موقف الصين من تنظيم الدولة: ترقب وتوظيف

ترى الصين في الحملة الدولية ضد تنظيم الدولة فرصة لإضفاء الشرعية على حربها ضد الإيغور بوصفهم إرهابيين، لكنها مترددة إزاء الانخراط العسكري فيها، فمن جهة لديها حوافز كثيرة للمشاركة منها حماية استثماراتها النفطية، ومن جهة أخرى لديها موانع وأهمها عدم الغرق في حروب الشرق الأوسط.
23 October 2014
201410237269194734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
يتناول التقرير مدى تهديد تنظيم الدولة الإسلامية لمصالح الصين في المنطقة ويبحث حجم المسؤولية الصينية عن صعود التنظيم ومدى إمكانية مشاركتها في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم بعملية "التصميم الصلب".

شكَّل تنظيم الدولة اختبارًا جديًّا لما تسميه بكين ثوابتها السياسية ولاسيما في السياسة الخارجية، وعلى الرغم من الحوافز المتعددة التي قد تدفعها للمشاركة في التحالف الدولي ومنها حماية مصالحها في العراق وسوريا، واختبار قدراتها العسكرية، واكتساب خبرات قتالية جديدة، وتحسين سمعتها الدولية كدولة مسؤولة وتجاوز التوتر في علاقاتها مع واشنطن مؤخرًا، إلا أن مبررات الإحجام موجودة أيضًا، منها ثوابت بكين في السياسة الخارجية وعدم استعدادها بعدُ لتحمل مثل هذا العبء، والخوف من أن يكون الهدف إغراقها في مستنقع "مكافحة الإرهاب" في الشرق الأوسط، ناهيك عن المكاسب المتأتية من ترك الولايات المتحدة تقوم بهذه المهمة لوحدها على قاعدة أن افضل الحروب هي تلك التي يتم ربحها من دون الاضطرار إلى خوضها، لأن المعركة الحالية قد تنتهي بمكاسب صينية على المدى البعيد كما حصل في العراق سابقًا.

مقدمة

لم يحظ تنظيم الدولة الإسلامية في بادئ الأمر باهتمام استثنائي في بكين، ولم ينجح في جذب الانتباه الصيني إلا بمقدار ما يمكن أن يفيدها في مساعيها للترويج عن نسختها الداخلية في محاربة "الإرهاب".

ولكن في تاريخ الرابع من يوليو/تموز 2014، ألقى أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة خطبة ذكر فيها اسم الصين وربطه مع دول أخرى أيضًا في موضوع تعرض المسلمين للعذاب وانتهاك الأعرض وإراقة الدماء والأسْر(1). وانتشرت في نفس الفترة تقريبًا خارطة قيل إن التنظيم نشرها وتعبِّر عن طموحه الإقليمي والمناطق التي سيضمها إليه خلال سنوات ومن ضمنها جزء من شرق الصين أو إقليم شينجيانغ أو ما يُعرف وفق أهله من الإيغور المسلمين باسم إيغورستان أو تركستان الشرقية(2)، وكانت هذه الإشارات بمثابة جرس إنذار في الصين.

المصالح الصينية في العراق وسوريا

يعد العراق خامس أكبر مصدِّر للنفط إلى الصين ويزودها بحوالي 10% من إجمالي وارداتها النفطية(3). تشتري بكين حوالي 1.5 مليون برميل نفط من العراق يوميًّا، أي ما يقارب الـ50% من إنتاج العراق النفطي البالغ 3.4 مليون برميل(4)، ومن المنطقي أن يكون الرقم بهذا الحدود إذا ما علمنا أن الصين استثمرت أكثر من 10 مليارات دولار في السنوات الأخيرة لتطوير القطاع النفطي العراقي بعد الاجتياح الأميركي للعراق، وأن كبرى الشركات النفطية الحكومية الصينية العاملة هناك كـ"بيتروتشاينا" و"سينوبيك غروب" و"سي إن أو أو سي" تسيطر على أكثر من خُمس المشاريع النفطية العراقية(5).

فشركة سي إن بي سي الصينية التي تعمل جنوب العراق على سبيل المثال تعد أكبر مستثمر في قطاع النفط العراقي؛ إذ استثمرت في حقل الرميلة النفطي وبعض الحقول الأخرى قيمة 5.6 مليارات دولار، وأنتجت العام الماضي ما يقارب 299 مليون برميل نفط من العراق، أي: ما يوازي ثلث إنتاج الشركة العالمي(6).

