[الجزيرة] |
ملخص تعتبر منظمة شنغهاي للتعاون منبرًا كبيرًا يجمع تشكيلات واسعة من الدول سريعة الصعود. وبما أن المنظمة نشأت بمبادرة من روسيا والصين؛ فإنها تضم عددًا من دول آسيا الوسطى كأعضاء دائمين، بينما تظل إيران وأفغانستان، وباكستان، دولاً مراقبة وليست دائمة. ويشكّل عضوان من الأعضاء الدائمين والمراقبين (إيران وروسيا) أكبر منتج للطاقة في العالم، كما تضم المنظمة أكثر الدول استهلاكًا لموارد للطاقة، وهما: الصين والهند. ولدى معظم هؤلاء ما ينازعون الغرب من أجله، كما أن لديهم طموحات سياسية وعسكرية. وليست هذه الدول هي الدول الأكبر في أوراسيا فحسب، بل تعد من بين أكثر الدول تأثيرًا في الساحة الدولية. تثير الأزمة الأوكرانية أسئلة أكثر مما تعطي أجوبة بخصوص مستقبل منظمة شنغهاي للتعاون؛ فهل ستقترب روسيا أكثر من الصين وإيران، وتبتعد عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟ وماذا سيكون رد فعل إيران، التي يبدو أنها بدأت أخيرًا في التحرر من العزلة التي فرضها عليها الغرب؟ هل سيدعم الأعضاء الآخرون في المنظمة روسيا على حساب علاقاتهم مع الغرب، خاصة أولئك الموالين للغرب مثل الهند؟ تحلل هذه الورقة الفرص المحتملة لتوسيع منظمة شنغهاي للتعاون، وترى أن الظرف الدولي يدفع روسيا إلى القبول بإيران كعضو فاعل بعد أن كانت تتذرع بالعقوبات الدولية كسبب لإبقائها كعضو مراقب. وفي ضوء الاضطرابات المتزايدة في الشؤون الدولية والدور المتراجع للأمم المتحدة؛ فإن عام 2014 سيكون عام اختبار لصلابة وديمومة منظمة شنغهاي للتعاون. |
أصبحت أوكرانيا في الوقت الحالي مركز جذب للرأي العام العالمي. ومن الملاحظ أن الحضور الخافت لمشاكل المجال السياسي الأوراسي على الساحة الدولية قد ازداد خفوتًا بسبب الوضع الراهن في القرم وما ينتظره في المستقبل. ولأول مرة منذ عقدين، تدخل دولة روسيا الفتية في مواجهة مع الغرب بهذه الدرجة من العمق والوضوح. ويمكن القول بأن تصرفات موسكو ترتكز إلى منطق خاص بها، وهو ما ظهر في حرب 2008 مع جورجيا التي تلاها إعلان استقلال جنوب أوسيتيا وأبخازيا وكذلك الحال فيما يتعلق بالصراع الدائر في سوريا.
وتتفاوت المواقف تجاه بوتين والحكومة الروسية فهناك من يكنّ لهما الاحترام، وهناك من تتملكه الخشية والخوف تجاههمها، وهناك أيضًا من يرون أن روسيا اليوم تحقق توازنًا يواجه نزعة الغرب التوسعية. وهذا لا يغير من طبيعة الأشياء؛ فنهم روسيا لاستعادة مكانتها في المشهد الدولي صار أمرًا واقعًا ولا يتجاوز طردها من مجموعة الثمانية المدلول الرمزي، مع أن روسيا لا تنطبق عليها معايير التعريف الغربي للدول "المتقدمة".
تواجه روسيا اليوم حزمة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، كإهمال رأس المال الإنساني، ونمو النزعة القومية، وانعدام النمو الاقتصادي، واعتماد الاقتصاد بصورة أساسية على تصدير الهيدروكربونات. ومع ذلك، فإن انتصار حكم بوتين يعني تحولاً كبيرًا تجاه الشرق؛ الأمر الذي كان متوقعًا، وملحوظًا. ويمكن لموقف الكرملين المتجاهل للتدهور الخطير للعلاقات مع الغرب أن ينهي نموذج التعاون السابق؛ فعلى سبيل المثال، لا ترغب الولايات المتحدة بالمرة في عزل روسيا من أجل الحفاظ على علاقات حميمة مع الصين. وبناءً على هذه الاعتبارات، فإن رد فعل البيت الأبيض على ضم شبه جزيرة القرم غير حاسم، بل ربما غلبت عليه اللامبالاة.
