رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق (يمين) وزعيم التحالف الشعبي ( باكتان رعيت) أنور إبراهيم (الأوروبية-أسوشيتد برس) |
حاول تحالف الجبهة الوطنية الحاكم في ماليزيا (باريسان ناشيونال) تدارك موجة التغيير في أعقاب انتخابات عام 2008 التي خسر فيها غالبية الثلثين في البرلمان، لأول مرة منذ الاستقلال عام 1957، وذلك باللجوء إلى استبدال رئيس الوزراء الحالي نجيب عبد الرزاق برئيس الوزراء السابق عبد الله بدوي الذي قاد العملية الانتخابية، وخلال السنوات الأربع الماضية من حكمه حاول نجيب تقديم نفسه على أنه رائد التغيير من خلال رفع شعار "ماليزيا واحدة" بما تضُمه البلاد من أعراق، لاسيما الرئيسية منها (الملايو والصينيون والهنود)، ودشن مشروعين للنهوض بالبلاد داخليًا وخارجيًا، هما: التحول الاقتصادي والاجتماعي ومشروع الوسطية.
على الطرف الآخر أفرزت الانتخابات الثانية عشرة لأول مرة تكتلاً قويًا يقدم نفسه بديلاً عن التحالف الحاكم، وهو التحالف الشعبي ( باكتان رعيت) بزعامة أنور إبراهيم الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء الأسبق محاضر محمد، قبل أن يحل الشقاق بينهما ويُفصل أنور إبراهيم من حزب المنظمة الوطنية لاتحاد الملايو (أمنو) ثم يشكل حزب عدالة الشعب (بي كي آر).
ولاشك أن الانتخابات المقبلة ستكون أهم انتخابات في تاريخ البلاد؛ حيث يكافح التحالف الحاكم لاستعادة غالبية الثلثين بينما يسعى التحالف المعارض لزيادة عدد مقاعده في البرلمان بما يمكّنه من تشكيل الحكومة وإن لم يتمكن فليس أقل من كسر هيمنة التحالف الحاكم على السلطة.
يبلغ عدد المسجلين للانتخابات هذا العام نحو13 مليون و300 ألف، منهم مليونان و300 ألف (21% من مجموع الناخبين) يدلون بأصواتهم لأول مرة، في حين تشكّل فئة الشباب دون الأربعين عامًا 42 % من مجموع الناخبين، ويتنافس حوالي 1900 مرشح لشغل 222 مقعدًا في البرلمان الفيدرالي و505 مقاعد في مجالس الولايات الثلاثة عشرة باستثناء ولاية ساراواك في القسم الشرقي من ماليزيا التي انتخبت مجلسها المحلي عام 2011.
نهاية عهد الانتخابات المحسومة
تُصنف الانتخابات المقبلة التي ستعقد في الخامس من مايو/أيار 2013 -وهي الثالثة عشرة منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني- على أنها مفصلية بالنسبة للكتلتين المتنافستين: تحالف الجبهة الوطنية والتحالف الشعبي المعارض، وإذا كانت نتائج الانتخابات العامة الثانية عشرة عام 2008 وُصفت بأنها تسونامي كسر احتكار التحالف الحاكم لغالبية الثلثين، فإن أكثر ما يميز الانتخابات المقبلة هو استعداد العقلية الماليزية لتقبل فكرة إمكانية التغيير؛ حيث لم يكن واردًا في حسابات الماليزيين سابقًا إمكانية تغيير الوضع القائم المتمثل بهيمنة الجبهة الوطنية والمحاصصة العرقية على السلطة، حتى إنه للمرة الأولى في تاريخ البلاد يحذّر قادة حزب المنظمة الوطنية للاتحاد الملايوي (أمنو) الذي يتزعم التحالف الحاكم من أن تفرز الانتخابات حكومة ضعيفة تعرقل النمو الاقتصادي والاجتماعي، واستشعارًا لهذه الأجواء يبدي التحالف الحاكم استعداده لنقل سلس للسلطة إذا ما جاءت النتائج على غير ما يتمنى. مع العلم بأن معظم المحللين يستبعدون سقوطًا مريعًا للتحالف الحاكم الذي يتشكل من ثلاثة أحزاب رئيسية تمثل العرقيات الرئيسية في البلاد (الملايوية والصينية والهندية)، لكنهم يجمعون على أن الانتخابات الماليزية التي كانت متوقعة ومحسومة في السابق لصالح الغالبية المتمثلة في تحالف الجبهة الوطنية لم تعد كذلك اليوم، وأصبحت نتائجها خاضعة للتخمينات والتوقعات.
