عام على الإصلاحات السياسية في سلطنة عمان

عندما يتم التطرق إلى الإصلاحات السياسية في سلطنة عمان فلابد من قراءة المشهد بصورة واقعية ومعرفة الأسباب التي دعت إلى إحداث التغيير والإصلاح في بلد محافظ إلى أبعد الحدود، ولا يتدخل في شؤون الآخرين، ولا يقبل بتدخل خارجي يفرض أجندات بأي شكل كان، بل يسعى إلى توظيف الأفكار الوطنية وإصلاح البيت من الداخل.
201281493734361734_20.jpg

عندما يتم التطرق إلى الإصلاحات السياسية في سلطنة عمان فلابد من قراءة المشهد بصورة واقعية ومعرفة الأسباب التي دعت إلى إحداث التغيير والإصلاح في بلد محافظ إلى أبعد الحدود، ولا يتدخل في شؤون الآخرين، ولا يقبل بتدخل خارجي يفرض أجندات بأي شكل كان، بل يسعى إلى توظيف الأفكار الوطنية وإصلاح البيت من الداخل.

وعبر قراءة المشهد نجد أن ثقة المواطن بالقيادة جعلته يضع جملة من الآمال والطموحات الخاصة والعامة والتي يريد تحقيقها بعد أن أكملت الدولة بناء مؤسساتها وأركانها الأساسية وأصبحت مستعدّة اليوم -بعد مرور أربعين عامًا على حكم السلطان قابوس بن سعيد- لقطف كل ما يجلب الرفاهية للمواطن وتحسين أوضاعه المعيشية.

كل ذلك جعل المواطنين يتوقعون تغييرًا كبيرًا في ظروفهم المعيشية ومستقبل أبنائهم الدراسي ونوعية الوظائف والأعمال التي ستوفرها الدولة لهم نظرًا لكون الدولة قد وظّفت نفسها منذ البداية كراعية لكل مواطن ومسؤولة عن تحقيق طموحاته وتطلعاته. هذا من جانب، إضافة إلى التغيير الكبير الذي حدث في الظروف المعيشية لمعظم مواطني دول الخليج المجاورة وزيادة مرتباتهم وأسباب رفاهيتهم مما جعل العمانيين يتوقعون شيئًا مماثلاً في بلدهم.

أسباب التغيير والإصلاح

مع بداية عام 2011 اجتاح ما يُعرف بالربيع العربي عددًا من البلدان العربية، وتمكنت بعض وسائل الإعلام العربية كالجزيرة والعربية من نقل جُلِّ ما يجري في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين القريبة من سلطنة عمان. هذه الأحداث احتلت المساحة الأكبر من اهتمامات ومناقشات الشباب العربي ومعهم الشباب العماني عبر الفضاءات الإلكترونية والمجالس الشعبية ومتابعة القنوات الفضائية إلى جانب اهتمام الإعلام العماني خاصة الصحافة بتلك الأحداث، وخصصت صفحات تتحدث فيها عن الربيع العربي وضرورة إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية في معظم الدول العربية وتجنيب الشعوب مخاطر الاعتقال والقتل والتشريد. ووسط تلك الأحداث وفي منتصف شهر فبراير/شباط 2011 تجمّع عدد من الشباب العاملين في شركات القطاع الخاص في دوار ولاية صحار ،كبرى ولايات محافظة شمال الباطنة، والتي تشهد نشاطًا اقتصاديًّا وعمرانيًّا كبيرًا للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية وزيادة رواتبهم بناءً على تعليمات من السلطان قابوس بزيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص ليصبح 200 ريالا بدلاً من 120 ريالا تدفعها الشركات للمواطنين العاملين لديها. وقد اعترضت في حينه تلك الشركات على زيادة الأجور التي لم يُتفق عليها مع الحكومة مسبقًا.

