رئيس الوزراء اليابان السابق يوشيهيكو نودا (يمين) بعد اختياره رئيسا للحزب الديمقراطي الياباني (الأوروبية) |
جاء الحزب الديمقراطي الياباني إلى السلطة عام 2009 بعد أن وعد بإجراء تغيير طويل المدى في النظام السياسي الياباني؛ كإعطاء الحكومة صلاحيات رسم السياسات، وتغيير العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان، والابتعاد عن الإنفاق الهائل على البنية التحتية والأشغال العامة. كان من المفترض أن تكون هذه لحظة فاصلة في التاريخ الياباني منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن وبعد ثلاث سنوات من الفشل في تغيير السياسات، تكبد الحزب الديمقراطي الياباني خسائر فادحة في انتخابات عام 2012؛ فعاد الحزب الديمقراطي الليبرالي إلى السلطة مرة أخرى، كما عاد شينزو آبي رئيسًا للوزراء.
وضعت انتخابات 2009 حدًّا لما أصبح يُعرف باسم "نظام 1955"، وقد هندس رئيس الوزراء الياباني السابق اندماج الحزبين المحافظين تَحَسُّبًا لخطر المعارضة القوية الآتية من اليسار السياسي. وكان من شأن هذا الاندماج أن حوَّل المعارضة إلى "أقلية دائمة" تقريبًا، وأصبحت اليابان "نظام الحزب ونصف" (1). استند هذا النظام على الاستقرار السياسي لا على التعددية الحزبية، وبقي الحزب الديمقراطي الليبرالي في السلطة بين عامي 1955 و2009، باستثناء فترة 11 شهرًا كان فيها في المعارضة، وحتى في ذلك الحين ظل أكبر حزب في البرلمان الياباني "الدايت".
صعود الحزب الديمقراطي الياباني، وسقوط الحزب الديمقراطي الليبرالي
تأسس الحزب الديمقراطي الياباني عام 1998 بعد اندماج عدد من الأحزاب السياسية الصغيرة، بالإضافة إلى مجموعة من أعضاء الحزب الاشتراكي الياباني السابق ومن الإصلاحيين المنشقين عن الحزب الديمقراطي الليبرالي. كان "يوكيو هاتوياما" و"ناوتو كان" زعيمي الحزب حتى عام 2004 حين أُجبِر "كان" على الاستقالة بعد فضيحة المعاشات غير المدفوعة. والنقطة الحاسمة في تاريخ الحزب الديمقراطي الياباني تمثلت عام 2003 في انضمام صاحب النفوذ السياسي الكبير إتشيرو أوزاوا، السكرتير الأعلى الأسبق للحزب الديمقراطي الليبرالي. ورغم العقبات التي اعترضت مسيرته، بدأ الحزب الديمقراطي الياباني يكتسب مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان الياباني، وظل على الدوام أقوى حزب معارض في اليابان.
من ناحية أخرى، كان الحزب الديمقراطي الليبرالي حزبًا سياسيًا متعثرًا منذ تسعينيات القرن الماضي وانهيار اقتصاد الفقاعة ذي الأصول المتضخمة. فبعد أن قاد الحزب الديمقراطي الليبرالي اليابان لسنوات بلغ النمو فيها رقمين، صارت قيادته الآن عبارة عن حقبة طويلة من الركود الاقتصادي ومعدلات النمو المنخفضة والشيخوخة المتسارعة للسكان. ولولا حنكة "جونيتشيرو كويزومي" السياسية، وقدرته على التواصل مع الناخبين، وضعف المعارضة، لَما استطاع الحزب الديمقراطي الليبرالي البقاء في السلطة. وقد فشل خلفاؤه الثلاثة: "شينزو آبي" و"ياسو فوكودا" و"تارو آسو"، في وقف تراجع الدعم للحزب الديمقراطي الليبرالي منذ استقالة كويزومي في عام 2006.
