تركيا ومصر بعد فوز السيسي: سيناريوهات العلاقات

منذ يوليو/تموز 2013, اتخذت تركيا موقفًا واضحًا من الأحداث في مصر، واعتبرت ما حدث انقلابًا عسكريًا، وهو ماترك تأثيراً واضحاً على العلاقات بين تركيا ومصر. تبحث هذه الورقة أسباب تدهور العلاقات التركية-المصرية, وتعرض السيناريوهات المستقبلية لها في مقاربات ثلاث، تتراوح بين الثبات والتقارب والتدهور.
201463082021563734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تأخذ العلاقات التركية-المصرية طابعًا مهمًا انطلاقًا من التأثير والأهمية الإقليمية لكلتا الدولتين, لكن العلاقات .الثنائية دخلت في أزمة بعد الانقلاب العسكري في مصر، وهو ما شكّل نقطة حرجة أمام البلدين خاصة على صعيد مصالحهما الإقليمية والدولية.

تسعى هذه الورقة إلى توضيح طبيعة وأسباب تدهور العلاقات التركية-المصرية, إضافة لعرض السيناريوهات المستقبلية للعلاقات في مقاربات ثلاث، تتراوح بين الثبات والتقارب والتدهور.

وتبعًا لعدد من المعطيات التي تناقشها الورقة، يضع الباحث ثلاثة سيناريوهات للعلاقة مستقبلاً بين البلدين مستقبلاً والعناصر المؤثرة فيها، وهي:

أولاً: ثبات الأوضاع الحالية للعلاقات المصرية-التركية، والتي تتعزز مع قناعة القيادة التركية بأن الخيار الشعبي في مصر رافض للانقلاب، واستمرار تحالف دعم الشرعية بفعاليات رفض الانقلاب بغض النظر عن المواقف الدولية منه.

ثانيًا: تزايد التدهور في العلاقات، وتتزايد فرص هذا السيناريو مع وجود احتمالات، أهمها: مواجهات بين سياسية وإعلامية بين المسؤولين في البلدين، وحدوث متغيرات إقليمية ودولية تصب باتجاه إضعاف الانقلاب في مصر، واستمرار صعود أسهم حزب العدالة والتنمية في تركيا.

ثالثًا: التقارب، وهذا السيناريو يرتبط بعدة عوامل مستقبلية، أهمها: أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على كل من تركيا ومصر في إطار ترتيبات إقليمية تشمل عدة ملفات. وتحسّن الأوضاع الميدانية في مصر واحتمالية حدوث مصالحة فيها.

منذ الثالث من يوليو/تموز 2013, وهو اليوم الذي شهد انقلابًا عسكريًا في مصر وما تلاه من القمع والقتل لمعارضي الانقلاب العسكري في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة, اتخذت تركيا موقفًا واضحًا من الأحداث في مصر، واعتبرت تركيا ما حدث انقلابًا عسكريًا منافيًا لكل قيم ومبادئ الديمقراطية, وبناء على ذلك لم تعترف تركيا بكل ما أفرزه الانقلاب من مؤسسات ومسميات رافضة التعامل معها بشكل مبدئي؛ مما ميزها حتى عن بعض الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة التي بدا موقفها الأوليّ المعلن حائرًا تجاه الشكل الذي تم فيه تسويق الإطاحة بالرئيس محمد مرسي على أنه ثورة شعبية في 30 يونيو/حزيران 2013(1).

أدى الموقف التركي إلى سحب السفراء وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، ورافق ذلك اتهامات متبادلة بين بين البلدين، بدا فيه  الموقف التركي وكأنه يحرق جسور العلاقة مع القيادة المصرية الرسمية حتى على المدى البعيد، وإن كان قد أكّد على عمق العلاقة مع الشعب المصري. كان رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان واضحًا، عقب طرد السفير التركي من مصر بقوله إنه "لن يحترم أبدًا أولئك الذين يستولون على السلطة بانقلاب", وفيما حاول الرئيس التركي عبد الله غول في تصريحات تليفزيونية ردًا على الخطوة المصرية أن يخفف حدة الموقف بلهجة دبلوماسية قائلاً: "أتمنى أن تعود علاقتنا مرة أخرى إلى مسارها"؛ حمّلت الخارجية التركية ما أسمتها بالمسؤولية التاريخية عمّا حدث للقيادة المصرية المؤقتة"(2).