ومن جهة أخرى، وفي حال فكّر الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات اقتصادية تؤثر سلبًا على روسيا؛ فإنه سيجبرها على البحث عن مستهلك آخر لما تنتجه من الهيدروكربونات. ومن الصعب استشراف التداعيات المحتملة لمثل هذه القرارات. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التحول في الأولويات الروسية، فإن هذه الورقة تحلل الفرص المحتملة لتوسيع منظمة شنغهاي للتعاون.
تعتبر منظمة شنغهاي للتعاون منبرًا كبيرًا يجمع تشكيلات واسعة من الدول سريعة الصعود. وبما أن المنظمة نشأت بمبادرة من روسيا والصين، فإنها تضم عددًا من دول آسيا الوسطى كأعضاء دائمين، بينما تظل إيران وأفغانستان، وباكستان، دولاً مراقبة وليست دائمة. وتعد إيران وروسيا مجتمعتين أكبر منتج للطاقة في العالم. كما تضم المنظمة أكثر الدول استهلاكًا لموارد الطاقة، وهي: الصين والهند. ولدى معظم هؤلاء ما ينازعون الغرب من أجله، كما أن لديهم طموحات سياسية وعسكرية. وليست هذه الدول هي الدول الأكبر في أوراسيا فحسب، بل إنها في العموم من أهم الدول تأثيرًا في الشؤون الدولية.
وتثير الأزمة الأوكرانية أسئلة أكثر من الأجوبة بخصوص المستقبل لمنظمة شنغهاي للتعاون؛ فهل ستقترب روسيا أكثر من الصين وإيران، وتبتعد عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟ ماذا سيكون رد فعل إيران، التي يبدو أنها بدأت أخيرًا في التحرر من العزلة التي فرضها عليها الغرب؟ هل سيدعم الأعضاء الآخرون في المنظمة روسيا على حساب علاقاتهم مع الغرب، خاصة أولئك الموالين للغرب مثل الهند؟
توقعات
يتعاظم دور القوى الصاعدة بوتيرة سريعة كل يوم. وكما يلاحظ ستيوارت باتريك فإن منظمة التجارة العالمية تزداد عجزًا، أما الناتو فيعاني أزمة هوية، وتفرض وكالة الطاقة الدولية حكمها برفض عضوية الصين والهند. وبسبب تعمق الاعتماد المتبادل وسرعة التغييرات التكنولوجية، تتنامى الحاجة إلى تعاون دولي بديل (1) . وتدفع تلك الحاجة الدول الصاعدة لإنشاء مؤسسات موازية للمؤسسات التقليدية التي تسمح لهم بالتعامل بشكل كافٍ مع المجال الجيوسياسي المحيط بهم.
في هذا السياق، تهدف منظمة شنغهاي إلى تمتين التعاون بين أعضائها في القضايا الاستراتيجية النابعة من مصالحها المشتركة. ويمكن النظر إلى ذلك على أنه وقوف ضد الغرب. وبشكل أكثر تحديدًا، فإن المنظمة تهدف إلى صياغة مجالها الإقليمي فيما يتعلق بالتعاون الأمني، والاقتصادي والسياسي. وتتعدد دوافع الفاعلين من أعضاء المنظمة، ولكنهم جميعًا يمثلون منطقة آسيا الوسطى، التي تُعد منطقة عازلة كما أنها قاعدة للموارد، وممر تجاري؛ وبكلمة واحدة: إنها مجال لمصالح استراتيجية.
وجدير بالاهتمام أن دور جمهوريات آسيا الوسطى يتقلص ليصبح دور المساعد الثانوي؛ فالاندماج الإقليمي غالبًا ما تتم مناقشته في ضوء دوران الجميع حول مركز قوة معين، ولكن ليس كمبادرة داخلية. وهناك عوامل تزيد من ضعف تلك المنطقة وتتمثل في العداء الشخصي بين قادة أوزبكستان وطاجيكستان، والفشل القرغيزي بعد الثورات، والعجز في إدارة الموارد العامة، والمشاكل العِرقية وخشية الزعماء الشموليين من مواجهة أية ثورات ضد حكمهم. في الوقت الذي ينهمك فيه الإخوة الكبار (2) في السعي إلى تحقيق الاكتفاء في مجال الطاقة والأمن، فلا أحد يناقش أهمية رفاه الناس داخل البلد أو طبيعة الأنظمة الحاكمة في هذه الدول. ومع ذلك فإن هذه النقطة ليست نهاية المطاف.
