التصدي لحزب الله: تداعيات القرار الخليجي على العلاقات مع إيران

يعد البيان الختامي للاجتماع 127 للمجلس الوزاري الخليجي والذي "دان تدخل حزب الله في سوريا"، تطورًا لافتًا في سياسة دول مجلس التعاون الخليجي تجاه حزب الله اللبناني، والتي خاب ظنها في الحزب الذي وجه سلاحه إلى شعب دولة عربية لمصلحة قوىً إقليمية ودولية تدعم نظاماً دكتاتورياً.
20136249218329734_20.jpg

تحديث 

بعد قرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي اعتبر حزب الله اللبناني "منظمة إرهابية لدوره في إثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادة دول الخليج وأمنها واستقرارها"، يُعيد المركز نشر ورقة بحثية بعنوان "التصدي لحزب الله: تداعيات القرار الخليجي على العلاقات مع إيران"، تُسلِّط الضوء على التطور التاريخي لعلاقة دول الخليج بحزب الله، وسياقات ودلالات قرار المجلس الوزاري الخليجي في الدورة السابعة والعشرين بعد المئة (2 يونيو/حزيران 2013) الذي دان تدخل الحزب في سوريا، ثم فرض عقوبات ضد المنتسبين إليه على أراضيها، كما تناولت الورقة تداعيات الأزمة على العلاقات الخليجية-الإيرانية. 

المصدر (الجزيرة)

مقدمة 

إن ما جاء في البيان الصحفي لاجتماع الدورة السابعة والعشرين بعد المائة للمجلس الوزاري الخليجي يوم 2 يونيو/حزيران 2013 والذي "دان تدخل حزب الله في سوريا"، ووعْد الأمين العام لهذا الحزب يوم 25 مايو/أيار 2013 بتغيير المعادلة في المنطقة جدير بالبحث والتحليل. تلى ذلك قرار المجلس الوزاري اتخاذ إجراءات ضد مصالح الحزب في دول مجلس التعاون، إضافة إلى تصريحات وزير الدولة البحريني للشؤون الخارجية عقب الاجتماع الوزاري بأن دول الخليج "تعتبر حزب الله منظمة إرهابية"، وأن إدراجه "كمنظمة إرهابية" على قوائمها بحاجة إلى "تفصيل فني وقانوني يستدعي المزيد من الدراسة"، ليتلوه بعد ذلك قرار الأمانة العامة للمجلس يوم 10 يونيو/حزيران 2013 باتخاذ إجراءات سياسية ضد المنتسبين للحزب في دول الخليج، وكذلك ما سبقه من موافقة مجلس النواب في البحرين يوم 26 مايو/أيار 2013 على مقترح باعتبار حزب الله منظمة إرهابية وإصدار وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف هناك في 27 مايو/أيار 2013 قرار "يحظر على الجمعيات السياسية الاتصال بهذا الحزب بأي شكل من الأشكال".

يعد ذلك تطورًا لافتًا في العلاقة بين حزب الله اللبناني ودول مجلس التعاون التي خاب ظنها في الحزب الذي وجه سلاحه إلى شعب دولة عربية لمصلحة قوىً إقليمية ودولية تدعم نظاماً دكتاتورياً وخيب آمال الملايين من العرب، ولهذا اعتبرته البحرين بجناحيه السياسي والعسكري منظمةً إرهابيةً بينما ما زالت بقية دول المجلس تدرس توصيف موقفها منه، ومن المتوقع بحسب مدير الإدارة الدولية في مجلس التعاون الخليجي أن تتخذ بقية دول المجلس الخطوة الفعلية في هذا الأمر قريبًا، وملاحقة أية مصادر مالية يحصل عليها الحزب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، انطلاقًا من قناعة دول المجلس بالخطوة البحرينية بحظر التعامل مع الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله"؛ حيث لم يصل المجلس بعد إلى اعتباره إرهابيًّا، وقد يتوصل إلى ذلك بعد الاستناد على خلفيات قانونية(1)؛ الأمر الذي سيترك آثاره على مستقبل العلاقات بين الجانبين، بل وسيمتد ليمس العلاقات الخليجية-الإيرانية بشكل عام، وهو ما سيرصده هذا البحث من خلال المحاور التالية:

