بعثة الدعم الدولي لمالي.. التدخل العسكري أولا والعمل السياسي ثانيا

منطقة أزواد بشمال مالي معرضة للاشتعال في أي وقت لوجود جماعات مسلحة تستغل الدين إلى جانب مظالم السكان المتعلقة بالتهميش مما ولد أرضية خصبة للعنف والتطرف والتمرد. والحل هو بذل جهود لبناء ديمقراطية حقيقية ذات مصداقية ومردودية على الشعوب وليس اعتماد الطرق العسكرية والأمنية.
201334104926329734_20.jpg
 

انعقدت في أديس أبابا في 29 يناير/ كانون الثاني 2013 برئاسة رئيس الوزراء الأثيوبي هيلا مريم دسالكن القمة العادية العشرون للاتحاد الإفريقي. خصص مؤتمر القمة لجمع الدعم لبعثة الدعم الدولي لمالي تحت القيادة الإفريقية "الأفيسما" وقوات الجيش والأمن الماليين. في 13 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 دعا مجلس الأمن والسلم الإفريقي لتعبئة الموارد لدعم الجهود المشتركة لكل من قوات الجيش والأمن الماليين وقوات دول غرب إفريقيا "الإيكواس". من جهة أخرى أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2071/ 2012 القاضي بإنشاء صندوق ائتماني لدعم قوات الجيش والأمن الماليين وبعدها في 20 من ديسمبر/ كانون الأول أصدر المجلس القرار 2085/ 2012 القاضي بإنشاء "الأفيسما".

من "الأمسيما" إلى "الأفيسما".. التمويل والجيوش

بحضور كل من قادة مالي، غانا، نيجيريا، ساحل العاج، بنين، السنغال إضافة لوزراء من عدة دول؛ جنوب إفريقيا، الغابون، المغرب، الجزائر، اليابان، البحرين، وممثلين عن كل من الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، الصين، الهند، ألمانيا، فنلندا، النرويج، سويسرا، إسبانيا، هولندا وشركاء آخرين تم جمع ما يناهز 455.53 مليون دولار إضافة للمساعدات العينية المتمثلة في التدريب، الدعم اللوجستي، الأسلحة والوقود.

المساهمات الرئيسية قدمت من الولايات المتحدة الأمريكية (96 مليون دولار) إضافة لمبلغ 8 ملايين دولار تم تقديمها سابقا، اليابان (120 مليون) إضافة للمعونات الإنسانية، الاتحاد الأوروبي (50 مليون)، ألمانيا (20 مليون)، وعلى غير العادة قدمت مملكة البحرين 10 مليون دولار وقدمت الدول الإفريقية ما مجموعه 23 مليون دولار؛ جنوب إفريقيا (10 مليون)، إثيوبيا (5 مليون)، نيجيريا ( 5مليون) وغانا (3مليون). وتعهدت عدة دول إفريقية بزيادة مساهمتها بالقوات العسكرية بما فيها نيجيريا، غانا، التشاد، النيجر، بنين، بوروندي، السنغال، ساحل العاج، ليبريا، توغو، بوركينا فاسو والسيراليون. إضافة للتبرعات النقدية والعسكرية تعهدت غينا الاستوائية بتوفير الوقود لكل من قوات "الأفيسما" وقوات الجيش والأمن الماليين. بينما اقتصرت المساهمة الصينية على مليون دولار واحد، وتراوحت المساهمات المتواضعة لكل من هولندا، أستراليا، الدنمرك، لوكسمبورغ، سويسرا، السويد، فنلندا، إثيوبيا، نيجيريا، غانا، ساحل العاج، بنين، السنغال، غينيا، تشاد، سيراليون، وغامبيا، غينيا الاستوائية، الجابون، المغرب ما بين 0.5 إلى 6 مليون دولار لكل منهما.

