أكراد سوريا: ضبط الاحتجاجات على الساعة الوطنية

مشاركة الكرد في الاحتجاجات بسورية محدودة لكنها بدأت تتسع، وتندرج في سياق أجندة المطالب الوطنية.
16 April 2011




 


 


 


 


 


 


 


 


 


مركز الجزيرة للدراسات


كانت مشاركة الكرد في الاحتجاجات الجارية بسوريا محدودة، لكنها بدأت تتسع مع الوقت، حيث عرفت مدن شمال شرق سورية، التي يشكل الكرد معظمها، في الجمعة الأخيرة، تظاهرات للأسبوع الثاني، إلا أن هناك عقبات تقف أمام حراك الكرد، منها المطالب الخاصة بهم، ومساعي السلطات لكسبهم، وانقسامهم بين المطالبين بالحقوق السياسية في ظل الدولة السورية والمطالبين بقومية مستقلة.

بدأت الاحتجاجات بسوريا قبيل عيد النيروز، العيد القومي للكرد، بنحو أسبوع. وبلغت أولى ذراها في درعا ليلة 18 مارس/ آذار. لكن مر يوم النيروز أهدأ من أي نيروز آخر سبقه. كان واضحا أن السلطات سعت إلى استرضاء الكرد تجنبا لمشاركتهم في الاحتجاجات، ومن باب تشتيت صفوف خصومها. وبعد وقت قليل، في الأسبوع الأول من أبريل /نيسان الجاري، أعلنت السلطات عزمها اعتبار النيروز عيدا وطنيا سوريا بدءا من العام القادم، وعن نيتها إعادة الجنسية للمحرومين منها، ليكونوا "عربا سوريين" مثل غيرهم. لكن هذه الوعود بذلت لوجيه عشيرة كردي، لا لممثلين من القيادات السياسية.





شهد اليوم التالي، الجمعة 8 أبريل /نيسان، أول مشاركة كردية في الاحتجاجات الشعبية في البلد. فلعل مزيجا من عدم الثقة بوعود السلطات، ومن الاستياء من حصر المطالب الكردية في منح الجنسية للمحرومين منها، ومن ما تثيره الأجواء الثورية في البلاد من رغبة في الخروج والمشاركة عند الجيل الشاب

مع ذلك، فقد شهد اليوم التالي، الجمعة 8 أبريل /نيسان، أول مشاركة كردية في الاحتجاجات الشعبية في البلد. فلعل مزيجا من عدم الثقة بوعود السلطات، ومن الاستياء من حصر المطالب الكردية في منح الجنسية للمحرومين منها، ومن ما تثيره الأجواء الثورية في البلاد من رغبة في الخروج والمشاركة عند الجيل الشاب بخاصة، ومن تطلّع إلى المشاركة في صنع مستقبل البلاد، كل ذلك يحتمل أنه دفع إلى المشاركة.

لكن المشاركة الكردية كانت محدودة نسبيا قياسا إلى الطاقة الاحتجاجية الكامنة في وسطهم. ولعل للأمر صلة بتلك المسافة المتفاوتة من عدم الوضوح بين المطالب الكردية والمعارضة العربية.

الكرد يشكلون نحو 10% من السوريين الذين كان عددهم 23 مليونا عام 2009. وهم يتوزعون على أقصى الشمال الشرقي، محافظة الحسكة حيث يحتمل أنهم يشكلون أكثرية مطلقة، وعلى مناطق في غرب حلب وجنوبها الشرقي، وفي بعض ريف محافظة الرقة. هذا فضلا عن تواجد كردي قديم، منذ أيام صلاح الدين الأيوبي، في دمشق. فضلا أيضا عن تواجد حديث في العديد من المدن السورية.

من مظالم الكرد ما هو سياسي، متصل بالأوضاع السورية، التي لا توفر لعموم السوريين غير قدر متواضع من الحريات والحقوق.
لكن أهم تلك المظالم قديم و"بنيوي"، متأصل في المفهوم البعثي لسورية كـ"قطر عربي"، لا اعتبار فيه لغير العرب. ومن هنا تولدت مشكلة قطاع من المحرومين من الجنسية السورية. رغم أن الحرمان فرض عام 1962، قبيل الحكم البعثي، لكنه تصاعد بعد ذلك.

ومن المنبع نفسه نشأت مشكلة "الحزام العربي"، أي إقامة قرى عربية على الحدود السورية التركية، على حساب أراض كان يملكها فلاحون أكراد، علاوة على عدم الاعتراف بوجود جماعة قومية أخرى في البلاد، لها أن تتعلم لغتها وتطور ثقافتها ويُعترّف بشخصيتها المستقلة.