أولاً: دول الخليج وحزب الله: التطور التاريخي

رغم تورط "حزب الله" في محاولة اغتيال أمير الكويت بتفجير سيارة مفخخة عام 1985، وبخطف طائرة كويتية في مسقط عام 1989، فإنه وكنتيجة لحرص دول مجلس التعاون على مساعدة لبنان في نفض غبار الحرب الأهلية عن كاهله ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوبها، تم التغاضي عن ذلك، بل وعقب التوقيع على اتفاق الطائف برعاية سعودية عام 1989 لوضع حد للحرب الأهلية التي أنهكت لبنان تم سحب أسلحة الميليشيات اللبنانية التي شاركت في هذه الحرب ما عدا "حزب الله" لدوره في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما ترك أثره في تحقيقه نجاحات في مقاومة الاحتلال في حربي عامي 1993 و1996(2) إلى أن توج نجاحه بإجبار إسرائيل على الانسحاب من الجنوب اللبناني في عام 2000، ولكن مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني "رفيق الحريري" في فبراير/شباط 2005، وتوجيه أصابع الاتهام إلى الحزب باغتياله بدأت العلاقات بين الجانبين، وتحديدًا مع السعودية، تدخل مرحلة التوتر والشك، لتنتقل إلى مرحلة الرفض التام خاصة بعد اختطاف الحزب لجنديين إسرائيليين، تلك العملية التي وُصفت من قبل السعودية بـ"المغامرة غير المحسوبة" والتي أسفرت عن شن إسرائيل حربًا دمرت فيها البنية التحتية للدولة اللبنانية في عام 2006(3).

ونتيجة لتغليب دول مجلس التعاون لمبدأ العمل على وحدة لبنان حدثت انفراجة في العلاقات بين الجانبين بفتح الرياض قنوات اتصال مباشرة مع قادة الحزب للم الشمل اللبناني؛ إذ التقى الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" نائب الأمين العام للحزب "نعيم قاسم" في ديسمبر/كانون الأول 2006 لحل أزمة تشكيل الحكومة، وانعكست أهمية تلك الاتصالات في "اتفاق الدوحة" مايو/أيار 2008 برعاية قطرية ومباركة سعودية لحل الأزمة السياسية التي دامت أكثر من 18 شهرًا شهدت بعض الفترات منها أحداثًا دامية كادت أن تدخل لبنان في أتون حرب أهلية جديدة (4).

غير أن العلاقات شهدت مرحلة جديدة من التأزم مطلع الألفية بعد اكتشاف خلايا نائمة تنتمي للحزب في الكويت والبحرين والسعودية(5)، وازدادت العلاقات سوءًا مع اندلاع ثورات ما يسمى بالربيع العربي مطلع العام 2011 من خلال دعمه وتدريبه لبعض المعارضين في البحرين والسعودية إضافة إلى تنشيط خلايا التجسس في هذه الدول، ودعم العمليات الإرهابية فيها، وضلوع عناصره في الخليتين الإرهابيتين اللتين كُشف عنهما في الرياض وجدة عام 2012، علاوة على تدخله المباشر في الشؤون الداخلية لبعض دول المجلس، وفي مقدمتها البحرين؛ كما ساهم أمينه العام "حسن نصر الله" في تصاعد عمليات العنف في هذه الدولة بتصريحاته التحريضية(6)، وتورطه في أحداث العنف التي شهدتها مدينة القطيف السعودية مطلع عام 2011، وتهديده يوم 23 فبراير/شباط 2013 بغزو السعودية ودخول الحرمين الشريفين(7).. وقد تفاقم الوضع بعد أن أصبح الحزب طرفًا رئيسيًّا في القتال إلى جانب نظام "الأسد".