كما أنها المرة الأولى التي تتحول فيها الانتخابات من صراع بين تحالفين إلى صراع بين توجهين لحكم البلاد: قديم على أساس عرقي، ومستقبلي على أساس المواطنة بغضّ النظر عن الدين والعرق، وكلا التوجهين مثار للجدل في أوساط التحالفين الحاكم والمعارض. ولكن إذا ما فازت المعارضة فإن ذلك يعني إلى حد بعيد انتهاء السياسات التفضيلية والامتيازات لمن يُطلق عليهم أبناء الأرض الأصليين (بومي بوترا) الذين يشكّل الملايويون غالبيتهم الساحقة وهو ما تدعمه الدول الغربية، بل إن السياسة التفضيلية للملايويين كانت سببًا في تعثر الوصول إلى اتفاقية تجارة حرة بين ماليزيا والاتحاد الأوروبي وكذلك مجموعة الآسيان والاتحاد الأوروبي.
قطبا المعادلة الجديدة
على الرغم من أن ماليزيا تنتهج النظام البرلماني في الحكم فقد تحولت في هذه الانتخابات إلى نظام الحزبين، اللذين لهما قيادتان تتنافسان على الموقع الأول في البلاد، هما: نجيب عبد الرزاق رئيس الوزراء المنتهية ولايته، وأنور إبراهيم المعارض الشرس صاحب الطموح الجامح في الوصول إلى مقر إدارة السلطة في بوترا جايا، وتبلورت توليفتان حزبيتان لخوض معركة الانتخابات، هما:
الجبهة الوطنية
يتشكل تحالف الجبهة الوطنية "باريسان ناشينال" من ثلاثة عشر حزبًا أكبرها المنظمة الوطنية للاتحاد الملايوي (أمنو)، وهي القيادة التقليدية للتحالف وتحظى بالحصة الأكبر من مقاعد البرلمان، ويُعتبر نجيب عبد الرزاق أكبر المرشحين لرئاسة الوزراء وهو رئيس الوزراء الحالي وسادس رئيس للوزراء ونجل رئيس الوزراء الثاني عبد الرزاق حسين، وهناك توقعات باحتمال تكليف نائب رئيس الوزراء الحالي محيي الدين ياسين برئاسة الحكومة في حال أخفق التحالف في استعادة غالبية الثلثين التي خسرها في الانتخابات السابقة، وقد حصل التحالف على 137 مقعدًا من أصل 222 مقعدًا هي مجموع مقاعد مجلس النواب في انتخابات 2008 موزعة على أحزابه وفق التالي:
-
المنظمة الوطنية للاتحاد الملايوي (أمنو)، 78 مقعدًا.
-
الجمعية الصينية الماليزية، 15 مقعدًا.
-
حزب اتحاد السكان الأصليين، 14 مقعدًا.
-
الأحزاب الأخرى، 30 مقعدًا.
ويسود انطباع واسع في ماليزيا بأن شعبية التحالف الحاكم تتآكل وأن وصول المعارضة للحكم ليس مستبعدًا نهائيًا، فقد قدّر مركز الحرية لقياس الرأي العام شعبية رئيس الوزراء بـ 61%، وشعبية التحالف الذي يتزعمه بـ 48%، يضاف إلى ذلك تصاعد الحديث عن الفساد المالي والإداري حيث صنف تقرير "غلوبال ويتنس ربورت" ماليزيا في المرتبة 65 من حيث الشفافية بعد أن كانت عام 1995 في المرتبة 25.