ما تراه حكومة مصر

وبعد تصاعد حدة الخلافات، وتبادل الاتهامات، نجد أن السلطات في مصر تحمّل الحكومة التركية مسؤولية الآتي:

  1. الإمعان في تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية.
  2. التدخل في الشؤون الداخلية المصرية.
  3. تحدي إرادة الشعب المصري والاستهانة بخياراته.
  4. دعم تنظيم فعاليات تهدف لزعزعة استقرار الأوضاع في مصر(3).

ما تراه الحكومة التركية

في المقابل تلخص الحكومة التركية، موقفها بالآتي:

  1. ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري مرفوض ولا يمكن السكوت عنه. 
  2. إبقاء مصر على المسار الديمقراطي مصلحة دولية وأمر ضروري للمنطقة وللعالم.
  3. التأكيد على الموقف المبدئي من الانقلاب وحث المجتمع الدولي لنبذه من أجل تكريس عزلته الإقليمية والدولية ونزع الشرعية عنها.
  4. أن مرحلة الانقلاب هي مرحلة عابرة لن تلبث أن تنتهي بعودة مصر للمسار الديمقراطي, وأن سقوط الانقلاب أمر قريب بسبب الأزمات الداخلية والمشاكل الخارجية(4).

ويعزز هذه القناعة أن "معاقل الدولة المصرية الحالية من الداخلية والقضاء والقوات المسلحة والجامعات المصرية، تعتبر تركيبة عاجزة عن إنقاذ مصر من الأزمة الحالية، وأن الحكم المدني لمصر اصطدم بهيمنة العسكر"(5).

وإلى جانب البعد الأخلاقي للموقف التركي من الانقلاب في مصر فإن هناك أهدافًا أخرى متعلقة بطموحات النفوذ التركي في منطقة المشرق العربي وشمال إفريقيا المعتمِد على توثيق العلاقات بشكل خاص مع حركات "الإسلام السياسي" الصاعدة في المنطقة في مرحلة الربيع العربي. وهذا لا يشكّل مشكلة ما دامت العلاقة قائمة على احترام خيارات الشعوب؛ فمن حق أية دولة أن تسعى لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية ما لم يتعارض ذلك مع المبادئ والقوانين. لقد كان من الواضح أن أسبابًا عدة تقف وراء الموقف التركي، المعارض بشدة للانقلاب العسكري في مصر، ويمكن حصرها بما يلي:

  1. متانة علاقة تركيا بالرئيس محمد مرسي وقناعتها بشرعيته السياسية والشعبية.
  2. التجاهل النسبي للكلفة الاقتصادية لقطع العلاقات بين البلدين ووجود خيار الفصل بين المواقف السياسية والمشاريع الاقتصادية بما لا يؤثر على استمرار العلاقات الاقتصادية, وتحديدًا من طرف تركيا التي يتوفر لديها بدائل متعددة علاوة على ارتفاع النمو الاقتصادي فيها مرتين عن العام الماضي حسب صندوق النقد الدولي الذي يتوقع أيضًا أن ينمو الاقتصاد التركي بنسبة 2.3 في العام 2014(6).
  3. الحساسية الشديدة والتاريخية لدى الأتراك تجاه الانقلابات العسكرية.

المواقف الدولية الأولية من الانقلاب وخاصة الأوروبية والأميركية مثل إعلان الرئيس أوباما أن واشنطن ستقوم بمراجعة برنامج التمويل العسكري الخارجي لمصر وتأجيل وكالة التعاون الأمني الدفاعي تسليم معدات عسكرية لمصر؛ وقد أدى تعليق المساعدات العسكرية لتوقع تقويض العلاقات مع الحكومة في مصر(7).

ومن المؤكد أن الموقف التركي رتّب الكثير من النتائج التي لا يمكن إغفالها، وأهمها:

  1. خسارة تركيا لفرصة الوساطة بين الأطراف المتصارعة في الساحة المصرية.
  2. تراجع نفوذ أنقرة بخسارة الإخوان المسلمين في مصر.
  3. تراجع الدور الإقليمي المصري في المنطقة.
  4. إعادة ترتيب شراكات مصر الإقليمية.
  5. تراجع فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين مستقبلاً.
  6. تأثير الضغوط التركية من خلال اتصالاتها بالدول والمنظمات الدولية على عملية الاعتراف الدولي بشرعية الانقلاب في مصر.

