قمة الدوحة الخليجية: مراجعة السياسات ومواجهة التحديات

يبدو من خلال انعقاد القمة الخليجية في مكانها وزمانها، ومن النتائج التي خلصت إليها، أن القادة الخليجيين قد رجَّحوا منهج الواقعية البراغماتية، وتركوا وراء ظهورهم خلافاتهم البينية، للتركيز على درء مخاطر التهديدات الأمنية التي تحدق بالمنطقة، لاسيما أن تغيرات جيوبوليتيكية عديدة تحاصر منطقة الخليج العربي.
20141211143422464734_20.jpg
القادة الخليجيون خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال القمة الخليجية الخامسة والثلاثين في الدوحة 9 ديسمبر 2014  (الأوروبية)

ملخص
جاء انعقاد قمة الدوحة الخليجية في وقت تشتد فيه التهديدات الأمنية التي تواجهها المنطقة العربية بشكل عام، وبعد توصل دول المجلس إلى صيغ توافقية لحل الأزمة الدبلوماسية التي اعترضت علاقات عدد من بلدانه خلال العام الحالي 2014، ترجيحًا لمنطق مصالح دول المجلس، وتأكيدًا على أنَّ الخلافات بين الدول الخليجية في التعاطي مع بعض الملفات السياسية الإقليمية لا يمكن أن تؤدي بأية حال من الأحوال إلى خلافات تنعكس على قطاعات اقتصادية أو مجتمعية تمس مصلحة شعوب الدول الخليجية نفسها.

ويُستخلص من انعقاد القمة الخليجية في مكانها وزمانها المحددين ومن النتائج التي خلصت إليها، أن القادة الخليجيين قد رجَّحوا منهج الواقعية البراغماتية، وتركوا وراء ظهورهم خلافاتهم البينية، للتركيز على درء مخاطر التهديدات الأمنية التي تحدق بالمنطقة، لاسيما أن تغيرات جيوبوليتيكية عديدة تحاصر منطقة الخليج العربي شمالاً (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا)، وجنوبًا (جماعة الحوثي واستيلاءها على مفاصل الدولة اليمينة)، وشرقًا (الجارة إيران ومفاوضاتها مع الغرب دون إغفال أهمية مضيق هرمز)، وغربًا (قضايا الأمن التي تتعلق بمضيق باب المندب، وتهديدات القرصنة البحرية، والنزاعات في دول القرن الإفريقي المطلة على الضفة الغربية للبحر الأحمر).

مقدمة

انعقدت في الدوحة يوم الثلاثاء الموافق للتاسع من شهر ديسمبر/كانون الأول 2014، القمة الخليجية الخامسة والثلاثين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وسط أجواء إيجابية بين الدول الخليجية بعد التوصل إلى تسوية الخلاف بين دولة قطر من جهة والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جهة أخرى، وذلك كنتيجة لقمة الرياض التشاورية التي عُقدت في السادس عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2014، والتي أدت إلى عودة سفراء الدول الثلاث إلى الدوحة قبل موعد انعقاد القمة الخليجية، ما يمكن عدُّه مؤشرًا على ذوبان الجليد الذي استمر زهاء ثمانية الأشهر بين العواصم الخليجية الأربع.

ويأتي انعقاد هذه القمة الخليجية في وقت تشتد فيه التهديدات الأمنية التي تواجهها المنطقة العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، لاسيما بعد تمدد ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية شمالاً في كل من العراق وسوريا، وتوسع الأراضي التي يسيطر عليها، وكذلك بعد إحكام جماعة الحوثي جنوبًا في اليمن قبضتها على عدد من مفاصل الدولة اليمنية في العاصمة صنعاء كما في مدن أخرى، دون إغفال سيرورة المفاضات الإيرانية حول برنامجها النووي مع الغرب أو ما بات يُعرف إعلاميًّا بمجموعة 5+1 والتي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، وما قد يترتب عنها من نتائج قد لا تكون بالضرورة في مصلحة دول الجوار، بل وقد تؤدي إلى تغيير معادلة التوازنات في المنطقة.