أما فيما يتعلق بخطر تنظيم الدولة المباشر على المصالح الصينية في العراق ولاسيما النفطية منها، فباستثناء حقل نفطي واحد لشركة "سينوبيك" في شمال العراق (إقليم كردستان)، فإن باقي الحقول النفطية الصينية تقع في أقصى جنوب العراق إلى جانب الحدود مع إيران غالبًا، وأكثرها قربًا من بغداد يبعد عنها حوالي 110 أميال باتجاه الجنوب الشرقي(7)؛ لذلك فهي لم تتعرض لخطر مباشر حتى الآن من قبل التنظيم.

لا تقتصر المصالح الصينية في العراق على قطاع النفط؛ فقد استثمرت الصين في قطاع البنى التحتية، وتقدر مصادر صينية عدد العاملين الصينيين في العراق بحوالي 15 ألف صيني، عَلِق حوالي 1200 منهم في منطقة الصراع التي يسيطر عليها تنظيم الدولة؛ فأرسلت السفارة الصينية في بغداد طائرات وباصات لنقل العالقين إلى بغداد وتم إجلاء أكثر من 235 صينيًّا(8).

في المقابل، لا تمتلك الصين مصالح كبرى في سوريا كما هي عليه الحال في العراق لكن مصالح الصين في الملف السوري مرتبطة بشكل غير مباشر بمصالح الصين بكل من روسيا وإيران؛ فقد تقربت الصين في السنوات الأخيرة من روسيا في محاولة منها لموازنة الدور الأميركي في شرق آسيا، ولاسيما استراتيجية التحول نحو آسيا(9)، ووقَّعت الصين عقود طاقة ضخمة جدًّا مع موسكو وطهران(10)، ولا شك في أن بكين تعلم أن استخدام ملف "مكافحة الإرهاب" في سوريا للتقرب من واشنطن سيضر بالضرورة بعلاقاتها مع موسكو، كما أن إلحاق الضرر بنظام الرئيس السوري بشار الأسد سيرتد حتمًا على إيران وقد يضعفها على الأرجح، وهو ما سينعكس على العلاقات الصينية-الإيرانية بدوره، وعلى المصالح الصينية والاستثمارات الضخمة لبكين في إيران.

 مسؤولية الصين عن صعود تنظيم الدولة

لن نظلم الصين إذا ما قلنا: إنها مع غيرها من الدول مسؤولة أيضًا عن صعود تنظيم الدولة، ولا شك أن ما يحصل اليوم بخصوص بروز التنظيم يعود في جزء منه إلى مواقف الدول الرئيسية الفاعلة ومن بينها روسيا والصين والولايات المتحدة. ويعزز العديد من المعطيات التي يمكن سردها هذه الحقيقة، ومن أهمها: 

  • الصين من الحكومات التي دعمت الرئيس العراقي نوري المالكي ونظام الأسد بشكل مطلق تحت ذريعة عدم التدخل والحفاظ على السيادة، وسياسة الأسد والمالكي تحديدًا خلقت البيئة المناسبة جدًّا لإنتاج هذا النوع من التطرف، وشكَّلت مغناطيسًا جاذبًا لكافة الراديكاليين الذين استغلوا فظائعهما لتجنيد المزيد من الناقمين واليائسين ومن يسعون إلى الثأر. 
  • استخدمت الصين إلى جانب روسيا الفيتو في وجه القرارات التي أُعدت في مجلس الأمن لإدانة الأسد، وأفشلت الجهاز الأهم في الأمم المتحدة المنوط به حماية الأمن والسلم الدوليين، وسمحت للأسد بالتالي بالتمادي في قتل المدنيين؛ وهو بدوره ما خلق حالة من اليأس لدى الثائرين من مساعدة المجتمع الدولي وخلق فراغًا ملأته التنظيمات المسلحة.
  • وثَّقت هيومان رايتس ووتش حالة استخدام غاز الكلور مع براهين قوية على استخدامه من قبل نظام الأسد ضد المدنيين(11)، وقد وُجِدت عبوات تبين أن مصدرها الصين(12)، وهو الأمر الذي حاولت الصين أن تنفيه مبررة ذلك بالقول: إن شعار الشركة الصينية الموجود على القطع التي تم التقاطها مزيف ومقلد(13)، لكن التقارير تشير حقيقة إلى أن الصين كانت من أبرز مزودي النظام السوري بالأسلحة بين الأعوام 2003 و2010 بقيمة تصل إلى حوالي 300 مليون دولار(14).
  • صوتت الصين على القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن والذي يقضي بمنع تدفق المسلحين إلى داخل سوريا (كل المسلحين)، ولكنها لم تستخدم نفوذها لدى العراق وإيران لمنع تدفق المليشيات الشيعة وسحب القوات التابعة لهما في سوريا؛ وهو ما يعبِّر أيضًا عن ازدواجية في تفسيرها وتطبيقها للقرارات الدولية.
  • بالإضافة إلى الأسلحة الأميركية الموجودة بكثرة في ترسانة تنظيم الدولة، جُلُّ الأسلحة الأخرى الموجودة لدى تنظيم والذخائر المستخدمة صينية الصنع(15)، وهذا مؤشر على أنها كانت في حوزة النظام السوري على الأرجح أو أنها وصلت إليه بعد اندلاع الثورة عبر طرف ثالث قد يكون إيران ثم العراق.