عشية انتخابات 2009، واجهت اليابان مجموعة من المشكلات: انخفاض معدلات الولادة، وشيخوخة السكان، وانهيار القطاع الزراعي، والركود الاقتصادي، وارتفاع البطالة، والدَّيْن القومي الهائل، وإعادة تنظيم ديناميات القوة الجيوسياسية مع تزايد قوة الصين. فهل كان الحزب الديمقراطي الليبرالي قادرًا على الإصلاح بما يكفي للتعامل مع هذه المشكلات؟
مقترحات الحزب الديمقراطي الياباني للحل: تحدي الوضع الراهن
كان أحد التعهدات الكبرى في بيان الحزب الديمقراطي الياباني هو "إنهاء الإنفاق المسرف" على الأشغال العامة ومشاريع البنية التحتية (2). يتميز الدَّيْن القومي الياباني بكونه مرتفعًا جدًّا (ومحليًّا في المقام الأول)، وتُعَد سياسة "دوكِّن كوكّا" (أي "دولة البناء") في كثير من الأحيان من العوامل الكبرى التي تسهم في ذلك. يصف "غا?ـن ماكورماك" سياسة "دوكِّن كوكّا" باعتبارها نظامًا فريدًا تستطيع من خلاله النخبة البيروقراطية في اليابان أن "تضخ ما يدخره السكان من مالٍ في حياتهم في عدد من الهيئات الحكومية المثقلة بالديون" والمسؤولة عن بناء السدود والطرق السريعة والمشاريع المكلفة الأخرى (3). تقوم سياسة "دوكِّن كوكّا" على ما يُطلق عليه في غالب الأحيان مسمى "المثلث الحديدي" الذي يتألف من العلاقات القوية الرسمية وغير الرسمية بين سياسيي الحزب الديمقراطي الليبرالي ونخبة البيروقراطيين وطبقة "زايكاي"، أو نخبة رجال الأعمال. والظاهرة الحاسمة والركيزة الأساسية في هذا التعاون المؤسسي هي "أماكوداري" (أي: النزول من السماء)، والتي تعني في سياقها المعاصر انتقال البيروقراطيين السابقين إلى المناصب القيادية العليا في الشركات عند التقاعد، وغالبًا ما يكون هذا الانتقال من ذات القطاع الذي كانوا في يوم من الأيام مسؤولين عن تنظيمه (4). لا يوفر الأماكوداري خبرة في فهم اللوائح الحكومية فحسب، ولكنه أيضًا يرسِّخ ويعزز العلاقات الشخصية بين الوزارة ورجال الأعمال.
لم يدعُ الحزب الديمقراطي الياباني إلى إلغاء أماكوداري فحسب، بل وعد أيضًا بكبح جماح البيروقراطية من خلال منح الصلاحيات لمجلس الوزراء لسنّ القوانين ورسم السياسة القومية. يقول "جيرالد كيرتس": إن فكرة القيادة السياسية اليابانية هي من قبيل المتناقضات اللفظية، ويصف أهمية البيروقراطية داخل المثلث الحديدي (5)؛ ففي النظام السياسي الياباني، مَن يسن القوانين ويرسم السياسة القومية هم نخبة البيروقراطيين، وليس الحكومة المنتخبة.
لقد وعد هاتوياما، رئيس الحزب الديمقراطي الياباني، أيضًا بإعادة النظر في الترتيبات التي تنظم العلاقة بين الولايات المتحدة واليابان، وأمن اليابان بعد الحرب وسياستها الخارجية. تنص المادة 9 من الدستور الياباني على أن اليابان تنبذ الحرب واستخدام "القوة لتسوية المنازعات الدولية"، وألا يُسمَح لليابان بالاحتفاظ بقوى برية أو بحرية أو جوية (6). في عام 1951 تم التوقيع على معاهدة الأمن بين الولايات المتحدة واليابان لتكريس "التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان ضد أي عدوان خارجي، في مقابل استخدام الولايات المتحدة للقواعد العسكرية اليابانية للدفاع عن اليابان والسلام والأمن في الشرق الأقصى" (7).