بعد عدة مراجعات تغير اسم المهمة من البعثة الدولية لدعم مالي "الأميسما" (5500 جندي) إلى البعثة الدولية لدعم مالي بقيادة إفريقية "الأفيسما". كما زاد عدد القوات ليصل الآن لحدود ثمانية آلاف جندي. ساهمت تشاد ب 2250 جندي منها ومجموعة غرب إفريقيا "الإيكواس" بثلاثة آلاف وثلاثمائة جندي إضافة لاحتياطي من خمسمائة جندي. تقدر القوات الجوية المتطلبة للعملية العسكرية ب 280 عنصر وعشر مروحيات، وأربع فرق دعم لوجستي وطائرات استطلاع. يوجد على الأرض حتى اللحظة 1318 جندي إفريقي ويتراوح حجم التمويل  الفوري المطلوب لتواجد 5550 جندي ب 461 مليون دولار في حين يتطلب تمويل تواجد الثمانية آلاف جندي المقررة من طرف بعثة "الأفيسما" مبلغ 959 مليون دولار وهذا أقل بكثير من الميزانية السنوية للقوة الأمنية للأمم المتحدة في أبيي "اليونيفسا" المقدرة ب 245 مليون دولار والتي تتكون من 4200 عنصر فقط وتغطي مساحة جغرافية أقل بكثير في أبيي (10.546 كلم مربع مقابل 1.064.999 كلم مربع). في حين تمت تغطية العدد المطلوب من القوات العسكرية المطلوبة للبعثة من طرف الدول الإفريقية، بقيت التعهدات المالية عند حدود نصف الموارد المالية المطلوبة لتمويل البعثة.

إن الدعم المفاجئ الذي حصلت عليه فرنسا من طرف القمة العادية العشرين للاتحاد الإفريقي بخصوص تدخلها العسكري في مالي يطرح عدة تساؤلات بخصوص هذا الدعم المطلق مقابل التحفظ الذي واجه به القادة الأفارقة التدخل الفرنسي في ساحل العاج وحتى إدانتهم لتدخل حلف الناتو في ليبيا؟ إلى أي حد أضعف التدخل الفرنسي الدور القيادي لكل من الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" بخصوص الأزمة المالية؟ ما ذا يمكن أن نقرأ في تداعيات التدخل الفرنسي ليس فقط في ما يتعلق بالأزمة المالية ولكن في أزمات أخرى؟ لماذا توجد هذه الثغرات الخطيرة بين دعوات الإنذار المبكر من جانب وآليات تنفيذها من جانب آخر؟ إضافة للاختلال الموجود بين آليات اتخاذ القرار السياسي والقدرة العسكرية للاتحاد الإفريقي والمجموع الاقتصادية لغرب إفريقيا "الاكواس" لتنفيذها.