لكن هيمنة تحالف الجبهة الوطنية على مقاليد الحكم لأكثر من نصف قرن أكسبته خبرة طويلة في إدارة الحكم والانتخابات، عززها تقدم اقتصادي مستمر جعل من ماليزيا أحد النمور الآسيوية؛ حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي للبلاد منذ 1961 حتى العام 2011 6.4 مع الإشارة إلى نمو كبير في التسعينيات أثناء حكم رئيس الوزراء الأسبق محاضر محمد. واستمر النمو الاقتصادي الماليزي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، بما جعل هذا النجاح يؤكد قدرة الجبهة الوطنية على الإدارة والمنافسة الاقتصادية، وجعل من ماليزيا مركز استقطاب لرؤوس الأموال الأجنبية، كما لاقى برنامجا التحول الاقتصادي والحكومي قبولاً محليًا وعالميًا، وهما يهدفان إلى جعل ماليزيا أكثر انتعاشًا اقتصاديًا واجتماعيًا بحلول العام 2020. وتعد ماليزيا واحدة من الدول ذات التنافسية العالية ومناخ استثماري متميز، ونمو اقتصادي مستمر. وصاحَب السياسات الاقتصادية تطورات سياسية مهمة، منها: إلغاء بعض القوانين غير الشعبية مثل قانون الأمن الداخلي، والتعامل بصرامة مع المجموعة الفلبينية المسلحة التي دخلت ولاية صباح مؤخرًا(1).
ومن أجل تحسين وضعه الانتخابي وظف تحالف الجبهة الوطنية الميزانية لصالحه، مثل اعتماد برنامج شراء الهواتف الذكية وبرنامج مساعدة الأسر ضعيفة الدخل بغضّ النظر عن العرق، وهذا يدفع بالبلاد إلى الغاء الانقسام العرقي. كما أن البرنامج الانتخابي للتحالف أعلن عن عزمه بناء مليون وحدة سكنية وتعزيز البنية التحتية في الريف ورفع معاشات موظفي الدولة.
التحالف الشعبي
يعتقد التحالف الشعبي إلى حد واسع أن مصير التحالف المعارض مرهون بنتائج الانتخابات الثالثة عشرة، فإما أن يزيد من عدد أعضائه في البرلمان (حاليًا 76 عضوًا) ويحافظ على تماسكه أو أن يستعيد التحالف الحاكم غالبية الثلثين وينفرط عقد المعارضة؛ ولذلك فإن المعارضة ليست فقط تعول على الانتخابات الحالية لزيادة مقاعدها وإنما تعتبرها مسألة حياة أو موت، وقد تجاوزت تهم الشذوذ لزعيمها أنور إبراهيم، وحققت تقدمًا في إقناع الحزب الإسلامي باعتماد برنامج سياسي أكثر اعتدالاً وترشيح مسيحيين لتمثيله في الانتخابات، وتمكنت المعارضة لأول مرة من حكم خمس ولايات من بين ثلاث عشرة ولاية ماليزية، وهي تسعى لتجديد ولايتها على اثنتين من هذه الولايات الخمسة التي فازت بها أول مرة في الانتخابات الماضية إحداها (سلنغور) بيد الحزب الإسلامي، والثانية (بينانغ) بيد حزب العمل الديمقراطي، أما الأحزاب المشكلة للتحالف الشعبي وثقلها في البرلمان السابق فهي الآتي:
-
حزب العدالة الاجتماعية-23 مقعدًا.
-
حزب العمل الديمقراطي (داب) الذي يهيمن عليه الصينيون، 29 مقعدًا.
-
الحزب الإسلامي الماليزي (باس)، 23 مقعدًا.
-
الحزب الاشتراكي الماليزي، مقعد واحد.
كانت بداية تشكيل تحالف المعارضة في انتخابات 1999، وانفرط عقده في انتخابات 2004 بسبب الخلاف على دور الإسلام في الحكم، وفي انتخابات 2008 تم إحياء الائتلاف مرة أخرى وحقق تقدمًا متميزًا بنسبة 37% من مقاعد البرلمان و47% من أصوات الناخبين، وهو ما وُصف بالتسونامي بالنسبة للتحالف الحاكم.