تطورت الأحداث سريعًا بعد تدخل السلطات الأمنية التي طالبت هؤلاء الشباب بإخلاء موقعهم في الدوار ثم قامت باعتقال بعضهم. أثناء ذلك انضم إليهم عدد كبير من الشباب جاؤوا لنصرتهم من مختلف الولايات العمانية. ثم توسعت الاحتجاجات في صحار وفي ذروتها قُتِل شاب بالقرب من الدوار وأُصيب عدد آخر بجروح، وأخذت مواقع التواصل الاجتماعي بنقل الأحداث وتوزيعها في الداخل والخارج؛ الأمر الذي وسّع نطاق الاحتجاجات فيما بعد لتغطي مساحة واسعة من سلطنة عمان، وبحسب أحد المواقع الاجتماعية فإن 30 ولاية شهدت احتجاجات تطالب بالتغيير وإجراء الإصلاحات في المؤسسات الرسمية وتشمل إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.

وتلخصت أبرز مطالب الشباب العماني في العناصر التالية:

  1. فصل السلطات التشريعية والرقابية عن الحكومة. 
  2. إقالة الوزراء الذين مكثوا في الحكومة سنين طويلة واستبدالهم بشباب قادرين على لعب دور أكبر في تحسين معيشة المواطن العماني.
  3. منح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية ورقابية وإعطاء الفرصة لأعضائه لأن يصبحوا وزراء في الحكومة.
  4. تحسين دور المؤسسة القضائية، وعدم تدخل الحكومة في شؤونها.
  5. تعيين رئيس للحكومة يمكن مساءلته ومحاسبته أمام المؤسسات الرقابية والتشريعية.
  6. تطوير الجهاز الرقابي في الدولة، ومحاربة الفساد، ومحاسبة الوزراء السابقين.
  7. تحرير الإعلام وعدم استغلال الحكومة له، ووضع تشريع يحرر الفكر والتعبير. 
  8. توفير فرص العمل للشباب العماني. 
  9. تحسين مستوى معيشة المواطنين ورفاهيتهم.

ورغم بقاء السلطات الأمنية والجيش في ولاية صحار إلا أنها لم تتدخل لفض الاحتجاجات والاعتصامات بقوة فيما بعد بل سعت عبر شيوخ القبائل للتحاور مع الشباب وإيجاد حل يرضيهم. لكن كل المفاوضات لم تُجْدِ ولم تقنع الشباب بترك مواقعهم بل أصروا على ضرورة استجابة الحكومة لمطالبهم. بعد دراسة الحكومة لتلك المطالب حولتها إلى السلطان قابوس بن سعيد الذي أدار الأزمة مع فريق مصغر من المسؤولين والقادة العسكريين؛ وكان القرار هو تنفيذ بعض مطالب الشارع بشكل تدريجي وسريع، وصدرت المراسيم والأوامر السلطانية تباعًا للاستجابة لتلك المطالب.

الإصلاحات السياسية في سلطنة عمان

في خضم تلك الأحداث تشكلت لدى السلطان قابوس قناعة بأن وضعًا جديدًا تعيشه السلطنة ولابد من إحداث تغيير يلبي طموحات ورغبات الشباب والشارع العماني حتى لا تنزلق البلاد إلى نفق مظلم لا يمكن التكهن بمآلاته؛ فقرر في شهر مارس/آذار عام 2011 -وسط تنامي الاحتجاجات الشعبية- تشكيل لجنة من الخبراء والمختصين لدراسة دور مجلسي الدولة والشورى في الحياة السياسية ومنحهما صلاحيات رقابية وتشريعية، ومراجعة النظام الأساسي للدولة (أي الدستور) الذي لم يكن للمواطنين دور في صياغته في منتصف تسعينيات القرن الماضي. ورغم أن اللجنة تكونت من مسؤولين حكوميين غير محايدين إلا أن الآمال كانت كبيرة وعريضة بأن شكلاً من أشكال التغيير سيكون حاضرًا خلال الأشهر التي تلت الاحتجاجات.