وبدلاً من البحث عن حلول حقيقية للمشكلة المتمثلة في "تنظيم الدولة"، لجأت الصين كغيرها من الدول إلى استخدام الموضوع كأداة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية؛ ففي 8 يوليو/تموز 2014  التقى المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط "وو سايك" برئيس وزراء العراق آنذاك نوري المالكي متعهدًا له بدعم جهود "مكافحة الإرهاب" مع احترام بكين الكامل للسيادة العراقية، وحاول أن يربط بشكل واضح بين ما يجري في العراق وبين أوضاع الصين الداخلية حينما قال: إن "الصين ضحية "الإرهاب" في سوريا والعراق وحل المشكلة هناك سيكون مفيدًا للصين والعالم"، وتمت الإشارة إلى تقارير إعلامية تقول: إن حوالي مائة صيني من منطقة "تركستان الشرقية" قد انضموا إلى التنظيمات الراديكالية، في حين ادعت الصحف ووسائل الإعلام الصينية الرسمية أن "الحركة الإسلامية لشرقي تركستان" و"جمعية التعليم والتضامن لشرق تركستان" سبق لهما توظيف عناصر للذهاب إلى سوريا للمشاركة في "الجهاد"(16). بمعنى آخر، أرادت بكين استغلال موضوع تنظيم الدولة لتبرير الحملات التي شنَّتها على الإيغور مؤخرًا(17)، ولتقول إن لها الحق والصلاحيات أيضًا لملاحقة "الإرهاب الداخلي".

الصين والحملة الدولية على تنظيم الدولة

لطالما انتقدت الولايات المتحدة تردد الصين في الانخراط في المسائل الأمنية الدولية وتحمل المسؤوليات المتأتية عنها بما يتناسب مع تنامي حجم المصالح الصينية حول العالم. في شهر أغسطس/آب الماضي، وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما الصين بأنها "راكب مجاني" وأن أحدًا لا يتوقع أن تفعل الصين شيئًا عندما تتفاقم مثل هذه الأمور(18).

ومع تفاقم الوضع وتزايد تهديد تنظيم الدولة، أراد أوباما على ما يبدو اختبار صحة مقولته هذه، فأرسل في 7 سبتمبر/أيلول 2014، مستشارة الأمن القوي الأميركي سوزان رايس إلى بكين لحث الجانب الصيني على المساعدة في الرد على الخطر  المتنامي لتنظيم الدولة، لكن الجانب الصيني اكتفى بإبداء "اهتمامه" بالموضوع دون أن يقدم التزامًا واضحًا بالمساعدة(19).

ومفهوم "الاهتمام" هنا بالذات هو المفتاح لفهم السلوك الصيني؛ فالقادة الصينيون دقيقون عادة فيما يقولون، ومكمن "الاهتمام" هنا أنهم تفادوا الرد بشكل سلبي على الدعوة الأميركية كي لا يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر مؤخرًا في العلاقات مع واشنطن، وكي لا يُفسَّر الموقف أيضًا على أنه تخلٍّ للصين عن مسؤوليات ذات طابع دولي، أو أنها تسكت عن "الإرهاب" في وقت تشدد فيه دومًا على أنها تعاني من هذه الظاهرة في إقليم شينجيانغ أو تركستان الشرقية.