ثانياً: مدلولات مقاطعة دول الخليج لحزب الله

إن قرار المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون باتخاذ إجراءات ضد مصالح حزب الله في دول المجلس، ثم فرض عقوبات ضد المنتسبين إليه على أراضيها(8) ينم عن تحول مهم في الموقف الخليجي من "حزب الله" ويعكس الضجر من سياسته الضارة بأمن دول الخليج ورفض تبعيته لإيران، كما يحمل عدة دلالات على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية والاقتصادية على النحو التالي:

  1. الدلالة الأمنية: وهذه تتعلق باتجاه دول المجلس إلى اعتبار الحزب منظمة إرهابية، وتنبع أهمية تلك الخطوة من أنها قد تشجع دولاً أخرى في المنطقة، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي (المترددة) وغيرها من دول العالم على اتخاذ قرارات مماثلة.
  2. الدلالة السياسية: وهذه الدلالة تنطوي على أمرين، الأول: إعادة النظر في دور "حزب الله" كفصيل سياسي لبناني، وما يعنيه ذلك من عدم اعتراف بأية حكومة يشارك فيها هذا الحزب، وكذا عدم التعامل السياسي مع رموزه والمنتمين إليه من الوزراء والبرلمانيين ورفض استقبالهم في دول الخليج.. بما يعنيه من حرج للدولة اللبنانية.. ولهذا طالبت دول المجلس الحكومة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها تجاه سلوك حزب الله وممارساته غير القانونية وغير الإنسانية في سوريا والمنطقة، الأمر الثاني: تراجع الدعم الخليجي بأشكاله المختلفة لـ"حزب الله" كحركة مقاومة في مواجهة إسرائيل وهي نتيجة لن يكون الحزب هو الوحيد الخاسر فيها، وإنما الدولة اللبنانية أيضًا(9).
  3. الدلالة الاقتصادية: وهذه الدلالة ترتبط بوضع العمالة اللبنانية والشيعية منها على وجه الخصوص في دول مجلس التعاون؛ إذ قد تلجأ هذه الدول إلى عدم الاستعانة بهذه العمالة أو عدم تجديد الإقامات لمن يعملون فيها(10)، كما أنها قد تلجأ إلى تجميد أو تحجيم استثمارات وأموال "حزب الله" أو المتعاونين معه في هذه الدول، وهو ما تم بالفعل باتخاذ المجلس الوزاري في 10 يونيو/حزيران 2013 إجراءات ضد المنتسبين للحزب في دول المجلس سواء في إقاماتهم أو معاملاتهم المالية والتجارية(11).

 كما قد تلجأ دول الخليج إلى سحب استثماراتها من لبنان وتحديدًا من جنوبه؛ حيث توجد مجموعات اقتصادية خليجية تنشط تجاريًّا وإنشائيًّا بالمناطق التي يتمركز فيها الحزب(12)، كذلك ينبغي الإشارة إلى عدم إغفال التأثير السلبي لقرار مجلس التعاون الخليجي الذي طالب الرعايا الخليجيين بعدم التوجه إلى لبنان للسياحة بسبب الوضع الأمني غير المستقر في البلاد(13).

ثالثاً: حزب الله والمنظمات الإرهابية

إن تنفيذ خطوة اعتبار "حزب -+الله" منظمة إرهابية يتطلب مطابقة ممارساته بالمعايير الدولية التي يتم من خلالها وصف كيان ما بأنه إرهابي، وإذا تطابقت تلك الممارسات، فإنه عندئذ يتم تطبيق القانون الدولي الذي يُطالب الدول بضرورة الامتناع عن تأييد نشاطات هذا الكيان (الجهة) أو مساعدته، بل ويدعو إلى مكافحة أعماله بكل الوسائل.