لكن أحزاب المعارضة لا يَجمع بينها سوى تحدي التحالف الحاكم وتكافح من أجل التغلب على خلافاتها الإستراتيجية والفكرية؛ ففي أوج الدعاية الانتخابية التي يفترض التركيز فيها على تفاهمات أحزاب المعارضة أعلن الحزب الإسلامي (باس) أنه لن يسمح لصيني (غير مسلم) بالوصول إلى رئاسة الوزراء، وألمح إلى تمسكه بحقه في تسمية رئيس الوزراء المقبل بما يعني ضمنيًا التحفظ على أنور إبراهيم، ورفضه السماح باستخدام لفظ الجلالة (الله) من قبل المسيحيين وغالبيتهم من أنصار حزب (داب) الصيني، وهي قضية إشكالية في ماليزيا. يضاف إلى ذلك خلاف حزب العدالة الاجتماعية الليبرالي بزعامة أنور إبراهيم مع الحزب الإسلامي فيما يتعلق بتطبيق الحدود، وقد ظهرت إعلانات كثيرة ضمن الدعاية الانتخابية تحذر المسيحيين والصينيين من القبول بالحزب الإسلامي المحافظ، كما أن بنية أحزاب التوليفة المعارضة تهدد استمرارها؛ فحزب العدالة الشعبية بزعامة أنور إبراهيم يعتمد على التنوع العرقي بينما تهيمن الأقلية الصينية على حزب العمل الديمقراطي (داب) وأصحاب التوجه الإسلامي على حزب (باس) الإسلامي الذي ينادي بتطبيق الشريعة.
الرهان الانتخابي يهدد الغالبية
يحظى تحالف الجبهة الوطنية بدعم الغالبية الملايوية في البلاد والتي تقدر نسبتها بحوالي 60%، وهذا الدعم يعود إلى السياسة التفضيلية لما يسمى (بومي بوترا) أو أبناء الأرض الأصليين وتضم الملايويين وغيرهم من السكان الأصليين، ويتعهد التحالف بالمضي قدمًا في هذه السياسة إذا ما استمر في السلطة، وساهم حزبا الجمعية الصينية الماليزية والمؤتمر الوطني الهندي الماليزي المنضويان تحت لواء التحالف الحاكم في تعزيز قاعدته السياسية.
ومن أجل الحفاظ على استمرار التحالف كان على حزب أمنو أن يقدم تنازلات كبيرة خلال السنوات الأربع الأخيرة لصالح الأقليات (الصينية والهندية) تمثلت في تسهيلات اجتماعية واقتصادية وسياسية ورفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية، وفي الحملة الانتخابية قدم وعودًا كثيرة بشأن المساواة السياسية، بما أظهره وحزب عدالة الشعب يستقطبان الأقليات الصينية والهندية مقابل تنازلات إستراتيجية، وقد ذهب تحالف المعارضة إلى أبعد من ذلك حين لمس برنامجه الانتخابي مناطق حساسة للغاية مثل القضاء على التمييز العرقي، بما يعني وجود نوايا لإلغاء السياسات التفضيلية لأبناء الأرض الأصليين "بومي بوترا"، والذي قد يهدد بانفراط عقد التحالف بسبب معارضة الحزب الإسلامي لمثل هذا التوجه.
