المصدر: (الجزيرة) |
أثار قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إجراء تعديل لدستور عام 2008 سجالا واسعا في أعلى هرم السلطة وفي أوساط الطبقة السياسية، كونه الثاني من نوعه في ظرف خمس سنوات، وهو ما يؤثر في مصداقية عملية الهندسة الدستورية ذات الأهمية الحيوية بالنسبة لاستقرار الدولة. حيث يجهل الرأي العام الجزائري الكثير عن طبيعة وفحوى هذه التعديلات، في ظل الضبابية وعدم وضوح الرؤية في المشهد السياسي الجزائري.
وفي السياق ذاته، كشفت تقارير إخبارية أن لجنة تعديل الدستور التي تأسست بتاريخ 8 نيسان/ أبريل 2013 ويرأسها عزّوز بوكردون تعمل في سرّية تامة، ولا يُعرف مكان اجتماع أعضائها، ولم يرشح أي شيء عن تفاصيل مهمتهم التي يُجهل موعد الانتهاء منها.
وحسب ذات التقارير فإن مهمة اللجنة غير واضحة. وقد صرّح رئيس الوزراء الجزائري عبد الملك سلال بأن اللجنة مطالبة بدراسة الاقتراحات المتضمنة في المسودة الأولية وإبداء رأيها في محتواها وبناءها الفكري، ومن ثم تقديم مقترحاتها لإثراء المسودة، وهو ما يعني أنه لا رئيس الوزراء ولا وزراؤه على علم بتفاصيل مشروع التعديلات الدستورية. بل حتى المدنيين في رئاسة الجمهورية يجهلون تفاصيل مشروع التعديل الدستوري باستثناء شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة والسكرتير الخاص للرئيس محمد روقاب.
سياق التعديلات
يتميّز السياق العام الذي تندرج فيه عملية التعديل الدستوري بثلاث سمات، فهو يأتي أولا عشية الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2014، وثانيا في سياق وعكة صحية ألّمت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة ونُقل على إثرها إلى فرنسا للعلاج. أما ثالثا وهو الأهم، ربما، أن التعديل الدستوري يأتي في ظل نشر عدد من الصحف لملفات فساد وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل وكبار كوادر مجموعة سوناطراك النفطية. ثم إطلاق "دائرة الاستعلامات والأمن" لحملة "الأيادي البيضاء" وإجراء تحقيقات مع المتورطين في نهب المال العام.
على الصعيد الخارجي يمكن القول إن مشروع التعديلات الدستورية يأتي ضمن سياق إقليمي يتميّز بتحولات سياسية عميقة في كل من تونس و ليبيا ومصر، حيث سقطت أنظمة تسلطية حليفة للنظام الجزائري. وقد ترتب على هذا الوضع تعرض البيئة الإستراتيجية للنظام السياسي الجزائري لتجريف غير مسبوق بعد وصول نخب جديدة إلى الحكم في (تونس، مصر وليبيا والمغرب) تختلف في نسقها العقدي ومرجعياتها الفكرية كلية عن النخب الحاكمة في الجزائر، وهو ما ينعكس حتما على علاقات الجزائر مع محيطها الإقليمي في المستقبل المنظور.
مواجهة إعلامية
يعتقد العديد من العارفين بالشأن الجزائري أنه لا يمكن فصل حملة "الأيادي البيضاء" عن الصراع الدائر بين الرئاسة وجهاز المخابرات حول مرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة وهوية خليفته في الرئاسة. وتأسيساً على ذلك، فإن نشر صحيفة "الوطن" لفضائح فساد أقطاب الفريق الرئاسي تم بإيعاز من جهاز المخابرات في إطار صراع الأجنحة، وقصد إحراج الفريق الرئاسي أمام الرأي العام الوطني والدولي وإظهاره في صورة الناهب للمال العام، بهدف ثنيه عن الترشح لولاية رئاسية رابعة.