مستجدات على الساحتين المصرية والتركية

من الواضح أن السياسة الخارجية لكلا البلدين تأثرت بعدد من المستجدات الداخلية التي شهدتها تركيا ومصر خلال الأشهر الماضية؛ حيث أضاف فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التركية في مارس/آذار 2014 زخمًا إلى السياسة الخارجية التركية بالرغم من حجم التحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها. وفيما يقترب عمر الانقلاب في مصر من عام تقريبًا, مع تكريس بعض الدول الخليجية كالسعودية والإمارات دعمها لشرعية نظام ما بعد مرسي في مصر يُلاحَظ أن الموقف الأميركي أخذ بُعدًا واقعيًا، عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مقابلة مع قناة العربية حيث صرح بأن "الولايات المتحدة ستتعامل مع السيسي إن فاز في الانتخابات"(8).

وتراجعت الولايات المتحدة عن تعليق المساعدات العسكرية لمصر، علمًا بأن ميزانية المساعدات الخارجية الثنائية المقررة لمصر للسنة المالية 2014 تبلغ نحو 1.5 مليارات دولار أغلبها في صورة تمويل عسكري, وكانت الولايات المتحدة أعلنت قبل وقت قصير أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وافق على إطلاق صفقة لتسليم مصر 10 طائرات أباتشي لدعم عمليات مكافحة الإرهاب في مصر في سيناء والتي كانت أوقفتها في يوليو/تموز 2013 (9).

وبات الموقف الأوروبي يميل إلى المماشاة أكثر من الإنكار لسياسات الانقلاب، وهو ما تجلّى في خطوة  توقيع مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبي واللجنة العليا للانتخابات من أجل مراقبة أوروبية للانتخابات الرئاسية المصرية في خطوة اعتُبرت أنها اعتراف بخارطة الطريق المصرية فيما بدا بالنسبة للمسؤولين الحاليين في مصر كمراجعة للموقف الأوروبي مما حدث في 30 يونيو/حزيران 2013 واعتباره ثورة شعبية وليس انقلابًا عسكريًا وربما مع بعض التحفظات أو الانتقادات الأوروبية"(10). ورغم أن الاتحاد عدَلَ لاحقًا عن نشر بعثة مراقبين في مصر للإشراف على الانتخابات الرئاسية، بسبب عدم وجود ضمانات بحسن سير مهمتهم(11)، إلا أنه عاد واستأنف ذلك.

مستقبل العلاقة بعد الانتخابات

تعتمد سيناريوهات العلاقة المصرية-التركية مستقبلاً، على نتائج الانتخابات الرئاسية في كل من مصر وتركيا، وفيما يلي نظرة على واقعيهما:
 
الانتخابات الرئاسية المصرية
جرت الانتخابات الرئاسية المصرية في يومي 26و 27 مايو/أيار 2014 وتم تمديدها يومًا ثالثًا لضعف الإقبال في ظل وجود مرشحيْن فقط، هما: وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي ومؤسس حزب التيار الشعبي حمدين صباحي الذي حلّ ثالثًا في الانتخابات الرئاسية الماضية في 2012, وكانت الحملة الانتخابية للمرشحيْن قد انتهت في 23 مايو/أيار 2014.

ووفقًا للجنة العليا للانتخابات فقد حصل عبد الفتاح السيسي على 96.91% من الأصوات الصحيحة للناخبين مقابل 3% تقريبًا لمنافسه الوحيد القيادي اليساري حمدين صباحي(12).

وبعد إعلان نتائج الانتخابات أصبح عبد الفتاح السيسي رسميًا رئيسًا لمصر, ولا يمكن الحديث عن سيناريوهات متعددة لكون الانتخابات تمت في أجواء الاستقطاب واستمرار التظاهر والاعتقالات مع دعوة تحالف دعم الشرعية لمقاطعتها سوى الفوز السهل للمرشح السيسي بالانتخابات الرئاسية بما يحمله هذا الفوز من معانٍ مرتبطة بتنفيذ الانقلاب في يوليو/تموز 2013 وما مرّت به مصر داخليًا وخارجيًا, وعلى هذا فإن على السيسي أن ينتظر ثلاثة أشهر تقريبًا لظهور نتائج الانتخابات الرئاسية التركية مما يجعل الكرة في الملعب المصري إلى ذلك الحين, وربما تظهر بعض الإشارات الخافتة من الطرفين خلال هذه الفترة.