وفق تقديرات رسمية وغير رسمية فإن نسبة المسلمين في ماليزيا تزيد عن 60% بقليل، بينما تبلغ نسبة الصينيين نحو 22% بقوة انتخابية تصل إلى ثلاثة ملايين صوت يشكّلون ربع الأصوات، وتزيد نسبة الهنود عن 7%، والباقون موزعون على أعراق وديانات مختلفة(2)، وبحسب دراسة صدرت عن مجموعة الأزمات الدولية(3) فإن المسألة العِرقية تبدو حاسمة في توجهات الناخبين الماليزيين، وهو مشهد لم يعد خافيًا على أي مراقب لهذه الانتخابات، لكن ما تُحذّر منه قيادات مسلمة هو حالة الاستقطاب الانتخابي بين الأحزاب الممثلة للغالبية الملايوية، سواء بين المسلمين أنفسهم أو بما يتعلق بالعرقيات من أصول صينية وهندية، فبالإضافة إلى تعزيز هذا الاستقطاب من نفوذ هذه الأقليات فإن انقسام القوة الملايوية المسلمة إلى ثلاثة تكتلات رئيسية من شأنه منح العرقية الصينية على وجه الخصوص نفوذًا سياسيًا كبيرًا جدًا بعد الانتخابات، خاصة إذا عرفنا أن قوة العرقية الصينية في البرلمان السابق كانت 52 عضوًا موزعين على تحالفي الحكم والمعارضة، وهي قوة يمكنها تغيير المعادلة السياسية والعرقية في البلاد إذا ما تعززت بتنسيق بسيط بين أطرافها، هذا فضلاً عن قوتها الاقتصادية المهيمنة على القطاع الخاص حيث سبعة من بين أكبر عشرة أثرياء في ماليزيا هم من أصول صينية.
وذهب الزعيم الماليزي المخضرم محاضر محمد إلى أبعد من التحذير من حكومة ضعيفة قد تفرزها الانتخابات إذا لم يحقق التحالف الحاكم غالبية الثلثين، وحذّر من تحول ماليزيا إلى دولة إسلامية فاشلة بعد أن أصبحت نموذجًا للتنمية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي من بين 56 دولة إسلامية، وهذه التخوفات لها ما يبررها بالنظر إلى أن أي تغيير مفاجئ في السياسات الاقتصادية والتوجهات السياسية والأمنية التي بُنيت على مدى أكثر من نصف قرن قد يتسبب في خلل اجتماعي وأمني سيليه حتمًا اهتزازات ارتدادية ستؤثر سلبًا على ثالث أقوى اقتصاد في آسيا، يضاف إلى ذلك التلويح المتكرر من قبل قادة المعارضة بربيع ماليزي على غرار الربيع العربي إذا لم تكن الانتخابات نزيهة وشفافة، كما أنه من غير المتوقع أن يقبل التحالف الحاكم بهزيمة كبيرة إذا ما وقعت.
مؤسسات المجتمع المدني
استجابت الحكومة الماليزية لمطالب المنظمات غير الحكومية بإجراء تعديلات على النظام الانتخابي العام الماضي، وسمحت لست عشرة منظمة غير حكومية بمراقبة الانتخابات، ودعت أيضًا منظمة "آسيان" للمشاركة في الرقابة على الانتخابات؛ ما من شأنه تخفيف الانتقادات الموجهة لها (أي للحكومة).
لكنها مكنت إلى حد كبير المؤسسات والجمعيات المتهمة بتلقي دعم غربي والتي يقودها تحالف المنظمات غير الحكومية الذي يحمل لواء الإصلاحات الانتخابية ومحاربة الفساد ويتخذ من "التنظيف" شعارًا له، وكثيرًا ما اتهم بالعمل بالوكالة نيابة عن التدخل الغربي السافر في الشؤون الداخلية الماليزية؛ حيث إن الحكومة الماليزية تتعامل بحساسية كبيرة مع أية محاولة للتدخل في شؤونها خاصة في ما يتعلق بالنظام السياسي، وطردت مؤخرًا عضوًا في مجلس الشيوخ الأسترالي بسبب مشاركته في مظاهرة مليونية نظمتها المعارضة، بعد أن احتجزته لساعات في المطار ومنعته من دخول البلاد.
وكشفت الصحافة الماليزية عن تلقي تحالف المنظمات غير الحكومية مساعدات أميركية، ويقدم تحالف "التنظيف" دعمًا مفتوحًا لأنور إبراهيم وتحالفه المعارض، وتخضع رئيسة تحالف التنظيف الهندية الأصل أمبيغا سريمبيسيفان لضغوط كبيرة بسبب الكشف عن تلقيها دفعات من الأموال الأميركية، وقد ربطت دفعات التمويل بحملة التشكيك بمصداقية لجنة الانتخابات العامة بعد أن كانت هجمات المنظمات غير الحكومية الإعلامية تتركز على الحكومة.