الموقف الصيني
بعد أن تسلم الرئيس الصيني شي جين بينغ الحكم، اختار روسيا كأول دولة يزورها، تمامًا مثلما فعل سلفه هيو جين تاو؛ تلا ذلك رحلة إلى قمة (البركس) في جنوب إفريقيا. وكان لرحلة روسيا مغزى خاص بالنسبة للصين وروسيا حيث أكد الطرفان الالتزام المتبادل تجاه مصالحهما المشتركة. وأكدت الزيارة كذلك التعاون المتنامي في التحكم الاستراتيجي في آسيا الوسطى.
من وجهة نظر عملية، فقد سبق الزيارة إنجاز تمثل في التوصل إلى صفقة بشأن تزويد روسيا للصين بالغاز والنفط، واتفق الطرفان بأن ترسل شركة غازبروم أكثر من ثلاثين مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا ابتداء من 2018 وحتى 2048 عبر خط أنابيب سيتم بناؤه بحلول 2017 ويمر من غرب سيبيريا إلى منطقة شينجيانغ في أقصى غرب الصين. وفي عام 2010، تفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأميركي كأكبر مستهلك للطاقة في العالم، كما أن تزايد الحاجة لموارد الطاقة يدفع بيجين أكثر نحو موسكو.
وبهذا الأسلوب فإن الصين تستفيد من ابتعاد روسيا المتزايد عن الغرب؛ فأولاً سيعني النصر الروسي هزيمة الولايات المتحدة، وهي الخصم الرئيسي للصين. وثانيًا: قد تستثمر بيجين كل فرصة لدعم أي إعلان يقوم به الكرملين بالانفتاح على الشرق، كما أن إعادة توجيه البنية التحتية في هذا الاتجاه، يتضمن توسيع تصدير الهيدروكربونات، ويمكن أن يجتذب دعمًا من الدولة التنين للمضي قدمًا مع شركائها في موسكو. ويسعى كل من الصين وروسيا إلى التعاون في المجال العسكري والسياسي من أجل الحفاظ على قدراتهما أكثر بعدًا عن المنافسين الغربيين.
وتستثني الصين بوضوح وقصدية المواجهة السياسية وطبيعة العدو-الصديق من العلاقات في سياستها الخارجية، حسب ما يرى تشاو كيجين:
"تسعى الصين إلى التحديث، وخلق بيئة خارجية متعاونة وسلمية، وتتخذ بعض الخطوات التي تسمح بتطوير اقتصادها. وفي هذه المجال، فإن النقاط الحرجة في سياسة الصين الخارجية هي الحفاظ على علاقات سلمية مع الدول الأخرى والالتزام بمبادئ العدالة" (3) .
على أن الصين لاتستطيع كبح جماح رغبتها في الحصول على دور مؤثر في القضايا الدولية، وتنظر الصين إلى آسيا الوسطى كمجال تمدد فيه سيطرتها الاقتصادية الدولية؛ إذ تُعد مزودًا رئيسًا للطاقة وممرًا للمواصلات. وتهدف الصين إلى "استعارة روح طريق الحرير كاملة" (4) . وعليه، تقوم بشق وتمهيد طرق، وإقامة سكك حديد وخطوط أنابيب عبر المنطقة؛ فالخشب السيبيري، والحديد المنغولي والنفط الكازاخستاني، والغاز الطبيعي التركماني والنحاس الأفغاني كلها تُنقَل الآن مباشرة إلى الصين عبر شبكة مواصلات شرقية تم بناؤها حديثًا (5) . وتواصل الصين تمويل مشاريع بنية تحتية أوسع نطاقًا في وقت قياسي، مثل شبكات تربط بين بحر البلطيق والمحيط الهادي وآسيا الوسطى والمحيط الهندي والخليج العربي. وتشمل الإجراءات المقترحة لتحسين التواصل وتمتين موقع الصين الأمور التالية: استحداث اتفاقيات لتسهيل التجارة والاستثمار، وتأسيس بنك للتنمية تابع لمنظمة شنغهاي للتعاون، ونادٍ للطاقة. وربما يسمح أيضًا وجود مؤسسة مالية مستقلة بابتعاد المنطقة عن الغرب (6) . وعلى وجه الإجمال، تنسجم سياسة الصين مع الخطط الروسية لتغيير توازن القوى الإقليمي الذي من شأنه أن يسبّب الخسارة للغرب. ومع ذلك تبدو روسيا حذرة من أن يضفي تألق رأس المال الصيني بظلاله على شريكها الشمالي. وعليه، فإن منظمة شنغهاي للتعاون تنادي بانضمام الأعضاء الجدد كي توازن الثقل الصيني والروسي في المنظمة.