الأخطاء الرئيسية للاتحاد الإفريقي والأكواس

تركزن التساؤلات السابقة على الفشل الذريع للاتحاد الإفريقي ومجموعة غرب إفريقيا "الإيكواس" أكثر من التركيز على التدخل الفرنسي السريع الذي أبعد الخطر عن باماكو ولو في المدى القصير. من ناحية أخرى يثبت التدخل الفرنسي في الأزمة المالية مرة أخرى عدم جاهزية القارة الإفريقية ومجموعة غرب إفريقيا لتحمل المسؤولية فيما يخص تنفيذ القرارات التي تهدف لإيجاد حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية. يشكل ضعف القادة الأفارقة في الاستجابة بشكل فعال للأزمة المالية تعارضا مع روح وأهداف الوحدة الإفريقية التي سيحتفل بها الاتحاد الإفريقي في مايو/ أيار 2013. وكما حصل في الأزمة الليبية أدى فشل الأفارقة في إيجاد حلول لمشاكلهم لتدخل قوى خارجية لحل الأزمة. كما أن فرنسا أيضا قامت بما هو بمقدورها وبقدر ما يخدم مصالحها. وفيما يقارب الثماني سنوات ظلت قوات الاتحاد الإفريقي تقوم بالمناورات والتدريبات وفيما يتعلق الأزمة المالية جاءت لتتدخل فقط كقوة إسناد للقوات الفرنسية؛ مما يدل على الضعف الذي يعانيه الاتحاد الإفريقي ومجموعة غرب إفريقيا في ردم الهوة بين أنظمة الإنذار المبكر الخاصة به والاستجابة لها وكذلك عدم التوافق بين قراراتهم السياسية البطيئة والقدرة على الانتشار السريع لتطبيق هذه القرارات. يمكن لغياب القيادة السياسية الإفريقية الصلبة وكذا غياب القدرة على الانتشار السريع أن يؤخر إيجاد حل للازمة المالية. فقد تم تأجيل انتشار قوات الاحتياط الإفريقية عدة مرات مما يدفعنا للتساؤل عن جدوى إنشاء قوات احتياط إن لم يكن بالإمكان نشرها في الوقت المناسب؟ وهل ستكون قوات الاحتياط للاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا مستعدة يوما للانتشار والتدخل في أي أزمة إفريقية؟

يشكل تعيين الرئيس البوركنابي ابليز كومباورى من طرف مجموعة "الإيكواس" وهو القادم للسلطة عن طريق انقلاب كوسيط لحل الأزمة المالية الناجمة هي الأخرى -ولو جزئيا- عن انقلاب، مظهرا من مظاهر الفشل الذي يعانيه الاتحاد الإفريقي. وقد يمثل التعيين الأخير للرئيس البورندي السابق بيير بويايا كممثل خاص للاتحاد الإفريقي ورئيسا لبعثة "الأفيسما" تداركا لهذا القصور في أداء "الإيكواس".

وتتمثل مظاهر الفشل الأخرى في أداء الاتحاد الإفريقي في الموقف المتخاذل في الوقوف بشكل موحد ضد منفذي انقلاب مارس/ آذار 2012 في مالي وتدخلهم السافر وتخويفهم وحتى اعتدائهم الجسدي على مسئولي الفترة الانتقالية في البلد. وبينما عبر الاتحاد الإفريقي عن رفضه "للتغيير غير الدستوري للحكومة في مالي والاستيلاء على السلطة بالقوة" فقد فشل في إدانة ومعاقبة المسئولين عن هذه الأفعال ومحاسبتهم.

وفي ابريل/نيسان 2012 طالب الاتحاد الإفريقي وضع حد للتدخل غير المقبول للطغمة العسكرية ومسانديهم من المدنيين في تسيير المرحلة الانتقالية، وطالب بالحل الكلي للجنة الوطنية لإنقاذ الديمقراطية وإعادة الدولة، كما دعا الاتحاد لمعاقبة الأفراد المتورطين في التدخل وفي فرض إرادتهم على الحكومة الانتقالية.

وقد قام الاتحاد الإفريقي برفض الانقلاب في كل من مالي وغينيا بيساو لكن مواقفه كانت أشد حزما ضد منفذي الانقلاب في غينيا بيساو منها ضد منفذي الانقلاب في مالي. واقترح الاتحاد أيضا عقوبات إضافية ضد كل من الانقلابيين وداعميهم من المدنيين والعسكريين؛ ومن بينها حظر السفر وتجميد الأموال وغير ذلك من التدابير التي يحث عليها ميثاق الديمقراطية والانتخابات والحكامة الخاص بالاتحاد الإفريقي.

