القسم الثاني:الأحزاب الفاعلة ومساحات التأثير

كما أشرنا في القسم الأول فإن عدد الأحزاب السياسية والدينية، التي ظهرت في آسيا الوسطى والقوقاز بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وما زالت تظهر بين فينة وأخرى، كبير جدًا وإن كانت لا تتساوى في النشاط والفاعلية والتأثير.
201392373151831734_20.jpg
محيي الدين كبيري رئيس حزب النهضة الإسلامي في طاجكستان (الجزيرة)

كما أشرنا في القسم الأول فإن عدد الأحزاب السياسية والدينية، التي ظهرت في آسيا الوسطى والقوقاز بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وما زالت تظهر بين فينة وأخرى، كبير جدًا وإن كانت لا تتساوى في النشاط والفاعلية والتأثير؛ حيث إن بعضها لم يحقق انتشارًا، ولا يتعدى أن يكون مجموعات صغيرة ظهرت لفترة من الزمن ثم اختفت. ومن أهم الحركات الفاعلة يوجد ثلاث تعتبر عامة قوية ونشطة ويمتد تأثيرها على رقعة واسعة من آسيا الوسطى والقوقاز، وهذه الأحزاب هي:

  • حزب النهضة الإسلامي.
  • حزب التحرير الإسلامي.
  • الحركة الإسلامية الأوزبكية.

أولاً: حزب النهضة الإسلامي

أُسس حزب النهضة الإسلامي كحزب موحد لجميع مسلمي الاتحاد السوفيتي في مدينة أستراخان الروسية في شهر يونيو/حزيران عام 1990 من قبل مسلمين تتاريين، وكان الغرض من إنشاء الحزب التعريف بالإسلام وبالشريعة الإسلامية في كل المناطق التابعة للاتحاد السوفيتي حينذاك، وقد سُجل حزب النهضة الإسلامي رسميًا لدى السلطات في الاتحاد السوفيتي بعد سياسة غورباتشوف الانفتاحية، وقرر مؤسسو الحزب أن ينشئ مسلمو كل جمهورية في الاتحاد السوفيتي فرعًا خاصًا بهم إلا أن قيادات الحزب الشيوعي في جميع مناطق آسيا الوسطى عارضوا إنشاء فروع للحزب في مناطقهم(1).

ولما رجع المشاركون الطاجيك من اجتماع مدينة أستراخان لتأسيس فرع حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان واجهوا الحظر الذي أعلنت عنه القيادات الشيوعية في جميع جمهوريات آسيا الوسطى، ومع ذلك فقد أُنشئ فرع لحزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان من قبل أعضاء "جمعية شباب النوري" في وادي "كاراتكين" وساهم في إنشائه كذلك "الكاراتكينيين" الذين يقطنون منطقة "وادي وخش" حول مدينة "قرغان تبه".

أما الإعلان (غير الرسمي) عن نشأة حزب النهضة الإسلامي فقد كان يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول عام 1991 في مؤتمر شارك فيه 650 شخصًا من ممثلي المناطق، واختاروا محمد شريف همت زاده أول رئيس له، وقرروا إنشاء جريدة يومية بعد الاتفاق على الشعار الرسمي للحزب والعلم الخاص به، وأعلن الحزب أنه وقف لنشر الإسلام، وتقوية الصحوة الإسلامية، وأنه يسعى للحصول على الاستقلال السياسي والاقتصادي لطاجيكستان، وطمأن همت زاده الشعب الطاجيكي بأن الحزب سيسعى لإيجاد دولة ديمقراطية، تسعى للاستقرار وتتعهد بالالتزام بالقانون(2).