كما أن عدم تقديم الصين لالتزام واضح بالمساعدة أو المشاركة في الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة يجعلها على تناغم مع مبادئها الأساسية في السياسة الخارجية وخطوطها العريضة بخصوص احترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية؛ وهو الأمر الذي لا يعكس حقيقة التزامًا دوليًّا من قبلها بالقوانين والأنظمة الدولية نصًّا وروحًا بقدر ما يعكس تخوفًا دائمًا لدى القيادة الصينية من إمكانية استغلال مثل هذه الحالات (أي: التدخل في الدول الأخرى لأسباب إنسانية) من قِبل الولايات المتحدة أو دول أخرى لتبرير فعل نفس الشيء تجاه الصين مستقبلاً، نظرًا لسجلها في هذا المجال بشكل عام ولاسيما في إقليم التبت وتركستان الشرقية.

عندما ألقى الرئيس أوباما خطابًا دعا فيه إلى إقامة تحالف واسع النطاق لمواجهة تهديدات "الإرهاب"، سأل الصحفيون المتحدثة باسم الخارجية الصينية عن الموقف الرسمي للصين، ويمكن إيجاز الموقف الصيني بهذا الخصوص على النحو التالي(20):

  • الجانب الصيني يرفض قطعًا "الإرهاب" أيًّا كان شكله. 
  • يجب على المجتمع الدولي التعاون الوثيق وبذل جهود مشتركة لمحاربة "الإرهاب"، بما في ذلك دعم الجهود التي تبذلها الدول ذات الصلة من أجل الحفاظ على أمنها واستقرارها. 
  • ندعو إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لاحترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية والسيادة والاستقلال وسلامة الأراضي للدول ذات الصلة في الكفاح الدولي ضد "الإرهاب".
  • في اليوم التالي من المؤتمر الصحفي، أُعيد طرح نفس السؤال على المتحدثة باسم الخارجية الصينية وهل ستشارك الصين في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "الإرهاب"، فأجابت نفس الجواب السابق مع إضافة(21):
  • الصين على استعداد لتعزيز التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة "الإرهاب" لحماية السلام والاستقرار الدوليين، وذلك على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والتعاون على قدم المساواة.

من غير الواضح ما نوع التواصل المقصود هنا وشكله، لا شك أنه ينطوي على دعم سياسي في مجلس الأمن وهو ما حصل، لكن الصحف الرسمية المحسوبة على الحكومة سرعان ما ركَّزت أيضًا على ما يمكن تسميته بالدعم المعنوي للحملة الدولية ضد "الإرهاب" مع ترجيح عدم إمكانية مشاركة الصين بشكل مباشر عمليًّا في هذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للعمليات في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية(22).

حوافز وموانع المشاركة الصينية بالحملة الدولية

على الرغم من أن الموقف الصيني تقليدي، أطلقت دعوة أوباما وزيارة مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس نوعًا من الجدل الداخلي في الصين على مستوى الباحثين الأكاديميين ما يعكس نوعًا جديدًا من التفكير لدى هذه الشريحة التي أصبحت أكثر جرأة في التعبير عن خيارات قد تكون متميزة عن الموقف الرسمي، ولكن دافعها مصلحة الصين في النهاية؛ فهناك من يرى أن دعوة أوباما هي فرصة وأن على الصين أن تشارك في الحرب ضد تنظيم الدولة، لعدة أسباب، أهمها(23):