وبرغم اختلاف آراء القانونيين حول وضع تعريف موحد للإرهاب، فإنه يمكن تعريفه بأنه "أي عمل عنف منظم أو تهديد بالعنف لتحقيق أهداف سياسية أو عامة، وهذا العمل يمكن ممارسته من قبل حكومات أو جماعات أو أفراد"(14)، وبمقارنة هذا التعريف الإجرائي وتلك المعايير بوضع "حزب الله"، كما يصفه عبدالله إسكندر "ما هو إلا ميليشيا طائفية عابرة للأوطان"(15)؛ نجد أن مطامح الحزب تخطت حدود لبنان والوطن العربي، من حيث:

  • تهديداته للدول العربية؛ فبخلاف تدخلاته في البحرين والسعودية في السنوات الأخيرة، فقد تم الكشف عن مخططات  للحزب في مصر واليمن(16)، ومشاركته في الحرب إلى جانب النظام السوري؛ حيث يشارك ما يقارب من 1500 من مقاتليه في المعارك ضد المعارضة السورية، وهو ما مكّن "قوات نظام الأسد" من السيطرة على مدينة "القصير" في  ريف حمص يوم 5 يونيو/حزيران 2013(17).
  • نشاطه في إفريقيا؛ حيث أعلنت السلطات النيجيرية في 30 مايو/أيار 2013 عن تفكيك خلية تابعة لحزب الله اللبناني، في إطار سعي إيران لإقامة معسكرات لأفارقة شيعة مرتزقة باسم (حزب الله)، على غرار ما فعلت في لبنان مع "حزب الله" نفسه(18).
  • نشاطه في أوروبا؛ إذ أصبحت بعض الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا ساحات لجمع الأموال لـ"حزب الله"، كما تم إحباط العديد من العمليات للحزب بعد حادث انفجار الحافلة السياحية في بلغاريا في يوليو/تموز 2012(19).

أما ما يتعلق بصورة إدراج الحزب على قائمة المنظمات الإرهابية؛ فهناك العديد من الخيارات؛ فمثلاً(20) هناك فريق يرى وضع المتورطين منه في العمليات الإرهابية فقط في هذه القائمة، بينما هناك فريق آخر يرى إعداد لائحة تضم بعض المسؤولين القياديين فيه، فيما يرى فريق ثالث (بريطانيا وأستراليا) وضع الجناح العسكري للحزب فقط في هذه اللائحة، في حين يرى فريق رابع -وهم كُثُر- وضع الحزب بأكمله في قائمة المنظمات الإرهابية، على اعتبار أنه كيان واحد لا يتجزأ (الولايات المتحدة الأميركية وكندا وهولندا والبحرين).

والإشكالية التي يثيرها إدراج الحزب على قوائم الإرهاب تتمثل في كونه تنظيمًا معترفًا به داخل لبنان ويمارس نشاطًا سياسيًّا باعتباره مشاركًا في الحكومة، وله نواب في البرلمان اللبناني؛ وبالتالي فإن هذا الإدراج سيخلق حرجًا للدولة اللبنانية نفسها في تعاملاتها مع دول الخليج، لأن حكومتها ستوصم بالإرهاب ما دفع هذه الدول لإخضاع هذه المسألة للدراسة.

رابعاً: "حزب الله" والصراع السوري

إذا كان اعتراف الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" بتدخل مقاتلي حزبه في الحرب في سوريا إلى جانب نظام "بشار الأسد" أحد أهم أسباب اتخاذ دول الخليج لقرار عدم التعامل بأي مصلحة للحزب في هذه الدول والاتجاه لاعتباره منظمة إرهابية، فإن المؤكد هو تورط الحزب في سوريا منذ تبني "الأسد" الحل العسكري ضد الثورة الشعبية التي اندلعت في 15 مارس/آذار 2011؛ حيث أشير في تقارير عديدة إلى وجود عناصر مقاتلة تابعة "لحزب الله" انضمت للقتال بجانب قوات "الأسد" في بعض المدن السورية؛ وهذا ما يمكن استشفافه من خطابات أمين عام الحزب "حسن نصر الله" منذ بداية الأزمة.