وهذا معناه أن اليابان كانت تعتمد على الولايات المتحدة من أجل أمنها كما عليها أن تُجاريها في أمور السياسة الخارجية. وكانت رؤية هاتوياما في السياسة الخارجية تنطلق من قيام أسرة شرق آسيوية قوية تتولى فيها اليابان دورًا قياديًا حاسمًا إلى جانب الصين وكوريا الجنوبية. وهذا لن يكون ممكنًا إلا إذا أصبحت اليابان بلدًا "طبيعيًا"؛ وذلك بتقليص اعتمادها على الولايات المتحدة. وكجزء من هذه الإستراتيجية، تعهد هاتوياما بنقل قاعدة فوتينما البحرية الأميركية على الأقل إلى خارج أوكيناوا، إن لم يكن خارج البلاد. وكان وجود القاعدة في أوكيناوا مثار جدل طويل الأمد في الجزيرة، وقد لقي معارضة شديدة موحدة في أوكيناوا؛ الأمر الذي جعل تعهد هاتوياما بنقل القاعدة يلاقي استحسانًا شعبيًا في الجزيرة.
من الجوانب المثيرة للاهتمام في حملة الحزب الديمقراطي الياباني، لكنها كثيرًا ما يُغفل عنها، هي استمالة الحزب لقاعدته الانتخابية التقليدية المتمثلة في أهل الريف وكبار السن؛ فالمُسنون تستهويهم فكرة إصلاح معاشات التقاعد والرعاية الصحية للمسنين. وقد حاول الحزب الديمقراطي الياباني استمالة الناخبين في المناطق الريفية بمقترحات، مثل: إعادة الدعم للمزارعين وتمويل مشاريع إنعاش الأرياف (8).
انتصار الحزب الديمقراطي الياباني
الانتخابات العامة في اليابان هي انتخابات قومية يجري التنافس فيها على كل مقعد من مقاعد مجلس النواب ويمكن أن يُدعى إليها في أي وقت خلال فترة السنوات الأربع بعد الانتخابات السابقة. هناك 480 مقعدًا في مجلس النواب يتم التنافس عليها في نوعين من الانتخابات: انتخابات المناطق ذات العضو الواحد التي تشمل 300 مقعدًا وتُجرى وفقًا لمبدأ "الفائز بأغلبية الأصوات"، وانتخابات التمثيل النسبي وتشمل 180 مقعدًا. وكانت هذه أول انتخابات منذ استقالة رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي صاحب الشعبية جونيتشيرو كويزومي في عام 2006 وأثبتت أنها مخيبة لآمال الحزب.
يُعَد أوزاوا على نطاق واسع مهندسَ الفوز في انتخابات 2009 العامة التي أصبح بموجبها "يوكيو هاتوياما" رئيس وزراء اليابان؛ حيث فاز الحزب الديمقراطي الياباني بـ 308 مقاعد؛ فسحق الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي هبط تمثيله من 296 مقعدًا قبل الانتخابات إلى 119 فقط. وقد نجح الحزب الديمقراطي الياباني في كسر هيمنة الحزب الديمقراطي الليبرالي على ناخبي الأرياف في الانتخابات التي شهدت أعلى نسبة إقبال للناخبين تزيد قليلاً على 69? منذ انتخابات عام 1958. وهذه هي المرة الأولى التي لا يكون فيها الحزب الديمقراطي الليبرالي أكبر حزب في البرلمان منذ إنشائه عام 1955. شكّل الحزب الديمقراطي الياباني ائتلافًا مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الشعب الجديد وأدخل 140 عضوًا جديدًا في البرلمان؛ مما خفض متوسط الأعمار في البرلمان. كما تحسنت الفجوة بين الجنسين في البرلمان بشكل مطرد أيضًا؛ حيث زاد عدد النساء في البرلمان من 43 إلى 54 (أي بنسبة 11.25% فقط من عموم مجلس النواب) (9). مع العلم بأن مرشحات الحزب الديمقراطي الياباني شكّلن الجزء الأكبر من هذا الرقم الجديد حيث فازت 43 من من أصل 48 مرشحة بمقعد في البرلمان.
