الاتحاد الإفريقي ومحكمة الجنايات الدولية

يتهم الاتحاد الإفريقي محكمة الجنايات الدولية بأنها "عنصرية" لذلك على المحكمة أن تعي أنها تعمل في بيئة سياسية دولية لا توجد فيها حكومة مسئولة أمام أي هيئة عامة وعلى المحكمة العمل وفق معايير تخدم الدول العظمى والدول الضعيفة على حد سواء.
2013624114419454580_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

أنشئت محكمة الجنايات الدولية في الأول من يوليو/ تموز 2002 وشكل إنشاؤها فرصة للمجتمع الدولي لمتابعة وملاحقة الأفراد المتورطين في جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بواسطة هيئة قضائية دولية دائمة. شاركت الدول الإفريقية وبنشاط في إنشاء محكمة الجنايات الدولية ونظام روما الأساسي حين بدأت المفاوضات حول إنشاء المحكمة قبل عشرين عاما. وشاركت الوفود الإفريقية في 1993 في إعداد مسودة قانون المحكمة التي أعدتها لجنة القانون الدولي المختصة وقدمتها للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل النظر فيها. حضرت 47 دولة إفريقية لصياغة مسودة نظام روما الأساسي وهو الاتفاقية المؤسسة لمحكمة الجنايات الدولية التي أقرت في مؤتمر روما في يوليو/ تموز 1998. وقد صادقت أغلب الدول لصالح إقرار نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة.

حتى الآن وقعت 122 دولة على النظام الأساسي للمحكمة منها 34 دولة من إفريقيا، 18 دولة من آسيا والمحيط الهادي، 27 دولة من أمريكا اللاتينية والكاريبي، 18 دولة من أوروبا الشرقية، و25 دولة من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. تعتبر إفريقيا أكبر الكتل القارية في نظام المحكمة كما يظهر من خلال هذه الأرقام إضافة لتمثيلها في هيئة المحكمة حيث يشغل الأفارقة مناصب رفيعة في المحكمة من بينها منصب المدعي العام، وأحدُ الخمسة من بين قضاة المحكمة الأربعة والعشرين يشغل منصب النائب الأول لرئيس المحكمة إضافة لمنصب نائب رئيس غرفة الضبط.

رغم ذلك تمر العلاقة بين محكمة الجنايات الدولة والدول الإفريقية بمفترق طرق. بعيد صدور مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في 2008، أصدر الاتحاد الإفريقي قرارات متتالية تنص على عدم التعاون مع المحكمة كان آخرها في قمة مايو/ أيار 2013 في أديس أبابا حيث صوتت 53 دولة في الاتحاد ضد قرار المحكمة الخاص بكينيا مقابل صوت وحيد لبتسوانا مؤيد للقرار. أتهم الاتحاد الإفريقي محكمة الجنايات الدولية "باستهداف عنصري" للقارة الإفريقية. ويذهب الاتحاد الإفريقي إلى أنه في مقدرة العدالة الكينية على التعامل مع القضايا المرفوعة في المحكمة الدولية بعد الإصلاحات التي أدخلت على النظام القضائي الكيني مؤخرا. ليس لهذا القرار أي إلزام للمحكمة الدولية بل ينظر إليه كتكتيك سياسي أكثر من كونه إجراء قانونيا ذا تأثير على مجريات المحكمة.

