مرشح المعارضة النيجيرية محمدو بوخاري يفوز على غريمه المتنحي جوناثان غودلاك (أسوشيتد برس) |
ملخص السياسات في نيجيريا تشوهت عبر السنين بالانقلابات والفساد؛ فالانتخاب الأخير لمحمدو بخاري يؤشر على وجود عهد مغاير في السياسات النيجيرية؛ حيث إنها المرة الأولى في تاريخ نيجيريا التي ينجح فيها مرشح من زمرة المعارضة في الانتخابات. وعلاوة على ذلك، فمن أبرز ما يمكن ملاحظته سلاسة تسليم السلطة من طرف الرئيس المنتهية ولايته بصفة سلمية لغريمه الرئيس المنتخب. يلقي هذا المقال نظرة خاطفة على خلفية الرئيس الجديد والتحديات التي يواجهها حيث إن نيجيريا تنتهج سياسة جديدة وتحقق انتعاشًا اقتصاديًّا خاصة وأنها ورثت اقتصادًا يتصف بالركود بالإضافة إلى الفساد المستشري في أغلبية كتل الحكومات النيجيرية، ولا شك أن الاقتصاد النيجيري مستمر في النمو، لكن النمو الاقتصادي لم يستطع أن يتناسب مع الكمِّ البشري الكبير لهذه الدولة. وسيكون الملف الأمني أكبر تحد لحكومة بوخاري فنجاح هذه الحكومة سيتحدد بمدى بنجاحها في التصدي للتهديد الأمني الذي تمثله بوكو حرام. ومعروف أن الجيش النيجيري كان قد حقق مكاسب ميدانية ضد مقاتلي بوكو حرام، إلا أن الحكومة السابقة في عهد الرئيس غودلاك ظل تعاملها مع جماعة بوكو حرام يتسم بكثير من السلبية لذلك تصبح حكومة بوخاري الجديدة أمام تحد أمني قوي. |
مقدمة
إن تحديات ما بعد الاستعمار تواصل تأثيرها على النمو في الكثير من الدول الإفريقية؛ حيث إن الأفظع من بين هذه التحديات هو تدني التعليم وارتفاع نسبة البطالة خاصة في صفوف الشباب. وللأسف في أغلبية الدول الإفريقية يتم استخدام الموارد اللازمة لمعالجة هذه التحديات في أغراض سياسية شخصية؛ فالسياسيون الأفارقة يميلون إلى استغلال أغلب الأوقات والمصادر في إطالة أعمار مناصبهم السياسية والحفاظ عليها عوضًا عن تحسين عملهم في فترة التفويض السياسي الذي انتُدبوا من أجله. وقد قادهم اهتمامهم بالبقاء على قيد الحياة السياسية إلى الابتعاد عن المشاريع الحيوية مثل التعليم والصحة إلى مسائل هامشية. ونتيجة لذلك لا تزال غالبية الدول تُصنَّف على أنها في غاية الاحتياج لأساسيات التنمية البشرية كالتوظيف والتعليم والصحة. فعدم القدرة على تلبية هذه المتطلبات يفاقم العلِل السوسيوسياسية في إفريقيا.
نيجيريا -الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في إفريقيا- تتحمل العبء الأكبر من هذه التحديات؛ حيث تم انتقاد الرئيس غودلاك جوناثان لعدم إعطائه الأولوية للمشاكل الاجتماعية الكبرى في نيجيريا، كما أظهر حُكمه عدة عيوب في مسألة التصدي للإرهاب: الفساد وعدم التوزيع العادل للخدمات الحكومية الأساسية، وحُجَّة الكثيرين في ذلك أن الفشل الذريع في التعامل مع هذه التحديات يسهم في جرِّ العديد من النيجيريين -وخصوصًا الشباب- إلى الجريمة، وإلى منظمة بوكو حرام الإرهابية.
الرئيس جوناثان الذي وصل -بطريقة ما- إلى السلطة عن طريق الحظ، قاد البلاد لفترة 10 سنوات تقريبًا، وجاء صعوده إلى السلطة في عام 1999 بينما كان نائبًا لحاكم بايليسا التي خلف حاكمها ديبري أبمييسيكا الذي عُزل قبل أن يتم خلعه من منصبه فيما بعد.