مواجهة التحديات

إن من أهم النتائج التي خلصت إليها قمة الدوحة الخليجية كما جاء في البيان الختامي "تأسيس مرحلة جديدة في العمل الجماعي بين دول المجلس لمجابهة التحديات التي تواجه أمنها واستقرارها، والتي تتطلب منها سياسة موحدة تقوم على الأسس والأهداف التي تضمَّنها النظام الأساسي لمجلس التعاون، وضرورة العمل الجماعي المشترك في جميع أوجهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية والإعلامية وغيرها من المجالات الأخرى، بما يخدم مسيرة المجلس ومكتسباته التي تحققت، والعمل على تطوير منظومة العمل الخليجي المشترك بكاملها على نحو يكفل لها مواجهة التحديات المشتركة التي تتطلبها تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، ويجعلها تسهم بفعالية في رسم مستقبل أفضل لشعوب دول المجلس، مع ضرورة دعم تلك المنظومة وتوفير كل الإمكانات اللازمة لتطوير أدائها وأساليب عملها بما يتوافق ومعطيات العصر ومواكبة ما تفرضه المتغيرات الإقليمية والدولية".

إذًا، يبقى الهاجس الأمني بمثابة التحدي الأول لدول مجلس التعاون الخليجي، عليه يمكن استنتاج أن توصل دول الخليج إلى صيغ توافقية لحل الأزمة الدبلوماسية التي اعترضت علاقات عدد من دولها خلال العام الحالي 2014، ما هو إلا ترجيح لمنطق مصالح دول المجلس، وتأكيد على أنَّ الخلافات بين الدول الخليجية في التعاطي مع بعض الملفات السياسية الإقليمية لا يمكن أن تؤدي بأية حال من الأحوال إلى خلافات تنعكس على قطاعات اقتصادية أو مجتمعية تمس مصلحة شعوب الدول الخليجية نفسها.

التعاون يعلو الخلاف

إن استضافة دولة قطر للقمة الخليجية الخامسة والثلاثين في موعدها، يؤكد على أنَّ قواسم التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي تسمو فوق نقاط الخلاف التي قد تعتري علاقات دول المجلس بين الفينة والأخرى. إن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل أكثر من ثلاثة عقود قام على مبادئ تعاون حكوماته وشعوبه لتحقيق أمنه ورفاهيته.

من هنا، جاء تأكيد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على أن الخلاف بين الدول الخليجية في تقدير المواقف من بعض القضايا لا ينبغي له أن يؤثر سلبًا على آليات التعاون المؤسسي بين دول المجلس، وإلا فإنَّ ذلك يعني عدم نجاح دول المجلس في إرساء أسس متينة لعلاقاتها.

يمكن استخلاص عزم دول المجلس على تعزيز مفهوم قد ساد بعد انطلاقة ما بات يُعرف بثورات الربيع العربي قبل أربع سنوات، وهو أن مجلس التعاون الخليجي هو المنظومة الفاعلة في الساحة العربية والمؤثرة في الساحة الدولية، والتي يمكن أن تُحتذى كمثال في المناطق الأخرى التي تسعى لتشكيل كيانات إقليمية فاعلة.

لقد أكَّد القادة الخليجيون على أن ما يجمع شعوبهم أكبر وأعمق مما يمكن أن يفرقهم؛ فالشعب الخليجي هو شعب تجمعه العادات والتقاليد واللغة والدين، كما تجمعه المصالح ووحدة المصير المشترك؛ لذا فإنَّ ضمان أمن واستقرار دوله لا يتحقق إلا بالتعاون وطي صفحة أي خلاف قد يطرأ على علاقات دوله.