إنّ تدخل الحزب الواضح في الصراع الدائر في سوريا له العديد من الدلالات على مستقبل الصراع السوري والدولة اللبنانية والتوازنات الإقليمية، وكذا على المواقف الدولية؛ فلبنانيًّا مثّل تدخل الحزب تأكيدًا على رفضه التام التنازل عن سلاحه تحت أي ظرف، كما أنه بموقفه من سوريا يؤكد على أنه "دولة في داخل الدولة" دون نظر لمصالح الدولة اللبنانية بمختلف طوائفها وفئاتها؛ ما سيؤدي إلى تغيير توازنات القوى داخل المجتمع اللبناني وترجيح كفة طائفة على أخرى؛ الأمر الذي سيزيد حالة الاحتقان الطائفي ويهدد باحتمال اندلاع حرب أهلية جديدة، وهو ما ظهرت مؤشراته في اشتباكات مدينة طرابلس بشمال البلاد مؤخراً(21).  

وعلى مستوى الصراع السوري؛ فإن تدخل "حزب الله" في الصراع سيغير توازنات القوى العسكرية بين الجيش السوري النظامي والمعارضة، نظرًا لخبرة الحزب الكبيرة في الحروب غير النظامية "حرب العصابات" وهو ما تجسد في حرب القصير الأخيرة، الأمر الذي يهدد بإطالة أمد المواجهات المسلحة في سوريا (لاسيما وأن هناك ميليشيات أخرى إيرانية مثل فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وعراقية مثل لواء أبي الفضل العباس تساند النظام السوري)(22)؛ وهذا ما يؤكد أن "حزب الله" أصبح جزءًا من المنظومة الأمنية السورية-الإيرانية المشتركة.

وإقليميًّا، فإن تدخل "حزب الله" أضفى طابعًا طائفيًّا على الصراع في سوريا وصوره بأنه صراع شيعي-سُني، ذلك الصراع الطائفي الذي ربما يمتد إلى لبنان والعراق ودول الخليج وتركيا، وبذلك يتحول إلى صراع طائفي إقليمي تؤججه وتعزز من استمراره إيران عبر الدعم اللوجستي لحليفيها "الأسد" و"حزب الله" لبسط المزيد من نفوذها داخل الدول العربية ولكسب المزيد من الوقت للانتهاء من برنامجها النووي.

أما دوليًّا، فإن تدخل الحزب عسكريًّا عزز الانقسام بين القوى الكبرى بشأن الأزمة السورية، ذلك الانقسام الذي طفى على السطح منذ اليوم الأول للأزمة، فروسيا والصين حليفا "الأسد" لم يتوانا عن دعمه سياسيًّا (بمجلس الأمن) وعسكريًّا بمده بالأسلحة لمواجهة "المعارضة"، كما أعلن الرئيس الروسي "بوتين" يوم 6 يونيو/حزيران 2013 استعداد بلاده إرسال وحدة عسكرية إلى هضبة الجولان لتنضم إلى قوة حفظ السلام الدولية هناك، بهدف الحفاظ على جبهة الجولان بعيدة عن الصراع السوري الداخلي، ولذا فإن الموقف الروسي يمثل تأييدًا ضمنيًّا لتدخل "حزب الله" لأنه سيعمل على بقاء نظام "الأسد"، مما يحقق مصالح استراتيجية لروسيا منها استمرار نظام الأسد في الحكم، حليفها الاستراتيجي بالمنطقة، وبقاء القاعدة العسكرية الروسية في "طرطوس"، المدينة الساحلية السورية على البحر الأبيض المتوسط.

خامساً: تداعيات الأزمة على العلاقات الخليجية الإيرانية

رغم حسن النوايا الذي دائمًا ما تبديه دول مجلس التعاون تجاه إيران وهو ما تجسد أحد مظاهره في دعوة الرئيس "أحمدي نجاد" لحضور قمة دول المجلس التي عقد في الدوحة عام 2007، كان من أسباب تدهور العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي (وتحديدًا البحرين والسعودية والكويت والإمارات) وإيران تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول، لزعزعة أمنها واستقرارها، عبر استغلال المتغير المذهبي فيها. فقد عملت إيران على توظيف التنظيمات والأحزاب ذات التوجهات الطائفية، لخدمة أهدافها بعد ثورة 1979، وتنفيذ مشروعها في المنطقة العربية، سواء تلك التي قامت بتأسيسها وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني، أو تلك التي تحظى بتأييدها ودعمها السياسي والإعلامي في بعض دول الخليج العربي.