مثلث الصين والهند وباكستان
ربما تحُول التناقضات الثنائية بين الصين والهند وباكستان، كل على حدة، دون التقارب الجمعي السلس بين أضلاع هذا المثلث. ويُنظر إلى منظمة شنغهاي في موسكو على أنها وسيلة لابد منها لتليين الزوايا الحادة. ومن زاوية أخرى، فإن انخراطهم في منظمة شنغهاي قد يعطي المنظمة شخصية عابرة لآسيا.
إن أثر الهند في آسيا الوسطى ليس واضحًا مثل أثر الصين؛ ومع ذلك، ففيما يتعلق بالاقتصاد الهندي الواعد واستهلاك موارد الطاقة واستثمار الطاقات البشرية، فإن دور دلهي في آسيا الوسطى سوف يتنامى. ورغم أن المجتمع الهندي يواجه فقرًا حادًا، فإن الحكومة لن تتخلى عن طموحها في أن تدخل اللعبة على قدم المساواة مع الصين. وبالعودة إلى التسعينات من القرن الماضي وصف رئيس الوزراء الهندي أندر كومار جوجرال آسيا الوسطى بـ"خارجنا القريب" (7) . ولكي يوسع العلاقات استحدث مشاريع بعيدة المدى بهدف الاستثمار في البنية التحتية وتطوير شبكات المواصلات، وخطط عمل لموارد الطاقة الجديدة وتحفيز التجارة المتبادلة. وقد تبع هذه الخطوة سياسة "ربط آسيا الوسطى" بحلول 2012. وبحسب الالتزام الذي تعهدت به وزيرة الخارجية الهندية سوجاثا سنغ في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، فإن دلهي على استعداد لأن تقدم طلبًا لعضوية كاملة في منظمة شنغهاي (8) .
ويصور البعض في العادة الهند على أنها المنافس الإقليمي للصين، لكنها في نفس الوقت "شريكها الاستراتيجي الطبيعي"، ويمكن تسوية النزاع الجغرافي القديم على مناطق حدودية تتمثل في أكساي تشين وأروناشال براديش إذا قبلت الدولتان تبادل الأراضي؛ حيث يمكن للهند أن تترك أكساي تشين للصين إذا تنازلت الصين عن مطالبتها بأروناشال براديش. ومع ذلك لا يبدو أن الدولتين يمكنهما الدخول في تسوية على المدى القريب، بل إن النزاع قد ساء بسبب تصرف الهند ومنحها اللجوء للدلاي لاما وسكان التبت. أضف إلى ذلك، أن الهند تشعر بالاستياء من التعاون الباكستاني-الصيني السياسي والعسكري في ظل العداء الهندي-الباكستاني بسبب كشمير.
وعلى مدار العقد الماضي، خفت حدة العداء الهندي-الباكستاني بسبب كشمير (9) . وبالمثل فبرغم العداء، فإن العلاقات الاقتصادية الصينية-الهندية والعلاقات الهندية مع دول آسيا الوسطى لا تزال مستمرة وناجزة، مخلفةً وراءها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كشركاء رئيسيين. لا يمكن للهند أن تتجاهل منظمة شنغهاي للتعاون في ظل الانخراط الصيني المتزايد في المنطقة، والتعاون الروسي-الباكستاني المتنامي ومناداة روسيا بالتكامل الأوراسي. ولكن التطور المستقبلي للمنظمة يطرح بعض الأسئلة حول مركز السيطرة؛ ففيما يتعلق بالصدام مع الصين وباكستان، تنظر الهند إلى منظمة شنغهاي بعين القلق ولا تزيد المنظمة في نظرها عن كونها وسيلة ثانوية لإدارة شؤونها مع دول آسيا الوسطى؛ ولهذا فهي تفضل المشاريع الثنائية.