ويؤكد مجلس الأمن والسلم الإفريقي تمسكه بتطبيق المادة 25 من ميثاق الاتحاد التي تنص على أن كل المتورطين في تغيير غير دستوري سيكونون عرضة للملاحقة القضائية. وكان الاتحاد الإفريقي أكثر صرامة وحزما ووضوحا في إدانته للانقلاب في غينيا بيساو لذا قرر إظهار الحزم بما يناسب خطورة الأفعال التي يرتكبها الانقلابيون ومن يساندهم وما ترتب على ذلك من آثار على غينيا والمنطقة. على عكس ذلك وضد مبادئ القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي والقوانين ذات الصلة، قامت مجموعة "الإيكواس" بإعطاء الحصانة لمنفذي الانقلاب في مالي. وقد كانت  القوى الداعمة للانقلاب العسكري، الذي تزعمه الكابتن أمادو سونغو، تفضل تقديم الدعم العسكري للقوات المالية بدل أي تدخل عسكري أجنبي ومن المرجح أيضا أن هذه القوى تفضل التدخل العسكري الفرنسي أكثر من تدخل قوات حفظ السلام التابعة لمجموعة "الإيكواس" وهذا مظهر من مظاهر الفشل التي طبعت تصرفات مجموعة "الإيكواس" وهو ما سيكون له تأثير سلبي على البلد ودول الإقليم.

القضاء على الإرهاب الدولي وفصله عن المظالم المحلية للسكان

كانت تلك الدعوة التي وجهتها القمة الإفريقية التي عقدت في يناير/ كانون الثاني 2013 صائبة حين طلبت من الحكومة المالية ومن الفرقاء الآخرين دفع العملية السياسية نحو إيجاد حلول طويلة الأمد للازمة المالية. مع التأكيد على الطابع السياسي للازمة المالية وحاجتها لحل سياسي طويل الأمد وليس لتدخل عسكري أجنبي. وبالتالي يتوجب أن تكون الاستجابة لهذه المشكلة بمشاركة كل العناصر المكونة لحركات التمرد في مالي. وتحتاج المعالجة الشاملة لمشكل الإرهاب في المنطقة لثلاث استراتيجيات تدخل.

  • أولا: درع حركات العنف المتطرفة من خلال القضاء على الأرضية الخصبة للإرهاب والجماعات المتطرفة وذلك بحرمانها من اكتتاب المجتمعات الفقيرة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تحقيق التوازن المناسب بين القوى الناعمة المتمثلة في القضاء على الفقر ونشر التعليم من جهة والقوى الضاربة المتمثلة في البعد العسكري وإجراءات العدالة في حق المتورطين في الإرهاب. من جهة أخرى ومن أجل القضاء على الجذور المسببة للإرهاب والتطرف من المهم جدا تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية كجزء من الحل الشامل للازمة.
  • ثانيا: حماية المدنيين وذلك من خلال احترام وضمان حقوق الإنسان والمواثيق الإنسانية وهذا ما يشكل أساسا لبناء بلد مسالم.
  • ثالثا: إجراءات العادلة التي تأخذ بعين الاعتبار عاملي الردع والمحاسبة. يشكل الإرهاب نشاطا محليا يتأثر بتداعيات عالمية لذا ينبغي أن تأخذ التدابير المتخذة لمحاربته كلا من هاذين البعدين. في حالة عدم تحقيق التوازن بين الأولويات والمصلحة الوطنية والإقليمية والدولية فإن ذلك قد يؤثر على فعالية التدابير المتخذة لمحاربة الإرهاب.