القضايا العربية والإقليمية

بحث القادة الخليجيون في قمة الدوحة عددًا من القضايا العربية والإقليمية التي تعكس ظلالها على أمن منطقة الخليج؛ حيث كان من أهم الملفات التي تم التطرق إليها: الأزمة في سوريا التي اقتربت من دخول عامها الرابع؛ حيث تمَّ التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء معانات الشعب السوري الذي نال منه القتل والتشريد الكثير، مع ضمان حق الشعب السوري في الدفاع عن نفسه في ظل غياب الحل الدبلوماسي.

كما تطرق المجتمعون إلى بحث قضايا فرضها الوضع الراهن في عدد من الدول العربية كاليمن والعراق وليبيا، حيث تحتدم المعارك السياسية والعسكرية بين مجموعة من الفاعلين والقوى في تلك الدول، ودعا المجتمعون جميع الأطراف لتغليب منهج العقلانية والواقعية لتحقيق المصالحة الوطنية في هذه الدول، دون إقصاء أي مكون سياسي أو مجتمعي من الدخول في العملية السياسية.

من ناحية أخرى، فقد أخذ الإرهاب نصيبه من محادثات القادة الخليجيين، وشدَّد أمير دولة قطر الشيخ تميم ابن حمد آل ثاني في الكلمة التي ألقاها خلال افتتاح أعمال القمة على أنَّ "الاضطهاد والقمع وسدَّ آفاق الأمل يقود إلى العنف"، ودعا إلى تجنيب المجتمعات العربية "آفة التطرف والإرهاب" كما أسماها، بالوقاية قبل العلاج.

نتائج القمة الخليجية

كان من أهم النتائج التي أبرزها البيان الختامي لأعمال القمة ما يلي:

  • وجَّه قادة مجلس التعاون الخليجي في ختام أعمال قمتهم التي عُقدت في الدوحة مؤخرًا باستمرار المشاورات لتحقيق مشروع الاتحاد الخليجي الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية، وأشار البيان الختامي إلى ضرورة الاستمرار في تفعيل خطوات التكامل بين دول المجلس في شتى المجالات.
  • وافق القادة الخليجيون على إنشاء قوة الواجب البحري الموحدة، وعبَّروا عن "ارتياحهم وتقديرهم للإنجازات والخطوات التي تحققت لبناء القيادة العسكرية الموحدة" التي يسعون إلى إنشائها على غرار قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو".
  • جدَّد المجلس "تأكيده المواقف الثابتة لدوله بنبذ الإرهاب والتطرف، بكل أشكاله وصوره، ومهما كانت دوافعه ومبرراته وأيًّا كان مصدره، وتجفيف مصادر تمويله".
  • رحَّب المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2170 الذي "يدين انتشار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من قبل المجموعات الإرهابية بما فيها المجموعات الإرهابية في العراق وسوريا"، ويفرض عقوبات على الأفراد المرتبطين بهذه المجموعات.
  • جدَّد المجلس "مواقفه الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى، والتي شدَّد عليها كل البيانات السابقة". ودعا البيان الختامي إيران إلى الاستجابة لـمساعي الإمارات العربية المتحدة لحل قضايا الخلافات الحدودية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، مؤكدًا "أهمية التعاون بين دول المجلس وإيران على أسس ومبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، ونوَّه بالجهود التي "تبذلها سلطنة عمان لتسهيل وصول مجموعة دول 5+1 وإيران للاتفاق على البرنامج النووي الإيراني"، معربًا عن أمله في أن "يُفضي تمديد المفاوضات إلى حلٍّ يضمن سلمية البرنامج، آخذًا في الاعتبار المشاغل البيئية لدول المجلس، وداعيًا إلى خُلوِّ المنطقة من أسلحة الدمار الشامل".
  • التأكيد على أنَّ "السلام الشامل والعادل والدائم لا يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية"، ودان القادة الخليجيون "الاعتداءات الوحشية المتكررة التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلية والمتطرفون الإسرائيليون ضد المواطنين الفلسطينيين العزل، والمقدسات الدينية وأماكن العبادة".
  • إدانة "أعمال العنف التي قامت بها جماعة الحوثيين في اليمن، والاستيلاء على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية"، واعتبر ذلك "خروجًا على الإرادة الوطنية اليمنية، كما تمثلت في مخرجات الحوار الوطني، وتعطيلاً للعملية السياسية الانتقالية في اليمن"، وطالب "بالانسحاب الفوري للميليشيات الحوثية من كل المناطق التي احتلتها".
  • في الشأن العراقي فقد رحَّب المجلس بـ"التوجهات الجديدة للحكومة العراقية"، ودعا إلى "تضافر الجهود لتعزيز الشراكة الوطنية، بما يُسهم في تحقيق أمن العراق واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه"، وجدَّد دعمه "قرار مجلس الأمن إحالة ملف الأسرى والمفقودين وإعادة الممتلكات الكويتية إلى بعثة الأمم المتحدة".
  • أدان المجلس "تحكم المليشيات وسيطرتها على الساحة الليبية"، مؤكدًا "أهمية أمن ليبيا واستقرارها ووحدة أراضيها"، ودعا الأطراف الليبية إلى "دعم الشرعية المتمثلة في مجلس النواب المنتخب".
  • الدعم التام لجمهورية مصر العربية حكومةً وشعبًا، ودعم برنامج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؛ حيث أكد البيان الختامي لقمة الدوحة الخليجية "مساندة دول المجلس الكاملة ووقوفها التام مع مصر حكومة وشعبًا في ما يحقق استقرارها وازدهارها".