وقد دأبت "الوطن" على شنّ حملات إعلامية على الرئيس بوتفليقة ووزرائه من خلال التركيز على افتقارهم لشرعية الإنجاز وعدم قدرتهم على الوفاء بالوعود التي قطعوها على الجزائريين في مختلف المواعيد الانتخابية. وفي كل مرة تُذكر (الوطن) بأن حكم الرئيس قد تميّز بظاهرتين لم يعهدهما الجزائريون من قبل وهما الانتحار والهجرة غير الشرعية.
توجه صحيفة الوطن ليس محل اتفاق في الوسط الإعلامي حيث تميل صحف أخرى مثل" لوماتان" إلى أن مواقف عدد من الجهات الإعلامية من الفريق الرئاسي تفتقر إلى التوازن لكون ظاهرة نهب المال العام موجودة منذ عام 1999 لكن المخابرات لم تُحرك ساكنا لوقف النهب أو التحقيق مع الضالعين فيه؛ وتكتفي في كل مرة بإعداد ملفات خاصة بالمفسدين قصد إخراجها حين يشتد الصراع بين الرئاسة والمخابرات.
القوى السياسية والتعديلات الدستورية
تباينت مواقف الأحزاب السياسية في الجزائر من مشروع التعديل الدستوري، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات: الأحزاب العلمانية، الأحزاب الإدارية، والأحزاب الإسلامية.
فالأحزاب العلمانية لا تستمد قوتها من وجود مناضلين في صفوفها، وإنما من المناصب التي تشغلها في الإدارة الحكومية وفي أجهزة الدولة ومحيطها، حيث يشغل هؤلاء مناصب رفيعة في مؤسسات الدولة. ويكمن وزنها السياسي في طبيعة المناصب التي تشغلها في الإدارة، والقطاع العام وفي الصحافة، وهي المناصب التي تمنحها رؤية شاملة لحقيقة الأوضاع في الجزائر.
ليست كل الأحزاب غير الإسلامية صغيرة الحجم مثل"التحالف من أجل الجمهورية"، والحركة الديمقراطية والاجتماعية (الحزب الشيوعي سابقا)؛ إذ إن هناك أحزابا كجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال بإمكانها تجنيد عدد كبير من الأتباع؛ كما لديها ممثليها في المجالس المحلية المنتخبة وفي البرلمان أيضا.
جبهة القوى الاشتراكية
تعتبر جبهة القوى الاشتراكية التي تأسست عام 1963 أكبر حزب غير إسلامي في الجزائر وهي تدعو لإقامة جمهورية ثانية على أساس مجلس تأسيسي يتولى وضع دستور جديد للبلاد. كما أنها الحزب الوحيد الذي يدعو صراحة الجيش إلى عدم التدخل في السياسة، وترفض هيمنة المخابرات على العملية السياسية باعتبار ذلك عملا غير دستوري. تتبنى الجبهة أيديولوجية جعلتها قريبة من أحزاب اليسار الديمقراطي الأوروبية وهي عضو في الأممية الاشتراكية.
أما موقف الجبهة من التعديلات الدستورية، فهي ترى أنه من السابق لأوانه إبداء الرأي حول التعديلات، على اعتبار أن الرئيس لم يكشف بعد عن المواد التي سيشملها التعديل.
التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية
يعتبر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ثاني أكبر حزب علماني في الجزائر تأسس عام 1989 من قبل مناضلين انشقوا عن جبهة القوى الاشتراكية ومن الحركة الثقافية البربرية. وقد استطاع هذا الحزب الذي يتواجد في منطقة القبائل فقط أن يفرض نفسه إعلاميا وسياسيا بفضل دينامية زعيمه السابق ومؤسسه الدكتور سعيد سعدي. كما اشتهر بمعاداته للتيار الإسلامي في الجزائر وهو ما جعله مقربا من الجناح الراديكالي في المخابرات والجيش. وينص خطابه السياسي على التمسك بالقيم الجمهورية والديمقراطية، وضرورة قطع الطريق على الإسلاميين ومنعهم من الوصول إلى المؤسسات الرسمية. كما لا يخفي الحزب إعجابه بنموذج العلمانية الفرنسية في الفصل بين السياسة والدين.