شكلت الحالة الكينية استثناء فريدا في تاريخ محكمة الجنايات الدولية حيث تم رفع كل القضايا الجنائية السابقة من طرف الدول الأعضاء ذاتها فيما عدا حالة الرئيس السوداني عمر البشير والحالة الليبية لاحقا، تم رفع هاتين القضيتين بطلب من مجلس الأمن الدولي. كانت السمة المشتركة بين كل القضايا المرفوعة من طرف الدول الأعضاء في نظام المحكمة هي كونها رفعت ضد أفراد مناهضين للأنظمة في بلدانهم مما شكل ضمانة لتعاون حكوماتهم مع المحكمة نظرا للتهديد الذي يشكله هؤلاء الأفراد على أمن دولهم. شخصان من بين المتهمين في الحالة الكينية هما زعيمان سياسيان بارزان أعلنا نيتهما الترشح للانتخابات الرئاسية 2013؛ "أوهارو" و"روثو" وكانا يشغلان منصب مساعد رئيس الوزراء ووزير المالية ووزير الزراعة على التوالي. بدوره عمل الشخص الثالث، موثارو كرئيس لمؤسسة الخدمة العامة ومنصب السكرتير الدائم لمكتب الرئيس. أوهارو وروثو يشغلان الآن منصبي الرئيس ونائبه في انتخابات 2013. رغم قرار الاتحاد الإفريقي يجدر التنبيه إلى أن دور المحكمة هو دور مكمل للنظام القضائي الوطني حيث لن تمارس المحكمة اختصاصها إلا عندما ترى عدم رغبة أو قدرة المحاكم الوطنية في التحقيق وفي ملاحقة المتهمين بجرائم ضد الإنسانية لكون الولاية القضائية الأولية في مقاضاة المجرمين المشتبه فيهم من اختصاص دولهم منفردة.

كان تعامل الجنائية الدولية في الحالة الكينية مخالفا لهذه المبدأ، مبدأ التكامل القضائي الذي يمكن استخلاصه من النظام الأساسي في فقرته رقم 17 والتي تقول إنه لا يجوز للمحكمة لعب دور النيابة العامة إلا في حالة عجز أو تقاعس أجهزة القضاء الوطنية عن لعب هذا الدور. ينبغي قراءة هذا البند بالتوازي مع الفقرة رقم 10 من ديباجة النظام الأساسي التي تقر أن إنشاء محكمة الجنايات الدولية التي أعلن عنها بموجب النظام الأساسي يجب أن تعمل بصفة مكملة للولاية القضائية الوطنية.

لا يخفى على المراقبين كون كل القضايا التي تتعامل معها محكمة الجنيات الدولية تخص القارة الإفريقية. يتعلق الأمر أولا: بالإحالات التي رفعتها حكومات بصفة منفردة مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى. كل هذه الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي اعترفت بعجز نظامها القضائي المحلي في التعامل مع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وطلبت تدخل محكمة الجنايات الدولية وفقا لمبدأ التكامل القضائي. ثانيا: إحالتان قدمهما مجلس الأمن الدولي يتعلقان بكل من السودان وليبيا. في الحالة السودانية لم تكن هنالك أية معارضة بين دول الاعضاء في المجلس لقرار مجلس الأمن حتى الدول الإفريقية الأعضاء في المجلس؛ وهي بنين وتنزانيا صوتت لقرار الإحالة بينما امتنعت الجزائر عن التصويت. حدث نفس الأمر بالنسبة لليبيا حيث صادقت الدول الإفريقية الاعضاء في المجلس على قرار الإحالة. وآخر الحالتين اللتين تدخلت فيهما المحكمة كانتا بمبادرة فردية من المحكمة وكانتا بخصوص كينيا وساحل العاج. في الحالات التي تم فيها فتح تحقيق بمبادرة من المدعي العام للمحكمة كان هنالك تعاون من الحكومات الإفريقية. في الحالة الكينية قدمت لجنة حكماءٍ عينها الاتحاد الإفريقي مجموعة من الدلائل للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على الجرائم المزعوم ارتكابها في انتخابات 2007/2008 وأحداث العنف التي أعقبتها. لم يفتح التحقيق في هذه القضية إلا بعد فشل الحكومة الكينية في الوفاء بتنصيب محكمة وطنية خاصة لمقاضاة المسئولين عن هذه الانتهاكات في الآجال المتفق عليها مسبقا مع الأطراف الدولية. في حالة ساحل العاج تقبلت الحكومة العاجية طواعية ثلاث مرات متفاوتة الوصاية القضائية لمحكمة الجنايات الدولية على القضايا المرفوعة في البلد؛ في 2003، 2010 ومؤخرا في 2011.