ولقد أتاحت الاحتجاجات التي شهدتها بعض دول الخليج، ولاسيما البحرين في العامين الأخيرين، الفرصة أمام إيران لتنفيذ رؤيتها كدولة تدعي أنها حامية للشيعة، عبر استغلال وتوظيف العامل الطائفي في هذه الأحداث، وما يعزز ذلك هو ما كشفته اعترافات أعضاء شبكات التجسس الذين تم القبض عليهم في السعودية والكويت والبحرين حول المخططات التي تحاك ضد دول المجلس لإثارة الفوضى ونشر الذعر فيها؛ ففي البحرين تم رصد طائرة تجسس إيرانية بدون طيار في 22 مايو/أيار 2013، كما أعلن وزير الداخلية البحريني يوم 16 فبراير/شباط 2013 الكشف عن "خلية إرهابية" كان الغرض منها أن تكون نواة لتأسيس ما سُمي بـ "جيش الإمام" في البحرين، وكانت تستهدف مواقع حساسة مدنية وعسكرية وشخصيات عامة. وفي الكويت تم الكشف كذلك عن شبكة تجسس تعمل لحساب الحرس الثوري قامت بتصوير المنشآت العسكرية الكويتية والأميركية وسلمتها إلى الأجهزة العسكرية والأمنية الإيرانية. وفي السعودية أعلنت وزارة الداخلية يوم 19 مارس/آذار 2013 إلقاء القبض على 18 متورطًا في أعمال تجسسية لصالح إيران، عدا عن الكشف عن خليتين إرهابيتين على علاقة بإيران في الرياض يوم 26 أغسطس/آب 2012 لتنفيذ عمليات إرهابية تهدد المصالح السعودية، فضلاً عن استهداف المسؤولين الخليجيين، وآخرهم السفير السعودي في واشنطن الذي نجا من محاولة اغتيال على يد عميل على علاقة بالحرس الثوري الإيراني وحُكم عليه قبل أيام بالسجن 25 عامًا، إضافة إلى استمرار إيران رفضها حل قضية الجزر الإماراتية المحتلة.

ولا شك أن الخطوة الخليجية الأخيرة بدراسة إدراج "حزب الله" على قائمة المنظمات الإرهابية من شأنها أن تؤثر بالسلب على علاقات دول المجلس مع طهران، بيد أن هذا التأثير يتوقف على عدة محددات رئيسية:

  1. الأول: يتعلق بما تتخذه دول مجلس التعاون من إجراءات مستقبلية إزاء بعض اللبنانيين الأعضاء بـ"حزب الله" أو من المتعاطفين معه، والشاهد على ذلك القرار التي اتخذته ضد التابعين له والمتواجدين والمقيمين على أراضيها من ناحية الإقامة والتعاملات المالية والاقتصادية، وأيضًا الاتفاقية الأمنية الخليجية المبرمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، والتي تتيح للدول الأعضاء التعاون في ملاحقة الخارجين على القانون أو النظام أو المطلوبين من الدول الأطراف في الاتفاقية واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، وهو ما قد يقابل بالرفض من جانب طهران، انطلاقًا من أسلوب المبادأة (الهجوم السياسي) الذي ترتكز عليه طهران في التعامل مع الدول التي توجد بها أقليات شيعية(23).
  2. الثاني: ما يشوب العلاقات الخليجية-الإيرانية من تناقضات وتباينات، سواء على المستوى القُطري أو على مستوى القضايا؛ فقُطريًّا، يغيب التوافق في العلاقات بين الجانبين، سواء على المستوى الثنائي، أو على المستوى الجماعي (في إطار مجلس التعاون)؛ إذ ثمة دول خليجية تسيطر حالة العداء على علاقاتها بإيران، كالبحرين، وثمة دول خليجية أخرى يغلب الطابع التعاوني على علاقاتها بإيران، مثل: قطر، وعُمان، الكويت، والإمارات، أما السعودية فيسود الفتور علاقاتها مع إيران بسب اعتراض الأخيرة على الدعم السعودي للحكومة البحرينية.