وقد نشأت أزمة جديدة بين تركيا ومصر حيث استدعت الخارجية المصرية القائم بالأعمال التركي للاحتجاج على تصريحات نُقلت عن نائب رئيس الوزراء التركي أمر الله إيشلر قال فيها: "إن انتخابات الرئاسة التي جرت في مصر الشهر الماضي هي كوميدية"(13).

لكن الأهم ما جاء على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي قال خلال خطاب ألقاه في 22 يونيو/حزيران 2014 خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول: "الطريق إلى الحكم في تركيا يمر عبر صناديق الاقتراع, وإذا لم تقبلوا الديمقراطية فإن ديمقراطيتكم هي ديمقراطية السيسي", ومما أضاف أهمية لهذا التصريح أنه جاء بعد رسالة تهنئة من الرئيس التركي عبد الله غول للسفارة المصرية في أنقرة بوصول السيسي إلى سدة الرئاسة لكن هذه الرسالة كانت تأخذ البعد البروتوكولي أكثر بكثير من كونها مؤشرًا على تغير في العلاقات خاصة أن أردوغان قبل إرسال غول للتهنئة بيومين كان قد رفع إشارة رابعة بيديه خلال افتتاح أعمال الإنشاء بمطار جديد في إسطنبول(14).

الانتخابات الرئاسية التركية
تستعد تركيا للانتخابات الرئاسية في أغسطس/آب القادم، وبدأت بالفعل مراحل التنافس الأولية بين الأحزاب فيها وبالتحديد حول أصوات الأتراك في الخارج الذين يُقدّر عددهم بـ2 مليون شخص؛ حيث يتنافس حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري في هذا المضمار(15), لكن تأكيد حزب العدالة والتنمية على عدم إجراء تعديلات على القانون الداخلي للحزب الذي يمنع الترشح للانتخابات البرلمانية أكثر من ثلاث مرات كان له أثر في عملية تحديد سيناريوهات الترشح للانتخابات الرئاسية فيما فتحت إيجابيات القرار وسلبياته مزيدًا من الأسئلة حول فرص الفوز بالانتخابات، وبغضّ النظر فإن المطروح حاليًا على طاولة العدالة والتنمية هو:

  1. ترشيح أردوغان للرئاسة وعودة عبد الله غول لرئاسة الوزراء.
  2. ترشيح أردوغان للرئاسة وانتهاء الحياة السياسية لعبد الله غول.
  3. بقاء عبد الله غول في الرئاسة وانتهاء الحياة السياسية لأردوغان.
  4. خروج أردوغان وغول من المشهد السياسي وترشيح شخصية جديدة للرئاسة(16).

ويبقى السيناريو الأكثر ترجيحًا هو ترشيح أردوغان للرئاسة, فيما يبقى خيارا عبد الله غول أو أحمد داوود أوغلو لرئاسة الوزراء على طاولة العدالة والتنمية، وإن كان الأخير أوفر حظًا وأكثر قبولاً.

كل ما سبق كان يتعلق بقرارات الحزب الحاكم لكن سيناريوهات تركيا كجمهورية تحتمل فوز مرشح الحزب أو خسارته، ومع رفض عبد الله غول أن يكون مرشح التفاهم للمعارضة في الانتخابات القادمة(17)  أعلن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، وحزب الحركة القومية أن "أكمل الدين إحسان أوغلو" الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي سيكون مرشحًا توافقيًا لهما في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة في العاشر من أغسطس/آب المقبل(18).

ما سبق يعني تأكيد احتمالية ثبات نسبي في السياسة الخارجية التركية مع بقاء أردوغان, غول, أحمد داوود أوغلو أو حتى مع بروز قيادات من الصفوف التالية لهذه المجموعة لكنها تحمل وتنتهج نفس الأفكار السياسية وخاصة فيما يتعلق بالموقف من العلاقات مع مصر.