تجدر الاشارة أن الدول الإفريقية لم تكن لها أية اعتراضات على عمل محكمة الجنايات الدولية قبل مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي ما زال يحكم كرئيس دولة مما ترك انطباعا أن الاتحاد الإفريقي لا يكترث إلا عندما يتم إحضار قادة وزعماء القارة الإفريقية أمام المحكمة الدولية وهذا ما يفسر ولو جزئيا التحول في الموقف الإفريقي من المحكمة بعد قرار توقيف البشير في 2008. اتخذ الاتحاد الإفريقي موقفا عدائيا من المحكمة داعيا الدول الإفريقية الأعضاء في المحكمة عدم التعاون معها. لحد ما التزمت الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بهذه الدعوة ومن بينها حكومة السودان ودول إفريقية أخرى مثل جيبوتي، وكينيا، وتشاد التي رفضت توقيف البشير عندما زار هذه البلدان كل على حدة.

لقي الموقف الإفريقي المعادي لمحكمة الجنايات الدولية زخما كبيرا في القمة العادية الثامنة عشر للقادة والزعماء الأفارقة التي عقدت في يومي 29 و30 يناير/كانون الثاني 2012 في أديس أبابا، أثيوبيا. وأثناء القمة شدد قادة الاتحاد الإفريقي على قرارهم عدم التعاون مع المحكمة وخصوصا فيما يتعلق بمذكرة اعتقال البشير وذلك انطلاقا من القناعة السائدة بضرورة تطبيق مبدأ المحاسبة على جميع قادة العالم وليس على القادة الأفارقة لوحدهم. اضافة لذلك حاجَّ الاتحاد الإفريقي المحكمة بمون نظام روما الأساسي لا يمكنه أن يتجاوز الحصانة التي يتمتع بها المسئولون الحكوميون في الدول التي لم توقع على نظام روما الأساسي والمنشئ للمحكمة طبقا للأعراف الدولية.

رغم أن موقف الاتحاد الإفريقي تجاه المحكمة لم يحظ بإجماع الدول الإفريقية إلا أن هذا الموقف قد كسب زخما جديدا وضخت فيه دماء جديدة عن طريق الدبلوماسية الصامتة التي تتبعها الحكومة الكينية بعد فوز كل من الرئيس الكيني أوهارو ونائبه روثو بمنصب الرئيس ونائب الرئيس وهما المتهمان من طرف المحكمة الجنائية الدولية. في مؤتمر القمة الذي عقد في يناير/ كانون الثاني 2012 اتخذ القادة الأفارقة قرارا بعدم التعاون مع المحكمة الدولية إلا أن هذا القرار قوبل بتحفظ من طرف بعض الدول الإفريقية. إذ عبرت بوتسوانا عن رفضها المعلن لقرار الاتحاد الإفريقي بعدم التعاون مع محكمة الجنايات الدولية متذرعة بالتزاماتها الدولية كدولة عضو في نظام روما الأساسي وعبرت جنوب إفريقيا عن نفس الموقف. كانت بوتسوانا الدولة الوحيدة التي صمدت في دعمها لمحكمة الجنايات الدولية كونها الدولة الوحيدة التي عارضت قرار قمة الاتحاد الإفريقي بخصوص عدم التعاون مع المحكمة مايو/ أيار 2013 في حين غيرت جنوب إفريقيا موقفها من المحكمة بعيد انتخاب مواطنتها نكوسازانا دياميني زاما كرئيسة لمفوضية الاتحاد الإفريقي في يوليو/ تموز 2012 حيث ألقت بثقلها وراء موقف الاتحاد الإفريقي في قمة مايو/ أيار 2013 وهو أمر مهم نظرا للوزن الكبير لجنوب إفريقيا داخل القارة. شمل التغير أيضا موقف مالاوي التي عارضت صراحة موقف الاتحاد الإفريقي من المحكمة بعيد انتخاب الرئيسة الجديدة جويسي باندا. قبل استضافتها للقمة 19 للاتحاد الإفريقي التي كان من المقرر أن تعقد في العاصمة المالاوية ليلونغوي في يوليو/تموز 2012، أعلنت مالاوي أنه وبموجب عضويتها في نظام روما الأساسي ستكون مجبرة على اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير في حال حضوره أعمال القمة. هذا الموقف أثار حنق الاتحاد الإفريقي وقرر نقل القمة الى أديس أبابا.