  • المصالح الصينية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط وأحد أوجهها أن وارداتها من نفط المنطقة التي تخطت واردات الولايات المتحدة(24)، تحتِّم عليها أن تكون معنية بشكل مباشر بما يجري وأن تتدخل لأنها حتى لو رفضت ذلك فسرعان ما ستجد نفسها في قلب الحدث مباشرة.
  • الحرب على الدولة تعد فرصة للصين لاختبار القدرات العسكرية لعناصر قواتها المسلحة؛ فعلى الرغم من الحديث المتزايد عن صعود الجيش الصيني، إلا أن هناك من يرى أنه يفتقد إلى الكفاءة القتالية، فآخر حرب حقيقية خاضها كانت قبل أكثر من 30 عامًا، وهو بحاجة الآن إلى اكتساب خبرات قتالية ميدانية، والانضمام إلى التحالف فرصة ثمينة لتحقيق هذا الغرض.
  • انخراط الصين في الحملة الدولية على التنظيم سيعمل على تحسين سمعتها على المستوى الدولي كدولة مسؤولة ومبادرة ومشاركة، ويترك بصمة إيجابية عن صورتها ودورها، خاصة أن دولاً رئيسية عدة في المجتمع الدولي كانت -ولا تزال- تعتبر أن الصين لا تؤدي ما يتطلبه منها الأمر عندما يتعلق بالمسؤولية الدولية. ولأن تنظيم الدولة مكروه تقريبًا من الجميع، فإن انخراط بكين سيساعدها على كسر حاجز التذمر من سلوكها الدولي، على اعتبار أن محاربة التنظيم حينها ستكون خدمة للمجتمع الدولي، كما أنه لن تكون هناك أية مخاطرة من تضرر سمعة الصين بشكل سيء عند أي من اللاعبين.
  • الحرب على تنظيم الدولة توفر فرصة لبكين للتقرب سياسيًّا من واشنطن، خاصة أن الأخيرة في وضع الباحث عن مساعدة دولية واضحة في هذا الموضوع، ولذلك فهي ستقدر أية مساعدة صينية في هذا المجال.

وبهذا المعنى فإن بكين لديها ما يكفي فعلاً من الدوافع والمصالح للانخراط العملي في التحالف. لكن في المقابل، هناك آراء تكاد تقترب من التوجهات الصينية الرسمية التقليدية وتفضِّل بقاء بكين بعيدًا عن الأضواء والالتزام بمعادلة "الدعم الكلامي والتهرب العملي من الالتزام بأية مسؤولية قد يلقيها موضوع محاربة "الإرهاب" على عاتق الصين"، وذلك انطلاقًا من عدة معطيات، أهمها(25):

  • التقليد الصيني في الحفاظ عادة على ما يسمى "مبادئ عامة" يتم اللجوء إليها دومًا في بلورة موقف من الأحداث الساخنة على الصعيد الدولي والإقليمي، وأبرز هذه المبادئ العامة التي تتكرر باستمرار في المواقف الرسمية الصينية المعلنة هي(26):
    • مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
    • مبدأ الحرص على حماية الأمن والاستقرار.
    • مبدأ رفض استخدام القوة في العلاقات الدولية.
  • دعوة الولايات المتحدة الصين للمساعدة في الحرب على "الإرهاب" في الشرق الأوسط هي بمثابة فخ يتم نصبه لبكين لتقع فيه، وإذا ما انجرَّت بكين إليه فإنها ستغرق وسيكلفها ذلك مصالحها وقد ينعكس على أمنها القومي أيضًا لناحية الطاقة أو الأمن.
  • الصين غير جاهزة لتحمل هذا القدر من الأعباء فهي لا تزال دولة نامية، ولديها الكثير من الأولويات الداخلية ولا تتطلع إلى قيادة عالمية.
  • من الأفضل ترك الولايات المتحدة تقوم بالعملية وتغرق كما فعلت في العراق، ومن شأن ذلك أن يتيح فرصًا هائلة للصين إذ إنه سيشتِّت الولايات المتحدة ويُبعد تركيزها عن منطقة شرق آسيا، كما أنه سيفتح الطريق واسعة للصين لمرحلة ما بعد الحرب تمامًا كما حصل في العراق(27).

خلاصة

في المحصلة، من الواضح أن تنظيم الدولة الإسلامية قد أضاف اختبارًا جديدًا للمسار التقليدي لسياسة الصين الخارجية، وعلى الرغم من أن الصين قد تظل على الأرجح متمسكة بمواقفها التقليدية في مثل هذه الاختبارات خلال المرحلة المقبلة، إلا أن الأكيد أنه قد طرأ تحول واضح على نوعية الخطاب الذي تقدمه بعض الشرائح غير الرسمية أو تلك التابعة للمؤسسة العسكرية بخصوصها، وهو الأمر الذي يطرح بدوره تساؤلات عن المدى الذي من الممكن أن يبلغه هؤلاء في طروحاتهم خلال المستقبل المنظور، ومدى قدرة مثل هذه الطروحات على التأثير في صناعة القرار السياسي أو على تفكير النخبة الصينية الحاكمة سواء من خلال الإقناع في حالة النخب الأكاديمية أو من خلال الضغوط في حالة النخب العسكرية، علمًا بأن صناعة السياسة الخارجية الصينية أظهرت خلال العقود الماضية تأثرها بما يطرحه المفكرون حينما يكونون في موقع صناعة القرار. حتى ذلك الحين، يبدو أن مقولة الاستراتيجي الصيني سون تزو، ومفادها أن أفضل الحروب هي التي تربحها من دون أن تخوضها، هي التي ستبقى تحكم الحسابات الصينية.
____________________________________
علي حسين باكير - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