ويعتقد الحزب أن قيام الديمقراطية يجب أن يسبقها تغيير جوهري في المجتمع الجزائري تمر حتما عبر إعادة صياغة مناهج التربية والتعليم وحذف كل ما يمُت بصلة إلى الانتماء الحضاري للجزائر (الانتماء العربي والإسلامي )، ويُفضل بدلا منه الانتماء المتوسطي.
ويتمثل موقفه من مشروع التعديل الدستوري في كونه يشترط عرضه على الاستفتاء الشعبي بدلا من البرلمان بدعوى أن المجلس الشعبي الوطني لا يمثل الشعب.
حزب العمال
أما حزب العمال(تروتسكي) فقد اشتهر بالخطاب السياسي لأمينته العامة لويزة حنون الناقمة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في الجزائر. فالحزب يعارض كل إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تحرير الاقتصاد، ويدعو إلى تقوية القطاع العام من أجل التكفل بشكل أفضل بالمطالب الاجتماعية للجزائريين في مجال الشغل والسكن والصحة والتعليم. وكذلك فتح نقاش وطني بشأن التعديل الدستوري تشارك فيه كافة مكونات المجتمع الجزائري.
جبهة التحرير الوطني
أما جبهة التحرير الوطني التي تأسست عام 1954. فهي من الناحية الأكاديمية لا تعتبر حزبا بالمفهوم الغربي، بل هي أقرب إلى آلة انتخابية يحتاجها النظام في أوقات الانتخابات. حيث تتمثل مهمتها الأساسية في الدفاع عن السياسات الحكومية وإعداد قوائم المرشحين لمختلف الانتخابات، في مقابل التعيين في وظائف سياسية أو إدارية أو في السلك الدبلوماسي.
أما موقفها من مشروع التعديل الدستوري فقد اقترحت الجبهة إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، في حالة ارتكابهم لجرم الخيانة العظمى، وذلك بعد مغادرتهم لمناصبهم. كما دعت إلى استحداث منصب نائب للرئيس يُعيّنه رئيس الجمهورية؛ وهو منصب ضروري، حسب الجبهة، للحفاظ على الاستمرارية الدستورية واستقرار الدولة في حالة وجود مانع أو شغور منصب الرئاسة.
التجمع الوطني الديمقراطي
تأسس التجمع الوطني الديمقراطي عام 1997. ولا يمكن أيضا اعتباره حزبا وفق النموذج الغربي فهو أقرب إلى كونه آلة انتخابية. ويقترح التجمع الوطني تبني النظام شبه الرئاسي بدعوى أنه يسمح بمشاركة كل الشركاء السياسيين في إدارة شؤون البلاد، ويمنع وقوع حالة الانسداد المؤسساتي.
حركة مجتمع السلم
تعتبر حركة مجتمع السلم (حماس سابقا) التي تأسست عام 1990 أكبر حزب إسلامي شرعي بعد حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992. و من بين أهدافها إقامة دولة إسلامية في ظل احترام موازين القوى في الدولة والقبول بالمشاركة في مؤسسات الدولة. ويتمثل مشروع الحركة في التصدي لكل محاولة تستهدف الطابع الإسلامي للدولة، بالإضافة إلى رفع الحظر عن قانون تعميم استعمال اللغة العربية. وقد لعبت الحركة حسب الباحث عدي الهواري، دور "حزب ضغط" مهمته تجنيد كل من يؤمن بالثوابت الوطنية (الوطن، الدين، اللغة) من بين الطبقات المتوسطة في المناطق الحضرية. كما أن خطابها المهادن تجاه النظام جعلها شبيهة بأحزاب الإدارة.
أما موقفها من مشروع التعديلات الدستورية فهو يتمحور حول ضرورة تبني النظام البرلماني، على أن يكون البرلمان مسؤولا أمام الشعب وتكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، بشرط أن تكون هذه المسؤولية خاضعة للرقابة العامة والمنضبطة.
جبهة العدالة والتنمية
ثاني أكبر حزب إسلامي في الجزائر هو حزب جبهة العدالة والتنمية، تأسس عام 2012، ويتبنى فكرا إصلاحيا لا يختلف كثيرا عن فكر حركة مجتمع السلم سوى أن رئيسه عبد الله جاب الله يُفضل أن يكون زعيما لحزب صغير على أن يكون الرجل الثاني في حزب كبير. وبالرغم من تواجده في المدن الكبرى إلا أنه واسع الانتشار في شرق البلاد وتحديداً في مدينة سكيكدة مسقط رأس زعيمه.