في هذا الصدد سيكون فهم تشكيلة التمرد في إقليم أزواد أمرا أساسيا للتعامل معه. باختصار شديد تتكون حركة التمرد في أزواد من ثلاثة مجموعات رئيسية. أولا: مجموعات الإرهاب الدولي المتمثلة في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا. وينحدر عناصر هذه الحركات من دول متعددة مثل النيجر، المغرب، موريتانيا، الجزائر، ليبيا، نيجيريا، مصر، تونس، الصومال، اليمن وكندا. تستوحي هذه المجموعات فكرها من إيديولوجيا تنظيم القاعدة مع مسحة نقمة على النظام العالمي بأجمله مستخدمة الإرهاب كسلاح في هذه المعركة. هذه العناصر الدولية في التنظيم هي مجموعة من الإرهابيين "الرحل" الباحثين باستمرار عن أراضي سائبة في دول فاشلة لتكون منطلقا لنشاطاتها الإرهابية والإجرامية. إذا كان بالإمكان هزيمة هذا النوع من الحركات التي تتميز بالبراعة على المستوى الدولي والترحال على المستوى الإقليمي والقضاء عليها في مكان ما، فإنها ستحاول الانتقال لمكان آخر لخلق مشكلة أخرى في بلاد هشة أخرى. هناك تقارير تتحدث عن انتقال عناصر من حركة الشباب المجاهدين الصومالية إلى منطقة الساحل للانضمام للحركات الجهادية المتواجدة هناك مستغلين فشل الدول وضعفها للقيام بأعمال القرصنة والاتجار بالمخدرات والأسلحة لجمع الأموال لأنشطتهم الهدامة. وتشكل هذه الجماعات خطرا جديا على السلم والأمن الإقليمي والدولي مما يستدعي تدخلا عاجلا وفعالا من طرف المجتمع الدولي بأسره.

يمكن معالجة مشكلة الجزء المحلى للحركات الجهادية المتمثل في حركة أنصار الدين التي تسعى لتطبيق فهمها للشريعة الإسلامية على السكان المحليين استنادا للقران الكريم من خلال:

  • أولا: إشراكها في العملية السياسية.
  • ثانيا: حرمانها من القاعدة الشعبية التي تعتمد عليها هذه الجماعات المتطرفة في الانتشار والاستمرار.
  • ثالثا: تدابير العدالة الجنائية التي تسعى لعزلهم عن قاعدتهم الشعبية. نتيجة للطبيعة اللاديمقراطية لدول منطقة الساحل وحاجتها الماسة للممارسة الديمقراطية فانه لا يمكن معالجة المظالم المشروعة للطوارق إلا عن طريق معالجتها من خلال حوار سياسي شامل مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد. ومطالب حق تقرير المصير للسكان. لذلك ستكون أفضل معالجة للتمرد الطارقي هو الإصلاح السياسي في باماكو.

من خلال تقديم التدخل العسكري على الحلول السياسية، يمكن للتدخل الفرنسي أن يؤجل العملية السياسية وذلك بالتركيز أكثر على النتائج القصيرة المدى للنجاح العسكري. في الواقع ومع التقدم العسكري الذي تحققه القوات العسكرية فقد اختفت الجماعات المتمردة والحركات الإرهابية واختلطت في الصحاري مع السكان المحليين. بالإضافة إلى تأثيره السلبي على التدخل الإفريقي في الأزمة المالية من المؤكد أن التدخل الفرنسي سيلفت انتباه مجموعات إرهابية أخرى مما سيعقد المهمة على التدخل الإفريقي ويؤزم الصراع  على الأرض لكون الجماعات الإرهابية المقاتلة؛ تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، حركة التوحيد والجهاد وحركة أنصار الدين ستصور التدخل الفرنسي  على أنه هجوم ضد الإسلام من أجل اكتتاب مجندين وممولين لعملياتها داخل وخارج القارة الإفريقية.

إضافة لذلك سيجعل التدخل العسكري العمليةَ السياسيةَ أكثرَ صعوبة لكونه سيعطي اليد العليا للعمل العسكري والحركات الإسلامية المسلحة وبالتالي يعرقل الحوار السياسي بين الحكومة المالية والحركات المحلية التي تمتلك مطالب سياسية مشروعة؛ وهذا ما يشكل المصلحة العليا للحركات الجهادية في المنطقة لكون هذه الحركات غير معنية بأي حوار سياسي يمكن أن يجري بين الحكومة في باماكو والحركات المتمردة المحلية وسيكون التركيز على العمل العسكري لوحده في صالحهم. وبالتالي تكون المطالب المشروعة للطوارق رهينة هذا الموقف.

