الاقتصاد المصري: تفاقم الاختلالات المزمنة

فاقمت السياسات الاقتصادية التي انتهجتها السلطة الانقلابية بمصر اختلالات الاقتصاد المصري، فلم تستطع المعونات الخليجية تخفيف الأعباء ولا القبضة الحديدية بسط الاستقرار وجلب الاستثمار.
201442165915955734_20.jpg
الاقتصاد المصري مستنزف و يترنح (أسوسيتد بريس)

ملخص
لقد جاء انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 بحكومة يرأسها د. حازم الببلاوي المعروف بتبنيه لفلسفة اقتصاد السوق الحر والذي لم يُعرَف له أي إنجاز لصالح الطبقات الشعبية أو لصالح إنعاش الاقتصاد خلال الشهور القليلة التي كان فيها نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للمالية أثناء فترة حكم المجلس العسكري. علاوة على تغليب الحكومة مصالح رجال الأعمال تصدت للأزمة السياسية بحل أمني فاقم الاضطرابات والاستقطاب، فكان مآلها الفشل.

وفي مارس/آذار 2014، أي بعد نحو تسعة شهور من الانقلاب، جاءت حكومة جديدة يرأسها المهندس إبراهيم محلب القادم من عالم المقاولات والذي أبقى على 19 وزيرًا من حكومة الببلاوي. وقد أتى محلب بهاني قدري وزيرًا للمالية وهو من كان مساعدًا ليوسف بطرس غالي آخر وزير مالية في عهد مبارك والمعروف بعلاقته الوثيقة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبإيمانه العميق بالليبرالية الاقتصادية الجديدة وبرامج توافق واشنطن. وقد انتهجت مثل سابقتها نفس الخيارات، ففاقمت الأزمتين الاقتصادية والسياسية.

من الطبيعي في هذا المناخ المفعم بالاستقطاب والشقاق المجتمعي، والمليء بالتوترات السياسية والاضطرابات الأمنية، أن يُحجم المستثمرون عن إقامة مشروعات جديدة أو توسيع ما لهم من مشروعات قائمة، وأن تضطرب أحوال المنشآت الإنتاجية والخدمية، وأن تعجز الحكومة عن تنفيذ برامج الإنعاش بالرغم من توافر الأموال من الداخل والخارج، وأن تتعثر مسيرة النمو الاقتصادي ويرتفع معدل التضخم وتزداد البطالة وتتصاعد نسبة الفقراء.

يعاني الاقتصاد المصري في الوقت الراهن اختلالات هيكلية عميقة، ويتعرض أداؤه لتراجع كبير منذ وقوع ثورة يناير/كانون الثاني 2011 بوجه عام، ومنذ انقلاب يوليو/تموز 2013 بوجه خاص. هذه الاختلالات ليست جديدة؛ فهي اختلالات مزمنة (1) ، ولكن هذه الاختلالات قد تفاقمت على امتداد السنوات الثلاث الماضية لسببين:

  • أولهما: ما شهدته البلاد من انفلات أمني واضطراب سياسي واستقطاب مجتمعي؛ مما كاد يصل بالبلاد إلى حالة من الاحتراب الأهلي، لاسيما بعد وقوع الانقلاب الذي زعم قادته وأنصاره أنه كان يستهدف إنقاذ البلاد من حرب أهلية كانت وشيكة في ظنهم.
  • ثانيهما: إصرار حكومات ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني جميعًا على التمسك بسياسات اقتصادية وتنموية ثبت عجزها على امتداد العقود الأربعة الماضية عن إخراج البلاد من تخلفها وتبعيتها، وهي سياسات اقتصاد السوق الحر المفتوح، المعروفة بالليبرالية الاقتصادية الجديدة أو توافق واشنطن.

ولذا، فإن التراجع الملحوظ في أداء الاقتصاد المصري -والذي سنرصد أبرز معالمه فيما بعد- يجب أن يُفهَم على أنه تراجع في أداء اقتصاد معتل أصلاً؛ فليست القضية أن مستوى الأداء الاقتصادي كان مرتفعًا بدرجة أو بأخرى قبل الثورة ثم تعرض للانخفاض بعدها. بل إن أداء الاقتصاد المصري كان في الواقع ضعيفًا وزادته حالة الاضطراب الأمني والصراع السياسي بعد الثورة ضعفًا على ضعف، كما زاده جمود السياسات وهنًا على وهن.

والآن، ما هي أبرز الاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد المصري؟ سينصب التركيز على خمسة اختلالات رئيسية، ثم يُرصد أهم انعكاساتها على مجريات الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمصريين.