المصادر
1- انظر، خطبة أبي بكر البغدادي باللغة الإنكليزية، 4 يوليو/تموز 2014:
https://ia902501.us.archive.org/2/items/hym3_22aw/english.pdf
2- انظر:
Jack Moore, Isis Master Plan Revealed: Islamic 'Caliphate' Will Rule Spain, China and Balkans, ibtimes, 4/9/2014.
http://www.ibtimes.co.uk/isis-master-plan-revealed-islamic-caliphate-will-rule-spain-china-balkans-1463782 
3- انظر:
New Suppliers Boost China Oil Imports. The Wall Street Journal, 21/1/2014.
http://online.wsj.com/news/articles/SB10001424052702303802904579334411874909686 
4- انظر:
Max Fisher. Why it’s good news for the U.S. that China is snapping up Iraq’s oil, The Washington Post, 3/6/2013.
http://www.washingtonpost.com/blogs/worldviews/wp/2013/06/03/why-its-good-news-for-the-u-s-that-china-is-snapping-up-iraqs-oil/
5- انظر:
BEN BLANCHARD, China says may have citizens fighting in Iraq, Reuters, 28/7/2014.
http://www.reuters.com/article/2014/07/28/us-iraq-security-china-idUSKBN0FX0FV20140728 
6- انظر:
Peter Ford, Why China stays quiet on Iraq, despite being no. 1 oil investor , The Christian Science Monitor, 27/6/2014.
http://www.csmonitor.com/World/Asia-Pacific/2014/0627/Why-China-stays-quiet-on-Iraq-despite-being-no.-1-oil-investor-video 
7- انظر:
BREE FENG AND EDWARD WONG, China Keeps a Close Eye on Oil Interests in Iraq, Sinosphere, 17/6/2014
http://sinosphere.blogs.nytimes.com/2014/06/17/china-keeps-a-close-eye-on-oil-interests-in-iraq/?_php=true&_type=blogs&_r=0 
8- انظر:
Peter Ford, Op. Cit.
9- انظر:
Jonathan Masters,The Pentagon Pivots to Asia, CFR, 6/1/2012.
http://www.cfr.org/united-states/pentagon-pivots-asia/p26979 
10- انظر:
Elena Mazneva and Stepan Kravchenko, Russia, China Sign $400 Billion Gas Deal After Decade of Talks, Bloomberg, 21/5/2014.
http://www.bloomberg.com/news/2014-05-21/russia-signs-china-gas-deal-after-decade-of-talks.html 
Remi Piet, Russia-China energy deal: Geopolitical tectonic shift, Aljazeera, 17/6/2014.
http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/06/russia-china-energy-alliance-ge-201461765254926525.html 
11- انظر:
Syria: Strong Evidence Government Used Chemicals as a Weapon, HRW, 13/5/2014.
http://www.hrw.org/news/2014/05/13/syria-strong-evidence-government-used-chemicals-weapon 
12- أنظر:
CHUIN-WEI YAP, Chinese Weapons Supplier Denies Selling Gas to Syria, The Wall Street Journal, 16/5/2014.
http://online.wsj.com/news/articles/SB10001424052702304908304579565364092454006 
13- انظر:
Chinese Weapons Firm Denies Supplying Chlorine to Syria, NTI, 16/5/2014.
http://www.nti.org/gsn/article/chinese-weapons-firm-denies-supplying-chlorine-syria /
14- أنظر:
William Wan, China says U.S. rushing into Syria over chemical weapons, The Washington Post, 29/8/2013.
http://www.washingtonpost.com/world/china-says-us-rushing-into-syria-over-chemical-weapons/2013/08/29/1c1a9fce-1089-11e3-85b6-d27422650fd5_story.html 
15- أنظر:
Hanna Sender, Where Does ISIS Get Its Ammunition? New Report Finds Arms Manufactured in Over 20 Countries [MAP], Ibtimes, 7/10/2014.
http://www.ibtimes.com/where-does-isis-get-its-ammunition-new-report-finds-arms-manufactured-over-20-countries-1700659 
C. J. CHIVERS, ISIS’ Ammunition Is Shown to Have Origins in U.S. and China, The New York Times, 5/10/2014.
http://www.nytimes.com/2014/10/06/world/isis-ammunition-is-shown-to-have-origins-in-us-and-china.html?_r=0 