أشارت استطلاعات للرأي أجرتها صحيفة "أساهي شيمبون" بعد الانتخابات أنه في حين أن الرأي العام الياباني متفائل بشأن رئاسة هاتوياما للحكومة وهيمنة الحزب الديمقراطي الياباني على مجلس النواب، إلا أن الحزب الديمقراطي الياباني لم يُنتخب بسبب سياساته بل بسبب رغبة الناس في تغيير الإدارة (10). كما أظهر الاستطلاع أيضًا أن المستطلَعين لا يتوقعون تغيرًا سياسيًا في النظام الياباني وأن 76? منهم يريدون أن يعود الحزب الديمقراطي الليبرالي لمنافسة الحزب الديمقراطي الياباني في الانتخابات العامة القادمة (11).
تراجع الحزب الديمقراطي الياباني
كانت تباشير تنفيذ الحزب الديمقراطي الياباني لتعهداته الكبرى في بيانه الانتخابي إيجابية؛ فقد أوضح وزير النقل سايجي مايهارا أن الحزب الديمقراطي الياباني جاد في خفض الإنفاق على مشاريع الأشغال العامة الكبرى حين أعلن عن قرار إنهاء العمل بمشروع سد "يَنبا" (12). وقد انعكس الإصرار في السياسة الخارجية اليابانية في قرار إنهاء مهمة إمدادات الوقود التي تنفذها قوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية في المحيط الهندي اعتبارًا من يناير/كانون الثاني2010، على الرغم من امتعاض الإدارة الأميركية من هذا القرار (13). ولعل أهم قرار اتخذه هاتوياما هو كبح جماح البيروقراطية اليابانية القوية المتركزة في منطقة كاسوميغاسيكي في طوكيو؛ حيث ألغى هاتوياما اجتماعات نواب الوزراء، وهو أعلى مستوى في اجتماعات السياسة التي يعقدها أركان البيروقراطية، واستبدل بها اجتماعاتٍ لكبار الشخصيات السياسية على المستوى الوزاري. ومع أن وعد هاتوياما لنقل قاعدة فوتينما العسكرية خارج أوكيناوا لم يُذكَر أصلاً في بيان الحزب الديمقراطي الياباني، إلا أنه يمثل جانبًا مهمًا في رؤيته لليابان. وحين سُئل هاتوياما عما إذا كان سينفذ وعده وعن البديل الموثوق الذي سيجده، كان أقل إثارة للإعجاب.
مع أن الحزب الديمقراطي الياباني بدأ بداية إيجابية نسبيًا بزعامة هاتوياما، إلا أن لجم سلطة البيروقراطية أثبت أنه أمرٌ صعبُ التحقيق؛ فنظرًا لكون البيروقراطية هي الهيئة التي ترسم السياسات واللاعب الأقوى في "المثلث الحديدي"، فمن الصعب كبح جماحها ولاسيما بدخول 140 عضوًا جديدًا في البرلمان. على الجبهة العملية، احتاج الحزب الديمقراطي الياباني للبيروقراطية لمساعدته على تنفيذ السياسات التي أعلن عنها في بيانه، فمن خلال تهميش هذه المؤسسة الحاسمة أوقع الحزب الديمقراطي الياباني "عملية رسم السياسات في حالة من الفوضى؛ حيث قاوم البيروقراطيون وجاهد السياسيون" للتعامل مع حالات التأخير وزيادة عبء العمل (14).