يرفض هذا الحزب مشروع التعديلات الدستورية الجزئية ويُؤيد التعديل الجوهري العميق الذي يخرج البلاد نهائيا من التعديلات العبثية، وإن كان رئيسه عبد الله جاب الله يعترف بأن الدستور الحالي في حاجة إلى مراجعة شاملة وعميقة. ويقترح أن تتولى عملية المراجعة لجنة وطنية من ذوي الاختصاص والخبرة موزعة على التيارات السياسية المتجذرة في المجتمع، مع ضرورة منحهم الوقت اللازم لوضع دستور توافقي يجسد دولة القانون والعدل كما نص عليها بيان أول تشرين الثاني/ أكتوبر 1954 (تحقيق الاستقلال في إطار المبادئ العربية والإسلامية).
ويرى عبد الله جاب الله أن مرض الرئيس لا يجب أن يؤدي إلى تأجيل التعديل الدستوري، بل يتعيّن على الحكومة تكليف وزير الخارجية مراد مدلسي بطلب الملف الصحي للرئيس بوتفليقة من السلطات الفرنسية، وإحالته بعد الاطلاع عليه على المجلس الدستوري الذي يجتمع وجوبا لدراسته، وفي حال وجود ما يمنع الرئيس من مزاولة مسؤولياته، يتم تفعيل (المادة 88) التي تنص على إعلان حالة شغور منصب الرئاسة. ويرى جاب الله أنه في ظل الغياب المستمر للرئيس فإن التعديل الدستوري لم يعُد أولوية في الوقت الراهن.
وفي هذا السياق لاحظ المتتبعون للشأن الجزائري أن التعديلات الدستورية لم تحظ بما يكفي من اهتمام الأحزاب السياسية، مقارنة بتركيزها على قضايا الفساد في الداخل والحراك العربي في الخارج.
التعديل الدستوري والتوازن بين مؤسستي الرئاسة والجيش
لقد أعاد النقاش الدائر حاليا في الجزائر حول مشروع التعديل الدستوري قضية العلاقة بين مؤسستي الرئاسة والجيش وتحديدا "دائرة الاستعلامات والأمن" إلى الواجهة؛ كما طفت معه إلى السطح أزمة بنيوية متمثلة في وجود سلطة برأسين. ويمكن تفسير ذلك بكون الجيش هو الذي قاد معركة التحرير ضد الاستعمار، وتولى عملية بناء الدولة، ومن ثم فوجوده سبق ولادة الدولة، وبالتالي فهو مصدر السلطة.
وعلى هذا الأساس تُعتبر هذه القاعدة للحكم في الجزائر بمثابة خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وكل محاولة لالتفاف عليها حتى من خلال تعديل الدستور يُنظر إليها على أنها محاولة لتغيير قواعد الحكم، وهو ما لن تسمح به المؤسسة العسكرية. فالرهان الحقيقي بالنسبة للمؤسسة العسكرية وذراعها السياسي (دائرة الاستعلامات والأمن) حسب الباحث عدي الهواري لا يكمن في محاربة الفساد، بل في التصدي لمحاولات الفريق الرئاسي تغيير قاعدة "أولوية العسكري على السياسي".
ولقطع الطريق على الفريق الرئاسي تكون دائرة الاستعلامات والأمن قد استغلت نشر الصحافة لملفات فساد المقربين من الرئيس لتستعيد سيطرتها على مجموعة سوناطراك النفطية، بعد أن ظلت لأكثر من عقدين تحت هيمنة الرئاسة، والهدف من وراء ذلك هو تجفيف مصادر تمويل تحركات الفريق الرئاسي عشية الانتخابات الرئاسية لسنة 2014.