رغم رفضه لقرارات محكمة الجنايات الدولية أعلن الاتحاد الإفريقي التزامه بمحاربة الحصانة وسياسة الإفلات من العقاب بما يتفق مع الفقرة (4/ح) من القانون التأسيسي للاتحاد. في هذه النقطة يلتقي الاتحاد مع سعي الجنائية الدولية في محاربة الإفلات من العقاب وضمان محاسبة في القضايا تشمل جرائم ضد الإنسانية. بينما يكمن الاختلاف بينهما في كون الاتحاد الإفريقي هيئة سياسية والمحكمة الدولية مؤسسة قضائية دولية. لذلك سيميل الاتحاد الإفريقي للنهج السياسي مركزا على إيجاد حلول سياسية تخدم السلام والمصالحة السياسية في حين تتبع محكمة الجنايات الدولية منهج الملاحقات القضائية استنادا لنظام روما الأساسي.
 
في سعي للتوفيق بين موقفه السياسي الاستراتيجي الرافض للمحكمة الدولية من جهة والحرص على ألا يظهر كمتغاض عن الجرائم ضد الإنسانية أجرى الاتحاد الإفريقي دراسة لتقييم إمكانية تفويض محكمة العدل الإفريقية بالصلاحيات القضائية اللازمة للتعامل مع الجرائم ضد الإنسانية في القارة. في مايو/ أيار 2012 اعتمد وزراء العدل الأفارقة مشروع بروتوكول جعل تحقيق هذه التطلعات أقرب من أي وقت مضى. الفكرة من وراء هذه الخطوة فيما يبدو هي خلق محكمة عدل إفريقية بنفس صلاحيات محكمة الجنايات الدولية. في جوهرها ستسحب هذه الهيئة القضائية البساط من تحت أقدام المحكمة الدولية وذلك باحتواء جميع تدخلات المحكمة في إفريقيا مستقبلا وربما قد تؤدي لانسحاب الدول الإفريقية من نظام روما الأساسي المنشأ للمحكمة.

لكن تجدر الإشارة أنه بينما يسمح النظام لروما بالتكامل مع الأنظمة القضائية الوطنية، لا يتيح هذا النظام فرصة للتعامل مع الأنظمة القضائية القارية. لذلك لا توجد ضمانة لاعتراف محكمة الجنايات الدولية بهذه الهيئة القضائية الإفريقية. قد يؤثر أي انسحاب للدول الإفريقية الأربع والثلاثين الأعضاء في نظام روما الأساسي بدفع من الاتحاد الإفريقي في السمعة الدولية للمحكمة لكن من المستبعد أن يؤثر ذلك على ولايتها القانونية أو قدرتها على معالجة القضايا الجنائية التي بين أيديها الآن. من المحتمل أن تجادل محكمة الجنايات الدولية بالمادة رقم 27 من نظام روما الأساسي والتي تفند حصانة أي شخص متهم بارتكاب جريمة جنائية وفق مبدأ المساواة أمام القانون. إضافة للحجة الأخرى التي ستدفع بها محكمة الجنايات الدولية تهمة استهداف القارة الإفريقية وهي أنها تستهدف أفرادا متهمين بجرائم ضد الإنسانية وليس دولا بحد ذاتها. ردا على الحجة القائلة بأنه لا يمكن لمحكمة الجنايات الدولية اسقاط الحصانة عن المسئولين الذين لم توقع دولهم على النظام الأساسي المنشأ للمحكمة وفقا للقانون الدولي، ستجيب المحكمة الدولية أن هذا الاختصاص منح لها من طرف مجلس الأمن الدولي من خلال المادة (13/ب) تماشيا مع الفقرة 7 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي المحكمة الدولية الصلاحيات اللازمة لمتابعة المتورطين في أربع جرائم دولية وهي: الابادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب والعدوان كما تنص المادة 5 من النظام الأساسي.

من ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى أن الادعاءات التي يلقيها الاتحاد الإفريقي حول تسييس محكمة الجنايات الدولية تجد صدقيتها في كون ثلاث دول عظمى ليست عضوا في الاتفاقية المنشئة للمحكمة ويمكنهم من خلال استخدامهم لحق الفيتو في مجلس الأمن للتأثير في وجهة وفي مسار قرارات المحكمة بصفة منفردة أو جماعية وهذا ما يعزز مخاوف الاتحاد الإفريقي بعدم شفافية وعدالة المحكمة. كان هدف المحكمة تجاوز هذه التهم من خلال التركيز على دورها كهيئة قضائية دولية محايدة ومستقلة عن صراع القوى العظمى والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة التي يسود تصور أنها تخضع لسيطرة الدول العظمى دون أن تبرأ ذمتها من هذه التهمة.

