان قيادات الحزب أي مواقف تشير إلى الاتجاه إلى معارضة التحالف.
ويتطلب خيار المعارضة الموازنة الدقيقة بين التخوف من التحالف ورئيسه، وأثر حالة عدم الاستقرار بل والجمود التي قد تصيب المؤتمر الوطني بسبب وقوعه في استقطاب حاد، مما يؤدي إلى إثارة سخط الرأي العام ضد العدالة والبناء. كما يتطلب الأمر حشد إمكانيات سياسية وإعلامية، في مقابل الإمكانيات التي يتمتع بها التحالف، وهو ما قد لا يتوفر لحزب العدالة والبناء.
ثالثا: سيناريو التقارب الحذر
وهو موقف بين الاثنين السابقين؛ بمعنى أن لا يقبل العدالة والبناء المشاركة، ولا يجنح للمعارضة، وهو المرجح في الأشهر القليلة الأولى، غير أنه يتطلب حسابات دقيقة وتحديد في أي دوائر، وعلى أي ملفات، ووفق أي مبادئ وسياسات يمكن أن يتقارب الحزب مع التحالف. كما يتطلب الأمر من حزب العدالة ومن يناصره من الإسلاميين اللعب على المكشوف وصياغة موقف قوي يقنع الجميع بما في ذلك المقربون من الأحزاب الإسلامية وشريحة ليست بقليلة من المستقلين الذين أعلنوا رفضهم لجبريل وينوون إسقاطه.
هذه الأطروحات وتلك السيناريوهات جميعها تؤشر إلى أن ليبيا الدولة والمجتمع بدأت بثورتها وبتلك الانتخابات التي شهدتها عهدا جديدا رغم صعوباته ومشكلاته وتحدياته، إلا أن الجدة والحيوية التي فيه تجعله أفضل.
_________________________
السنوسي بسيكري - كاتب وباحث ليبي