انتهت إدارة غودلاك جوناثان لبايليسا في العام 2005 بعد انتخابه نائبًا لرئيس الحكومة الفيدرالية لنيجيريا مباشرة بعد وفاة الرئيس عمر يادووا سنة 2010؛ حيث تم تمرير مذكرة من طرف مجلس الشيوخ النيجيري الذي أعلن جوناثان غودلاك رئيسًا بالوكالة لنيجيريا. أُجريت الانتخابات في العام 2010 وتم انتخاب غودلاك جوناثان رئيسًا لاتحاد الولايات النيجيرية، وفترة حكمه ستبقى عالقة في الأذهان لبرهة من الزمن فيما يتعلق بمسألة فشل قيادته في تحرير أكثر من مائتي فتاة اختُطفت من مدرسة شيبوك بوردرين في ولاية بورنو بنيجيريا.
إن هزيمة جوناثان غودلاك من قِبل محمدو بخاري، البالغ من العمر 72 عامًا، في الانتخابات الأخيرة لم تكن مفاجأة للكثير من المتابعين للشأن السياسي في نيجيريا على مدى الأعوام الماضية؛ فمشاركة محمدو بخاري في السياسة ليست بالجديدة فهو مثل الكثير من القادة السابقين ينحدر من المؤسسة العسكرية، بيد أنه مع ذلك أكثر شهرة على الساحة الدولية بقيادته لانقلاب عسكري سنة 1983 في نيجيريا، وقد خاض الانتخابات في 2010 وخسرها أمام جوناثان غودلاك.
كان فوزه في الانتخابات الأخيرة نتيجة لمزيج من الأشياء، البعض منها تم ذكره في الفقرات أعلاه، وهناك أيضًا: فشل حكومة الرئيس غودلاك في المعالجة الفعالة للإرهاب والفساد وارتفاع معدلات البطالة وخاصة في صفوف الشباب النيجيري. ثانيًا: الكثير من النيجيريين ينظر إلى خلفية محمدو بخاري الإسلامية والعسكرية على أنها تشكِّل مفتاح النجاح في مكافحة الإرهاب.
العهد الجديد في السياسات النيجيرية
إن الحكومة الجديدة لديها فرصة كبيرة للقيادة في هذا الصدد عن طريق تثبيت آليات لمحاربة الطائفية بل والقضاء عليها مع أن استمرار استقطاب الشعب النيجيري على أسس دينية لا يزال يشكِّل تحديات كبيرة. ومع ذلك، ولكي تنجح نيجيريا في هذا الصدد يجب على الحكومة الجديدة أن تُظهر جديتها في تقديم الخدمات الأساسية بطريقة عادلة لكل النيجيريين، والكف عن إعطاء الأولوية للدوائر الخاصة بها. علاوة على ذلك يجب على محمدو بخاري أن يكون حذرًا عند تشكيل حكومته الجديدة، فينبغي عليه أن يكون حازمًا وأن يتجنب المأزق الذي ما زال يتخبط فيه الكثير من الدول الإفريقية، ألا وهو التعيينات السياسية في المناصب التي تحتاج لمهارات فنية معينة. يجب تشكيل حكومة مؤهلة ومخلصة إن أراد الرئيس الجديد وضع حدٍّ للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لنيجيريا ومن ثم القضاء عليها.
وفضلًا عن ذلك، فإن البلاد قد حقَّقت ما بدا أنه لم يكن متصورًا، فالانتقال الإيجابي والسلس للسلطة يوحي بوجود عهد جديد في نيجيريا لم يعرفه التاريخ السياسي لهذا البلد من قبل، ومن هنا يمكن استخدام هذا التحول الجديد كمقياس لدخول نيجيريا مرحلة سياسية جديدة. إن هذه أيضًا هي المرة الأولى التي يحرز فيها مرشح من طيف المعارضة فوزًا في الانتخابات، فمحمدو بخاري هزم غودلاك جوناثان بفارق واضح؛ فحسب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات فإن بخاري حصل على 15.424.929 صوتًا والرئيس غودلاك على 12.853.162 من الأصوات.
ما هي المجالات الملحة للتدخل التي يجب على الحكومة المقبلة معالجتها من أجل الحصول على انتعاش إيجابي وسياسي واقتصادي في نيجيريا؟ سوف ترث الحكومة المقبلة اقتصادًا راكدًا بالإضافة إلى آفة الفساد المتغلغل في أغلبية كتل الحكومات في نيجيريا. على الرغم من أن الاقتصاد مستمر في النمو، لكن النمو الاقتصادي لم يستطع أن يتناسب مع الكمِّ البشري الكبير. وتبقى الثروة مرتكزة بين مجموعات صغيرة جدًّا من الأشخاص أغلبيتهم لديهم علاقات سياسية قوية، وطبقًا للإحصائيات التي أُجريت في 2012 فإن البطالة في صفوف الشباب تزيد على خمسين بالمائة.