16- انظر:
China supports Iraq to maintain sovereignty, calls for inclusive gov't: envoy, 8/8/2014
 http://english.peopledaily.com.cn/n/2014/0708/c90883-8752123.html
Bai Tiantian, China at risk from Syria spillover, Global Times, 29/7/2014.
http://www.globaltimes.cn/content/873090.shtml 
17- انظر:
ANDREW JACOBS, After Deadly Clash, China and Uighurs Disagree on Events That Led to Violence, The New York Times, 30/7/2014.
http://www.nytimes.com/2014/07/31/world/asia/china-xinjiang-uighurs-deadly-violence.html 
18- انظر:
The Obama Interview, The New York Times, video:
http://www.nytimes.com/video/opinion/100000003048414/obama-on-the-world.html?playlistId=100000002797598&region=video-grid&version=video-grid-headline&contentCollection=U.S.+%26+Politics&contentPlacement=2&module=recent-videos&action=click&pgType=Multimedia&eventName=video-grid-click
19- انظر:
Kristina Fernandez, US Urges China To Support Anti-ISIS Campaign In Middle East, China Topix, 10/9/2014.
http://www.chinatopix.com/articles/9693/20140910/us-urges-chinese-support-in-anti-isis-campaign-middle-east.htm 
20- انظر: المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشونينغ تعقد مؤتمرًا صحفيًّا اعتياديًّا يوم 11 سبتمبر/أيلول عام 2014، سفارة الصين في مصر:
http://eg.china-embassy.org/ara/fyrth/t1191099.htm
21- انظر: المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشونينغ تعقد مؤتمرًا صحفيًّا اعتياديًّا يوم 12 سبتمبر/أيلول عام 2014
http://eg.china-embassy.org/ara/fyrth/t1190960.htm
22- انظر:
Yang Jingjie, China unlikely to step into IS fray, Global times, 12/9/2014.
http://www.globaltimes.cn/content/881077.shtml
23- انظر:
Lang Yaoyuan, Should China Join US Allies to Fight ISIS?, US-China perception monitor, 26/9/2014.
http://www.uscnpm.org/should-china-join-us-allies-to-fight-isis/
Dingding Chen, China Should Send Troops to Fight ISIS, The Diplomat, 12/9/2014:
http://thediplomat.com/2014/09/china-should-send-troops-to-fight-isis/
24- تخطت الصين أميركا في استيراد النفط من المنطقة؛ حيث تستورد حوالي 50% من نفط الشرق الأوسط، انظر:
http://www.nytimes.com/2013/06/03/world/middleeast/china-reaps-biggest-benefits-of-iraq-oil-boom.html?pagewanted=all
Brad Plumer, China now gets more oil from the Middle East than the US does, Vox, 3/9/2014.
http://www.vox.com/2014/9/3/6101885/middle-east-now-sells-more-oil-to-china-than-to-the-us
25- انظر:
John Chan, China warns against a repeat of the Iraq war in Syria, WSWS, 31/8/2013.
http://www.wsws.org/en/articles/2013/08/31/chin-a31.html
William Ide, As US Strikes Syria, China Sees Parallels at Home, Voice Of America, 11/7/2014.
http://www.voanews.com/content/as-us-strikes-syria-china-sees-parallels-at-home/2459188.html
Dingding Chen, It's Still a Good Idea for China to Send Troops to Fight ISIS, The Diplomat, 16/9/2014.
http://thediplomat.com/2014/09/its-still-a-good-idea-for-china-to-send-troops-to-fight-isis/
26- علي حسين باكير، سور القلق العظيم: الصين وتحديات الثورات في العالم العربي، مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية-فصلية مدارات استراتيجية، عدد مايو/أيار-يونيو/حزيران 2011.
27- انظر:
MATT SCHIAVENZA, Who Won the Iraq War? China, The Atlantic,22/3/2013.
http://www.theatlantic.com/china/archive/2013/03/who-won-the-iraq-war-china/274267/

ABOUT THE AUTHOR