ورغم أن دلهي تتردد في الانضمام إلى منظمة شنغهاي، فإن الصين ترحب بعضويتها، وبحسب الصين فإن روسيا والصين قادرتان على إدارة المنطقة الشمالية من آسيا الوسطى، ولكن تظل المنطقة الجنوبية "مكشوفة"؛ وهذه المنطقة، التي تتواجد فيها باكستان والهند بشكل مكثف، تتمتع بطاقات وموارد كبيرة يمكن استثمارها بمجرد أن تصبح في مجال منظمة شنغهاي للتعاون. وأكثر من ذلك، تعتقد بيجين أن غياب النفوذ عن جزء يمثل الثلث، يجعل العلاقات مع روسيا تظل مهزوزة وغير متوازنة؛ فعلى سبيل المثال، وعلى عكس رغبة الصين، أصبحت فيتنام واحدة من أكبر وكلاء السلاح لروسيا نظرًا لحاجتها للغواصات والطائرات المقاتلة عام 2009. ولقد قلقت الصين من الحرب الروسية-الجورجية عام 2008. وبدورها تدرك روسيا الصعود المتنامي لرأس المال الصيني في آسيا الوسطى؛ ولذلك فإن توسيع منظمة شنغهاي سوف يكون مفيدًا للطرفين. إضافة إلى ذلك، فإن الهند وباكستان حليفتان لأميركا، وتوسيع العضوية يمكن أن يبعدهما عن الولايات المتحدة؛ مما يحرمها من احتكار التدخل في الشؤون الإقليمية. إن القضية الوحيدة التي تحظى باتفاق جميع أعضاء منظمة شنغهاي هي الاستقرار في أفغانستان؛ إذ يخشى جيران تلك الدولة من تداعيات انسحاب القوات الدولية منها، وتتحسب من تهديد أمني خطير يقف على أبوابها، وهو ما يتطلب منها تدخلاً بنّاءً لحل الأزمة الأفغانية، وبحسب وزيرة الخارجية سوجاثا سنغ فإن: "على منظمة شنغهاي أن تكون أكثر انخراطًا في إعادة إعمار أفغانستان، من خلال مشاريع مشتركة والتزامات مالية. نشجع الجهود التي تبذلها روسيا من أجل التوصل إلى مواقف مشتركة بشأن أفغانستان" (10) .
ليس متوقعًا أن تفكك الهند شراكتها مع روسيا بعد الانتخابات العامة لعام 2014؛ فكلتا الدولتين تقومان بتدريبات عسكرية بحرية مشتركة كل سنتين (11) . إضافة إلى ذلك، فقد توافق الطرفان على إجراء تدريبات ثنائية هي الأولى في مجال السلاح الجوي في عام 2014. وتُعد دلهي واحدة من أهم المستهلكين لصادرات روسيا العسكرية؛ حيث إن أكثر من 70% من معدات الهند العسكرية يأتي أصلاً من روسيا، وفي عام 2013، مثلت تلك المعدات ثلث إجمالي الصادرات العسكرية الروسية في قفزة بنسبة 50% مقارنة بـعام 2012.
إيران كعضو كامل
تحدد أول زيارة خارجية لأي زعيم جديد توجه السياسية الخارجية للدولة، وأول دولة زارها حسن روحاني رسميًا بعد أن أصبح رئيسًا كانت قيرغيزستان؛ وذلك أثناء قمة منظمة شنغهاي المنعقدة في بيشكيك في سبتمبر/أيلول الماضي. ويعزز هذا مرة أخرى أهمية منطقة آسيا الوسطى بالنسبة لجيرانها.
وعلى مدى السنوات الأخيرة كانت روسيا في حالة من اللايقين تجاه شراكة كاملة مع إيران، واتخذت موسكو من العقوبات الدولية ذريعة تحول بموجبها دون عضوية كاملة لإيران في منظمة شنغهاي. أمّا الآن وقد وقفت روسيا موقفًا حاسمًا ضد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بخصوص أوكرانيا، فإن روسيا قد تشطب هذه الذريعة من جدول الأعمال. ويؤمن الكرملين بأن مزيدًا من المعارضة الصارمة للغرب وحلفائه بالإضافة إلى قضايا أخرى قد يفتح أفقًا لتغيير معمار القوة في الشرق الأوسط، الذي كان سائدًا هناك لأكثر من عقدين؛ وهو ما قد يجعل إيران وروسيا أكثر قربًا، ويمكن لمشاركة إيران الكاملة في منظمة شنغهاي أن تعزز بشكل أو بآخر فرصة توزيع القوة.