اختلالات عميقة

أول هذه الاختلالات -وهو في الوقت عينه سبب ضعف النمو وازدياد التبعية- هو تواضع معدل الادخار المحلي واتجاهه للهبوط الشديد في الفترة الأخيرة؛ فقد هبط هذا المعدل من 13% في 10/2011 إلى 8% في 11/2012، ثم إلى 7.2% في 12/2013. وهو معدل بالغ الانخفاض، ويقل قليلاً عن المعدل الذي تحقق منذ نحو ثلاثة عقود في الفترة 82/1983-86/1987. وفي الشهور الثلاثة التالية للانقلاب (أي: يوليو/تموز-سبتمبر/أيلول 2013) انخفض معدل الادخار إلى 2.3% مقابل 4.8% في الشهور الثلاثة الأولى من حكم الرئيس محمد مرسي (يوليو/تموز-سبتمبر/أيلول 2012)، و8.4% في الشهور الثلاثة السابقة على الإطاحة به (إبريل/نيسان-يونيو/حزيران 2013) (2) .

وثاني الاختلالات هو ضعف معدل الاستثمار المحلي الإجمالي واتجاهه للانخفاض في السنوات الأخيرة؛ فقد هبط هذا المعدل من 17.1% في 10/2011 إلى 16.4% في 11/2012، ثم إلى 14.2% في 12/2013؛ وهو ما يقل عن المعدل المتحقق منذ نحو ثلاثة عقود (18.5%). وقد اشتد الهبوط في معدل الاستثمار مؤخرًا؛ حيث بلغ المعدل 10.5% في الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2013، مقابل 11% في الشهور الثلاثة الأولى من سنة حكم مرسي و16.5% في آخر ثلاثة شهور منها.

وثالث الاختلالات -وهو مترتب على ضعف معدلي الادخار والاستثمار- هو ضعف النمو الاقتصادي من حيث الكم ورداءته من حيث الكيف؛ فقد هبط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي (اختصارًا: ن.م.إ) من 5.1% في 09/2010 إلى  1.8 %  في 10/2011. وبعد ارتفاع المعدل إلى 2.2% في 11/2012 فإنه قد هبط قليلاً إلى 2.1% في 12/2012. وبعد الانقلاب انخفض معدل نمو ن.م.إ إلى 1% في يوليو/تموز-سبتمبر/أيلول 2013، مقابل 2.6% في الفترة المناظرة في 2012، أي في الربع الأول من السنة التي تولى فيها مرسي رئاسة الجمهورية، ومقابل 1.5% في الربع الأخير من تلك السنة. وحسب تصريحات وزير المالية الجديد، هاني قدري، سوف يهبط معدل النمو من 3.5% مستهدف للعام 13/2014 إلى نحو 2%-2.5%. وقد ترتب على الهبوط الحاد في معدل النمو الاقتصادي تناقص متوسط الدخل الحقيقي للفرد (أي: الدخل المستبعد من قيمته التغير في الأسعار)؛ وذلك بعدما صار معدل نمو ن.م.إ. أقل من معدل نمو السكان الذي يقدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بنحو 2.5%. ويقدر أن متوسط الدخل الحقيقي للفرد قد هبط بنسبة 1.5% في الشهور الثلاثة الأولى من 13/2014.

ومما يزيد الأوضاع ترديًا نوعية النمو الاقتصادي في مصر جرّاء اعتماده على المصادر الريعية لزمن طويل، مع إهمال تنمية التصنيع والتنمية الزراعية والريفية؛ ففي 12/2013 لم يزد نصيب الصناعات التحويلية من الاستثمار الإجمالي على 10.6%، ولم يتجاوز نصيب الزراعة 3.4%. وفي حين كان نصيب هذين القطاعين معًا من الاستثمار الإجمالي 14%، كان نصيب البترول والغاز 24%، ونصيب التشييد والأنشطة العقارية 16%، أي: إن هذين القطاعين قد ظفرا معًا بنسبة 40% من الاستثمار الإجمالي.

ورابع الاختلالات هو العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة؛ فقد ارتفع العجز من 135 مليار جنيه في 10/2011 إلى 167 مليار جنيه في 11/2012 ثم إلى 240 مليار جنيه في 12/2013. ومع بطء النمو الاقتصادي وتزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية الساعية لزيادة الأجور والمعاشات وتثبيت العمالة المؤقتة في الأجهزة الحكومية، ارتفعت نسبة عجز الموازنة إلى ن.م.إ. من 9.8% في 10/2011 إلى 10.8% في 11/2012، ثم إلى 13.7% في 12/2013؛ وهو ما اعتبر أحمد جلال، وزير المالية في حكومة الببلاوي التي أُقيلت في مارس/آذار 2013، أنه "معدل مرتفع لا تتحقق معه الاستدامة المالية". وكان من المستهدف أن يصل العجز المالي في 13/2014 إلى 186 مليار جنيه بنسبة 9.1% من ن.م.إ.، ولكن تقديرات وزارة المالية تشير إلى أن العجز قد بلغ نحو 120 مليار جنيه في الشهور السبعة الأولى من 13/2014، وهو ما يقرب من ثلثي العجز المستهدف لتلك السنة. وبينما توقع أحمد جلال أن تصل نسبة العجز إلى ن.م.إ. إلى 10% بنهاية 13/2014 عن طريق تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي وتطبيق الضريبة على القيمة المضافة والضريبة العقارية، فإن خلَفَه هاني قدري توقع أن هذه النسبة قد تزيد على 12%.