كانت السياسة الحزبية والاقتتال الداخلي من الجوانب المهمة التي تناولتها البحوث عن طريقة عمل الحزب الديمقراطي الليبرالي، لكن الحزب الديمقراطي الياباني من جهته لم يكن بمنأى عن الصراعات الداخلية؛ فالحزب الديمقراطي الياباني عبارة عن خليط يعاني من انقسامات قائمة على الأيديولوجيا، وهوية الحزب السابقة، والولاء لقادة الحزب. تترواح الانقسامات الخطرة في المواقف السياسية داخل الحزب من الإصلاح الضريبي إلى التحالف بين الولايات المتحدة واليابان. ومع أن الهوية الحزبية للأعضاء غير ثابتة والحزب يمكن أن يسمح بشيء من "المرونة بشأن السياسات والتعيينات الوظيفية" إلا أن تماسك الحزب وُضع على المحك عندما كان يكافح لتمرير سياساته، وحاصرته فضائح الفساد في وقت كان يتعرض فيه للضغط بسبب تدني شعبيته (15).
تفاقمت الانقسامات داخل الحزب بسبب تردد هاتوياما بشأن تعهده بنقل قاعدة فوتينما. انسحب شريك الائتلاف اليساري، الحزب الديمقراطي الاشتراكي، من التحالف حين عجز هاتوياما عن إيجاد حل لمعضلة نقل القاعدة بضغط من الولايات المتحدة، ووزارة الخارجية، ووزارة التجارة والاقتصاد والاستثمار. وبالتالي اضطر هاتوياما للاستقالة، فنجم عن ذلك تنافس مرّ بين "ناوتو كان" و"إيتشيرو أوزاوا" على الزعامة. فاز "ناوتو كان" بزعامة الحزب، لكن الانقسامات داخل الحزب ظلت قائمة، رغم تحسن العلاقة مع البيروقراطية والولايات المتحدة.
في الحادي عشر من مارس/آذار2011 ضرب اليابان زلزالٌ بقوة 9 درجات قبالة سواحل "توهوكو"، فخلّف التسونامي الناتج عن الزلزال آلاف القتلى والمفقودين، وآلاف المشردين. وتُعد كارثة محطة فوكوشيما داييتشي للطاقة النووية من أسوأ الكوارث النووية في التاريخ. كذلك ألقت كارثة توهوكو الضوء على عدم كفاءة قيادة الحزب الديمقراطي الياباني وعجزه عن مكافحة الصراعات الداخلية والعمل مع البيروقراطية. وحين تدنت شعبيته، أُجبر "ناوتو كان" على الاستقالة في سبتمبر/أيلول2011. وما زاد الطين بلة للحزب الديمقراطي الياباني استقالةُ أوزاوا مع 49 آخرين لتشكيل حزب منافس في يوليو/تموز2012، وعجزُ خليفته، "يوشيهيكو نودا"، عن السيطرة على الانحدار (16).
في انتخابات ديسمبر/كانون الأول2012 العامة هَزَم الحزبُ الديمقراطي الليبرالي الحزبَ الديمقراطي الياباني الذي فاز بـ 57 مقعدًا فقط في مجلس النواب، وعاد الحزب الديمقراطي الليبرالي و"شينزو آبي" إلى السلطة بعد أن فازوا بـ 294 مقعدًا. فهل يدل هذا على احتمال نهاية نظام الحزبين الذي يتناوب فيه الحزب الديمقراطي الليبرالي على السلطة مع الحزب الديمقراطي الياباني؟
آفاق قيام نظام الحزبين ومستقبل الحزب الديمقراطي الياباني
ليس حجم الهزيمة بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي الياباني ولا أداؤه في الحكم مما ينبغي الاستهانة بهما. لقد أنفق الحزب الديمقراطي الياباني سنوات وهو يبني بنيته التحتية وشرعيته في نظر الجمهور، والسنوات الثلاث التي أمضاها في السلطة ستقلص فرص عودته إلى السلطة مرة أخرى؛ حيث تراجعت ثقة الجمهور بالحزب تراجعًا شديدًا. جاء هاتوياما والحزب الديمقراطي الياباني إلى السلطة بعد أن وعدوا في بيانهم بإجراء تغييرات أساسية، لذلك لم تكن الفجوة الهائلة بين التوقع والواقع مفاجأة في نهاية المطاف، لكن المفاجأة كانت انعدام التماسك الداخلي وتفكك الحزب بتلك السرعة.