الحلول السياسية: الإصلاح في باماكو والديمقراطية في إقليم أزواد

تواجه جمهورية مالي أزمتين أساسيتين هما أزمة حكم في كامل التراب المالي. وهذه الأزمة منبثقة عن فساد النخبة الحاكمة في باماكو. أما الأزمة الثانية فهي أزمة التمرد في إقليم أزواد والذي فاقمه وجود الحركات الإرهابية والحكم السيئ للإقليم.

ومن شأن معالجة المشكلة الأولى الإسهام في حلحلة المشكل الثاني. ويعكس عدم قيام أي مقاومة دستورية ذات مصداقية للانقلاب الأخير في باماكو لضعف المؤسسات العسكرية والديمقراطية التي قوضتها مجموعات المصالح الاقتصادية الإجرامية والمجموعات العسكرية المعتوهة إضافة للطبقة السياسية الفاسدة والمتشتتة والساعية وراء مصالحها الشخصية فقط وجمع الثروة بأي ثمن.

على أنه ستكون الاستجابة لهاتين المشكلتين على صعيدين أولهما يتمثل في الجانب السياسي من خلال الدخول في عملية سياسية انتقالية تهدف لمعالجة الأسباب الثلاثة التي ذكرنا والمتمثلة في الاستجابة للمطالب المشروعة للمتمردين الطوارق وتوفير الدعم الإنساني للاجئين. أما الصعيد الثاني فيتمثل في الجهد العسكري من خلال بعثة "الأفيسما" وقوات الأمن والدفاع الماليين، وسيضمن نجاحُها توفيرَ البيئة المناسبة للعملية العسكرية.

وسيسهم التدخل الفرنسي والتقدم الذي يحققه في الجبهة العسكرية الآن والتأخر المترتب على ذلك في العملية السياسية في خلق فراغ سياسي وإداري وأمني لا يمكن ملؤه إلا بإرادة الماليين أنفسهم. وتحتاج السلطة وقوى الأمن والجيش في باماكو إلى العمل على إعادة إنشاء السلطات المحلية في الشمال المالي، وتعبئة الرأي العام هناك من أجل حرمان الجماعات الإرهابية من الدولية من دعم السكان المحليين فضلا عن دعم وتقوية الظروف المحلية لهؤلاء السكان. وسيكون التدخل العسكري في الشمال المالي عديمَ الجدوى إذا لم تصاحبه عملية سياسية في باماكو التي يتوجب عليها البدء في إصلاح سياسي جذري تنتج عنه مؤسسات دستورية قوية وذات مصداقية قادرة على الحفاظ وضمان السيطرة المدنية على القوات المسلحة وكذا محاربة الفساد والجريمة المنظمة. لا بد إذن من مؤسسات مستعدو وقادرة على استيعاب التنوع العرقي والثقافي في مالي من خلال بنية تمنح إقليم أزواد حكم ذاتي سياسي  يستجيب للمطالب المشروعة للأزواديين في تقرير مصيرهم وتوفير الخدمات العامة في منطقتهم. ولا يمكن تحقيق الأمن والسلام والاستقرار بعيد المدى في مالي إلا من خلال تحقيق التنمية وإعادة الاعمار لإقليم أزواد. 

المهام والتحديات أمام بعثة "الأفيسما"

من أجل ضمان فاعلية ونجاح مهمة بعثة "الأفيسما" ينبغي تحديد فترة زمنية لتدخلها والمهام الموكلة إليها
وكذا استراتيجية واضحة لخروجها. وينبغي أن تتركز المهام الرئيسية لبعثة "الأفيسما" على:

  • أولا: تدمير القدرات العسكرية وعرقلة طرق الإمداد الرئيسية لتنظيمات القاعدة في المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد وحركة أنصار الدين ثم تحرير المناطق التي ما تزال تحت سيطرة هذه الجماعات إضافة لتأمين وضمان استقرار المناطق المحررة والمؤسسات الحكومية.
  • ثانيا: توفير كل الدعم لإعادة إنشاء قوات الأمن والجيش الماليين تحت سيطرة سلطة مدنية منتخبة.
  • ثالثا: خلق بيئة مواتية لعملية سياسية طويلة المدى.
  • رابعا: تسهيل وتوفير المساعدات الإنسانية.