ومن المصادر الكبرى للخلل في الموازنة العامة، منذ تدشين سياسة الانفتاح الاقتصادي في أوائل سبعينات القرن الماضي، انحيازها للأغنياء وميلها لإلقاء أعباء ثقال على الفقراء ومحدودي الدخل. وقد بلغ هذا الانحياز ذروة عظمى عندما عُدّل هيكل الضريبة التصاعدية على الدخل في 2005، ليصبح حدها الأقصى 20%. وكان من تداعيات هذا الانحياز أن نسبة الإيرادات الضريبية إلى ن.م.إ. لم تزد على 14% في 12/2013، بينما تصل هذه النسبة إلى ما يزيد على 25% في غير قليل من الدول النامية. ومن المفارقات أن أكثر من نصف إيرادات الضرائب على الدخل (56%) في 12/2013، مثلاً، قد أتى من الضرائب على دخول المؤسسات العامة، مثل: هيئة البترول وهيئة قناة السويس والبنك المركزي. أما الضرائب على دخول باقي الشركات العامة والشركات الخاصة فلم تزد على 21.5% من إجمالي الضرائب على الدخول والأرباح. وعمومًا، هناك ضعف شديد في نسبة مساهمة القطاع الخاص في حصيلة الضرائب على الدخل، وذلك لانخفاض أسعار هذه الضرائب وللقصور في حصر المنشآت الخاضعة وتقييم دخولها، ولشيوع التهرب الضريبي المدعوم بالفساد.

كما يظهر الانحياز الاجتماعي للأغنياء في الموازنة العامة؛ فبالرغم من ارتفاع مخصصات الدعم، إلا أن الجانب الأعظم منه (70%) يذهب لدعم الطاقة الذي يظفر بمعظمه عدد محدود من الشركات التي يعتمد إنتاجها على الاستخدام الكثيف للطاقة. أما دعم السلع الغذائية، فلم يتجاوز 19% من إجمالي الدعم في 12/2013. وثمة وجه آخر للخلل في النظام الضريبي المصري، ألا وهو ارتفاع النصيب النسبي للضرائب غير المباشرة (مثل ضريبة المبيعات والضرائب الجمركية)؛ فقد بلغ نصيب هذا النوع من الضرائب 44% من إجمالي الإيرادات الضريبية في 12/2013. ومن المعروف أن الجزء الأكبر من عبء الضرائب غير المباشرة يقع على عاتق أصحاب الدخول الثابتة والمحدودة.

وخامس الاختلالات هو العجز المزمن في ميزان المدفوعات؛ فقد تزايدت الضغوط على هذا الميزان الذي يصور العلاقات الاقتصادية لمصر مع الخارج، خاصة مع الابتداء في 11/2012 من وضع لا تغطي الصادرات فيه سوى 42% من قيمة الواردات، ومع التراجع الكبير في إيرادات السياحة وتدفقات الاستثمار الأجنبي، ومع تحول مصر إلى مستورد صاف للمنتجات البترولية، وهو ما أسفر عن نقص ضخم في الاحتياطيات الدولية للبلاد لدرجة أنها صارت تغطي أقل من أربعة شهور من الواردات (بالدقة 17.1 مليار دولار، بما يعادل 3.8 شهر من الواردات في يناير/ كانون الثاني 2014)، وذلك بالرغم من تغذية الاحتياطي عقب الانقلاب بودائع الثلاثي الخليجي (السعودية والإمارات والكويت).

لقد ارتفع عجز الميزان التجاري من 27 مليار دولار في 10/2011 إلى 34 مليار دولار في 11/2012، ولكن هذا العجز انخفض في 12/2013 (سنة حكم مرسي ) إلى 31 مليار دولار. وقد بلغ العجز التجاري 7.7 مليار دولار في الشهور الثلاثة التالية للانقلاب -وهو قريب من مستوى العجز في كل من الشهور الثلاثة الأولى والأخيرة من حكم مرسي. أما فائض ميزان الخدمات فقد تقلص من 7.9 مليار دولار في 10/2011 إلى 5.6 مليار دولار في 11/2012، ولكنه ارتفع في 12/2013 إلى 6.7 مليار دولار. غير أن فائض ميزان الخدمات قد هبط إلى 136 مليار دولار في الشهور الثلاثة الأولى التي أعقبت الانقلاب، مقابل 1.6 و 1.2 مليار دولار في كل من الشهور الثلاثة الأولى والأخيرة من 12/2013.