وكما قيل فإنه من الإنصاف القول إن غودلاك ترك بيئة اقتصادية مستقرة نسبيًّا تسير في تحول يشجع على الأعمال التجارية، والأهم من ذلك هو أن نيجيريا أصبحت في فترة حكمه تشكِّل أكبر اقتصاد في إفريقيا بغضِّ النظر عن حالة جنوب إفريقيا. يبقى أنه من الصعب أن تتعامل الحكومة الجديدة في الأيام الأولى مع الإرهاب، فنجاح الحكومة الجديدة سيتحدد بمدى الفعالية التي ستتصدى بها للتهديد الأمني الذي تمثله بوكو حرام. وعلى الرغم من أن الجيش النيجيري أحرز مؤخرًا مكاسب ضد مقاتلي بوكو حرام، فإن جوناثان لم يتعامل أبدًا، بطريقة حاسمة ضد المتطرفين الإسلاميين، الذين أعلنوا دولة الخلافة في المناطق الشمالية من البلاد.
لقد قتل مسلحو بوكو حرام في السنة الماضية عشرة آلاف شخص وأرغموا مليونًا ونصف المليون على الهروب نحو جنوب نيجيريا والدول المجاورة لها. علاوة على ذلك، فإن الاستعداد للعمل مع الدول الأخرى في المنطقة حول مكافحة الإرهاب سيكون هو الآخر حلًّا؛ فحكومة جوناثان غودلاك اتُّهمت بالتباطؤ في هذا الصدد. ومحمدو بخاري قد جلب معه العناصر اللازمة للنجاح في الحد من نفوذ بوكو حرام. إن خلفيته الإسلامية، وتقاربه وتفاهمه مع مناطق تهيمن عليها بوكو حرام سيساعده في هذا المسار، فضلًا عن ذلك ستكون خلفيته العسكرية ميزة إضافية.
في النهاية، سيستمر مرض إيبولا لبعض الوقت وهو يشكِّل تهديدًا لاستقرار المنطقة، وإيبولا لم يتم القضاء عليه بصفة تامة في المنطقة, حيث إن عدة دول ما زالت تحارب هذا الوباء. وبالتالي، فإن نيجيريا لن تكون أبدًا خالية من فيروس إيبولا حتى يتم القضاء عليه في المنطقة بصفة نهائية. علاوة على ذلك، فإن فشل تنسيق الأنظمة القائمة في المنطقة في التعامل مع إيبولا، يجعل من الواجب إدخال تحسينات إن كانت هناك إرادة لوقف انتشار الوباء؛ ففي المناطق الحدودية شعوب تنتمي في الغالب لنفس القبيلة وتتحدث نفس اللهجة المحلية، إلا أن ضعف السيطرة على الحدود يجعل الكفاح ضد إيبولا في نيجيريا مثلا أمرًا صعب المنال. وقد كانت الحكومة الفيدرالية قد سارعت في السابق إلى الإعلان عن أنها خالية من إيبولا ما لم يتم فيها اكتشاف المزيد من الحالات في المستقبل.
__________________________________
تمبيسا فاكودي - باحث بمركز الجزيرة للدراسات.
ملاحظة: ترجم النص الأصلي إلى العربية: محمد النما الشيخ - إعلامي ومترجم موريتاني.
مراجع
• اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، http://www.inecnigeria.org/?page_id=31
• Omoh Gabriel, الشباب العاطل عن العمل 50% —Mckinsey & co; http://www.vanguardngr.com/2015/01/youth-unemployment-nigeria-50-mckinsey-co/#sthash.qHwcL1gs.dpuf
• الرئيس النيجيري الجديد يتعهد بسحق بوكو حرام http://www.usatoday.com/story/news/world/2015/04/01/nigeria-election-buhari-profile/70769892/
• أسوشيتد برس, المتطرفون النيجيريون يشكِّلون تهديدًا إقليميًّا
Associated Press, Nigerian extremists pose regional threat; http://www.nytimes.com/aponline/2014/12/21/world/africa/ap-af-nigeria-violence.html