بالنسبة للتعاون في وسط آسيا، وبسبب من التقارب التاريخي والثقافي فإن إيران تهتم بتحسين وتوسيع قدراتها؛ ولذلك فإن العلاقات مع أعضاء منظمة شنغهاي تشهد تحسنًا؛ كون إيران قوة خليجية لها مزاعم ذات مرامٍ بعيدة فيما يتعلق بالزعامة الإقليمية، ويمكن لها أن تكون جسرًا حيويًا إذ إنها تربط دول آسيا الوسطى المعزولة جغرافيًا بالبحر المفتوح. وتتقاطع هموم إيران وروسيا الجيوسياسية في النقاط التالية: معارضة الوجود العسكري الخارجي، والأمن القومي في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين، وهناك أمل في منظمة شنغهاي كونها منبرًا لتعزيز العلاقات مع إيران في مجال الاقتصاد والتجارة وأمن الطاقة. وتراهن طهران على مساندة روسيا في حسم قضيتها النووية، وتؤكد كل من موسكو وطهران تعاونهما الثنائي ومتعدد الأوجه داخل منظمة شنغهاي؛ وذلك في "مواجهة التأثيرات السلبية للنزاعات، بما في ذلك أفغانستان والعراق وسوريا" (12) .
وكما هي الحال بالنسبة للأعضاء الآخرين في منظمة شنغهاي فإن الفرص الاقتصادية الناجمة عن عضوية المنظمة حاسمة الأهمية بالنسبة لإيران؛ فهي واحدة من أكبر مصدّري الهيدروكربونات، كما أنها تهتم بتوسع دوائر التسويق. وتعد الصين والهند المستهلكين الرئيسيين لنفط إيران الخام؛ ولذلك فإن التبادل التجاري معهما يشكّل النصيب الأوفر من صادرات إيران. وكانت إيران في السابق ثاني أكبر مزود للهند بالهيدروكربونات قبل أن تُفرض عليها العقوبات الاقتصادية الحادة، ولا تزال الهند ثاني أكبر المستهلكين للنفط الإيراني بعد الصين، ويمكن لنسبة الصادرات الإيرانية أن ترتفع بشكل ملحوظ بعد أن ترفع العقوبات. وتبدو الهند مستعدة أن تكون إيران شريكها المميز فيما يتعلق باستيراد النفط في عام 2014-2015. أما أفغانستان فيزداد نصيبها من التجارة مع إيران، وتسعى إيران إلى إنشاء مزيد من مشاريع البنية التحتية بالإضافة إلى ما تم إنجازه من مشاريع إعمار لعدة شوارع وخطوط توصيل الطاقة، ونقاط حدودية، وباتت موسكو ترى في ضم إيران للمنظمة أولوية من الأولويات الملحة.
خلاصة
في الوقت الذي تتراجع فيه سيطرة الدول الغربية عبر العالم، وتفشل في الحفاظ على مكانتها كرائد اقتصادي وسياسي، تنهض منظمة شنغهاي بقدراتها لتوحيد القوى الرئيسية في المجال الأوراسي. ويتسق موقف المشاركين عمومًا فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاستراتيجية؛ فكلهم يسعى لبناء وسائل سياسية وتمويلية بديلة على المستوى الإقليمي والدولي، كما أنهم يدركون بحكم الطبيعة متطلبات الأمن الإقليمي وتداعيات الانسحاب الأميركي القادم من أفغانستان.
ورغم الفرص الكبيرة وتلاقي العقول، فإن المنظمة لا تعدو أن تكون حلقة نقاش؛ فلم تُتحْ لها الفرصة حتى الآن كي تظهر قوة الفعل لديها، رغم أن التدريبات الثنائية والمتعددة المسماة (بعثة السلام) تجري بشكل سنوي في إطار المنظمة. وبالتأكيد على ضرورة الاستثمار في البنية التحتية الإقليمية، يتوقع الأعضاء تأسيس صندوق تنمية وتأسيس بنك يتبعان لمنظمة شنغهاي. كما يتوقعون تمتين نادي الطاقة، علمًا بأن النادي لدية قدرة على أن يصبح وسيلة حقيقية لإدارة سياسات الطاقة بين الأعضاء.