خاتمة

نستخلص من انعقاد القمة الخليجية في مكانها وزمانها المحددين ومن النتائج التي خلصت إليها، أن القادة الخليجيين قد رجَّحوا منهج الواقعية البراغماتية، أحد مناهج العلوم السياسية التي تحكم العلاقات الدولية البينية، وتركوا وراء ظهورهم خلافاتهم البينية، للتركيز على درء مخاطر التهديدات الأمنية التي تحدق بالمنطقة، لاسيما أن تغيرات جيوبوليتيكية عديدة تحاصر منطقة الخليج العربي شمالاً (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا)، وجنوبًا (جماعة الحوثي واستيلاءها على مفاصل الدولة اليمينة)، وشرقًا (الجارة إيران ومفاوضاتها مع الغرب دون إغفال أهمية مضيق هرمز)، وغربًا (قضايا الأمن التي تتعلق بمضيق باب المندب، وتهديدات القرصنة البحرية، والنزاعات في دول القرن الإفريقي المطلة على الضفة الغربية للبحر الأحمر).

إن اختلاف وجهات النظر بين الدول الخليجية تجاه قضايا وملفات إقليمية بعينها، لا يعني بالضرورة اختلافًا بين ثوابت محددات سياسات دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث أثبتت التجربة أن ما يجمع هذه الدول أكبر بكثير مما يفرقها.

أخيرًا لا آخرًا، يمكن القول بأن الخلافات قد تكون مفيدة في وقت ما لأنها تسمح بالتوقف من أجل المراجعة، ومن ثَمَّ العمل على تأسيس انطلاقة جديدة لمسيرة تعاون تكون أقوى مما كانت عليه من قبل.
____________________________________
د. جمال عبد الله - باحث مختص بالشأن الخليجي

المصادر
• صحيفة الحياة http://alhayat.com/Articles/6166580 /القمة-الخليجية-تؤسس-مرحلة-مواجهة-التحديات
• صحيفة القدس العربي http://www.alquds.co.uk/?p=262761
• صحيفة الشرق الأوسط http://www.aawsat.com/home/article/239856/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D9%82%D8%B1-%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D9%88%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%A9
• صحيفة العرب القطرية  http://www.alarab.qa/content/pdf/12201410300.pdf

انتهى

ABOUT THE AUTHOR