وقد كان لهذه الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري ولتفاقمها بعد ما يقرب من 40 شهرًا على ثورة يناير/كانون الثاني 2011 آثار سلبية شتي، منها: تضخم الدين العام المحلي والخارجي؛ فقد ارتفع الدين العام المحلي من 888 مليار جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2010 بنسبة 73.6% من ن.م.إ. إلى تريليون و44 مليار جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2011 بنسبة 76.2% من ن.م. إ.، ثم إلى تريليون و238 مليار جنيه في يونيو/حزيران 2012 بنسبة 78.6% من ن.م.إ.، وعندما عُزل الرئيس مرسي كان الدين العام قد بلغ تريليونًا و527 مليار جنيه بنسبة 87% من ن.م.إ. ولم يتوقف الدين العام عن الازدياد بعد الانقلاب؛ فقد بلغ تريليونًا و593 مليار جنيه بنسبة 77.7% من ن.م.إ. في سبتمبر/أيلول 2013، ثم تريليونًا و652 مليار جنيه بنسبة 80.6% من ن.م.إ. في ديسمبر/كانون الأول 2013.

وفيما يتعلق بالدين العام الخارجي، فإنه قد ارتفع من 33.7 مليار دولار بنسبة 15.9% من ن.م.إ. في يونيو/حزيران 2010 إلى نحو 35 مليار دولار بنسبة 15.2% من ن.م.إ. في يونيو/حزيران 2011، وإلى 34.4 مليار دولار بنسبة 13.2% من ن.م.إ. في يونيو/حزيران 2012، ثم إلى 43.2 مليار دولار بنسبة 17.3% من ن.م.إ. في يونيو/حزيران 2013. وهذا المستوى للمديونية الخارجية قريب جدًا من مستواها في 90/1991 (42 مليار دولار) قبل أن ينخفض بشدة بعدها كمكافأة لمصر على مساهمتها مع قوات التحالف الذي تزعمته أميركا من أجل تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. ومن الملاحظ أن سنة حكم مرسي قد شهدت زيادة ضخمة بلغت 8.8 مليار دولار في إجمالي الدين الخارجي، مع زيادة 100 دولار في متوسط نصيب الفرد من هذا الدين (من 390 إلى 490 دولار). وبالرغم من الدعم  الكبير الذي قدمه الثلاثي الخليجي عقب الانقلاب، فإن الدين الخارجي لم يتوقف عن التزايد؛ فقد بلغ 47 مليار دولار في سبتمبر/أيلول 2013 (وهو ما يتجاوز مستواه منذ نحو ربع قرن) بزيادة حوالي 4 مليار دولار في إجمالي الدين، مع ارتفاع متوسط نصيب الفرد منه بنحو 43 دولار (من 490 إلى 533 دولار)، وذلك في ثلاثة شهور ليس غير.
 
كما أسفرت الاختلالات المتفاقمة في الوضع الاقتصادي عن تزايد مستوى الاعتماد على الخارج الذي هو مرتفع أصلاً، وذلك فيما يتعلق بالواردات، لاسيما واردات الغذاء والواردات من المنتجات البترولية، وفيما يتعلق بتمويل الاستثمارات. وكما سبقت الإشارة، فبعدما كان الميزان التجاري للبترول (أي: الصادرات والواردات البترولية) يحقق فائضًا بمبلغ 5.1 مليار دولار في 9/2010، انخفض هذا الفائض إلى 2.9 مليار دولار في 10/2011، ثم انقلب الفائض إلى عجز في حدود نصف مليار دولار في كل من 11/2012 و12/2013، بما يعني تحول مصر إلى مستورد صاف للمنتجات البترولية. وقد استمر العجز في ميزان البترول في الربع الأول من 13/2014، وذلك بالرغم مما تلقته مصر من معونات مالية وبترولية من الثلاثي الخليجي عقب الانقلاب. وكما أصبح معروفًا فإن نقص الإمدادات من البترول والغاز قد أدى إلى أزمات في التزود بوقود السيارات وفي توفير السولار والمازوت للمصانع ومحطات توليد الكهرباء. وقد أدت هذه الأزمات إلى اضطراب حركة النقل وارتفاع كلفته، كما نتج عنها تكرر انقطاع الكهرباء الذي أسفر عن آثار سلبية على الأداء في مجال الإنتاج والخدمات وعلى نوعية حياة المصريين بصفة عامة.

ومع الانخفاض الكبير في الاحتياطيات الدولية لمصر، ومع ما صاحب فترة ثورة يناير/كانون الثاني من اضطرابات سياسية وأمنية وتراجع اقتصادي وازدياد في الاحتجاجات الاجتماعية، ومن ثم سيادة حالة من عدم اليقين بشأن اتجاه تطور الأوضاع، تعرض التصنيف الائتماني لمصر إلى التخفيض أكثر من 16 مرة بحيث إنها أصبحت تُدرج ضمن الدول عالية المخاطر المعرضة للتعثر أو العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية في مواعيدها. ولا يخفى ما يترتب على ذلك من صعوبات في الاقتراض من الخارج ومن ارتفاع في كلفته، ومن تراجع للثقة في الاقتصاد المصري من جانب المستثمرين.

 ومن الانعكاسات الأخرى لتفاقم الاختلالات الاقتصادية: تجاوز معدل التضخم حاجز الـ10% في فبراير/شباط 2014، وارتفاع نسبة الفقراء من 25.2% في 10/2011 إلى 26.3% في 12/2013 (وهي تقديرات تقصر كثيرًا عن التعبير عن حقيقة الفقر في مصر لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن)، وكذلك ارتفاع معدل البطالة من 12.6% في 11/2012 إلى 13.4% في الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول 2013.