ولا يستبعد محللون أن يكون مضمون التعديلات الدستورية هو نقطة الخلاف الجوهرية بين الرئاسة والمخابرات وليس ملفات الفساد. لقد رأى صنّاع القرار (قيادة الجيش والمخابرات تحديداً) في استحداث منصبي نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع الوطني محاولة من قبل الفريق الرئاسي للتخلي عن التوازنات الحالية في أعلى هرم السلطة. وما عزّز من شكوك خصوم الرئيس بوتفليقة ما جرى خلال جنازة الرئيس الراحل علي كافي يوم 17 نيسان/ أبريل 2013، فقد ذكرت صحيفة "الوطن" أن قائد أركان الجيش اللواء قايد صالح قد اصطف في المرتبة الثانية قبل رئيسي مجلس الشيوخ والبرلمان. وفي العادة لا يمكن أن يقف قائد الأركان قبل رئيس السلطة التشريعية. وتأتي هذه الحادثة في أوج الصراع بين الرئاسة والمخابرات، حيث يكون الرئيس بوتفليقة قد أراد تمرير رسالة إلى قائد جهاز المخابرات مؤداها أن المؤسسة العسكرية تقف وراءه.
وتبدو موازين القوى في غير صالح الرئيس(76 عاماً)، بالنظر إلى قوة ونفوذ دائرة الاستعلامات والأمن وسيطرتها على مفاصل الدولة والحقل السياسي بشكل عام. وفي هذا السياق، يرى سعيد بوشعير المستشار القانوني السابق للرئيس بوتفليقة أن الرئيس استطاع تحييد الجيش عن ممارسة السياسة لكنه فشل في ذلك مع من أسماهم "أصحاب الزيّ المدني في المؤسسة العسكرية" في إشارة إلى المخابرات. وأرجع ذلك إلى طبيعة نشاط "دائرة الاستعلامات والأمن" ودورها المؤثّر في عملية صنع القرار في أعلى هرم السلطة، فضلاً عن امتلاكها لكم هائل من المعلومات وإمكانيات ضخمة وكفاءات وتنظيم محكم صارم وقوة ردع لا تقاوم. وتنقسم"دائرة الاستعلامات والأمن" إلى أربعة مديريات هي المديرية المركزية للأمن الداخلي ومديرية التوثيق والأمن الخارجي، ومديرية الأمن العسكري ومديرية التجسس الخارجي.
سيناريوهات محتملة
يبدو الحديث عن إمكانية تعديل الدستور في ظل موازين القوى الحالية والوضع الصحي للرئيس نوعاً من الترف الفكري. فبعد استعادة السيطرة على مجموعة سوناطراك النفطية فإن بحوزة المخابرات عددا من الأوراق يمكن أن توظفها في صراعها مع الرئاسة، منها على سبيل المثال تفعيل المادة 88 من الدستور الحالي، والتي تنص على أن يقوم المجلس الدستوري بإخطار البرلمان بشغور منصب الرئيس بسبب وجود ما يحول دون قيامه بأداء بمهامه، وهو ما يعني سقوط مشروع التعديل الدستوري. كما يمكن للمخابرات في هذه الحالة أيضا، الاحتفاظ بمشروع التعديل الدستوري على أن يقتصر الأمر على إعادة إدراج المواد التي تم حذفها في تعديلات سنة 2008 ؛ أي إعادة إدراج منصب رئيس الحكومة وتحديد عدد العهد الرئاسية.
وفي حالة ما تحقق هذا السيناريو فستبقى الجزائر تدور في حلقة مفرغة في وقت هي في أمس الحاجة إلى الاستقرار بالنظر إلى التهديدات المحدقة بكامل المنطقة، والتي تجد مصدرها في سياسات التنافس الدولي على المصالح الجيوستراتجية والاقتصادية بالمنطقة.
إن مشروع التعديل الدستوري الحالي يجب أن يكرس العودة إلى توازن السلطات، كما أن وظيفة الدستور والمواد التي يتضمنها هي إقامة نظام يسمح بتداول السلطة بين النخب السياسية، وتكريس استقلالية القضاء. فالغاية من بناء الدستور لا تكمن في إيجاد حلول لمشاكل آنية كتمديد العهدات الرئاسية، بل في التوصل إلى نسق سياسي لا يزول بزوال الرؤساء والحكومات.
________________________________
فتحي بولعراس - أستاذ محاضر بجامعة بومرداس- الجزائر