على أن سياسات النظام الفعلية حيال الأكراد كانت عموما، وفي أيام الرئيس حافظ الأسد بخاصة، أكثر براغماتية وأقل تشددا، مما تعلنه الإيديولوجية البعثية. لكن خصومة النظام حينها مع نظام صدام في العراق، وعلاقته الوثيقة مع حزب العمال الكردستاني الذي ظل زعيمه عبد الله أوجلان ضيفا معززا في دمشق حتى عام 1998، جعلتا وضع الكرد السوريين غريبا.

فهم "حلفاء" سياسيون للنظام مع بقائهم غير معترف بهم كقومية وثقافة خاصة. ولقد حرص النظام فوق ذلك على تمزيق قواهم السياسية إلى أقصى حد، فهناك اليوم 11 حزبا كرديا سوريا على الأقل، وظل مثابرا كذلك على اعتقال ناشطين كرد، وإن لم يكن وفق المنهج الراديكالي الذي عوملت به المعارضة السياسية العربية.

بعد اضطرار النظام إلى التخلي عن أوجلان، ثم سقوط نظام صدام عام 2003، اتجه وضع الكرد السوريين السياسي إلى مطابقة وضعهم البنيوي: جماعة قومية غير معترف بها ومهمشة سياسيا. وعلى هذا النحو تحول الكرد إلى معارضة النظام سياسيا فوق معارضتهم التاريخية له بنيويا.

في ربيع 2004، وبعد مشكلة محدودة تلت مباراة كرة قدم، أساءت السلطات المحلية التعامل معها، تفجرت "انتفاضة" كردية في القامشلي، امتدت في معظم أرجاء محافظة الحسكة، وإلى حيث يوجد الكرد في سورية. في المحصلة قتل نحو30 معظمهم من الكرد، وأعتقل وعذب عدد غير محدد.

وفي خريف عام 2005، كان طبيعيا أن تجد أكثر التنظيمات السياسية الكردية نفسها شريكا في ائتلاف "إعلان دمشق" المعارض. لكن تجذر الاعتراض الكردي على النظام، لأنه يفتقر إلى آليات سياسية تعوض التمييز البنيوي من جهة، وصعود وضع أبناء قومهم في شمال العراق من جهة أخرى، جعل الساحة الكردية السورية في وضع استقطابي.





الواقع أن كل كردي سوري فرد يتجاذبه التطلعان معا. فهو يصبو إلى أن يكون مواطنا سورية مساويا لغيره، ولديه تطلعه القومي الكردي الذي يضعه على قدم المساواة مع العربي والتركي والإيراني.

ثمة من جهة كرد وطنيون سوريون يتطلعون إلى المساواة الفردية والجماعية في نطاق الوطن السوري، ومن جهة أخرى "كردستانيون" يتطلعون إلى الانفصال عن الدول الحالية (سورية والعراق وتركيا وإيران) وإقامة دولة كردية كبرى واحدة. وهم في الواقع نظراء للقوميين العرب التقليديين، أو لنقل هم "بعثيون" أكراد.

لدى الجناح الأول، الوطنيين السوريين، مشكلة مع السلطات السورية ومع إيديولوجيتها العروبية الاستبعادية ومؤسساتها، فيما لدى الجناح الثاني مشكلة مع العرب بالذات. والواقع أن كل كردي سوري فرد يتجاذبه التطلعان معا. فهو يصبو إلى أن يكون مواطنا سورية مساويا لغيره، ولديه تطلعه القومي الكردي الذي يضعه على قدم المساواة مع العربي والتركي والإيراني.

في المجمل يصعب القول إن الكرد السوريين مجرد قوة معارضة للنظام. لديهم مطالب تخصهم، يظن كثيرون منهم أن مجمل النخب السياسية العربية لا تتفهمها أو لا تتفهم غير جانب منها. لذلك، رغم تطور لا شك فيه في العلاقات بين الطرفين، ورغم تقاربهما السياسي المهم، هناك مسافة ما لا تزال بينهما.

ويمكن أن تكون هذه الاحتجاجات إذا أدت إلى إصلاحات تعلي من شأن المواطنة والقانون أن تجذب إليها قطاعا أكبر من الكرد يثق أن مصالحه وتطلعاته تتحقق داخل سوريا فلا يعود بحاجة إلى التطلع خارجها.