سيناريوهات العلاقة

وتبعًا للعوامل والمعطيات السابق ذكرها، يمكن الحديث عن عدد من السيناريوهات التي ترسم شكل العلاقة بين البلدين مستقبلاً والعناصر المؤثرة فيها:

أولاً: ثبات الأوضاع الحالية للعلاقات المصرية-التركية
تتعزز فرص هذا الخيار بالتالي:

  1. قناعة القيادة التركية بأن الخيار الشعبي في مصر رافض للانقلاب, وخاصة مع ظهور استطلاعات رأي  مثل الذي أجراه مركز PEW للأبحاث بواشنطن أثناء الحملة الانتخابية، وأظهر أن شعبية السيسي لا تتجاوز 54% وأن 45% يرون أن هناك دورًا سلبيًا للجيش. فيما ينظر 38% بإيجابية نحو جماعة الإخوان المسلمين بالرغم من تصنيفها من طرف سلطة الانقلاب جماعة إرهابية(19)، يضاف إلى ذلك نسبة الإقبال الضعيفة جدًا على الانتخابات الرئاسية في مصر؛ حيث قدّر المركز المصري للإعلام ودراسات الرأي العام "تكامل" أن 10% من المصريين فقط شاركوا في الانتخابات الأخيرة نصفهم من المسيحيين(20) ؛ مما يعزز الموقف التركي والذي أكده بولنت أرنتش نائب رئيس الوزراء التركي حيث قال قبل أيام قليلة: "لم يكن بوسع تركيا أن تقف مكتوفة الأيدي أمام التحولات التي يشهدها العالم العربي، حيث ترى تركيا أنه لابد من وضع استراتيجيات بعيدة المدى، وليست قصيرة وقائمة على مصالح يومية، ولابد من استثمار على البنى التحتية، والمجتمعات لابد أن تكون تحولات في الأعماق, وأكد شعوره بالألم لما يحدث في مصر التي تحول ربيعها إلى شتاء على حد قوله"(21).
  2. استمرار تحالف دعم الشرعية بفعاليات رفض الانقلاب بغضّ النظر عن المواقف الدولية منه.
  3. انشغال تركيا بالقضايا الداخلية خاصة مع وجود حالة من الاستقطاب السياسي.
  4. القيادة التركية مصممة على مواقفها مثل ما حدث مع إسرائيل في موضوع أسطول الحرية بالرغم من التدخل الأميركي والرئيس أوباما شخصيًا. 
  5. تخبط الموقف الأميركي تجاه الانقلاب, ووجود دول غير راضية عن الانقلاب مثل قطر وتونس وبعض الدول الإفريقية والأوروبية.
  6. استمرار عدد من دول الخليج على رأسها السعودية بدعم القيادة المصرية الحالية للوقوف على أقدامها, وبصيغة أخرى مؤشرات الارتهان النسبي للقرار المصري في الفترة الحالية لبعض الدول الخليجية التي تدعمه بالرغم من محاولات النفي.

ثانيًا: تزايد التدهور في العلاقات
تزيد فرص هذا السيناريو مع وجود الاحتمالات التالية:

  1. حدوث مواجهات سياسية وإعلامية بين المسؤولين في البلدين مثل ما حدث عندما رفع أردوغان شعار رابعة في عدة مناسبات وحوادث مشابهة لحادثتي أحكام الإعدام الجماعية بمصر, واستيعاب تركيا لعدد كبير من معارضي الانقلاب العسكري على الأراضي التركية.
  2. حدوث متغيرات إقليمية ودولية تصب باتجاه إضعاف الانقلاب في مصر.
  3. استطاعة تركيا إيجاد بدائل وفضاءات لعلاقاتها تغنيها نسبيًا عن العلاقات مع الأنظمة المؤيدة للانقلاب فيما يُتوقَّع أن تسعى تركيا لمحاولة الفصل بين علاقاتها مع الانقلاب ومع الدول الداعمة له في عملية معقدة جدًا. 
  4. استعداد تركيا للدفاع عن موقفها ويمكن الاستشهاد بتصريحات وزير الخارجية التركي التي جاءت أثناء حديثه عن الشأن السوري: "إننا مستعدون للتضحية بحياتنا الفعلية وليس فقط بحياتنا السياسية"(22).
  5. تنامي التظاهرات في مصر وتزايدها مما يخلق حالة من عدم الاستقرار وهذا سيكون ضاغطًا على الموقف الأميركي الذي ينظر للأمور في مصر من بُعد أمني وهذا بدوره يؤثر على شبكة العلاقات الإقليمية.
  6. استمرار صعود أسهم حزب العدالة والتنمية في تركيا.
  7. تزايد تدهور الأوضاع الداخلية في مصر، ومن مظاهرها ضمور الأحزاب السياسية وعقمها، وغياب مؤسسات الدولة المستقلة التي يمكن أن تكون شريكة في القرار أو مراقبة له، وتغول السلطة، وهيمنة المؤسسة الأمنية وإطلاق يدها بالقانون وبغيره, إضافة لتفاقم الأزمة الاقتصادية(23).