التنافس الأميركي-الصيني
على الرغم من أن القضايا الداخلية هي محرك الانتخابات الماليزية فإنها كذلك تعكس التنافس الأميركي-الصيني في البلاد، فقد دفعت الأزمة المالية العالمية والخسارة الانتخابية عام 2008 رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق إلى التوجه نحو بكين سعيًا وراء استثماراتها والحفاظ على مستوى النمو الاقتصادي لماليزيا، وبالتالي رفع المستوى المعيشي للمواطن الذي هو هدف الانتخابات، فأصبحت الصين في عام 2011 أكبر شريك اقتصادي لماليزيا في منظمة آسيان، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 90 مليار دولار، كما أن الصين ممتنة لوالد رئيس الوزراء الماليزي الحالي الذي جعل من ماليزيا أول دولة غير اشتراكية في جنوب شرق آسيا تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين عام 1974، وأُعلن العام 2014 عام الصداقة الصينية-الماليزية بمناسبة الذكرى الأربعين للعلاقات بين البلدين، ولا شك أن الصين ترغب في مواصلة تعاملها مع الجبهة الوطنية مجددًا، وتخشى أن يتسبب فوز أنور إبراهيم الذي يُعتقد بشكل واسع أنه مقرب من الولايات المتحدة في إرباك خمس سنوات من الاستثمارات المشتركة، وعلى مدى السنوات الماضية دأب إبراهيم على الانفتاح على الغرب لدعم وضعه السياسي، والتلويح داخليًا بربيع ماليزي على غرار الربيع العربي، وتمكن من الحصول على تأييد عدد من القيادات الإسلامية في دول الربيع العربي. كما وُجهت انتقادات لحزب أنور إبراهيم وحليفه الصيني (داب) لتلقيهما مساعدات مالية وتدريب من قبل مؤسسات أميركية، مثل المعهد الجمهوري العالمي الذي يرأسه حاليًا جون مكين نائب الرئيس الأميركي السابق، وكثيرًا ما ربط الإعلام الماليزي بين إبراهيم والمحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وكانت صحيفة واشنطن بوست حذرت من تأثر علاقات الولايات المتحدة بماليزيا في حال إدانة أنور إبراهيم بتهم الشذوذ التي ما إن بُرّئ منها حتى صرح في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال بأنه يدعم سياسة حماية إسرائيل. والجدير بالذكر أن الدعم الأميركي للمعارضة لم يمنع مؤسسات مصرفية واستثمارية غربية وأميركية من التحذير من الغموض الذي سيكتنف السوق الماليزية في حال فوز المعارضة.
وفي مقال نُشر في مدونته على الإنترنت اعتبر توني كارتولوتشي -وهو أميركي متخصص بالجغرافيا السياسية في منطقة شرق آسيا- أن الفضل في نجاح مسيرات المعارضة يعود للأموال التي يتلقاها أنور إبراهيم من وزارة الخارجية الأميركية، وربط لوتشي الوضع المضطرب في ولاية صباح بسبب المسلحين الفلبينيين بالتحالف الأميركي-الفلبيني لمواجهة الصين، وقال: إن مانيلا تساهم في زعزعة استقرار المنطقة وإثارة البلبلة للدول المتحالفة مع الصين مثل ماليزيا، وأضاف أن الولايات المتحدة مصممة على أن تحذو بماليزيا حذو تايلاند وميانمار في تغيير النظام القائم وتنصيب قادة موالين لها من أجل مواجهة التمدد الصيني في جنوب شرق آسيا، وأن أنور إبراهيم يشكّل رأس حربة في ذلك.
خلاصة
يمكن في نهاية هذا التقرير الخروج بخلاصة وملاحظات عدة، من أبرزها:
-
بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الثالثة عشرة فإنها أحدثت تطورًا نوعيًا في العملية الديمقراطية، وأعطتها ديناميكية كانت تفتقر إليها في ظل هيمنة التحالف الحاكم على غالبية الثلثين.