والظاهر مما تقدم أن السجل الاقتصادي للسنة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي كان مختلطًا؛ فقد شهدت تلك السنة بعض التحسن في عدد من المؤشرات، مثل: ارتفاع معدل الادخار وانخفاض عجز الميزان التجاري وازدياد فائض ميزان الخدمات. كما شهدت تراجعًا بدرجات متباينة في عدد آخر من المؤشرات، لعل أبرزها ازدياد الدين العام بشقيه المحلي والخارجي. ومن المهم إدراك أن هذا الأداء لم يرتبط بقلة كفاءة الرئيس مرسي والحكومات التي عهد إليها بإدارة شؤون البلاد وما انجرّ عنها من أخطاء فحسب، بل إنها ارتبطت أيضًا -وبدرجة كبيرة- بما وضعه معارضوه من عراقيل ومعوقات لاستهلاك جهود الحكم وإهدار وقت الرئيس والحكومة في معارك فرعية أو مفتعلة. كما أنها ارتبطت بتقاعس بعض الأجهزة الرسمية عن تنفيذ قرارات الرئيس وحكومته. وقد تعددت صور التعويق والعرقلة لتشمل التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات المتكررة وافتعال الأزمات (خاصة أزمة الوقود التي سرعان ما انفرجت عند وقوع الانقلاب)، ورفع القضايا للطعن في سلامة أي إجراء تتخذه السلطة الحاكمة، وتضخيم أخطائها، وإشاعة الفوضى. زد على ذلك أعمال العنف -مع التقصير الواضح من جانب الأجهزة الأمنية في مواجهتها- بما في ذلك إشعال الحرائق في المباني العامة والممتلكات الخاصة، وقطع الطرق، ومهاجمة مقرات الإخوان وحزبهم، وغير ذلك من الأعمال التي قامت بها عناصر لم يُكشَف النقاب عنها بالكامل بعد (مثل البلاك بلوك)، وإن كان أكبر الظن أنها كانت بتشجيع من جانب عناصر من القوى المسماة بالثورية، بمن فيهم من صوتوا لمرسي -لمجرد حرمان شفيق من أصواتهم- مع عزمهم العمل على إسقاطه بمجرد فوزه في جولة الإعادة، وأنها جرت بدعم وتمويل من جانب عناصر من نظام مبارك بما فيها قيادات الحزب الوطني المنحل وكبار رجال الأعمال. وفضلاً عن ذلك، أسهمت معظم وسائل الإعلام في توتير الأجواء وزيادة الاحتقان، كما  أن عناصر من الجيش والشرطة والقضاء لم تكن في معظم الأحيان بعيدة عما جرى من اضطرابات وأزمات.

الهروب إلى الأمام

لقد جاء انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 بحكومة يرأسها د. حازم الببلاوي المعروف بتبنيه لفلسفة اقتصاد السوق الحر والذي لم يُعرَف له أي إنجاز لصالح الطبقات الشعبية أو لصالح إنعاش الاقتصاد خلال الشهور القليلة التي كان فيها نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للمالية أثناء فترة حكم المجلس العسكري. ومما يسترعي الانتباه أن من شغل منصب وزير الصناعة والتجارة في تلك الحكومة هو منير فخري عبد النور رجل الأعمال والقيادي بحزب الوفد، وأن وزير المالية فيها كان أحمد جلال الاقتصادي المعروف الذي عمل طويلاً في البنك الدولي والذي تولى إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية الذي أُقيم بمعونة أميركية سخية كي يعمل كمركز تفكير لمجتمع الأعمال المصري والذي كان جمال مبارك عضوًا بمجلس إدارته.

كما ضمت حكومة الببلاوي وزراء من القيادات العمالية والناصرية المنتمية إلى جبهة الإنقاذ، ولكن لم يظهر لهؤلاء أي تأثير في سياساتها لصالح حماية حقوق الإنسان أو لصالح الفقراء -ودعك من قانون الحد الأدنى للأجور الذي لم يتم تمريره إلا تحت ضغوط شعبية كبيرة، وخوفًا من انحسار التأييد الشعبي لسلطة الانقلاب-. ولقد كفّت جبهة الإنقاذ، التي ضمت خليطًا متنافرًا من الأحزاب والقوى السياسية، عن طرح الخلافات بين عناصرها حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية حتى تتفرغ لمهمة الإطاحة بحكم الإخوان؛ فمن هؤلاء الوزراء من تقاعس عن تنفيذ بما كان يطالب به قبل توليه المنصب الوزاري مثل تمرير قانون يسمح بإنشاء النقابات العمالية المستقلة، ومنهم من وافق على إجراءات مضادة لما كان يدافع عنه في السابق، منها: السماح للشرطة بالتواجد داخل الجامعات، وإقرار عودة وزارة الداخلية لتولي مهام الحرس الجامعي، والتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان في أقسام الشرطة وفي السجون، ومنها: تمرير قانون تنظيم التظاهر المعروف بقانون منع التظاهر، والذي لا شبهة في تصادمه مع ما ينص عليه الدستور الجديد في شأن الحق في التظاهر والذي اعتُقل بموجبه آلاف المصريين وحكم على مئات منهم بالسجن لسنوات عديدة بل وبالإعدام. ومنها: الضرب عرض الحائط بمبدأ التعددية السياسية والحق في إنشاء الأحزاب والجمعيات بالموافقة على تحويل الخلاف السياسي مع الإخوان المسلمين إلى نزاع جنائي، وذلك بإعلان جماعتهم منظمة إرهابية.