ثالثًا: التقارب
وهذا السيناريو يرتبط بعدة عوامل مستقبلية، منها:

  1. أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على كل من تركيا ومصر في إطار ترتيبات إقليمية تشمل عدة ملفات, والضغط على النظام في مصر لتحقيق إصلاحات ديمقراطية.
  2. تحسن الأوضاع الميدانية في مصر واحتمالية وجود مصالحة في مصر بعد الانتخابات الرئاسية بين تحالف دعم الشرعية والنظام الحالي مع تصاعد الدعوات إلى ذلك وإن كان من غير المرجح نجاح هذه الدعوات.
  3. تغيرات إقليمية خاصة في الجوار التركي: سوريا والعراق, إضافة لتحركات السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة.
  4. تغير مواقف الدول الرافضة للانقلاب في مصر.
  5. إعادة تقييم الأمور من قبل الحكومة التركية الجديدة مع توقع تغيير في بعض الوجوه مثل رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
  6. تعاظم خسارة الطرفين من استمرار الأوضاع الحالية إلى حد كبير؛ وهذا غير مرجح من الناحية التركية لعدم وجود جوار جغرافي والاستغناء الاقتصادي التركي.
  7. انقلاب الأوضاع في مصر باتجاه المدنية؛ وهذا غير مرجح على المدى القريب. 
  8. تقارب تركيا مع السعودية والإمارات خاصة فيما يتعلق بالتهديد الإيراني للخليج؛ وهذا غير مرجح في ظل حديث عن تقارب أميركي-إيراني ومحادثات سعودية-إيرانية في الفترة الحالية.
  9. انهيار الانقلاب وعودة الحياة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011؛ وهو خيار توقعه عدد من الكتّاب والباحثين، من أبرزهم الباحث في مركز كارنيجي: يزيد صايغ؛ في ظل حالة استقطاب سياسي حاد وكساد اقتصادي كبير.

خلاصة

يمكننا بعد نظرة تقييمية على السيناريوهات المطروحة توقع أن تشهد الشهور الستة الأولى لما بعد وصول السيسي لرئاسة مصر حالة ثبات بارد في العلاقات التركية-المصرية الحالية بسبب اختلاط الأوراق في المنطقة،  ووجود انتخابات رئاسية تركية بعد شهرين تقريبًا من الانتخابات في مصر، وربما يكون خيار تهدئة الأمور من قبل تركيا بانتظار اتضاح المسارات في المنطقة قرارًا صائبًا, لكن الثبات مرشح في كل الأحوال لمزيد من التراجع في العلاقات, ويعتمد تزايد تدهور العلاقات بين تركيا ومصر على حجم التغير في السياسة الخارجية للحكومة التركية القادمة في 2015 خاصة في ظل التعقيدات الإقليمية فيما يتعلق بالملفين: السوري والعراقي, وكذلك الأحداث الميدانية في مصر وردود أفعال الطرفين.
________________________________________
محمود سمير الرنتيسي: باحث في مجال العلاقات الدولية