هذا بالنسبة للنشأة الرسمية لفرع حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، أما بالنسبة للرواية الخاصة فهم يرون أن الحزب الذي لم يكن يسمى بهذا الاسم حينذاك تأسس عام 1973(3). وفي العام 2013 جرى الاحتفال بمرور أربعين عامًا على نشأة حزب النهضة، ومن أهم من شارك في تأسيس الحزب الذي خرج إلى العلن باسم حزب النهضة الإسلامي عام 1991 الأستاذ عبد الله نوري والأستاذ محمد شريف همت زاده، وكانا من تلامذة الشيخ محمد رستموف المعروف بالهندوستاني، الذي درس في الهند، ورجع إلى بلده في السبعينيات من القرن الماضي بالأفكار التي تلقاها من العلماء والمشايخ وقيادات العمل الإسلامي الذين كانوا يزورون الهند في تلك الفترة؛ فأسس مدرسة دينية سرية في العاصمة الطاجيكية الحالية مدينة "دوشنبه" وانتشرت هذه المدارس الدينية السرية في المدينة حتى وصل عددها إلى (22) مدرسة دينية  بما فيها مدرسة الشيخ محمد رستموف الهندوستاني عام 1982، ولما انكشف أمر المدارس المذكورة أغلقتها السلطات السوفيتية، وحكمت على الشيخ رستموف بالحبس لمدة خمسة عشر عامًا يقضيها في سيبيريا، وتوفي الشيخ أثناء حبسه في المعتقل عام 1989، وكان للشيخ المذكور تلامذة كثيرون، منهم الشيخ عبد الله سيدوف الذي اشتُهر بعد ذلك بالأستاذ سيد عبد الله نوري المولود في منطقة "طويل دره" عام 1947، وأُجبرت أسرته مع أسر أخرى على التوطن في وادي "وخش" للعمل في مزارع القطن هناك عام 1953، واستطاع الشيخ عبد الله نوري أن ينشيء جماعة تعليمية في وادي وخش عام 1973 عندما كان طالبًا في كلية الهندسة، ولما خرج في مظاهرة عام 1987 احتجاجًا على استمرار القوات السوفيتية في عدوانها على الشعب الأفغاني اشتُهر أمره، فاعتقل على خلفية تلك المظاهرة مع أربعين شخصًا من أصحابه بحجة توزيع ونشر الكتب الإسلامية المحظورة وتأليب الناس على السلطة، ولما أُطلق سراحه عام 1988 استمر في عمله إلى أن ظهرت المجموعة التي كان قد أسسها الشيخ عبد الله نوري باسم "حزب النهضة الإسلامي"، وكان ساعده الأيمن في ذلك الأستاذ محمد شريف همت زاده(4).

وكان هذا الفرع هو الوحيد لحزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان الذي حصل على الاعتراف الرسمي من الحكومة من بين سائر فروع الحزب، وذلك نتيجة التضحيات التي قدمها إسلاميو طاجيكستان في الحرب التي نشبت بين الشيوعيين الكولابيين وبين بقية المعارضة على خلفية تزوير الانتخابات من قبل الشيوعيين وإعلان نجاح رحمان نبي أوف أول رئيس للحزب الشيوعي في الانتخابات الرئاسية عام 1992؛ فخرج أعضاء حزب النهضة إلى شوارع مدينة دوشنبه وميادينها واعتصموا فيها فاضطر نبي أوف للاستقالة، فشكّل الشيوعيون من منطقة "كولاب" ميليشيات تشن الهجمات على القرى والأرياف والتجمعات الخاصة بحزب النهضة، فنصب إمام علي رحمانوف كبير قائد مليشيات الكولابيين رئيسًا على البلد رغم الاحتجاجات الكثيرة، وذلك إثر تدخل أوزبكستان وروسيا لصالح الشيوعيين الكولابيين؛ مما قاد إلى حرب دامت خمس سنوات، وتوصل الطرفان بعد أن سالت دماء كثيرة إلى اتفاقية المصالحة عام 1997، وكان ذلك بعد محادثات مباشرة بين الشيخ عبد الله نوري وإمام علي رحمانوف، اعترفت بموجب تلك الاتفاقية الحكومة بحزب النهضة الإسلامي، وتم تسجيله حزبًا سياسيًا قانونيًا، كما تم الاتفاق على دمج مقاتليه في الجيش الوطني، وعلى أن يكون نصيب حزب النهضة 30% من مناصب الدولة الطاجيكية، فتمت الاتفاقية ورجعت قيادات الحزب من أفغانستان، وباكستان وإيران وموسكو إلى طاجيكستان، وخاصة بعد أن شعر أطراف الصراع بخطر حركة طالبان بعد استيلائها على كابول.