-
أن انقسام الغالبية المسلمة في البلاد بين ثلاث كتل يصب في مصلحة العرقيات الأخرى، وإذا ما نجحت المعارضة فإن الغالبية الملايوية لن تصبح غالبية سياسية على أسس عرقية وإنما على أسس حزبية.
-
لا يزال الدستور الماليزي حصنًا للحفاظ على حقوق الغالبية، والذي يحتاج تعديله إلى غالبية الثلثين وموافقة المجلس الملكي الحاكم الذي يتشكل من تسعة ملوك لولايات تتمتع بحكم ذاتي ينتخبون ملكًا للبلاد بشكل دوري كل خمس سنوات.
-
من المستبعد أن تشهد العملية الانتخابية أعمال عنف معتبرة بما يحرفها عن مسارها، وهذا لا يمنع وجود مخاوف من الانزلاق للمحظور إذا ما رفض أي طرف نتيجة الانتخابات.
-
التحالف المعارض يبدو هشًا وغير متماسك من خلال حملته الانتخابية، ومن غير المتوقع أن يحافظ على تماسكه في حال الوصول للسلطة بسبب الاختلافات الإستراتيجية والفكرية بين أعضائه.
-
صحيح أن كثيرًا من المواطنين الماليزيين يعربون عن عدم رضاهم عن أداء الجبهة الوطنية لكنهم بالمقابل يبدون تخوفًا كبيرًا من نجاح المعارضة التي لم تُجرّب في الحكم من قبل.
-
على الرغم من أن نجيب يتمتع بعلاقات جيدة مع العديد من القادة الغربيين فإنه لا يبدو مستعدًا للتحول عن علاقات متميزة مع الصين، وقد بدا التفاهم واضحًا بين بيجين وكوالالمبور في إدارة أزمة بحر الصين الجنوبي حيث لم تتعرض الصين للاستكشافات النفطية الماليزية في مناطق النزاع ولم تصعّد ماليزيا تصريحاتها تجاه ادعاءات الصين بملكيتها لهذه المناطق، خلافًا لمواقف دول أخرى في المنطقة مثل الفلبين.
-
يقف الناخب الماليزي بين خياري نجيب وأنور وفي الوقت نفسه يختار بين الصين والولايات المتحدة.
-
تعتبر تهم الفساد واحدة من مرتكزات المعارضة في حملتها الدعائية إضافة إلى العدالة الاجتماعية ورفض التمييز العرقي وهي نفس أجندة المنظمات الغربية المدعومة من الغرب.
-
استهداف لجنة الانتخابات من قبل المنظمات غير الحكومية يهدف إلى نزع الشرعية عن الحكومة حيث إن لجنة الانتخابات هي المنوطة بسلامة العملية الانتخابية وشفافيتها.
_________________________________________
سامر علاوي - مراسل الجزيرة في ماليزيا
الإحالات
(1) للمزيد حول ما جرى في صباح الماليزية، انظر: موقع مركز الجزيرة للدراسات، أزمة صباح الماليزية، بين تهديد السيادة والمناورات السياسية.
http://studies.aljazeera.net/reports/2013/04/20134110332643456.htm
(2) الإحصاء الخامس للسكان في ماليزيا عام 2010: 67.6% بومي بوترا ملايويون، 24.4% صينيون، 7.3 هنود، 7% عرقيات أخرى.
http://www.statistics.gov.my/portal/index.php?option=com_content&id=1215
أما المخابرات المركزية الأميركية فلها تقديراتها المختلفة حيث قدرت نسبة الملايويين بـ 50.4%، والصينيين 23,4%، والسكان الأصليين 11% والهنود 7.1%.
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/my.html
(3) تقرير مجموعة المنظمات الدولية: الانتخابات الماليزية المقبلة: ما بعد الاستقطاب العرقي.
http://www.crisisgroup.org/en/regions/asia/south-east-asia/malaysia/235-malaysias-coming-election-beyond-communalism.aspx