رغم ضعف النتيجة، من المهم الإشارة إلى أن انتخابات عام 2012 سجلت أقل نسبة من المقترعين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث انخفضت إلى 59.32? مقارنة بحوالي 69? في عام 2009 (17). خاب أمل اليابانيين بسبب أداء الحزب الديمقراطي الياباني، فأرادوا أن يخرجوه من السلطة، لكنهم لم يكونوا متحمسين للحزب الديمقراطي الليبرالي أيضًا. ومع أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت تزايدًا في شعبية الحكومة الجديدة منذ الانتخابات، تواجه آبي وحكومته مهمة صعبة ولاسيما بشأن الانتعاش الاقتصادي وسياسة اليابان النووية (18). فمنذ كارثة فوكوشيما داييتشي النووية، تريد غالبية المواطنين اليابانيين خفض الاعتماد على الطاقة النووية، إلا أن إدارة آبي لم تَبُتَّ في الأمر حتى الآن (19). ولا نعرف إن كان برنامج آبي للانتعاش الاقتصادي الذي يركز على الأشغال العامة والحوافز المالية سينجح.
لكن ضعف أداء الحزب الديمقراطي الليبرالي لا يعني بالضرورة أن الحزب الديمقراطي الياباني سيكون الطرف المستفيد. تقول أوريليا جورج مُلغان: إن قيام نظام الحزبين يبدو غير محتمل في المدى القصير، وهناك إمكانية أن "تكون الفجوة الكبيرة الجديدة في السياسة اليابانية الآن بين يمين الوسط (الذي يشكّل نواتَه الحزبُ الديمقراطي الليبرالي)، واليمين الجديد بقيادة غُلاة الحزب الجمهوري الياباني أمثال "شينتارو إيشيهارا" و"تورو هاشيموتو"، وليبراليي الاقتصاد الجدد داخل "حزبكم"، حيث تناثرت أحزاب اليسار ويسار الوسط إلى مجموعات صغيرة مختلفة (20). في هذا السيناريو الكئيب تبرز للحزب الديمقراطي الياباني فرصة تشكيل ائتلاف مع الأحزاب اليسارية الصغيرة، وإجبارها على تبني مواقف سياسية أكثر تطرفًا تُنَفِّر أغلبية ناخبي الوسط من الحزب.
يصعب التنبؤ بمستقبل الحزب الديمقراطي الياباني في البيئة المضطربة الراهنة في السياسة اليابانية، ورغم الهزيمة الفادحة التي مُني بها في انتخابات عام 2012، إلا أنه ما زال ثاني أكبر حزب في مجلس النواب. وبتقاعد رئيس الوزراء السابق هاتوياما، واستقالة صاحب النفوذ أوزاوا، وتشكيل حزب آخر من 49 عضوًا من الحزب، ربما يكون الحزب الديمقراطي الياباني قد أصبح في الواقع أكثر تماسكا وأقل تشتتًا. وعامل الحسم في عودة هذا الحزب إلى الحكم هو قدرته على حشد دعم شعبي هائل خلال صعوده إلى السلطة.
وبالنسبة للحزب الديمقراطي الليبرالي، تقول مُلغان: إن دلت الانتخابات على شيء فإنما دلت على أن الحزب الديمقراطي الليبرالي صار أكثر توازنًا بعد هذه الانتخابات، حيث فاز بشكل مقنع في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء (21).