تعرض حزب النهضة أثناء الحرب الداخلية وبعد اتفاقية المصالحة لانشقاقات عدة؛ فانشق عنه الشيخ محمد أكبر تورجان زاده، وكان من أشهر المشايخ في طاجيكستان، كما انشق عنه عدد كبير من القادة الميدانيين ورفضوا أن تدمج كتائبهم في الجيش الوطني كما كانت الاتفاقية تنص، وكان من بينهم "جمعه باي نمنكاني" الذي اشتُهر بعد ذلك كأكبر قائد عسكري للحركة الإسلامية الأوزبكية وقُتل في الغارات الأميركية على شمال أفغانستان إبان الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، ومنهم "رحمان سنكينوف" وغيرهم.

بدأ حزب النهضة الإسلامي نشاطه بقوة كحزب سياسي في طاجيكستان بعد المصالحة، وخاصة بعد وفاة الزعيمين المؤسسين؛ الشيخ عبد الله نوري (توفي عام 2006) ومحمد شريف همت زاده (توفي عام 2009)، وبعد ما تولى محي الدين كبيري قيادة الحزب عام 2006، ويعتبر كبيري من القيادات الشابة في الحزب مع خلفية ثقافية واسعة(5)، والإيمان بالعمل السلمي السياسي؛ ومن ثم شارك الحزب في كل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أُجريت بعد المصالحة في طاجيكستان إلا أن الحكومة الطاجيكية تتعامل معه باستمرار بطريقة استفزازية. يقول كبيري: "شارك حزب النهضة الإسلامي في الانتخابات التي أجريت عام 2005 والتي أجريت عام 2010؛ وتم تزوير الانتخابات في كلتا المرتين، ومع أن حزب النهضة حصل على نسبة كبيرة من الأصوات إلا أنه لم يُعطَ من المقاعد حسب استحقاقه"، ويضيف قائلاً: "لم يتمكن المجتمع الدولي من رعاية الاتفاقيات التي وُقّعت برعاية الأمم المتحدة بين حزب النهضة وإمام علي رحمانوف لانشغال المجتمع الدولي في أفغانستان بعد حوادث 2001، وفي نفس الوقت أعطت الحرب التي شنتها أميركا على القاعدة وحركة طالبان فرصة ذهبية لحكام آسيا الوسطى لاستغلال الوضع ضد الإسلام والمسلمين في المنطقة"(6).

ومع كل ما تعرض له الحزب -ولا يزال يتعرض له- يؤكد كبيري والقادة الآخرون على استمرارهم على النهج السياسي السلمي للحفاظ على أمن طاجيكستان وسلامة الشعب الطاجيكي، أما بالنسبة للمستقبل فيرى أن "دول آسيا الوسطى ليست مثل الدول العربية ومن هنا لاننتظر ثورة فيها، ولا أمل في نجاح الثورات هناك وانما نؤكد على الإصلاح السياسي، وسنقرر كيفية المشاركة في الانتخابات التي يُزمع عقدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013م"(7)، ويعتبر حزب النهضة الإسلامي الحزب الوحيد الرسمي بمرجعية دينية في آسيا الوسطى والقوقاز كلها، وذا ثقل شعبي كبير في المجتمع الطاجيكي؛ حيث وصل عدد أعضائه أربعين ألف شخص حسب تصريحات قيادات الحزب بمناسبة مرور أربعين سنة على نشأة الحزب.

وبهذه الصورة استطاع الفرع الطاجيكي لحزب النهضة الإسلامي أن يجد موطئ قدم له في طاجيكستان، وأما الفروع الأخرى لحزب النهضة الإسلامي في بلدان آسيا الوسطى الأخرى فلم تتمكن من الانتشار، وذلك لأن القائمين على أمره في كازاخستان كانوا من الأوزبك فلم يجد رواجًا بين سكان كازاخستان الأصليين، وأما قيرغيزيا فانتشر بين الأوزبك في الجنوب ولم ينتشر بين القيرغيزيين أنفسهم، وأما أوزبكستان فقد انتشر بسرعة فائقة في وادي فرغانة إلا أن زعيمه عبد الله عطايف اختُطف ثم قُتل بيد الاستخبارات الأوزبكية عام 1992 فاضمحل الحزب وحلت محله في أوزبكستان مجموعات أخرى متشددة مثل "التوبة"، و"إسلام لشكر لري" (جند الإسلام)، و"العدالة"(8).