المصادر والهوامش
1- محمود الرنتيسي, تركيا والانقلاب في مصر: المسؤولية الأخلاقية, موقع صحيفة يني شفق, 5 يناير/كانون الثاني 2014:
http://arabic.yenisafak.com/turkiye-haber/09.01.2014-12300
2- أردوغان: لن أحترم الانقلابيين أبدًا, موقع بي بي سي,  23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013: إضغط هنا
3- تصريحات بدر عبد العاطي المتحدث باسم الخارجية المصرية, قناة النهار, 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
4- علي حسن باكير, مستقبل العلاقات التركية-المصرية بعد الانقلاب العسكري, مركز الجزيرة للدراسات, 8 ديسمبر/كانون الأول 2013:
http://studies.aljazeera.net/reports/2013/12/2013128104942110833.htm
5- يزيد صايغ, لقاء مع قناة الجزيرة مباشر, 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2013:
6- The International Monetary Fund (IMF), 2014 Spring REI for Central, Eastern and Southeastern Europe: Safeguarding the Recovery as the Global Liquidity Tide Recedes, 29/4/2014.
http://www.imf.org/external/np/sec/pr/2014/pr14179.htm
7- ديفيد شنكر, المساعدات العسكرية الأميركية لمصر, معهد واشنطن لتحليل السياسات, 4 سبتمبر/أيلول 2013: http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/inside-the-complex-world-of-u.s.-military-assistance-to-egypt
8- جون كيري، مقابلة مع قناة العربية، 24 يناير/كانون الثاني 2014.
9- تقرير, تساؤلات حول تسليم أميركا طائرات أباتشي لمصر, موقع الجزيرة نت, 27 إبريل/نيسان 2014: http://www.aljazeera.net/news/pages/761c161e-1e21-453b-8c65-ebe78f7d8007
10- تقرير, أوروبا ورئاسيات مصر: حديث الانقلاب والمصالح, الجزيرة نت, 22 إبريل/نيسان 2014: http://www.aljazeera.net/news/pages/d0cc6236-2fb7-4b18-b181-f2b331bffa2d
11- الاتحاد الأوروبي يعدل عن مراقبة الانتخابات الرئاسية في مصر، جريدة الحياة، 17 مايو/أيار 2014:
http://alhayat.com/Articles/2429015/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1
12- نتيجة الانتخابات الرئاسية 2014, موقع اللجنة العليا للانتخابات
 https://www.elections.eg/presidential-elections-2014-results
13- الجزيرة مباشر مصر, أزمة جديدة في العلاقات المصرية-التركية , 3 يونيو/حزيران 2014:
http://mubasher-misr.aljazeera.net/news/20146314911137540.htm
14- صحيفة يني شفق, أردوغان: اجتزنا امتحانًا صعبًا في تاريخ الجمهورية, موقع صحيفة يني شفق، 22 يونيو/حزيران 2014:
http://arabic.yenisafak.com/turkiye-haber/23.06.2014-28215?ref=manset-10
15-Da?ly Sabah, Parties Rally In Eurpe,6/5/2014, p:8
16-  يثم الكحيلي, قرار للعدالة والتنمية يقلب الموازين, ساسة بوست, 5 مارس/آذار 2014.
17- توضيح عرض بهشلي على غول, صحيفة زمان التركية, 28 مايو/أيار 2014, تاريخ الاسترجاع 28 مايو/أيار 2014:
http://www.zaman.com.tr/gundem_bahceliden-gule-teklif-aciklamasi_2220566.html
18- إسماعيل جمال، أكمل الدين إحسان أوغلو مرشحًا موحدًا للمعارضة التركية لانتخابات الرئاسة، القدس العربي، 16 يونيو/حزيران 2014:
http://www.alquds.co.uk/?p=181112
19-PEW research center, One Year after Morsi's Ouster, Divides Persist on El-Sisi, Muslim Brotherhood, 22/3/2014.
 http://www.pewglobal.org/2014/05/22/one-year-after-morsis-ouster-divides-persist-on-el-sisi-muslim-brotherhood/
20-  موقع المركز المصري للإعلام ودراسات الرأي العام.  http://www.ecmeg.com/?cat=4
-21 بولنت أرنتش, كلمة خلال منتدى الجزيرة الثامن, 26 مايو/أيار 2014.
22-  أحمد داود أوغلو في كلمته خلال المؤتمر الثاني للمجلس التركماني-السوري بالعاصمة التركية أنقرة, 9 مايو/أيار 2014.
 23- فهمي هويدي, السؤال الكبير المطروح على رئاسة مصر الجديدة, موقع الجزيرة نت, 28 مايو/أيار 2014: http://www.aljazeera.net/opinions/pages/ef3d2503-c8e0-4ba0-8459-6ca055ae1fe4

ABOUT THE AUTHOR