بناء على مقترحات اللجنة أصدر السلطان قابوس عددًا من المراسيم والأوامر السلطانية تتعلق بإجراء تعديلات في النظام الأساسي للدولة، ومنح صلاحيات تشريعية ورقابية لمجلسي الشورى والدولة، وتعديل في شكل مجلس الوزراء، وكانت أبرز تلك المراسيم:

  1. مرسوم بتعديل طريقة اختيار السلطان؛ حيث نص بأن يقدم مجلس العائلة الحاكمة خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان من تنتقل إليه ولاية الحكم من بين أحد أفراد العائلة؛ فإذا لم يتفق مجلس العائلة على اختيار السلطان قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الشورى والدولة ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنان من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان في وصيته أو رسالته إلى مجلس العائلة. 
  2. مرسوم بمنح مجلسي الشورى والدولة الصلاحيات الرقابية والتشريعية من خلال مناقشة خطط التنمية التي تعدها الجهات المختصة بعد عرضها على المجلسين ورفعها إلى السلطان، كما تحال مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة إلى المجلسين، كما يمكن للمجلسين اقتراح مشروعات القوانين. وتحال أيضا الميزانية السنوية للمجلسين لإبداء التوصيات الخاصة بها، وتحال جميع مشروعات الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية للمجلسين، كما طالب المرسوم بإرسال نسخة من تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة إلى المجلسين للاطلاع عليها وإبداء الرأي، كما أجاز المرسوم استجواب مجلس الشورى أيًّا من وزراء الخدمات في حال تجاوز الوزير صلاحياته وخالف القانون.
  3. اختيار رئيس مجلس الشورى من بين أعضاء المجلس من خلال انتخابات داخلية ولفترة واحدة لا يجوز تمديدها، كما يتم اختيار نائبين للرئيس عبر الانتخاب المباشر وليس كما يحدث في الماضي من خلال التعيين.
  4. تُنشأ المجالس البلدية في كل ولايات السلطنة، وتُجرى الانتخابات العامة بين المواطنين لاختيار أعضاء المجلس البلدي، وتشمل اختصاصات المجالس النظر في الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتنموية.
  5. فصل جهاز الادعاء العام عن السلطة التنفيذية، ومنحه كامل الاستقلالية للقيام بمهامه.
  6. فصل الجهاز القضائي عن وزارة العدل ليصبح القضاء مستقلاً ويمارس كافة أنشطته ومهامه بعيدًا عن السلطة التنفيذية على أن يكون السلطان رئيسًا للسلطة القضائية.
  7. إقالة الوزراء الذين طالب الشعب بإعفائهم واستبدالهم بوزراء جدد أبرزهم من أعضاء في مجلس الشورى، أما الإقالة فقد شملت وزراء مقربين من السلطان كوزير المكتب السلطاني ووزير ديوان البلاط السلطاني والمفتش العام للشرطة والجمارك ووزير الاقتصاد الوطني ووزير التجارة والصناعة.
  8. توفير 50 ألف فرصة عمل للشباب العمانيين في القطاعين العام والخاص والعمل على استيعاب حوالي 30 ألفًا آخرين خلال العامين 2012 و2013، ومنح الشباب الباحثين عن عمل مبلغًا شهريًّا قدره 150 ريالا عمانيا لكل شاب إلى حين حصوله على وظيفة مناسبة.
  9. توفير مقاعد إضافية للدراسة الجامعية وابتعاث الطلبة المتفوقين للدراسة في الخارج ليصل عددهم إلى نحو 36 ألف طالب وطالبة.
  10. زيادة دخل أسر الضمان الاجتماعي، ومساعدتهم للحصول على مسكن مناسب، وتقديم القروض الميسرة لهم.
  11. زيادة رواتب العمانيين العاملين في القطاع العام بنسبة تصل إلى خمسين بالمائة في الدرجات الدنيا وثلاثين بالمائة للدرجات العليا.
  12. إنشاء الهيئة العامة لحماية المستهلك التي تقوم بمراقبة الأسواق والأسعار وضبط المخالفات مثل رفع الأسعار دون مبرر.
  13. تحسين أداء جهاز الرقابة المالية والإدارية حتى يتمكن من مراقبة تصرفات الموظفين العموميين على المال العام وتحويل من يرتكب جريمة في حق المال العام إلى القضاء.
  14. تعديل قانون المطبوعات والنشر الذي أجاز معاقبة كل من ينشر أو يبث كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي والخارجي وكل ما يتعلق بالأجهزة العسكرية والأمنية ولوائحها الداخلية أو نشر وثائق أو اتصالات أو معلومات رسمية في وسائل الإعلام وشبكة المعلومات.
  15. إنشاء مجلس أعلى للتخطيط لوضع الخطط الإستراتيجية لكل القطاعات المهمة في البلاد برئاسة السلطان قابوس شخصيًّا.