ثانيًا: حزب التحرير الإسلامي

هو الحزب الذي أنشأه الشيخ تقي الدين النبهاني عام 1953 في الأردن، ولم يكن له وجود في آسيا الوسطى قبل 1995، وأنشئت الدائرة الأولى لحزب التحرير في هذا العام من قبل أحد الأردنيين وكان اسمه صلاح الدين الذي كان يزور طشقند وكان ذلك بمساعدة اثنين من الأوزبك وفقًا للسجلات الرسمية الأوزبكية. كانت "رسائل حزب التحرير" تدور في الأوساط الشبابية الأوزبكية في عامي 1995 و1996 ولم تهتم بها الاستخبارات الأوزبكية لأنها لم تكن تستحق الاهتمام في نظرها، لكنها انتبهت لخطورة الحزب عندما أُنشئت دوائر(9)الحزب في طشقند وبدأ أتباع الحزب ينتشرون في وادي فرغانة وتسرب إلى طاجيكستان وقيرغيزستان المجاورتين. يدعي حزب التحرير أن أعدادًا كبيرة من الشباب انضمت إلى الحزب في دول آسيا الوسطى، والأعداد الكبيرة من المعتقلين بتهمة الانتماء إلى حزب التحرير تؤيد هذا الادعاء. قسّم حزب التحرير العالم إلى ولايات، ويبدو أن آسيا الوسطى كلها تعتبر ولاية واحدة، ويبدو أن القيادة المركزية للولاية في أوزبكستان وتدير القيادة نفسها فروع الحزب في طاجيكستان وقيرغيزستان، توجد عدة أمور ساعدت على تمدد حزب التحرير في أوساط الشباب والمثقفين من شعوب آسيا الوسطى، وأهمها مايلي:

  1. الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، لأن أغلب الشباب من المثقفين ويستفيدون بمهارة من الإنترنت والمواقع المخصصة للتواصل الاجتماعي.
  2. توصيل صوت الحزب عن طريق المنشورات التي يرمونها ليلاً داخل البيوت في المدن.
  3. تدعي قيادات الحزب أن مسؤولين كبارًا في حكومات آسيا الوسطى يساعدون الحزب في برامجه وخاصة في أوزبكستان.
  4. يرى كثير من المحللين أن الشباب يرغبون في الانضمام إلى الحزب لأن الحزب يهتم بالجانب السياسي، ويناقش القضايا اليومية التي يواجهها الشباب في تلك البلاد، ومنها الفقر والبطالة واستبداد الحكام، ويقدم حلاً بسيطًا لجميع تلك المشاكل وهو إعادة الخلافة في نظرهم، وفي نفس الوقت لا يطالب الحزب أعضاءه بالالتزام بشرائع الإسلام ولا يتشدد في ذلك أبدًا؛ وهذا ما يشجع الشباب على الانتماء إلى حزب التحرير.
  5. ويرى بعض المحللين أن من أهم أسباب انضمام الشباب إلى صفوف الحزب ليس حبهم في حزب التحرير بل كرههم لنظام إسلام كريموف (الرئيس الأوزبكي) لأنهم يجدون فيه متنفسًا لإظهار كراهيتهم للنظام القائم في أوزبكستان خاصة وفي باقي دول آسيا الوسطى عامة(10).

وللأسباب المذكورة يعتبر حزب التحرير اليوم من الجماعات والأحزاب التي لفتت أنظار الشباب إليها في آسيا الوسطى بقوة، إلا أن ما يدعيه الحزب من أن عدد أعضائه في آسيا الوسطى بلغ مئات الآلاف لا يعدو أن يكون مبالغة.