تجد الاتهامات التي يوجهها الاتحاد الإفريقي لمحكمة الجنايات الدولية ومجلس الامن التابع للأمم المتحدة بالانتقائية مصداقيتها في انعدام تحرك مماثل تجاه انتهاكات في دول أخرى مثل أفغانستان، العراق، كولومبيا جورجيا، سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة حيث لم ترفع أي قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية تخص هذه الدول. رغم ذلك لا يمكن وصف أي قضية من القضايا المرفوعة حاليا أمام الجنائية الدولية بالتفاهة أو نقص الأهلية القانونية لمعالجتها. في هذا الصدد ستكون التهمة التي يمكن توجيهها للمحكمة هي تهمة الإغفال وليس التفويض. من ناحية أخرى رحب القادة الأفارقة بتحرك المحكمة الجنائية الدولية في القضايا التي اتخذت فيها المحكمة قرارات ملاحقة تتلاءم مع أهواء ومصالح القادة الأفارقة كما في حالة موسيفيني في أوغندا، والحسن واتارا في ساحل العاج وجوزيف كابيلا في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

ترتبط القوى الغربية بعلاقات ومصالح اقتصادية، ودبلوماسية، وسياسية وأمنية مع الدول الإفريقية ومن المؤكد أن تؤثر هذه العوامل على تهديد الاتحاد الإفريقي بخصوص الانسحاب من المحكمة. ويشكل الاعلان الأخير لمحكمة الجنايات الدولية أن "القضية رقم 1" سيتم عقدها في شرق إفريقيا سواء في كينيا أو تنزانيا تنازلا من المحكمة لصالح القيادة الكينية والاتحاد الإفريقي مما يعزز الانطباع السائد أن المحكمة تخضع للضغوط السياسية. يمكن لسعي المحكمة الجنائية الدولية الراغب في تهدئة الانتقادات الإفريقية لعمل المحكمة بعرضها عقد المحاكمات بطرق أكثر واقعية تأخذ بعين الاعتبار موقع كل من الرئيس الكيني ونائبه، تقويض ادعاءات المحكمة الخاصة التي تقول إنها لا تخضع للتأثير السياسي. بقبولها الدخول في عمليات مساومة واضحة مع المتهمين مبنية على عوامل سياسية بحتة، تكون المحكمة قد اعترفت وبشكل علني بالتهم التي وجهت لها من طرف الأفارقة بخصوص تسييس المحكمة وبعدها عن هدفها المنشود.

ختاما يتوجب على محكمة الجنايات الدولية الإقرار والوعي بكونها تعمل في بيئة سياسية دولية لا توجد فيها حكومة مسئولة أمام أي هيئة عامة وبالتالي يتوجب على المحكمة العمل وفق قيم معيارية تخدم الدول العظمى والدول الضعيفة على حد سواء. من ناحية أخرى وعلى الرغم من الديناميات السياسية المستمرة المحيطة بعمل المحكمة، من المهم التركيز على الهدف الأساسي للمحكمة وهو السعي لتحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والذين يقدرون بالآلاف في القارة الإفريقية. لم تكن محكمة الجنايات الدولية لتحقق ما هي عليه اليوم لولا المساهمة والدعم القيمين اللذان حظيت بهما من طرف غالبية الدول الإفريقية. إن القضايا المرفوعة في المحكمة الدولية والتي تخص القارة الإفريقية تشكل إسهاما ومبررا قويا لوجود المحكمة وبالتالي سيلحق فقدان هذه المكونة كليا أو جزئيا ضررا كبيرا بالمحكمة. من جانبها تشكل محكمة الجنايات الدولية رادعا دوليا مهما ضد سياسة الإفلات من العقاب بما في ذلك إفريقيا. تحقيقا لهذه الأهداف يحتاج كل من الاتحاد الإفريقي ومحكمة الجنيات الدولية لبعضهما.
_________________________________
د. آدامز أولو - باحث وجامعي كيني 
ترجم النص إلى العربية: الحاج ولد إبراهيم - صحفي وباحث موريتاني

ABOUT THE AUTHOR