________________________________________
سميع صِدّيقي - متخصص في الدراسات اليابانية وشرق الآسيوية الحديثة
ملاحظة
أُعدِّت هذه الدراسة باللغة الإنجليزية لمركز الجزيرة للدراسات، وترجمها د. موسى الحالول. للاطلاع عليها باللغة الأصلية، يمكن العودة للرابط أدناه.
http://studies.aljazeera.net/en/reports/2013/02/2013225115522814626.htm
The Rise and Fall of the Democratic Party of Japan
المصادر
1. J. Dower (1993) ‘Peace and Democracy in Two Systems: External Policy and Internal Conflict’, in A. Gordon (ed.), Postwar Japan as History (Berkley and Los Angeles: University of California Press), p. 20.
2. S.Hyde (2011), ‘The Japanese 2009 House of Representatives elections: the beginning of real change and the end of the one-party dominance in Japan?’, Japan Forum, 23:2, 30 August, p.163.
3. G. McCormack (2002), ‘Breaking Japan’s Iron Triangle’, New Left Review, Vol.13, January-February, p. 11.
4. R. Colignon and C. Usui (2001), ‘The Resilience of Japan’s Iron Triangle’, Asian Survey, Vol.41 (5), September-October, p. 866.
5. G. Curtis (2012), ‘Tokyo Drift’, The Wall Street Journal, May 29, http://online.wsj.com/article/SB10001424052702303674004577433870486688262.html (accessed 28 January 2013).
6. J. Dower (1999), Embracing Defeat (New York: W.W. Norton & Company), p. 394.
7. L. Norman (1993) ‘The Strategic Dimensions of Japanese Foreign Policy’, in G. Curtis (ed.), Japan’s Foreign Policy after the Cold War: Coping with Change (London: M.E. Sharpe), p.205.
8. S. Hyde, p. 164.
9. Y. Masuda (2012), ‘Japan’s Growing Political Gender Gap’, The Wall Street Journal, December 20, http://blogs.wsj.com/japanrealtime/2012/12/20/japans-growing-political-gender-gap/ (accessed 20 February 2013).
10. ‘Asahi Shimbun August/September 2009 Emergency Opinion Poll’ (2009), The Maureen and Mike Mansfield Foundation, http://www.mansfieldfdn.org/backup/polls/2009/poll-09-22.htm (accessed 20 February, 2013).
11. Ibid.
12. P. Brasor (2010), ‘Public works project has DPJ in a dam mess’, The Japan Times, April 11, http://www.japantimes.co.jp/news/2010/04/11/national/public-works-project-has-dpj-in-a-dam-mess/ (accessed February 10 2013).
13. M. Fackler (2010), ‘Japan Ends Naval Support for Afghan War’, The New York Times, January 15, http://www.nytimes.com/2010/01/16/world/asia/16japan.html?_r=0 (accessed February 20 2013).
14. P. Lipscy and E. Scheiner (2012), ‘Japan Under the DPJ: The Paradox of Political Change Without Policy Change’, Journal of East Asian Studies, Volume 12, p.314.
15. S. Hyde, p. 161.
16. ‘Ozawa, DPJ rebels create new party’ (2012), Daily Yomiuri Online, July 12, http://www.yomiuri.co.jp/dy/national/T120711004574.htm (accessed February 10, 2013).
17. ‘Voter turnout plummeted to record postwar low’ (2012), The Japan Times, 18 December, http://www.japantimes.co.jp/news/2012/12/18/national/voter-turnout-plummeted-to-a-record-postwar-low/ (accessed 10 February 2013).
18. ‘Abe Cabinet breaks trend, increases support to 62%’ (2013), The Asahi Shimbun, 18 February, https://ajw.asahi.com/article/behind_news/politics/AJ201302180099 (accessed 20 February, 2013).
19. ‘Why wait for the election? Abe should address the nuclear power issue’ (2013), The Asahi Shimbun, 19 February, https://ajw.asahi.com/article/views/editorial/AJ201302190028 (accessed 20 February, 2013).
20. A. Mulgan (2012), ‘How significant was the LDP’s victory in Japan’s recent general election?’, East Asia Forum, 31 December, http://www.eastasiaforum.org/2012/12/31/how-significant-was-the-ldps-victory-in-japans-recent-general-election/ (accessed 10 February, 2013).
21. Ibid.