ويدرك المطّلع على فكر حزب التحرير الإسلامي أنه ليس من الجماعات التي تنتهج العنف والقوة وسيلة للتغيير مع أن طرحه الفكري متشدد جدًا؛ حيث إن الحزب يعتبر العالم كله دار كفر ولا يخرجه من هذا الوصف إلا إقامة الخلافة الإسلامية، لكن الحزب لا يريد تغيير دار الكفر عن طريق استخدام السلاح بل الطريق إلى إقامة الخلافة في نظرهم هو نشر الوعي السياسي بين الشباب وتربيتهم على ذلك، ووصف الحزب نفسه في أحد بياناته بأنه (منظمة سياسية وفكرية إسلامية لا تعتمد الإرهاب أو العنف أو الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها)(11) ، ومن هنا يجد رواجًا كبيرًا بين الشباب المثقف.

ثالثًا: الحركة الإسلامية في أوزبكستان

بدأت الحركة التي اشتُهرت بعد ذلك بـ"الحركة الإسلامية الأوزبكية" قبل تفكك الاتحاد السوفيتي بعدة أشهر، لما احتلت مجموعة من الشباب من منطقة "نمنكان" مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في أوزبكستان إثر رفض رئيس البلدية إعطاءهم قطعة أرض لإعمار المسجد، وكان قائد المجموعة المذكورة شاب اسمه طاهر عبد العلي يوويتش يولداشف(12)، وكان معه شاب آخر اسمه جمعة باي أحمد زانووتش خوجه أوف الذي اشتُهر بعد ذلك بـ"جمعة باي نمنكاني" نسبة إلى نمنكان مسقط رأسه، وشارك في الحرب السوفيتية-الأفغانية عام 1987 كجندي في الجيش السوفيتي، ثم رُقّي إلى قائد مجموعة، وكان يُكنّ احترامًا كبيرًا للمجاهدين الأفغان الذين قاتلهم في أفغانستان، يقول أصدقاؤه: "كأنه وُلِد مسلمًا من جديد بعد مشاركته في الحرب السوفيتية ضد أفغانستان"، صار جمعة نمنكاني أسطورة في القتال وقيادة المعارك، وكان أتباعه وأصدقاؤه يحترمونه ويجلونه(13).

بدأ هؤلاء عملهم في مدينة نمنكان عام 1990، فانضم إليهم حوالي خمسة آلاف شخص، وأنشأوا مدرسة ومسجدًا، ووضعوا قوانين صارمة، وكانت المجموعات تتجول في السوق لمنع المنكرات وضبط الأسعار، فطلب طاهر يولداشف من إسلام كريموف الرئيس الأوزبكي أن يزور نمنكان ويتحاور معهم، وبالفعل زار كريموف المنطقة في شهر إبريل/نيسان عام 1991؛ فطلب منه يولداشف أن يعلن أوزبكستان دولة إسلامية وأن يفتح مزيدًا من المدارس الدينية والمساجد، وهو ما أغضب كريموف.

انضمت هذه المجموعة في البداية إلى حزب النهضة الإسلامي فرع أوزبكستان الذي كان قد تشكل لتوه في دول آسيا الوسطى والقوقاز لكنهم لما رأوا أن حزب النهضة الإسلامي ينوي الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات اتهموه بأنه صنيعة الحكومة وانفصلوا عنه فقد كانوا يرون أن تحقيق التغيير يكون بالثورة الإسلامية وعن طريق استخدام القوة، فأنشأوا حزب "العدالة" الذي انتشر بسرعة فائقة في إنديجان ومارجيلان وكووا وكل وادي فرغانة حتى وصل تأثيره إلى منطقة أوش في قيرغيزستان مقللاً من تأثير حزب النهضة.