وفي مارس/آذار 2014، أي بعد نحو تسعة شهور من الانقلاب، جاءت حكومة جديدة يرأسها المهندس إبراهيم محلب القادم من عالم المقاولات والذي أبقى على 19 وزيرًا من حكومة الببلاوي. وقد أتى محلب بهاني قدري وزيرًا للمالية وهو من كان مساعدًا ليوسف بطرس غالي آخر وزير مالية في عهد مبارك والمعروف بعلاقته الوثيقة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبإيمانه العميق بالليبرالية الاقتصادية الجديدة وبرامج توافق واشنطن. وكان من أول تصريحات وزير المالية الجديد نفي النية لتعديل قوانين الضرائب بدعوى تشجيع المستثمرين، مع الإعلان بدلاً من ذلك عن التفكير في فرض ضريبة مؤقتة (لمدة ثلاث سنوات) بواقع 5% على الأغنياء. كما استبقى محلب القيادي الوفدي منير فخري عبد النور وزيرًا للصناعة والتجارة وأضاف إلى مهامه وزارة الاستثمار. وقد سعى محلب لتولية بعض رجال الأعمال مناصب وزارية ولكنه تراجع عن ذلك في ضوء ردود الفعل المعارضة لهذا الاتجاه. وقد تعزز التوجه اليميني للسياسات الاقتصادية بتسريبات من حديث لقائد الانقلاب يفيد التوجه نحو إلغاء الدعم؛ حيث ذكر أن من يريد شراء سلعة عليه أن يدفع ثمنها الحقيقي. كما تعزز هذا التوجه بتولي عمرو موسى -وزير الخارجية في عهد مبارك والمرشح الرئاسي السابق الذي كانت القوى الثورية تعتبره من "الفلول"- رئاسة اللجنة الاستشارية للحملة الانتخابية للسيسي.

إجمالاً، فإن التوجهات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة الجديدة لم تختلف جوهريًا لا عن سابقتها بعد الانقلاب، ولا عن التوجهات التي طُبّقت في سنة حكم مرسي أو في فترة حكم المجلس العسكري. ولا تنطوي هذه التوجهات جميعًا على قطيعة مع التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لعهد مبارك، بل إنها استمرار لها. ولا يغير من حقيقة السياسة الاقتصادية والاجتماعية بعد الانقلاب محاولة الربط بين السيسي وعبد الناصر على النحو الشائع في "بوسترات" الإشادة بقيادة السيسي للانقلاب، ثم في الدعاية لترشحه للرئاسة. وفي الحقيقة، فإنه لا يجمع بين عبد الناصر والسيسي إلا العداء للإخوان والقبضة الحديدية لأجهزة الأمن وغياب الديمقراطية، لكن شتان بينهما عندما يتعلق الأمر بالتوجهات الاقتصادية والاجتماعية وبالسياسة الخارجية.

فعبد الناصر كان صاحب مشروع تنموي قام على تفعيل مبدأ الدولة التنموية وانحاز للفقراء، وطبّق الكثير من مقومات العدالة الاجتماعية، وسعى لحماية الاستقلال السياسي وتعزيزه بالاستقلال الاقتصادي. كما أنه كان صاحب مشروع قومي استهدف وحدة العرب وإنهاء النفوذ الاستعماري في المنطقة العربية ومقاومة الصهيونية وتحرير فلسطين. وهذه القضايا والتوجهات لا نجد لها نظيرًا على جدول أعمال السيسي الذي يمكن استنتاجه من عدد من الأمور، منها: طبيعة القوى التي تحالفت معه للإطاحة بأول رئيس مدني منتخب وبحكم الإخوان، وفي مقدمتهم رموز نظام مبارك وقوى الرأسمالية الكبيرة التي انحاز لها مبارك خلال سنوات حكمه (وهي عماد شبكات المصالح التي تشكّل في حقيقة الأمر النواة الصلبة للقوى المضادة لثورة يناير/كانون الثاني). ومنها بعض تصريحاته التي أشرت إلى طرف منها فيما سبق. ومنها نوعية علاقاته العربية التي تأسست على التحالف مع دول تراوح رد فعلها تجاه ثورة يناير/كانون الثاني بين الفتور والعداء، بينما كان حماسها شديدًا للانقلاب وسارعت بتقديم المساعدات السخية لدعمه. ومن المعروف أن هذه الدول كانت دومًا على ارتباط وثيق بقوى الرأسمالية العالمية وأنها سارت في ركابها، وأنها استضافت القواعد العسكرية الأجنبية على ترابها الوطني وأسقطت القضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني من جدول أعمالها. ومنها علاقاته الخارجية التي التزمت بثوابت عهد مبارك. ومنها ما سلف ذكره من توجهات لحكومات ما بعد الانقلاب التي عينت بمشورة السيسي وامتثلت لرغباته وهو يتولى مقاليد البلاد من وراء ستار.