    وعلى مستوى القضايا، فرغم غلبة الطابع المشوب بالحذر على العلاقات السياسية بين الطرفين الخليجي والإيراني، فإن العلاقات الاقتصادية بينهما تتسم بالفاعلية في مجال التبادل التجاري والذي وصل إلى 30 مليار دولار عام 2011(24).

  3. الثالث: التنافس على النفوذ الإقليمي في الخليج خاصة بين السعودية وإيران، وهو ما يتجلى في الصراع الدائر في سوريا؛ إذ أدى قتال "حزب الله" اللبناني وجهات عراقية ماديًا وسياسيًا ولوجستيًا إلى جانب نظام "الأسد" الذي يحظى أيضًا بدعم وتأييد طهران في مقابل دعم دول مجلس التعاون الخليجي لمعسكر المعارضة السورية لأن تصبح سوريا ساحة للتنافس بين الطرفين.

 نحو مزيد من الاستقطاب الطائفي والصراع الإقليمي

مما لا شك فيه أن دخول "حزب الله" اللبناني كعنصر أساسي في مستقبل العلاقات الخليجية-الإيرانية يعني المزيد من التأزم والتصعيد في ظل بروز العامل المذهبي والطائفي كأحد العوامل الرئيسية لتأجيج الصراعات في المنطقة، وهو العامل الذي تعول عليه إيران في تنفيذ سياستها الخارجية ومشروعها في المنطقة واستخدامه كمطية لاختراق هذه الدول، وهو ما يتعين أن تتنبه له دول مجلس التعاون من خلال التسريع في إقرار المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعزيز مبدأ المواطنة كمبدأ حاكم لعلاقة الدولة بالمواطن بصرف النظر عن المذهب أو الجنس أو غيرهما، مع إعادة صياغة السياسة الخارجية لدول المجلس ومواءمتها مع تطورات المخططات الإيرانية إقليميًّا "كمحاولاتها تحييد مصر مثلاً"، ودوليًّا من خلال سد الأبواب عليها وعدم النفاذ إلى أمنها القومي، مع الوضع في الاعتبار ما يلي:

  1. الاستعداد لأية ردة فعل قد تصدر من إيران أو من الجهات الموالية لها في دول الخليج لجهة إمكانية إثارة المزيد من القلاقل في هذه الدول.
  2. سعي إيران لإقامة دولة عربية شيعية طائفية في المنطقة نواتها الجنوب اللبناني.
  3. وجود حزب الله كفصيل سياسي موصوم بالإرهاب مشارك في الحكومة والبرلمان اللبنانيين قد يسبب الحرج للحكومة اللبنانية التي قد توصف بالإرهابية، ولعل هذا هو السبب الذي دفع بدول الخليج إلى عدم التعجل في إدراج الحزب على قوائم الإرهاب، واكتفائها في المرحلة الحالية بفرض الضغوط عليه علّه يغير موقفه وسياساته ويعود لعروبته، وهو تدرج في التعامل مع القضية يحسب لدول المجلس، ومحاولة منها لحماية لبنان من عدوى الأزمة السورية.
  4. إذا سارت الأمور لصالح النظام في سوريا بمساندة "حزب الله" وغيره من الجهات الخارجية الأخرى فإن ذلك قد يزيد من نفوذ إيران في المنطقة، وستكون دول مجلس التعاون الهدف التالي للمخططات الإيرانية، ومن مؤشرات ذلك مطالبة وكيل وزارة الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية البحرين بالاعتذار عن تفتيش منزل أحد أئمة الشيعة، و"إلا ستواجه ما لا تُحمد عقباه"، وهو ما يعد تدخلاً في شأن داخلي لدولة عضو بمجلس التعاون(25)، وكذلك استدعاء القائم بالأعمال في سفارة دولة قطر بطهران مؤخراً لتبليغه احتجاج السلطات الإيرانية على خلفية ادعائها ضبط شبكة تعد للقيام بأعمال تخريبية في يوم الانتخابات الرئاسية الموافق 14 يونيو/حزيران الجاري، وهو أمر له دلالته، لاسيما وأنه جاء ضد دولة خليجية تتمتع بعلاقات جيدة مع طهران.