وفي شهر مارس/آذار عام 1992 تم حظر حزب العدالة من قبل حكومة أوزبكستان، وألقت القبض على حوالي سبع وعشرين من قياداته، وهرب الباقون إلى طاجيكستان وكان من بينهم طاهر يولداشف وجمعة باي نمنكاني. بقي طاهر يولداشف لفترة في المدرسة التي كان يديرها الشيخ محمد أكبر توره جان زاده، وانضم جميع الهاربين من أوزبكستان إلى حزب النهضة في طاجيكستان وكان ذلك قبيل الحرب الأهلية في طاجيكستان، ولما بدأت الحرب الأهلية هاجر مع قيادات حزب النهضة إلى أفغانستان، فبقي في مركز حزب النهضة في ولاية طالقان بأفغانستان لفترة ثم سافر إلى باكستان ثم قام بالسفر إلى عدة دول إسلامية لأنه كان بصدد إحياء الحركة الإسلامية في أوزبكستان. بقي طاهر يولداشف في بيشاور التي كانت مقرًا للمجاهدين من كل العالم الإسلامي من 1995 إلى 1998، وفي هذه الأثناء سافر إلى الشيشان وقت حرب روسيا على الشيشان وقابل قيادات المقاومة الشيشانية(14).أما جمعة باي نمنكاني فجمع حوله كل من كان يهرب من ظلم كريموف بالإضافة إلى مجموعة من العرب والأفغان الذين تأثروا بشخصيته فشارك في الحرب الطاجيكية إلى جانب مقاتلي حزب النهضة، وكان مركزه منطقة "طويل دره"، وكانت من أشهر معاركه معركة معبر هابو ريبوت عام 1993؛ فاشتُهر أمره وصادق عددًا كبيرًا من القيادات العسكرية لحزب النهضة، وكان له دور كبير في كثير من المعارك وبرز كقائد عسكري استراتيجي كبير، ولما تمت المصالحة بين حزب النهضة وحكومة رحمانوف لم يقبل المصالحة لكنه سلّم أسلحته بضغوط من قيادات حزب النهضة، واتخذ لنفسه مركزًا في منطقة "هايت" يستقبل فيه الهاربين الأوزبك من بطش إسلام كريموف.

التقى طاهر يولداشف بجمعة نمنكاني في "هايت" عام 1997 بعد ضغوط كبيرة من قبل حكومة إسلام كريموف على أصدقائهما وعلى عامة المسلمين في أوزبكستان، والتقى طاهر يولداشف قبل ذلك بقيادات حركة طالبان في نفس العام، في الوقت الذي كان جمعة نمنكاني يتعرض لضغوط من قبل حكومة طاجيكستان ليُخلي "هايت" فاضطر لمغادرة طاجيكستان واللجوء إلى أفغانستان، وفي كابول عام 1998 أعلن طاهر يولداشف وجمعة باي نمنكاني ولادة "الحركة الإسلامية الأوزبكية"، وبدأ نمنكاني تنظيم المجموعات لقتال حكومة إسلام كريموف من داخل أراضي طاجيكستان، وفي عام 1999 قام بالعديد من العمليات المؤثرة ضد حكومة أوزبكستان، وبعد ضغوط من أعضاء حزب النهضة في طاجيكستان قَبل أن يترك مركزه في منطقة طويل دره وينتقل مع ستمائة من مقاتليه وأسرهم إلى أفغانستان، بطائرات تابعة للجيش الروسي حيث استُقبلوا في أفغانستان من قبل طالبان وطاهر يولداشف استقبال الأبطال. لم يجلس جمعة نمنكاني في أفغانستان من غير عمل بل واصل تحركاته ضد حكومة أوزبكستان بتنظيم هجمات في مختلف أنحاء أوزبكستان ضد حكومة إسلام كريموف(15).