طوق النجاة الخليجي

المعلوم من تقرير لوزير المالية في حكومة الببلاوي أن قيمة المساعدات التي تلقتها مصر من هذا الثلاثي قد بلغت 10.5 مليار دولار، موزعة على النحو التالي: 4.2 مليار دولار من الإمارات و3.6 مليار دولار من السعودية و2.7 مليار دولار من الكويت، وذلك خلال الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول 2013. وقد اشتملت هذه المساعدات على 6 مليارات دولار أُودعت بالبنك المركزي المصري وسوف يتعين ردها، وعلى 4.5 مليارات دولار منحًا غير قابلة للرد (تشمل مليار دولار منحة نقدية، و3.5 مليارات دولار منحة عينية-أساسًا منتجات بترولية). وقد استخدمت الحكومة الجزء الأكبر من هذه المساعدات لدعم الاحتياطيات الدولية وللوفاء ببعض الالتزامات، واستخدمت ما تبقّى منها وكذلك الوديعة التي تحتفظ بها وزارة المالية لدى البنك المركزي منذ حرب الخليج في1991 (نحو 60 مليار جنيه) في إعداد برنامجين لإنعاش الاقتصاد: الأول في خريف 2013 بمبلغ 29.7 مليار جنيه، والثاني في يناير/كانون الثاني 2014 بمبلغ 33.9 مليارات جنيه. أي: إنه تم رصد 63.6 مليار جنيه كإنفاق عام إضافي لما هو مقرر أصلاً بالموازنة العامة من أجل تحفيز الاقتصاد وتنشيطه.

ووفقًا لما ذكره أحمد جلال وزير المالية السابق في تقريره عن الأداء الاقتصادي والمالي الصادر في فبراير/شباط 2014، كان من المقرر أن توجه اعتمادات هذه البرامج التنشيطية لزيادة الاستثمارات في البنية الأساسية ولتحسين خدمات الصحة ولسداد المتأخرات المستحقة لشركات المقاولات وللإنفاق على الحد الأدنى لأجور العاملين بالحكومة وزيادة دخول المعلمين والأطباء. وبالرغم من أن هذا التقرير قد ذكر أن ما أُتيح للوزارات والجهات الأخرى المنفذة قد بلغ 20.1 مليارات جنيه حتى نهاية فبراير/شباط 2014، فإن الجدول (1) في ص7 من هذا التقرير يذكر أن ما أتيح -وغالبًا المقصود هو ما أُنفق فعلاً- هو 4.3 مليار جنيه (موزعة بين 0.1 مليارات جنيه لشراء السلع والخدمات، و2.2 مليارات جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و2 مليار جنيه لحيازة الأصول المالية المحلية والأجنبية). وهو ما يعني أن ما تم إنفاقه لا يتجاوز 14.5% من المبلغ المرصود للبرنامج الأول أو 6.8% من مجموع ما رُصد للبرنامجين الأول والثاني معًا. وهو ما يشير إلى ضعف معدلات التنفيذ للبرنامجين؛ ومن ثم عدم ظهور آثار إيجابية على الأداء الاقتصادي للنظام الجديد. وثمة ما يؤكد أيضًا ضعف قدرة الحكومة على تحفيز الاقتصاد، ألا وهو استمرار التراجع في نسبة القروض المقدمة للقطاعين العام والخاص إلى الودائع المصرفية من 46.3% في يونيو/حزيران 2013 إلى 45.5% في يوليو/تموز 2013، ثم إلى 43.7% في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وإلى 42% في ديسمبر/كانون الأول 2013.