ويتمثل التحدي الذي ستواجهه مهمة "الأفيسما" في تحقيق التوازن بين الأهداف المختلفة للجهات الفاعلة في الأزمة المالية والساعية لإعادة بناء الدولة، وفي تحقيق السلام، وفي المشاركة السياسية الشاملة في العملية الانتقالية، وفي إجراءات مواجهة الجماعات المتطرفة العنيفة إضافة لتحقيق مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة في الحملة وهذه الأهداف في مجملها ليست متوافقة بالضرورة.

ومن الممكن أن تتعارض المشاركة السياسية الشاملة في العملية الانتقالية مع جهود مواجهة إجراءات الجماعات المتطرفة العنيفة كما قد تتعارض مصالح القوى الإقليمية مع مصالح القوى الدولية المعنية بالجهود العسكرية والملاحقة القضائية في الأزمة. فعلى سبيل المثال، أعربت الجزائر، واعتبارا لأمنها القومي، عن مخاوفها القوية من تداعيات أي تدخل أجنبي في مالي أو في منطقة الساحل. وهناك تحدٍّ جدي ثانٍ سيواجه مهمة بعثة "الأفيسما" في مالي ويتمثل في نقص الموارد اللازمة لتمويل ودعم عملياتها لمواجهة الجريمة المنظمة وتحديدا إيقاف تدفق السلاح والذخيرة وأدوات القتال نحو منطقة أزواد. وفي هذا الصدد يمكن أن يشكل نقص المعلومات الاستخباراتية نتيجة لعدم دعم أو تعاون السكان المحليين تهديدا آخر لجهود بعثة "الأفيسما".

خاتمة

إن التحديات التي تواجه جمهورية مالي في هذه الأزمة ليست مختصرة على المجتمع المالي لوحده حيث تنتشر مشاكل الجريمة المنظمة، والإرهاب، والتطرف العنيف، ونقص الخدمات العامة وعدم استغلال التنوع العرقي والثقافي في الكثير من الدول الإفريقية. إن الفرق الوحيد هو أن منطقة أزواد قابلة للاشتعال أكثر من غيرها لتضافر ظروف تمثلت في جماعات تستغل الدين على أرضية توجد فيها الكثير من المظالم الحقيقية المتعلقة بالتهميش مما ولد أرضية خصبة للعنف والتطرف والتمرد. وبقدر ما تخترق الجريمة المنظمة  النخبة السياسية المالية وبقدر ما تعجز أو تتوانى مؤسسات الدولة المالية عن القيام بواجباتها الدستورية، ستتمكن الجماعات المتطرفة وحركات التمرد من استئناف نشاطاتها من جديد. أما فيما يتعلق بمجموعة غرب إفريقيا "الإيكواس" والاتحاد الإفريقي ومنظمة الأمم المتحدة فإن الأزمة المالية تعكس مؤشرا لضرورة التحول من حصر معالجة الأزمة الحالية اعتمادا على الطرق العسكرية والأمنية نحو بذل جهود لبناء ديمقراطية حقيقية ذات مصداقية ومردودية على الشعوب لأن استقرار وأمن  جمهورية مالي مرهون ببناء دول ديمقراطية قوية في كل منطقة الساحل.
_____________________________________
د. مهاري تادلي مارو - باحث وكاتب إثيوبي
ترجم النص الأصلي إلى العربية الحاج ولد إبراهيم - صحفي وباحث موريتاني

ABOUT THE AUTHOR