ورغم أن المراسيم والقرارات استُقبِلت بارتياح عام بين العمانيين إلا أنها لم تلبِّ -بحسب بعض المراقبين- كل ما طالب به الشارع أثناء الاحتجاجات الشعبية؛ حيث إنها لم تستجب لمطلب تعيين رئيس للحكومة يمكن مساءلته واستجوابه، كما أبقت بعض الوزارات السيادية بيد السلطان كالدفاع والخارجية والمالية. وما زال الغموض يلُف من يحكم عمان بعد السلطان قابوس رغم التعديل الذي أُجري على النظام الأساسي للدولة. كما أن التعديل الذي جرى على قانون المطبوعات والنشر يعيد البلاد إلى الوراء ويقيد حرية التعبير في البلاد. من ناحية أخرى يلاحظ غياب منظمات المجتمع المدني في هذه التغييرات ما يجعل من الخدمات التي تُقدَّم للمواطنين في الولايات دون مستوى الطموح ولا تتناسب ووضع السلطنة بإمكانياتها وقدراتها الحالية. كما أن الثقة ما زالت متزعزعة بين المواطن والأجهزة والإدارات الحكومية؛ حيث يتطلب تعزيزها العمل على تحسين الدور الرقابي على مؤسسات الدولة، وقياس الأداء، ومعاقبة من أفسد ونهب خيرات البلاد خلال السنوات الماضية. ولابد من التأكيد على أنه من الصعوبة بمكان تقييم هذه الإصلاحات والتغييرات التي أُجرِيت قبل عام وما زالت مستمرة؛ حيث إنها تحتاج إلى الوقت الكافي لدراستها والتعمق فيها بعد تطبيقها على أرض الواقع ومعرفة فعاليتها أمام طموحات وتطلعات المواطن العماني.

تطلعات المواطن العماني

إن الأوضاع الاجتماعية كغلاء المعيشة، وزيادة عدد السكان -خاصة الشباب-، وترهل الخدمات الحكومية أدت إلى حالة اللامبالاة بالمسؤولية الوطنية تجاه الدولة في مقابل تعاظم شأن بعض الأفراد داخل مؤسسات الدولة وزيادة ثرواتهم في وقت قياسي؛ كل ذلك شكَّل منعطفًا نحو التغيير والإصلاح وأوجب على سلطان البلاد التدخل وبالسرعة الممكنة للحيلولة دون تفاقم المشكلات؛ وهذا ما دعا كل مكونات الشعب إلى أن تطالب بضمان سيادة القانون، وإرساء قواعد دولة المؤسسات، والاستمرار في نهج الإصلاح والتطوير، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والحرص على الحوار، وإشراك كافة فئات الشعب في القرارات المصيرية المرتبطة بمصالح الوطن والمواطن، والاهتمام بالموارد البشرية تعليمًا وتدريبًا وتشجيعًا. كما أن المواطن العماني ينتظر من إعلامه أن يلعب دورًا مؤثرًا في خلق الحوار البنّاء والهادف وبأسلوب أكثر حرصًا على زرع روح المواطنة. وعلى المؤسسة الدينية مراعاة جميع المذاهب والملل والابتعاد عن تهميش البعض، والاهتمام بقضايا الشباب وتوفير المؤسسات المناسبة للعناية به وبقضاياه المتجددة، وإجراء الإصلاحات الهيكلية لاستيعاب الشباب الخريجين في مختلف الوظائف والمهن وخاصة في القطاع الخاص.

إنها فرصة مثالية للعمانيين لتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم المستقبلية في ظل التحولات التي تشهدها البلاد العربية من أقصاها إلى أقصاها، ويمكن تعلم الكثير من أخطاء الآخرين لتصويب الوضع العماني نحو مستقبل أفضل.
__________________________________
أحمد الهوتي - مدير مكتب الجزيرة في مسقط

ABOUT THE AUTHOR