وهناك قوى إقليمية تنظر باهتمام إلى إظهار روسيا قوتها عبر أوراسيا؛ ففي أواخر عام 2013 قررت تركيا أن تدير حوارًا مع المنظمة -على لسان رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان- محاولة أن تُقبل عضوًا في المنظمة، ولكن تركيا عضو في الناتو، وهي حليف أميركا الرئيس في المنطقة، ولا تقل أهميتها عن إسرائيل؛ فقد أبدى أردوغان الملاحظة في سياق سياسة الاتحاد الأوروبي المخادعة والتي طال عليها الأمد في مماطلة قبول تركيا كعضو في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يجب عدم التقليل من جدية أردوغان بشأن التوجه نحو منظمة شنغهاي.
كان توجه روسيا نحو الشركاء الآسيويين منتظرًا. وعليه، فإن دخول أعضاء جدد خاصة الهند وإيران وأفغانستان في المنظمة يمكن أن يساهم في تشكلها السياسي الحقيقي. وفي ضوء الاضطرابات المتزايدة في الشؤون الدولية والدور المتراجع للأمم المتحدة، فإن عام 2014 سيكون عام اختبار لصلابة وديمومة منظمة شنغهاي للتعاون.
____________________________________________
كارينا فايزولينا، باحثة روسية متخصصة في العلاقات الدولية.
ملاحظة: المترجم: محمود محمد الحرثاني، محاضر الدراسات الثقافية والترجمة بجامعة الأقصى، غزة، فلسطين.
الهوامش والمصادر
1. S. Patrick (2014) ‘The Unruled World. The Case for Good Enough Global Governance’, Foreign Affairs, Jan/Feb 2014, pp. 58-73
2. الأخ الكبير big brother، مصطلح يرمز لسلطة تتحكم فيما حولها.
3. Z. Kejin (2013) ‘Guiding Principles of China’s New Foreign Policy’, Carnegie endowment for international peace, 9 September, http://carnegieendowment.org/2013/09/09/guiding-principles-of-china-s-new-foreign-policy/gmnz?reloadFlag=1#1
4. See an article in the Chinese government newspaper Jenmin Jibao (2013) ‘Chinese president raises proposal on SCO cooperation’, 14 September, http://english.people.com.cn/90883/8400263.html
5. P. Khanna (2010) ‘Central Asia's New Silk Roads’, The New York Times, 12 August http://www.nytimes.com/2010/08/13/opinion/13iht-edkhanna.html?pagewanted=all&_r=0
6. Jenmin Jibao (2013) ‘Chinese president raises proposal on SCO cooperation’, 14 September, http://english.people.com.cn/90883/8400263.html
7. See Shri E. Ahamed’s Keynote address at First India-Central Asia Dialogue, published by Indian Ministry of Foreign Affairs, http://www.mea.gov.in/Speeches-Statements.htm?dtl/19791/Keynote+address+by+MOS+Shri+E+Ahamed+at+First+IndiaCentral+Asia+Dialogue
8. K.M. Seethi (2013) ‘India’s ‘Connect Central Asia Policy’, 13 December, The Diplomat, http://thediplomat.com/2013/12/indias-connect-central-asia-policy /
9. Blank, S. (2005). Natural allies?: Regional Security in Asia and Prospects for Indo-American Strategic Cooperation. DIANE, pp. 53-56
10. Blank, S. (2005). Natural allies?: Regional Security in Asia and Prospects for Indo-American Strategic Cooperation. DIANE, pp. 53-56
11. RIA Novosti (2014) ‘Russia Sold $4.7Bln in Arms to India in 2013’, 6 February, http://en.ria.ru/military_news/20140206/187259759/Russia-Sold-47Bln-in-Arms-to-India-in-2013.html
12. FARSNEWS (2013) ‘SCO Official Underlines Iran's Vital Role in Settlement of Regional Crises’, 26 October, http://english.farsnews.com/newstext.aspx?nn=13920804000781