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2001، وعندما هاجمت أميركا حكومة طالبان بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تولى جمعة باي نمنكاني قيادة قوات المجاهدين الوافدين من مختلف الجنسيات في طالقان فقُتل في قصف أميركي على مدينة مزار شريف، ومع سقوط حكومة طالبان خرج أعضاء الحركة الإسلامية في أوزبكستان مع قادتها من أفغانستان واستقروا في منطقة وزيرستان وبدأت مرحلة جديدة في حياة الحركة الإسلامية الأوزبكية. وفي هذه المرحلة تورطت الحركة في المعارك ضد القوات الباكستانية كما كان لها دور في الحرب الدائرة في أفغانستان ضد القوات الأجنبية، وتورطت أيضًا في المشاكل مع رجال القبائل في منطقة وزيرستان؛ حيث قُتل أمير الحركة الإسلامية الأوزبكية في هجوم طائرة أميركية من غير طيار في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1430ه الموافق 27 أغسطس/آب عام 2009، وعينت الحركة أميرًا جديدًا لها وهو عثمان بن عادل، وينحدر من نمنكان مسقط رأس الأمير السابق للحركة التي ما زالت نشطة في داخل أوزبكستان كما أن لها نشاطًا في داخل أفغانستان وباكستان(16).
____________________________________________
المصادر والمراجع
1  - أحمد رشيد، (جهاد: إسلام پيکار جو در اسياي مرکزي) "الجهـاد: الإسلام المحارب في آسيا الوسطى"، ترجمة جمال آرام (طهران ـ إيران عام 1387ه ش)، ص 129.
2  - (جهاد: إسلام پيکار جو در اسياي مرکزي) "الجهـاد: الإسلام المحارب في آسيا الوسطى" ص 128.
3  - هذه الرواية سمعها الباحث من بعض قيادات حزب النهضة الإسلامي.
- (جهاد: إسلام پيکار جو در اسياي مرکزي) "الجهـاد: الإسلام المحارب في آسيا الوسطى" ص 127.
- خليل الرحمن سلحشور، مصاحبه با "محي الدين کبيري" رهبر حزب نهضت إسلامي تاجيکستان، جاويدان، شنبه 04 خرداد 1392:
http://jawedan.com/index.php/1389-03-26-19-12-2/5745---q--q
- راجع تقريرًا عن المؤتمر الذي تحدث فيه الأستاذ كبيري على موقع إصلاح أون لاين على الرابط التالي: http://eslahonline.net/43811
7  - من ملاحظات سجلها الباحث خلال أحاديث سمعها  من كبيري خلال سفره الأخير على رأس وفد كبير إلى كابول يوم 29-31 مايو/أيار 2013م.
- (جهاد: إسلام پيکار جو در اسياي مرکزي) "الجهـاد: الإسلام المحارب في آسيا الوسطى" ص 133 المصدر السابق. ومقال "احزاب إسلامي در کشورهاي اسياي مرکزي" (الأحزاب الإسلامية في دول آسيا الوسطى" للكاتب: سيد مرتضى مفيد، نشرية ذكر، شماره(العدد) ?? / ديماه ??:
http://www.zekr.ir/article.asp?aid=1319&lng=1 
- الدائرة هي أصغر خلية في الحزب تتكون من خمسة إلى سبعة أشخاص، يكون على رأسها شخص من مستوى أعلى في الحزب، يتدارس أفراد الدائرة الكتب المنهجية للحزب، وهذه الدوائر تعمل بحرية ومن هنا يصعب كشف التنظيم بأكمله حتى وإن كُشفت دائرة أو عدة دوائر.
10  - فياض جلات خان ،"احزاب إسلامي در آسياي مركزي" (الأحزاب الإسلامية في آسيا الوسطى): http://www.fayaz12.blogfa.com/post-13.aspx
11  - الحركات والجماعات الجهادية في آسيا الوسطى، مركز السكينة للبحوث والدراسات،11/02/2012:
http://www.assakina.com/center/parties/12884.html
12  - عُرف بعد ذلك في أفغانستان وباكستان بعدة أسماء منها: طاهر يولداشوف، وطاهر يولداش، وقاري طاهر جان، ومحمد طاهر فاروق.
13  - (جهاد: إسلام پيکار جو در اسياي مرکزي) "الجهـاد: الإسلام المحارب في آسيا الوسطى" ص175- 176 المصدر السابق.
14  - (جهاد: إسلام پيکار جو در اسياي مرکزي) "الجهـاد: الإسلام المحارب في آسيا الوسطى" ص178- 180 المصدر السابق.
15 - (جهاد: إسلام پيکار جو در اسياي مرکزي) "الجهـاد: الإسلام المحارب في آسيا الوسطى" ص182- 185 المصدر السابق.
16 - مصباح الله عبد الباقي، حقيقة الغزو الأميركي لأفغانستان، (دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة عام 2005م ) ص121، طبع، والرابط التالي على موقع المسلم: http://www.almoslim.net/node/132889

ABOUT THE AUTHOR