لقد باتت سوريا تتعرض لغزو طائفي من "حزب الله" وجماعات إقليمية أخرى لصالح دولة إقليمية لها أجندتها في المنطقة، وتقدم كل عون ومدد بشري ومادي وعسكري لنظام "الأسد".
______________________________________
* رئيس مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية– لندن

المصادر
1- الشرق الأوسط، 12/6/2013.
2- إبراهيم غالي، حزب الله بين المقاومة ومتاهات السياسة اللبنانية، كراسات استراتيجية، العدد 173، مارس/آذار 2007.
3- مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، "العدوان الإسرائيلي على لبنان: المغزى والأهداف"، 17/7/2006.
4- حازم صاغية، سليم نصار، الحياة/ الافتتاحية، هشام عوكل، القدس العربي/ أحمد عمرابي، البيان الإماراتية/ نيكولاس بلافورد، كريستان ساينس مونيتور/ تيم باتشر، تليجراف، 23، 24/5/2008.
5- الشرق القطرية، الاتحاد الإماراتية، المستقبل اللبنانية، الرياض السعودية، عالم اليوم الكويتية، الخليج الإماراتية، 10/4/2011.
6- الحياة، يونايتد برس انترناشيونال، الوطن البحرينية، 5/7/2012.
7- شبكة الدفاع عن السنة الإلكترونية، 23/2/2011.
8- عبد الله إسكندر، الخليج العربي وحزب الله، الحياة، 5/6/2013.
9- ظافر محمد العجمي، الوطن البحرينية، 5/6/2013
10- العربية نت، بي بي سي، 11/6/2013
11- الحياة اللندنية، 5/6/2013.
12- عبد الرحمن الراشد، الشرق الأوسط، 4/6/2013
13- قناة الجديد اللبنانية، 6/6/2013.
14- محمد جراد، أنماط مختلفة في تعريف الإرهاب، الحوار المتمدن، 5/7/2010.
15- عبد الله إسكندر، الخليج العربي وحزب الله، الحياة، 5/6/2013.
16- عبد الرحمن الراشد، الشرق الأوسط، 4/6/2013 عبد الله الهدلق، الوطن الكويتية، 4/6/2013.
17- الحياة، 19/5/2013.
18- الشرق الأوسط، 24/2/2011.
19- جوزيف بودر، مجلة فرونت بيج، 22/4/2013.
20- الحياة، 19/5/2013.
21- الحياة اللندنية، 2/5/2013.
22- السياسة الكويتية، 10/6/2013.
23- د. محمد السعيد عبد المؤمن، إيران والحركة الشعبية في دول الخليج، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، مجلة مختارات إيرانية، السنة العاشرة، العدد 128، مارس/آذار 2011، ص 58 – 59.
24- لمزيد من التفاصيل عن تناقضات العلاقات الخليجية-الإيرانية، انظر: صافيناز محمد أحمد، إيران والخليج.. تناقضات السياسة والاقتصاد، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، مجلة السياسة الدولية، العدد 181، يوليو/تموز2010، ص 166–169.
25- التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية البحرينية: التصريحات الرسمية وشبه الرسمية منذ 14 فبراير/شباط 2011 وحتى 31 مايو/أيار 2013 (نموذجًا)، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، مايو/أيار 2013.

ABOUT THE AUTHOR