وهكذا لم تفلح المساعدات الخليجية ولا برامج التحفيز في إنعاش الاقتصاد، ومن ثم لم يكن لها الأثر المرجو في تخفيف حدة التوترات الاجتماعية والسياسية، بل إن العقبات قد تزايدت أمام عملية الإنعاش الاقتصادي نتيجة للتردي الشديد في الأوضاع السياسية والأمنية والقانونية منذ الثالث من يوليو/تموز 2013. فقد ازدادت حالة الاستقطاب المجتمعي مع ميل النظام لتغليب التعامل الأمني مع الأزمة السياسية واستبعاد الحل السياسي، وذلك بإعلان أن باب المصالحة الوطنية قد أُغلق وبالتمادي في الإجراءات التي تصب الزيت على النار فتزيدها اشتعالاً. من هذه الإجراءات إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية وتجميد نشاط المؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بها. وقد سارعت حكومة محلب بإصدار قرار برقم 579 في 10 إبريل/نيسان 2014 بتنفيذ الحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة باعتبار جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وتوقيع العقوبة المقررة قانونًا لجريمة الإرهاب على كل من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم أو يروج لها بالقول أو بالكتابة، وكذلك من يمولون أنشطتها، وتجميد نشاط الجمعيات التابعة لها. ومن هذه الإجراءات أيضًا إصدار قانون التظاهر المتعارض مع الدستور ومع حقوق الإنسان. ومنها استمرار الزج بالقضاء في ساحة السياسة. ومنها مواصلة عمليات الاعتقالات والقمع والتنكيل بالخصوم وتشويه صورة كل من يتصدى للدفاع عن حقوقهم وللمطالبة بصيانة الحريات واستعادة المسار الديمقراطي. ومنها انتهاك الشرطة لحرمة "الحرم" الجامعي من خلال الاقتحام المتكرر للجامعات ومطاردة الطلاب المتظاهرين داخلها، وعودة الداخلية لتولي مهام الحرس الجامعي؛ الأمر الذي أثار سخط الطلاب وغضبهم. ومنها ملاحقة المتظاهرين واستعمال الخرطوش والرصاص الحي في تفريقهم مما يفضي إلى قتل وإصابة الكثيرين منهم، والتوسع في الاعتقالات مع إساءة معاملة المعتقلين في أقسام الشرطة وفي السجون، وتلفيق التهم لهم وإصدار أحكام جائرة بحقهم وصلت مؤخرًا إلى الحكم في قضية واحدة بإعدام 529 متظاهرًا بمقتضى محاكمات سريعة لا يتوافر لها الحد الأدنى من الضمانات القانونية.
سياسات عقيمة
 
من الطبيعي في هذا المناخ المفعم بالاستقطاب والشقاق المجتمعي، والمليء بالتوترات السياسية والاضطرابات الأمنية، أن يُحجم المستثمرون عن إقامة مشروعات جديدة أو توسيع ما لهم من مشروعات قائمة، وأن تضطرب أحوال المنشآت الإنتاجية والخدمية، وأن تعجز الحكومة عن تنفيذ برامج الإنعاش بالرغم من توافر الأموال من الداخل والخارج، وأن تتعثر مسيرة النمو الاقتصادي ويرتفع معدل التضخم وتزداد البطالة وتتصاعد نسبة الفقراء. كما أنه ليس من المستغرب أن تؤدي عوامل الاضطراب والتوتر وعدم إمكانية رؤية بعض الضوء في نهاية النفق المظلم، فضلاً عن التمسك بسياسات اقتصادية وتنموية ثبت فشلها، إلى تعميق الاختلالات الهيكلية للاقتصاد المصري وإلى ترحيل أهداف ثورة يناير/كانون الثاني إلى أجل غير مسمى.
______________________
إبراهيم العيسوي، خبير اقتصادي مصري.

المراجع
(1)  تناولتها بالتفصيل في كتابي: الاقتصاد المصري في ثلاثين عامًا (المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 2007).

(2)     العام المالي في مصر يبدأ في أول يوليو/تموز من السنة الميلادية وينتهي في 30 يونيو/حزيران من السنة الميلادية التالية. وقد كان العام المالي 12/2013 (يوليو/تموز 2012-يونيو/حزيران 2013) هو العام الذي تولى فيه محمد مرسي رئاسة الجمهورية. والبيانات المذكورة في هذا المقال هي البيانات الرسمية المستمدة من عدد من المصادر، أبرزها: تقرير المتابعة للربع الرابع والعام المالي 12/2013 الصادر عن وزارة التخطيط في أكتوبر/تشرين الأول 2013، والتقرير المالي الشهري عن شهر فبراير/شباط 2014 الذي تصدره وزارة المالية، وتقرير الأداء الاقتصادي والمالي خلال النصف الأول من العام المالي 13/2014 الصادر عن وزارة المالية في فبراير/شباط 2014، والنشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي المصري، أعداد مختلفة وأحدثها عدد مارس/آذار 2014، والنشرة الاقتصادية للبنك الأهلي المصري، أعداد مختلفة وأحدثها العدد الثاني لسنة 2013، ونشرة القوى العاملة ومؤشرات الفقر طبقًا لبيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك والتقديرات السكانية ونشرة المعلوماتية مارس/آذار 2014 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتصريحات وزير المالية الجديد هاني قدري المتاحة على موقع وزارة المالية (  www.mof.gov.eg/Arabic/MofNews ....) وكذلك على موقع جريدة واشنطن بوست (  www.washington post.com  ). كما تضم مصادر هذا المقال موضوعًا من جريدة الجارديان البريطانية كتبه محمد الشاهد بعنوان: From Tahrir Square to Emaar Square: Cairo's private road to a private city, The Guardian, www.theguardian.com , 7 April 2014 ,

ABOUT THE AUTHOR